المتابع لأوضاع المنطقة العربية، يشهد أنَ الحدث الأبرز الذي يهيمن على المشهد السياسي العربي خلال هذه الفترة، يتمثل في تسارع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وبين الجمهورية العربية السورية، وذلك قبيل القمة العربية التي ستعقد في الرياض يوم 19مايو/ أيار المقبل.
عودة العلاقات بين المملكة السعودية وسوريا
قام وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل مقداد يوم الثلاثاء 12نيسان /أبريل الجاري بزيارة عمل إلى مدينة جدة، بناء على دعوة نظيره الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية في المملكة السعودية لإجراء مباحثات حول العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وتُعَدُّ هذه أول زيارة لدبلوماسي سوريٍّ كبير إلى المملكة منذ أكثر من عشر سنوات وتأتي في أعقاب اتفاق بين الرياض ودمشق على استئناف العلاقات وإعادة فتح السفارتين.
وجاء في البيان السعودي إنًّ الوزيرين سيعقدان “جلسة محادثات تتناول الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية ويحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وتأمينهم، ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة في سوريا”.
وجاءت زيارة المقداد قبل يومين من استضافة السعودية اجتماعا آخر لوزراء خارجية عدد من دول المنطقة لمناقشة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك يوم الجمعة 14أبريل الجاري.فقد دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع لوزراء خارجية المجلس بمشاركة نظرائهم من الأردن ومصر والعراق، في جدّة بالسعودية لتبادل وجهات النظر حول إمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وتتفرد دولة قطر في دول مجلس التغاون الخليجي بمعارضتها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية،غير أنَّ المراقبين يرون أنَّ الموقف القطري من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية سيتغير في ضوء حصول الإجماع العربي على هذه العودة .وكانت وكالة رويترز، قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أنّ المملكة السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية المقرر أن تستضيفها الرياض في 19 مايو/ أيار المقبل.
وبحال تم ذلك، سيمثل حضور الأسد أبرز تطور في الخطوات المتتابعة من أجل عودة سوريا السوري إلى المحيط العربي منذ عام 2011 عندما تم تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، وقاطعته العديد من الدول الغربية والعربية بسبب تعامل الحكومة السورية مع مجريات الاحتجاجات الشعبية ضد النظام آنذاك، وهو ما قاد إلى حرب إرهابيةٍ طويلة شُنَّتْ على سورية استمرت لمدة عقد كاملٍ.
زيارة المقداد إلى كل من الجزائر وتونس
وفي السياق التطبيع العربي مع سوريا،أكدت مصادر دبلوماسية جزائرية فضلت عدم ذكر اسمها لـصحيفة “العربي الجديد”، من أن المقداد سيزور الجزائر ضمن جولة تشمل أيضاً تونس، حيث سيجري محادثات مع نظيره الجزائري أحمد عطاف، حول العلاقات الثنائية والتطورات السياسية على الساحة العربية، خاصة أن الجزائر تترأس حالياً القمة العربية.
وتُعَدُّ هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها فيصل المقداد الى الجزائر، في غضون تسعة أشهر، بعد زيارة سابقة له في 5 يوليو/تموز 2022، شارك خلالها في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، وفي الاستعراض العسكري الذي أقامته الجزائر بالمناسبة.
وكانت الجزائر قد سعت إلى إشراك دمشق في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر، مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لكنها أخفقت في ذلك بسبب اعتراضات عربية، وأعلنت الجزائر حينها بالاتفاق مع دمشق، عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها في الجامعة العربية “حرصاً من سورية على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي”.
عودة العلاقات الديبلوماسية بين تونس وسوريا
في أحدث خطوة نحو تطبيع العلاقات بين تونس وسوريا،قال بيان مشترك بين الحكومتين السورية و التونسية: “تجاوباً مع مبادرة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيَّدْ بتعيين سفيرٍ لدى الجمهورية العربية السورية، فقد أعلنت الحكومة السورية عن موافقتها الفورية على هذا التعيين، وقرَّرت إعادة فتح السفارة السورية بتونس، وتعيين سفير على رأسها في الفترة القريبة القادمة”.
