دلالات إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية
بقلم: توفيق المديني

اتخذ وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع غير عادي، يوم الأحد الماضي ،القرار العربي باستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من 7 أيار/ مايو 2023، بعد أكثر من 11 عاماً على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
ومع صدر هذا القرار تنتهي العزلة الدبلوماسية التي فرضتها دول عربية عدة منذ بداية الحرب سوريا عام 2011 على دمشق، التي تطلع اليوم إلى أموال إعادة الإعمار، برغم أن الطريق لا يزال يبدو طويلاً أمام تسوية سياسية في بلد مقسم، تتنوع القوى المسيطرة فيه.
وأعلن مجلس جامعة الدول العربية إثر اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية “استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من 7 أيار/ مايو 2023”.
ويأتي قرار جامعة الدول العربية قبل عشرة أيام من قمة عربية من المزمع عقدها في السعودية في 19 مايو الجاري.
وفي أول تعليق بعد صدور هذا القرار ، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع بثته قنوات فضائية، إنَّ عودة سوريا إلى شغل المقعد “هي بداية حركة وليست نهاية مطاف”، مضيفاً أنَّ القرار لا يفترض أنَّ الأزمة السورية قد حُلَّتْ بل إنَّه يُدْخِلُ الدول العربية في حلِّ الأزمة السورية.
وردًّا على سؤال حول إمكانية مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة المقرر عقدها في السعودية، قال أبو الغيط :”إذا ما رغب… سوريا ابتداء من مساء اليوم(الأحد الماضي) هي عضو كامل العضوية في الجامعة العربية، ومن صباح الغد لهم الحق في شغل أي مقعد يشاركون فيه”.وأضاف في تصريح لوكالة رويترز: “عندما توجه الدعوة من قبل دولة الضيافة المملكة العربية السعودية، وإذا رغب أن يشارك فسوف يشارك”. وكانت القمة العربية في سرت الليبية في العام 2010 آخر قمة حضرها الرئيس السوري.
وقالت وزارة الخارجية السورية، في بيان عقب قرار الأحد الماضي نشرته وكالة (سانا) ، إنَّ “المرحلة المقبلة تتطلب نهجا عربيا فاعلا… يستند على الحوار والاحترام المتبادل”، مؤكدة “أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية”.
وتتميز قطر من بين كا الدول العربية بموقفها الرافض،إذ قالت وزارة الخارجية القطرية، تعقيبًا على القرار، إنَّ موقف قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، وإن “التطبيع مع النظام السوري قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري”، بحسب تصريحات للمتحدث باسم الوزارة ماجد الأنصاري لوكالة الأنباء القطرية الرسمية.وتتطلع قطر، وفق المتحدث باسم الخارجية، إلى أن يكون القرار الأخير “دافع للنظام السوري لمعالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته، وأن يعمل على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه معالجة قضايا الشعب السوري وتحسين علاقاته مع محيطه العربي”.
أمَّا الولايات المتحدة الأمريكية فقدانتقدت قرار عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية، بحسب وكالة رويترز، إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة.وأضاف المتحدث، وفق الوكالة، أن واشنطن تعتقد أن الشركاء العرب يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية التي طال أمدها، مشيرا إلى أن واشنطن تتفق مع حلفائها على الأهداف النهائية لهذا القرار.
وأوضح أن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل سيجري محادثات “مع الشركاء في المنطقة لمعرفة أسباب هذا القرار أو التوقعات منه”.وأشار ستانو إلى أن الاتحاد الأوروبي يستبعد حاليًا تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ورفع العقوبات المفروضة عليه “ما لم يكن هناك تحرك نحو حل سياسي يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة” و”وقف اضطهاد وقمع السوريين”..
ماذا تريد الدول العربية من عودة سوريا؟
يُعَدُ قرار جامعة الدول العربية بعودة سوريا إلى احتلال موقعها الطبيعي في مؤسسات الجامعة قرارًا مهما في الوقت الراهن،لا سيما أنَّ تجميد عضوية سوريا في الجامعة شكل تدخلا عربيا سافرا في شؤون دولة عربية ذات سيادة مستقلة وهو ما لا يجيزه ميثاق الجامعة العربية نفسه.
تؤكد الدول العربية على أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يجب أن تكون مقترنة بخطوات عملية وحقيقية يتخذها الرئيس بشار الأسد ،وتتمثل أساسًا في ثلاث نقاط رئيسةٍ:
الأولى :وتتعلق بعودة اللاجئين السوريين ، والربط بين عودة هؤلاء اللاجئين والحصول على التمويل لإعادة إعمار سورية التي فرّ منها أكثر من خمسة ملايين شخص إلى الدول المجاورة خلال الحرب التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص.
والثانية،يطلب القادة العرب يطلبون ثمناً لإعادة اندماج سوريا في محيطها العربي ، لا سيما وقف إنتاج وتهريب مخدر الكابتاغون الذي يقول الغرب والدول العربية إنه يتم تصديره من سورية إلى جميع أنحاء المنطقة.فقد أصدر الاجتماع الذي حضره وزراء من مصر والعراق والسعودية والأردن بياناً وافقت فيه الدولة السورية على المساعدة في منع تهريب المخدرات والعمل خلال الشهر المقبل على تحديد هويات منتجيها وناقليها.
وفي ما يبرز القلق العربي الشديد إزاء هذه القضية، قالت مصادر محلية ومخابراتية إن الأردن نفذ ضربات جوية في سورية الإثنين أسفرت عن مقتل مهرب مخدرات سوري، وأصابت مصنعاً لإنتاج الكبتاغون ،بوصفه جزءاً مربحاً من اقتصاد الحرب في سورية، وتقدر قيمته بمليارات الدولارات سنوياً، حسب ما تنشره الحكومة الأمريكية ،إضافة إلى بعض الحكومات العربية ، لا سيما الأردنية التي تعتبر المخدرات تهديداً لأمنه القومي.
وقال مصدر إقليمي مقرب من دمشق ومصدر سوري مقرب من الخليج على دراية بالاتصالات
إن السعودية ،عرضت أربعة مليارات دولار، بناء على تقديرات الرياض لقيمة التجارة، وإن الاقتراح قدمه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في أثناء زيارته إلى دمشق.
وأضاف المصدر أن الأموال ستُقدم على أنها مساعدات زراعية. وأكد المصدر السوري أن الرياض اقترحت دفع مبلغ كمساعدات إنسانية، لكنه لم يحدده.
الثالثة:وتتمثل في حل الأزمة السياسة السورية ، من خلال التأكيد على أن سورية بصدد مشروع للتسوية السياسية ،والتي يمكن تعريفها،بأنها المرحلة التي يتم فيها التوافق على الحوار الوطني الشامل ،على أن يضم مختلف مكونات الشعب السوري،ويتطابق مع ما نص عليه القرار 2254 من حيث التمثيل الشامل للسوريين،ويكون بين النخب السياسية الحاكمة وبين وأطراف المعارضة،حول شكل الدولة،وطبيعة نظام الحكم، والنظام الانتخابي،ويتم وضع دستورللبلاد .
غير أنَّ المحللين والخبراء الذين يعرفون جيدًّا الأزمات التي تعيشها المنطقة، وفي القلب منها الأزمة السورية، ويؤكدون إنَّ التسليم بشرعية نظام الرئيس بشار الأسد معناه بالمقابل رفع الدعم والتمويل للحركات الإرهابية و التكفيرية، هذا من ناحية، أمَا من ناحية أخرى، فإنَّ الأزمة السورية هي أزمة عربية بامتياز، ولهذا من المنطقي و الواقعي أن يتم معالجة موضوع مرحلة الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي، بوصفها معضلة عربية ، لامعضلة سورية فحسب.
فهل من المعقول أن تعطي قطر أو بعض الدول الخليجية، أو مصر ،أو المغرب، دروسًا في الديمقراطية للدولة السورية؟
ما هي متطلبات مرحلة الانتقال الديمقراطي في الدول العربية؟
إنَّ المدخل الواقعي لإعادة بناء الوحدة الوطنية في كل دولة عربية ،هي الصيغة التي تتحدد في ضوئها مهمات إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في كل بلد عربي ، وهي مهمات معقدة ومتداخلة، آثرنا أنْ نُحَدِّدَ الخطوط الرئيسية لها، ومنها:
أولاً: تحقيق التحول الديمقراطي في كل الدول العربية ، والتحول الديمقراطي في الدلالة اللفظية المرحلة الإنتقالية بين نظام غير ديمقراطي و نظام ديمقراطي ،فالنظام السياسي الذي يشهد تحولاً ديمقراطيًا يمر بمرحلة انتقالية بين نظام غير ديمقراطي في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي. و بناء على ذلك فالنظام الديمقراطي هو النظام الذي يسمح بمشاركة سياسية واسعة في إطار الميكانيزمات الإنتخابية ،والإعتراف بمبدأ التداول على السلطة والمشاركة في عملية إتخاذ القرارات ،فمفهوم الديمقراطية يتضمن فكرة جوهرية وهي قدرة السياسات العامة على الإستجابة لمطالب الشعوب العربية ،وذلك عن طريق هياكل أساسية تقوم بتعبئة المصالح ..وتأسيسًا على ذلك فإنّ التحول الديمقراطي هو مجموعة من المراحل المتميزة تقوم على ظهور ديمقراطية حديثة تسعى لترسيخ نظامها السياسي ،وتعكس هذه العملية إعادة توزيع القوة بحيث يتضاءل نصيب الدولة منها لصالح مؤسسات المجتمع المدني بما يضمن نوعا من التوازن بين كل من الدولة والمجتمع ،بما يعني بلورة مراكز عديدة للقوى وقبول الجدل السياسي.وعليه
ثانيًا : المقدمة الأولى للدولة الوطنية و ضمانة تحولها إلى دولة ديمقراطية، تكمن في تحقيق الاندماج القومي في كل بلد عربي على حدة، وفي الوطن العربي بوجه عام، ونقصد بالاندماج القومي تصفية البنى والعلاقات ماقبل القومية، والانتقال من مفهوم الجماعة إلى مفهوم المجتمع المدني، ومن مفهوم الملّة الديني إلى مفهوم الأمة العلماني والديمقراطي، ومن وضعية التكسر المجتمعي وتحاجز فئات المجتمع إلى الوحدة المجتمعية السياسية -وسيرورة الاندماج القومي هذه هي ذاتها سيرورة بناء الدولة الوطنية العربية وفق مقتضيات العقل ومطلب الحرّية.
ثالثًا: الدولة الوطنية العربية هي التي تتبنى العمومية، فتكون الدولة بهذا التعريف، دولة جميع مواطنيها بلا استثناء ولا تمييز،لادولة طبقة رأسمالية أو بروليتارية و لادولة جماعة إثنية أو عشيرة أو جماعة إسلامية، ولادولة حزب ولا دولة طغمة تحتكر السلطة والثروة والقوة.المجتمع المدني هو الذي ينتج الدولة السياسية أي الدولة الوطنية، تعبيراً عن كليته ووحدته التناقضية، بما هو مجتمع الأفراد المختلفين و الجماعات المختلفة و الطبقات أو الفئات الاجتماعية المختلفة ذات المصالح المتعارضة.
رابعًا: الدولة الوطنية هي التجسيد الواقعي لدولة القانون.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يظل القرار العربي الذي يعني عودة سوريا للجامعة العربية واستعادتها لدورها الإقليمي التاريخي وبالتالي انتهاء مرحلة العقوبات العربية وكسر العزلة العربية عنها عبر فتح الحدود للتبادل التجاري معها، وبالتالي كسر منظومة العقوبات الغربية والأمريكية ويجعلها فاقدة لأي مسوغ شرعي ،مرتبطًا في بعده الاستراتيجي بإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في كل الوطن العربي على أسسٍ جديدةٍ ،على أن تستثمر هذا الدولة الوطنية في العروبة بوصفها الخيار الأيديولوجي والمشروع الثقافي للأمة العربية في القرن الحادي والعشرين، والهوية الثقافية المميزة للعرب عن غيرهم من الأمم والشعوب، والهوية السياسية المؤسسة لسياسة ودولة فاعلة في النظام الدولي العالمي،عبر تبني المفاهيم القائمة على التعددية الفكرية والسياسية ،وفكرة المواطنة، وبناء دولة القانون، أي دولة المؤسسات الدستورية وإعادة تثمين الوطنية المحلية الدستورية ،والتأكيد على مرجعية احترام حقوق الإنسان، والحريات الشخصية والاعتقادية، والديمقراطية.
رغم كل سنوات الحرب العجاف، لا تزال سورية صامدةً تقفُ عائقًا أمامَ تنفيذِ الأهدافِ الأمريكيّةِ -الصهيونية في المِنطقة، وهذه الأهدافُ هي:
1-حَلُّ الصّراعِ العربيِّ الإسرائيليّ، عبر تصفية القضية الفلسطينية، واستسلام سورية للهيمنة العَسْكريّة لِإسرائيل، وللهيمنة الاقتصاديّةِ لِسُوقِ المال الأمريكيّ.
2- القَبولُ بِحَقّ إسرائيلَ في الوجودِ دولةً يهوديّةً على أراضٍ تَمّ الاستيلاءُ عليها مِن فِلَسطينَ وسُلِخَتْ مِن العالم العربي.
3- قَبولُ احتلالِ إسرائيلَ لِمرتفعاتِ الجَوْلان التي ضَمّتْها إسرائيلُ إليها في عامِ 1981م واحتُلَّتْ منذُ 1967م، واعتبارُ ذلك أَمْراً واقعاً.
4- إنهاءُ دَعْمِ الدولة الوطنية السورية لحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي تسعَى إلى تقريرِ المَصير الفلسطينيّ، وقَطْعُ علاقتِها معَ حِزْبِ الله اللّبناني، العائقِ الأساسيّ أمامَ التّوسّع الإسرائيليّ في لبنان.
5- تَرْكُ نفسِها بِلا حِمايةٍ أمامَ اعتداءاتِ الولاياتِ المتّحدة وحُلَفائها في الشّرْقِ الأوسط، بِما في ذلك إسرائيلُ، بِالتّخلِّي عن قُدراتِها على إنتاجِ أسْلِحةٍ كيميائيّةٍ وبيولوجيّة ونَوويّة (بينَما يَظَلُّ يحِقُّ لِإسرائيلَ والولاياتِ المتّحدة الاحتفاظُ بِتَرْسانةٍ هائلةٍ مِن هذه الأسلحة).
6- إنهاءُ مُعارضَتِها لِلسّيطرةِ الأمريكيّة على العِراق المجاور.
7- تحويلُ الاقتصادِ مِن اقتصادٍ مُخَطّطٍ مملوكٍ للدّولة يُحاكي النّموذجَ السّوفييتي، إلى اقتصادِ السّوق، وإلى فَضاءٍ مفتوحٍ لِلشّرِكات والمستثمرين الأميركيّين. وبمعنًى آخَرَ كان على البعثيّينَ أن يتخلّوا عن مبادئهم القوميّةِ العربيّةِ، وأن يبذلوا جهودًا كبيرةً لِيصبحوا غيرَ بعثيّين، ومُوالينَ لِلْإمبرياليّة، ومتخلِّينَ عن التزامِهم بِتَحْريرِ العالَمِ العربيّ مِن الهيمنة الأجنبيّة، وبالتّالي متخلِّينَ عن الاشتراكيّة العربيّة.
ولكي يتجنّب الرئيس بشار الأسد تغييرَ النّظام قَسْراً، كانَ عليه أن يَخضع لتغييرِ نِظامِه طَواعيةً، ويتبنَّى سِياساتٍ مُواليةً لِلغرب ومؤيّدةً لِلاستثماراتِ الأجنبيّة، وممارساتٍ غيرَ مُعاديةٍ لِإسرائيلَ، وبِالتّالي يستمرُّ النّظام، شرط أنْ يتمَّ استبعاد عباراتٍ مِثْل: الوَحْدة والحُرّيّة والاشتراكيّة، مِن شعاراته، وإحلالُ التّبعيّةِ والقُطْريّةِ والمشروعاتِ الحُرّة مَحَلّها.