الافراط في التفاؤل.. المتحولون ليسوا أهل الكهف
بقلم: نارام سرجون
أحب ان أتجنب النصح عندما يظن المنصوح انه لا ينطق عن الهوى .. ويكون يقينه انه لا يخطئ ولا يسهو .. وأن عقله متماسك جدا ولا يوجد ثقب فيه .. رغم انني ارى الماء يتسرب من عقله وثقوبه دون توقف عندما يتكلم .. النصيحة مع هؤلاء لا تسمى نصيحة بل معركة .. والمعركة مع هؤلاء ليست خيارا موفقا .. فمن عقله مثقوب لا تكسب معه أي معركة لأنك مهما وضعت في عقله من ماء وسكبت له من ينابيع الحكمة والعلم فانه لا يحتفط بها وتهدر وقتك وأعصابك وتخسر كمن يضع مالا في مؤسسة فاسدة مليئة باللصوص او في مشروع تجاري يقوم به سماسرة غشاشون .. وأنا لا أتبرع بصنع الكلام الا لمن يراه نوعا من أنواع المعرفة والحب والصدق والمفردات التي تقبل النقاش والمعالجة والتحليل والتفكيك وليس لاعتبارها ديكتاتورية فكرية واستبدادا ينفر منه الاحرار ..
لذلك فانني وبعد ان قرأت وسمعت ورأيت ما يكتبه الكثيرون عن القمة العربية في جدة وعن التحول العربي والولادة العربية وعن التفاؤل الشديد بالقادة العرب الذين تغيروا وتحولوا – كما المتحولون جنسيا – فانني أحسست ان هناك محاولة بريئة او مدبرة لنشر التفاؤل ووعد الناس ان القيامة قد قامت في عالم العرب وأن المتحولين تحولت جيناتهم .. ولذلك فانني كنت كلما دخلت مكانا فيه سمعت فيه مديحا واطراء واطنابا بالزعماء العرب الذين استفاقوا وكأنهم هم أهل الكهف احسست بنفسي غريبا وأنني في قهوة لمديح عنترة وشيبوب وقبيلة عبس .. او مديح فرسان بني هلال وربيعة وبني مرة جميعا ..
وكم غادرت مقعدي في تلك المقاهي بمجرد ان ينطلق الحكواتي (وهنا اقصد الكاتب) وهو يحدثنا عن العناتر والزيران العرب الذين كانوا يضربون ذات الشمال وذات اليمين وهم يدمرون المؤامرات التي عصفت بهم .. لم أقدر ان أشرب الشاي في أي مقهى .. ولم اقدر ان أدخن سيكارة لأنني بمجرد ان يتحدث الحكواتيون أعرف ان قصة عنترة والزير قد تم تحريفها وتعليبها لتناسب العاب الكومبيوتر .. وصار عنترة يحارب المركبات الفضائية .. فيما الزير صار يقتل الكائنات التي تزور الارض في أطباق طائرة ..
أنا لاأرى مؤتمر جدة الا درسا أعطيناه للعرب في ان لا يستهينوا بقوة الدم وقوة الارادة وألا يظنوا ان العالم مثلهم له نفسيات العبيد .. ورسالة للكون .. الذي أرسل لنا رسالة كونية بالدم ..
لا أريد منع الناس من التفاؤل .. ولا أريد ان أمنع الحلوق الظمأى من قطرات الماء القراح بعد عطش دام 12 سنة .. ولا ألوم من يكتب اليوم ليبلل شفاهنا ببعض الراحة وبعض التفاؤل والامل .. ولكنني أتمنى عليهم ان يقللوا من ملاعق السكر في فناجين قهوتنا التي يسقوننا اياها .. وان يقللوا من عملية كتابة صكوك الغفران للدول والقوى التي كانت حتى ساعات مضت كانت تطلق علينا النار من الفضاء ومن الاقلام .. ولا أريد ان نعيد درس مرمرة ودافوس وتفيقنا لأردوغان .. ولا درس العفو عن جنبلاط والحريري والملك عبدالله ومكافأة قطر على ان جزيرتها نددت بالغزو الامريكي للعراق .. ولعبت بعواطفنا في برنامج الاتجاه المعاكس وهي تهاجم اسرائيل ليلا نهارا .. لنتبين لاحقا اننا أعطينا كل هؤلاء رصيدا مفتوحا من الثقة وصكوك غفران و (شيكات) على بياض .. صرف كله في تدمير سمعتنا بالزور والبهتان .. وتدمير ثقة الناس بما نقوله .. فصار المواطن لا يلام عندما كان يرى ان تركيا التي نصفق لها صارت تصفعنا لأننا (نقتل الشعب والمتظاهرين) .. وصار لا يفهم كيف ان الجزيرة التي كانت تبث من الضاحية الجنوبية صارت اليوم عدوا .. فكان من الصعب والمستحيل أحيانا أن نسحب الرصيد المفتوح والغني ..لأننا لم نكن واقعيين في اعلامنا وجعلنا نوزع الشكر لكل من حضر حفلاتنا وشرب معنا الشاي دون أن نقول لمن شرب معنا الشاي ان سلوكه في النهاية غير مفهوم ,ان شرب الشاي وحده معنا لا يعني اننا صرنا أصدقاء وانهم صاروا جزءا من محور المقاومة رغم ان رائحتهم امريكية وناتوية .. وتخرج من أفواههم رائحة العشاء مع الاسرائيليين ورائحة الثمل مع الصهاينة ..
أستطيع ان أفهم الحرج الذي صرنا فيه وتعذر توجيه الانتقاد للعرب وسياساتهم .. بسبب حفلة الشاي الاخيرة في الجامعة العربية .. وأفهم جدا ان نبادر للمجاملات والبروتوكولات واللياقة .. ولكن علينا ان نترك مجالا اعلاميا للقول بأننا لسنا مطمئنين تماما .. واننا لدغنا من نفس الجحر مرات ومرات .. واقصد ليس كسوريين بل كخط مناوئ للغرب وتواق للاستقلال الوطني .. الجحر العربي لدغنا في العراق .. وفي فلسطين وفي ليبيا وفي أفغانستان وفي سورية وفي ليبيا وفي مصر عبد الناصر .. وفي اليمن .. وفي لبنان .. هذا الجحر العربي لا يطمئن اليه الا من صار مدمنا على انياب الافاعي وابر العقارب ..
ان الجرح السوري لايزال طريا .. وهناك من لايزال يقول فبأننا قتلنا شعبنا .. وحتى أبو الغائط قال في آخر مقابلة بعد القمة (ان المعارصين والمقاومة السورية فشلت في اقتحام دمشق مما استدعى هذا الموقف العربي من المصالحة) .. اي لايزال الارهابيون (مقاومين) في نظره .. ولايزال العالم العربي والذباب الالكتروني والناشطون لا يجرؤون على مسح التهمة لأن التعليمات هي ابقاء التهمة والتعامل مع المتهم السوري على انه ليس بريئا ولكنه مدعوم والعرب مرغمون على قبلوه وتجرعه في حلوقهم .. فلاتزال نفس العبارات المقدسة التي لا تختفي عند الحديث عن الدولة السورية والنظام السوري والرئيس السوري .. بأنه قتل شعبه .. وانه كان في منتهى القسوة في سحق المظاهرات المطالبة بالحرية والديمقراطية .. ووو
هذا يخيفني لأن استمرار الرواية العربية التي بثها الجحر العربي تعني ان حفلة الشاي ليست الا حفلة شاي .. فيها سم وفيها خديعة وفيها نية لا نعرفها ..
ربما الوحيد الذي وثقت بمشاعره تجاهنا كان الرئيس التونسي قيس سعيد .. لذلك سامحوني اذا قلت بأنني لا أثق بالنظام العربي .. وسامحوني أنني لا أثق بالجامعة العربية .. وسامحوني أنني لا أثق ان العرب تغيروا وخاصة انهم استقبلوا زيلينسكي الذي ظهر كـ (ريح) من غير ميعاد !! .. بل ما أعرفه هو ان الخطة تغيرت .. واول التغيير حفلة شاي في الجامعة العربية ندعى اليها .. ولكن الحكواتي في المقهى لايزال يعاملنا كمتهمين ولا يروي الرواية الحقيقية ولا يقول اننا نحن من كنا الضحايا .. ولا يحكي ايا من حكاياتنا .. فما الذي سيتغير في عقول الشعوب العربية اذا بقيت الروايات تحت الخطابات الرسمية ومعسول الكلام ..
لذلك اتمنى من كل الوطنيين السوريين ان لا ينساقوا وتجرفهم الابواق العربية .. وكل من كان يريد ألا يكون بوقا للسوريين ألا يصبح بوقا لغيرهم .. وأن لا يتحمسوا في اغداق الصفات الوطنية على الزعماء العرب ليتحول بعضهم فجأة في نظر الناس الى غيفارا وبسمارك وبطرس الاكبر .. وعلينا ان نبقي بعض الاصوات كي يبقى العرب على حذر من أننا لا نعطي صكوك الغفران بسرعة .. لأنني أخشى ان يعود الى كتاباتنا اردوغان العائد الى معادلة صفر مشاكل وكأنه عمر بن عبد العزيز .. وأتمنى من كل الحالمين بأن يتفاءلوا بشكل حذر ومتوازن .. وان يثقوا ان تغيير الخطة سببه ادراك العدو اننا كنا يقظين ولم ننم منذ 12 سنة .. ولم نعرف طعم الراحة وطعم السكينة لأي شيء منذ 12 سنة .. ولذلك فان علينا ان نبقى في منتهى الحذر .. نصافح بيد ويدنا الاخرى على الزناد .. وعيننا ترى كل التفاصيل .. وآذاننا تسجل كل الحركات والأصوات الخفية .. البراءة من الذنوب لاتمنح الا في بأختام الرصاص والبارود ..
المتحولون جنسيا لا تتغير جيناتهم .. مهما غيروا أشكالهم وأجروا عمليات تجميلية وترميمية !!! وكذلك العرب الذين أنتجتهم مختبرات المخابرات البريطانية والامريكية منذ مئة سنة ..