وكان الرئيس التونسي سعيَّدْاستبق البيان المشترك بتعيين سفير له في دمشق قبل ثلاثة أيام، بحسب وسائل الإعلام التونسية ، التي أفادتْ بأن سعيّد قام بإرسال أوراق اعتماد السفير الجديد لدى دمشق، وسيتم الإعلان رسميا حال استكمال الإجراءات.
وحسب مصادر الخارجية التونسية ، فإنَّ السفير الجديد محمد المهذبي ولد عام 1965، وعين منذ عام 2021 وزيراً مفوّضاً خارج الرتبة، وهي أعلى رتبة في السلك الدبلوماسي التونسي.
وشغل المهذبي منصب مدير العلاقات مع أوروبا الشمالية والوسطى وروسيا والقوقاز في الإدارة العامة لأوروبا عام 2019، فيما كُلف بمهام قنصل الجمهورية التونسية بميونيخ في ألمانيا منذ عام 2006 إلى سقوط نظام الدكتاتور الراحل زين العابدين بن علي عام 2011.
حصل المهذبي على دبلوم في الدراسات المعمّقة في العلوم السياسية بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس، وحاز عام 1989 الإجازة في الفلسفة من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وكانت تونس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في 4 شباط/ فبراير 2012 ، بقرارٍ من الرئيس السابق منصف المرزوقي زمن حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة، حيث استضافت تونس في مارس 2012، ما يسمى “مؤتمر أصدقاء الشعب السوري” الذي أعلن الحرب الكونية على سوريا، وبدأ الإيذان بتسفير آلاف المقاتلين التونسيين إلى بؤر التوتر، حيث بلغت نسبة الإرهابيين التونسيين في سوريا حوالي 8000،حسب أما أعلنته غالبية الإحصائيات التونسية وكذلك المنظمات الدولية.
وسبق للرئيس التونسي أن التقى بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش زيارتهما إلى الجزائر بمناسبة الذكرى الـ60 للاستقلال العام الماضي، حيث وجه سعيّد رسالة للرئيس بشار الأسد.وقال سعيد للمقداد، بحسب بيان الخارجية السورية : “إنَّ الإنجازات التي حققتها سوريا، وكذلك الخطوات التي حققها الشعب التونسي ضد قوى الظلام والتخلف، تتكامل مع بعضها لتحقيق الأهداف المشتركة للشعبين الشقيقين في سوريا وتونس”، بحسب ما نقلته صحيفة “حقائق أونلاين” التونسية.
نحول مشروع مارشال عربي لإنقاذ سوريا وتونس واليمن
بعد مرور اثني عشر عاماً من اندلاع “انتفاضات الربيع العربي”،وما انْجرَّ عنها من حروب أهلية في كل من سوريا وليبيا و اليمن،ومن خرابٍ اقتصاديٍ في تونس، أصبحت هذه البلدان تحتاج إلى خريطة طريق جديدة لإعادة الإعمار لما دمرته الحرب في البلدان الثلاثة، لاسيما سوريا، ولإنقاذ تونس من أزماتها الاقتصادية و المالية البنيوية، في ضوء الموقف الرافض من جانب صندوق النقد الدولي منحها القرض بقيمة 1.9مليار دولار، بهدف تمويل ميزانية 2023، ودفع أقساط الديون المستحقة للمؤسسات الدولية المانحة.
رغم أنَّ الدول العربية ، لا سيما الخليجية منها تحرز تقدمًا كبيرًا في عملية التطبيع مع سوريا، فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تحذرها من الانخراط في في إعادة الإعمار، حتى لا تتعرض بشكل شبه مؤكد للتصنيفات والانتهاكات الأخرى للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية،ما لم تحدث تغييرات كبيرة في الطريقة التي يحكم بها الأسد سوريا ويدير شؤونها، “على الأسد أن يهيئ الظروف لعودة السوريين إلى ديارهم دون خوف من التجنيد أو الاحتجاز أو الاختفاء. وعلى الأسد أن يمضي قدماً في عملية “قرار مجلس الأمن رقم 2254″، والذي يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التحرك في موضوع “اللجنة الدستورية”،حسب الموقف الرسمي لواشنطن.
القمة العربية المقبلة التي ستعقد في الرياض تمثل فرصة تاريخية للدولة العربية لكي تعلن الخروج من الحقل السيادي لهيمنة النظام العالمي الليبرالي الأمريكي ،وتعلن انحيازها للدول المطالبة ببناء نظامٍ عالميٍّ جديدٍ متعدد الأقطاب.
أما النقطة الجوهرية في عملية التطبيع العربي مع سوريا، فإنَّ القمة العربية بحاجة إلى إقرار مشروع مارشال عربيٍّ لتمويل الإعمار في سوريا،ومساعدة البلدان العربية الأخرى في كل من تونس و اليمن وموريتانيا ، للخروج من أزماتها الاقتصادية و المالية.
تقدر صحيفة “ذي أكونوميست” البريطانيةأنَه في 2022-2023 قد يصل فائض الحساب الجاري لدول الخليج النفطية إلى ثلثي تريليون دولار، أي حوالي 650 مليار دولار،وهي موضوعة في إطار الصناديق السيادية ،خارج البنوك المركزية، التي لم تعد تجمع الكثير من الأموال. وبدلاً من ذلك، يتم استخدام حصة متزايدة لتعزيز الأهداف السياسية في الداخل وكسب النفوذ في الخارج، من خلال وضع كل هذه الأموال في خدمة.
في الماضي كان من الممكن أن يذهب معظم هذا المال مباشرة إلى خدمة مصالح النظام العالمي الليبرالي الأمريكي ، الآن يمكن للدول الخليجية أن تستثمر جزءٍ من هذا المال في الدول العربية الفقيرة،لا سيما سوريا،التي تحتاج إلى استثمار عربي بقيمة 15مليار دولار لإيجاد بنية تحتية حديثة جدًّا لتوليد الطاقة الكهربائية ، لحل أزمة الكهرباء في كل من سوريا ولبنان،وتخصيص 50مليار دولار لإعادة الإعمار،وتخصيص 15مليار دولار للإستثمار في تونس،كي لا تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، أو البنوك الأوروبية، لضخ النقود في واقع الاختناق المالي الذي تعيشه، وتخصيص 20مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد اليمني المنهار.
يمكن لصناديق الثروة السيادية في دول الخليج أن تفعل كل هذا لأنَّ لديها الآن القدرة على إدارة الاستثمارات في الدول العربية وفق استراتيجية خدمة المصالح العربية، وبالشروط التي تحددها ،من أجل بناء تكتل اقتصادي عربي سياسة قادر أن ينتزع حصته من السوق الرأسمالية العالمية، وهذا ما يخيف أمريكا والدول الأوروبية التي بدأت تشعر بالقلق من إمكانية استخدامه أموال الصناديق السيادية الخليجية لمتابعة أجندات سياسية، تخدم مصالح تحرر العرب من براثن الفقر والعوز الاقتصادي، وتحقيق التقدم الصناعي و التكنولوجي والزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
غير أنَّ مشروع مارشال عربي ليس مشروعًا ماليًا يمكن أنْ تَضُخُّهُ الدول الخليجية في خزائن الدول مثل سوريا و اليمن وتونس أومصر، فهو يحتاج إلى شروط سياسية حقيقية، ومنها أن تكون الحكومات التي ستتلقى هذه الأموال منتخبة وممثلة لمصالح شعوبها، ومستقرة، وأن تقوم كل دولة عربية معنية بوضع موازنة إعادة الإعمار، وبناء الاقتصاد الحديث، ثم تقوم الدول الخليجية بدعم هذه الموازنة باستثمارات مالية كبيرة.
فلا بد من قيام حكومات قوية في هذه البلدان العربية المعنية ، تُحَدِّدُ أهدافها بدقة ،وتضع خريطة طريق سليمة لأهم المشاريع التنموية في مختلف القطاعات الصناعية والزراعية، التكنولوجيا الحديثة، ولا بد أن تكون هذه الحكومات رشيدة ومنتخبة، توصي بالثقة لدى شعوبها ،وقادرة على محاربة الفساد الذي أصبح آفة عربية يأكل الأخضر و اليابس في معظم الدول العربية.
فحين نعرف أنَّ رئيس اليمن السابق نَهَبَ-حسب الامم المتحدة-أكثر من ثلاثين مليار دولار من أفقر بلد، ومن اتعس شعب.. فإنَّ طرح مشروع مارشال عربي ، يجب أن يخضع للشروط الآنفة الذكر.

في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال