عودة سوريا إِيذَانٌ بتشكُّلِ شرقٍ أوسطيٍّ جديدٍ

بقلم: توفيق المديني

لا تزال عودة سوريا إلى احتلال موقعها الطبيعي في جامعة الدول العربية ، ومشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في جدة، موضوع جدل كبير في الأوساط الأمريكية و الأوروبية المعادية للدولة الوطنية السورية.
مصدرالعداء الرئيس هو الولايات المتحدة الأمريكية ،إذْ ترى إدارة بايدن أنَّه بعد مضي سنوات الحرب الأهلية المدمرة والاستقطاب الجيوسياسي بين أمريكا وحلفائها الإٌقليميين من الكيان الصهيوني وتركيا ودول الخليج من جهة ، وروسيا وإيران من جهة أخرى،هاهي المملكة العربية السعودية ومعها العديد من الدول العربية يعملون على إنهاء الأزمة السورية من خلال إعادة تأهيل نظام الرئيس بشارالأسد على الصعيد الدولي،الأمر الذي ترفضه واشنطن ومعها العواصم الأوروبية الرئيسية .
دوافع العداء الأمريكي للتطبيع مع سوريا
المعزوفة القديمة-الجديدة تتكرَّر في نقد الرئيس الأسد بالنسبة لأعدائه ،حيث وجّه أسلحته إلى شعبه وقصف المدن السورية، وأطلق العنان للأسلحة الكيماوية على المدنيين، ناهيك عن مقتل مئات الآلاف من السوريين تحت حكمه، واختفاء عشرات الآلاف في سجون النظام، وتشريد الملايين بينما لا يزال معظم البلد الذي مزقته الحرب بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.وطيلة سنوات الحرب، خاضت الدولة الوطنية السورية الحرب الإيديولوجية أيضًا ضد النزعة العثمانية الجديدة ،التي استخدمها الرئيس التركي أردوغان،من خلال دعمه القوي للحركات الإرهابية والتكفيرية وأحزاب الإخوان المسلمين التي وصلت إلى السلطة في بعض البلدان العربية.
وفي قمة الدول السبع التي عقدت مؤخرًا بهيروشيما باليابان، و تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، أكَّد القادة الغربيون على دعمهم الكامل والمستمر لعمل منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية”، مشدِّدين على التزامهم بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات الكيمياوية في سوريا وملاحقتهم.
وبدا موقف المجموعة ردّاً على تطبيع العديد من الدول العربية مع سوريا ، وإعادتها إلى الجامعة العربية، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة الجمعة الماضي، بعد عزلة امتدت على مدى أكثر من عقد،وفرضت دول من المجموعة منذ عام 2011 عقوبات على سوريا أدت إلى تدهور اقتصادها، إلا أنً الرئيس الأسد يرفض التعاطي بشكل إيجابي مع جهود الأمم المتحدة للتوصل لحل سياسي للقضية السورية، وفق مرجعيات دولية أبرزها القرار 2254، الصادر في عام 2015، حسب الموقف الرسمي الأمريكي.
في 11 أيار/مايو الحالي، تقدم مشرعون أميركيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بمشروع قانون يطالب الإدارة الأميركية بعدم الاعتراف ببشار الأسد رئيساً لسورية، وتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على نظامه. ويحمل المشروع تحذيرًا واضحًا للدول التي تتقارب مع نظام الرئيس الأس ، خصوصاً تركيا والدول العربية، بأنها ستواجه عقوبات على خلفية هذا التقارب.
ويمنع مشروع القانون الحكومة الاتحادية الأميركية من الاعتراف بأي حكومة سورية بقيادة الأسد الذي يخضع لعقوبات أميركية، أو تطبيع العلاقات معها كما يوسع “قانون قيصر” الأميركي الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على سورية منذ 2020.ويأتي التشريع المقترح بعد أن طوت الدول العربية صفحة مواجهة استمرت سنوات مع الرئيس الأسد بالسماح للنظام السوري بالعودة لمقعده بجامعة الدول العربية، وهو منعطف مهم على طريق إعادة دمجه في المنطقة حتى مع استمرار الغرب في عدائه .
التطبيع مع سوريا تًمَرُّدٌ على السياسة الأمريكية
التفكير الجديد الذي بدأ يهيمن على الدول العربية،لا سيما الخليجية منها باستثناء قطر ، يتمثل في انتهاج سياسية جديدة تقوم على خفض التصعيد داخل منطقة الشرق الأوسط ، وإصلاح العلاقات مع القوة الإقليمية الصاعدة إيران ،والبحث عن مخرج من الحرب في اليمن، حيث تعطي الأولوية لخططها الطموحة للتنمية في الداخل.
ويرى المحللون الغربيون أنَّ المنطقة تتجه نحو تشكل شرق أوسط جديد،من خلال إعادة التأهيل السياسي للنظام السوري،وعودة علاقات سوريا الأسد مع العديد من الدول العربية ومنها؛ الإمارات، البحرين، الأردن، الجزائر، تونس، مصر والسعودية، بوصفها خطوةً لترسيم عودة سوريا لحضن الدول العربية التي باتت تطالب بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، ورغبة الدول الخليجية في حل الأزمات مع دول الجوار الجغرافي بقدر ما تستطيع بالأدوات المتاحة لها في أيديها. فقد دفع تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ،الدول الخليجية إلى أن تخفض خطر إيران عليها، من خلال سلسلة العلاقات والتهدئة، ومثال على ذلك؛ استئناف العلاقات الإيرانية – السعودية، إضافة إلى تنويع الشراكات مع الصين ، مثلما تعمل بعض الدول العربية كالسعودية .
تشكل هذه التغيرات التكتيكية والتحالفات الجديدة التي تطرأ على العلاقات بين الدول العربية لا سيما عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا نقطة تحول استرتيجي في خريطة الشرق الأوسط، فهناك مصلحة استراتيجية للإيرانيين في سوريا، ترتبط بمعظمها ب”إسرائيل”، كما أنَّ العلاقات مع إيران هي موضوع استراتيجي للدول العربية.وفي الآونة الأخيرة وقعت “المصالحة الكبرى” بين الرياض وطهران، علمًا بأنَّ الدعم السعودي لسوريا سيعزز هذه العلاقة، وزيارة الأسد ستغير ميزان القوى في الشرق الأوسط؛ فالطريق إلى الشرعية لم يعد يمر عبر القاهرة، بل عبر الرياض، والسعودية تموضع نفسها كقوة إقليمية رائدة للسياسة العربية في المنطقة، بسبب قوتها المالية،وتنوع شراكاتها الاسترايجية مع الدول العظمى الرئيسة في العالم.
أمَّا مصر،فإنَّها تحاول أن تبقى ذات صلة، وسبق أن أعلنت بأنَّها ستأخذ على عاتقها حملة إعادة بناء سوريا بعد سلسلة هزات أرضية، والإمارات ستمول معظم المشروع، وكل هذا يحصل بينما يحرص الرئيس الأسد على أن يلعب دور من لا ينثني أو مستعد لتقديم تنازلات في سبيل إعادة إعمار سوريا،وفي النهاية سوف “تلين” قطر بشأن موقفها من عودة سوريا لجامعة الدول العربية.
ويتابع الكيان الصهيوني عن كثب التطورات السياسية في المنطقة وخريطة المصالح كثيرة الأذرع، التي يوجد فيها للصين وإيران دور متزايد، مقابل تركيز الولايات المتحدة ثقلها الاستراتيجي على أجزاء أخرى من العالم ، حيث توجه الوسائل والمقدرات الأمريكية باتجاه الحرب الروسية الأوكرانية، مخلفة فراغا يحتله آخرون
التحالف بين إيران وروسيا تحدِّيٌ للكيان الصهيوني وأمريكا
من ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل في المنطقة، تعمق التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران، في ضوء المساعدات العسكرية الكثيفة التي تقدمها طهران لموسكو في حربها ضد أوكرانيا، حيث تمثلت هذه المساعدات بالأساس في إرسال المسيرات الإيرانية لروسيا، وإقامة مصنع لإنتاج المسيرات في روسيا، سينتج في السنوات القريبة القادمة نحو 6 آلاف طائرة مسيرة من أنواع مختلفة، ويبدو أن إيران بدأت ترسل لروسيا عددًا كبيرًا من القذائف والمقذوفات ووسائل قتالية مختلفة، وعلى الأجندة توجد أيضا إمكانية أن توفر طهران لموسكو صواريخ بالستية من إنتاجها.
وفي سياق هذا التطور لعلاقة التحالف الاستراتيجي بين موسكو وطهران ، ازدادت مؤخرا المساعدات العسكرية المختلفة التي تزودها روسيا لإيران في إطار تعميق العلاقات بينهما، فقد اشترت إيران طائرات قتالية من نوع “سوخوي إس. يو 35″ من روسيا، ثلاث طائرات منها وصلت إلى إيران، في حين، تقوم إيران بإعداد قاعدة تحت أرضية تمهيدا لوصول الطائرات، فالأمر يتعلق بـ”دفعات” مقابل تزويد المسيرات لروسيل، حسب التقرير الاستراتيجي الشهري الذي أعده داني سترينوفيتش،من مركز بحوث الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب” العبرية،ونشر يوم الخميس 25مايو الحالي.
ولفت المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان “نظرة عليا”، إلى أن “إيران في نفس الوقت تواصل الدفع قدما بالمفاوضات مع الصين وروسيا، لشراء وقود الصواريخ ومادة كيميائية تستخدم لتشغيل الصواريخ البالستية، إضافة إلى ذلك، إيران تحصل من روسيا على سلاح غربي يوجد في ساحة المعركة في أوكرانيا لإعادة هندسته، مثل “جافلين”؛ وهو صاروخ متقدم مضاد للدبابات من إنتاج أمريكي، كل ذلك بالتزامن مع استمرار إيران في مناوراتها البحرية في الخليج مع الصين وروسيا، والدليل على ذلك، المناورة التي أجريت في 15 آذار/ مارس الماضي.
وتشهد العلاقات بين “إسرائيل” وروسيا توترات كما تدهورت العلاقات بين دولة الاحتلال وروسيا على خلفية المساعدات المقدمة لأوكرانيا، والدفء الحاصل بين كييف وتل أبيب، فقد أبدت الأخيرة انزعاجها من نية موسكو نقل التقنيات النووية لإيران، وهي تحاول بطرق مختلفة إيقاف هذه الخطوة، وفي الوقت نفسه، توقفت الجهود الروسية المبذولة لمساعدة الاحتلال بتحديد مكان جنوده المفقودين في سوريا.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
تشهد المنطقة ولادة شرق أوسط جديد،إنَّهُ التحول الذي يشكل تحدّيًا جديدًا للولايات المتحدة التي تعرف سياستها تراجعًا ملحوظًا، تعمل القوى الدولية الصاعدة مثل الصين وروسيا على ملء الفراغ في المنطقة،يشهد على ذلك الاتفاق السعودي-الصيني برعاية الصين،وسياسة التطبيع الجارية مع سوريا والتي تسير بخطى سريعة في الوقت الحالي، وتمرد الدول العربية على السياسة الأمريكية من التطبيع، العاجزة عن فعل أي شيء لمنعه.
وباتت الدول العربية ،ولا سيما المملكة السعودية وفي ضوء ما تمتلكه من تحكم في مصادر الطاقة، تمتلك القدرة على فرض أمر واقع جديد، من شأنه التأثير على مواقف دول عدة، في ظل استمرار الحرب الروسية -الأوكرانية، فضلاً عن نمو العلاقات بين روسيا والصين مع الدول العربية بالتزامن مع تراجع أميركي.
فالصين لا تعرض ضمانات أمنية مثل واشنطن، فهي تعمل بأداتها المفضلة – الاقتصاد – ومن خلالها تحقق أهدافا سياسية”، فالولايات المتحدة لا تهجر المنطقة كليًا؛ فالحقيقة أنَّ السعودية تقيم علاقات مع الصين، وفي نفس الوقت تطلب ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وتشتري طائرات من شركة “بوينغ” الأمريكية بعشرات المليارات، ولكنَّها تقيم شراكات اقتصادية كبيرة مع الصين ،في إطار تنويع الشراكات مع القوى العظمى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى