المقاومة الشعبية طريق تحرير سورية من الاحتلال الأمريكي

في الأسبوع الماضي ، تعرضت قوات الاحتلال الأمريكي المتمركزة في قاعدة “حقل العمر” في ريف محافظة دير الزور التي تُعدُّ واحدةً من أكبر وأهمّ القواعد الأمريكية في الشمال الشرقي لسورية، وقد أقيمت في مدينة العمال السكنية التابعة لحقل العمر النفطيّ السوريّ، وهو من أغزر الحقول النفطية السوريّة إنتاجاً، وتقوم القوات الأمريكية بسرقة نفطه بالكامل، إلى هجوم نوعي بنحو عشرة صواريخ أطلقها محور المقاومة المتمركز في الشرق السوري على هذه القاعدة الأمريكية، الملقبة بقاعدة “القرية الخضراء” في دير الزور شرق سورية، بعد يوم من استهداف طائرة مسيرة تابعة لمحور المقاومة “لواء الغالبون” مطار رميلان بريف الحسكة الشمالي المعروف بـ “أبو حجر”، ويقع جنوب شرق مدينة الرميلان النفطية، حيث يقع أكبر حقل نفطي في سورية تديره وحدات حماية الشعب الكردية، وتصدر إنتاجه عبر كردستان العراق، والذي تحتله القوات الأمريكية ،ظهر يوم الخميس الأول من شهر رمضان المبارك،
ما تسبب في مقتل متعاقد أمريكي، وإصابة آخر، إلى جانب إصابة ستة جنود أمريكيين بجروحِ.
وتُعَدُّ قاعدة “الرميلان” من أهمّ القواعد العسكرية الأمريكية في سورية ، ويشغلها أكثر من 500 جنديّ أميركيّ. والرميلان بلدة سوريّة تقع في ريف محافظة الحسكة الشماليّ على الطريق بين مدينتي القامشلي والمالكية، وتضم أهمّ وأقدم منشآت النفط السوري في تلك الأنحاء، والتي أقيمت على “حقل الرميلان النفطيّ”. تضم البلدة مطاراً زراعيّاً ومدينة سكنية للعمال. ومن هناك تحديداً، بدأت القوات الأميركية بسرقة النفط السوريّ.
وبالمقابل، شنت الطائرات الأمريكية من نوع أف 15، يوم الخميس 23آذار/مارس 2023،ضربات جوية استهدفت منشأتين في سورية يستخدمهما “لواء الغالبون” المتحالف مع الحرس الثوري الإيراني ،وأسفرت عن مقتل 19 شخصا،( ثلاثة جنود سوريين و11 مقاتلا سوريا في فصائل مؤيدة للحكومة وخمسة مسلحين غير سوريين متحالفين مع الحكومة(في واحدة من أدمى المواجهات بين الولايات المتحدة والقوات المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية منذ سنوات.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إنَّ الولايات المتحدة لم تشهد أي هجمات أو ردود فعل أخرى خلال 36 ساعة مضت في سورية، مضيفا: “سنظل يقظين”.وأشار كيربي أيضًا إلى تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة24مارس 2023، التي حذَّر فيها إيران من أنَّ الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات قوية لحماية الأميركيين.
وقال كيربي: “لم يطرأ أي تغيير على الوجود الأميركي في سورية نتيجة ما حدث في الأيام القليلة الماضية”، مضيفا أن المهمة ضد “داعش” ستستمر.وأضاف: “لن تردعنا… هجمات تلك الجماعات المسلحة”.
وتأتي عمليات المقاومة الأخيرة ضمن نسق تصاعدي ، إذْ يمكن إحصاء حوالي 78عملية لفصائل المقاومة جرت خلال السنتين الماضيتين أي بين عامي 2021 و2022. استهدفت القوات الأمريكية وحلفاءها وقواعدها في حقول النفط في دير الزور، وريف الحسكة وريف حمص، بالإضافة إلى التنف.
الحالة الطبيعية للمقاومة الشعبية وحاضنتها القبائل العربية
رغم حالة “التعايش “بين الدولة السورية و قوات الاحتلال الأمريكي طيلة السنوات الأربع الماضية، إذْ أكدَّ الرئيس الأسد في لقاء مع محطّة تلفزيون “روسيا اليوم” إنَّ الدولة السورية لا تستطيع أن تدخل في مواجهة عسكرية مع أمريكا الدولة العظمى التي تحتل قواتها حقول النفط السورية، فإنَّ مهمة مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي واستِعادة السيادة الوطنية على الآبار النفطية والغازية شرق الفُرات،أُوكِلَتْ إلى قوات المقاومة الشعبية المكونة من القبائل العربية في المنطقة،وكذلك الفصائل الحليفة للحكومة السورية .
عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكي ما انفكت تتصاعد في ظل إدارة الرئيس بايدن ، الذي كان قد أمربضرب البنى التحتية لمحور المقاومة في شرق سورية،إذْ بدأت تهدِّدُ بشكلٍ جديٍّ قوات الاحتلال الأمريكي بأسلحة متطورة،بما في ذلك الطائرات المسلحة بدون طيار، التي استهدفت بعض المواقع الأمريكية الأكثر حساسية دون أن تلتقطها أنظمة الدفاع.
لكنَّ إذا نظرنا إلى موضوع المقاومة الشعبية،فإنَّ الحالة الطبيعية يجب أن تكون حصيلة الدينامية القتالية من البنى الاجتماعية ـ الاقتصادية الموجودة في المنطقة الشرقية،والتي تحتل فيها القبائل العربية موقع الحاضنة الشعبية والوطنية لهذه المقاومة‘إذْ يصل عدد أبناء القبائل العربية في منطقة الجزيرة وحوض الفرات، إلى نحو 4 ملايين، ويمثلون أكثر من 85 في المائة من سكان المنطقة التي تضم أيضاً الأكراد والتركمان والسريان، وبعض الأرمن والشركس .
وتُعَدُّ منطقة شرق الفرات من أغنى المناطق في سورية، سواء بتواجد النفط و الغاز في باطن أراضيها، أوعلى صعيد الإنتاج الزراعي من قمح و قطن الخ.وكانت القبائل العربية تعيش في فضاء جغرافي واحد في ظل السلطنة العثمانية ، قبل أنْ يتم إخضاع كل المنطقة إلى ما بات يعرف بتقسيم سايكس بيكو في عام 1916.فقد قسمت اتفاقية سايكس بيكو ،القبائل والعشائر العربية إلى قسمين ،قسم أصبح تابعًا للدولة العراقية، وقسم آخر للدولة السورية.
ومع بداية الحرب الإرهابية الكونية على الدولة الوطنية السورية في بداية عام 2012، شهدت منطقة شرق الفرات تحولات كبيرة،فبعد أن كانتْ الدولة السورية هي المسيطرة وفق منطق السيادة الوطنية، انتقلت بعد ذلك السيطرة إلى ما يسمى ب”فصائل الجيش السوري الحر”، ثم “جبهة النصرة”، وفيما بعد إلى تنظيم “داعش”، وصولاً إلى قوات “قسد” التي احتلت موقعًا مهمًا في المخطط الأمريكي،بسبب الحرب ضد “داعش” في عام 2014.وجعل هذا الوضع من الأكراد رقماً صعباً يصعب تجاهله في معادلات الشرق الأوسط، كما جعل من مسألة نشأة دولة جديدة للأكراد تأخذ مكاناً بارزاً في تحليل أو حوار يتعلق بمستقبل كل من العراق وسورية.
وبغض النظر عن الصراع الإقليمي و الدولي بين إيران وأمريكا على الأراضي السورية،فإنَّ المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الأمريكي، تحتاج إلى بيئة شعبية حاضنة، وفي المنطقة الشرقية تتمثل البيئة الشعبية الحاضنة،في القبائل العربية المنتشرة في المحافظات الثلاث:الحسكة، ودير الزور، و الرقة .
أولا:الحسكة، التي كانت العرب تطلق عليها قديماً تسمية “ديار ربيعة”،تتواجد أهم القبائل العربية الممتدة في سورية غرباً والعراق شرقاً، لعل أبرزها الجبور، التي تضم عشرات العشائر ويقدّر عديدها بالملايين في سورية والعراق. وتعتبر هذه القبيلة من كبريات القبائل العربية. ثانيًا:دير الزور،وفي ريف دير الزور الشرقي هناك العديد من القبائل العربية الكبرى، لعل أبرزها قبيلة العقيدات، وهي الأكثر عدداً في عموم محافظة دير الزور ،وتضم قبيلة العقيدات العديد من العشائر، منها: الحسون، والشحيل، والهفل، والشويط، والبورحمة، والبوحسن، والقرعان، والحسون، والشعيطات، والدميم، والبو الخابور، والبوليل.وإلى جانب هذه القبيلة الكبيرة، هناك قبيلة لا تقل عدداً وتأثيراً في محافظة دير الزور، وهي البقارة التي يتمركز ثقلها العددي في ريف دير الزور الغربي، وبعض المناطق في الرقة والحسكة.
ثالثًا:الرقة ،تعد قبيلة البوشعبان من أكبرالقبائل في محافظة الرقة،التي كان العرب يطلقون عليها تسمية “ديار مضر”، إلى جانب عدة قبائل أخرى وعشائر تنتمي إلى قبائل تنتشر في عموم منطقة الجزيرة السورية (المنطقة الواقعة بين الفرات ودجلة)، وحوض الفرات. وتعتبر عشيرة العفادلة من أكبر عشائر البوشعبان في محافظة الرقة، وتنتشر في مدينة الرقة ومحيطها.
وتُعَدُّ محافظة دير الزور بيئة شعبية حاضنة للمقاومة، تَسْتَنِدُ إلى تراثٍ عريقٍ من النضال ضد الاستعمار الفرنسي في العشرينيات من القرن الماضي، حين تحالف العرب والأكراد،على مقاومة الفرنسيين الذين فرضوا انتدابهم فرضًا .إنَّ هذه الحقيقة التاريخية تؤكّد لنا أنَّ القبائل العربية المتمركزة في المحافظات الشرقية قادرة على احتضان مقاومة شعبية مسلحة من أجل تحرير شرق سورية من الاحتلال الأمريكي، وتبني مشروع وطني في أفق قومي ديمقراطي تنموي متمفصل بوضوح حول القضايا المحورية للأمة، ومعبرًا عن رغائب السكان. وهو الأداة المناسبة لإعادة تعبئة عامة السكان نحو تحقيق البديل الواضح في الحكم الدستوري الديمقراطي، ولإعادة قدر من التوازن إلى حياة المجتمع السوري .
الهدف من طرح مفهوم الحالة الطبيعية للمقاومة وحاضنتها الشعبية القبائل العربية في المنطقة الشرقية ، توضيح أسس ومشروع هذه المقاومة ،حتى لا تكون كمثيلاتها من المقاومات العربية، يلاحظ عليها كلها اشتراكها في أمور أو سمات تجمع بينها. فهي، من وجه أول، رَدٌّ على استعمارٍ خارجيٍّ أو نفوذٍ عسكريٍّ أجنبيٍّ، ظاهر أو مستتر، يَسْلُبُ الداخل – دولة وشعباً وجماعات وأمة – هويته، ويَحْرُمُهُ التصرف الحر في موارده وثرواته الباطنية.بل نريدها مقاومة شعبية وطنية تتجاوز حالة الانقسامات الطائفية و المذهبية و العرقية،ولا تقتصر في مشروعها التحرري على بندٍ واحدٍ كما هو الحال في العهود الاستقلالية العربية،و في الحالة السورية خروج القوات الأمريكية من الشرق السوري فقط، بل يجب أن تحمل في سيرورتها التاريخية مشروع إعادة بناء الدولة الوطنية ، والولاية السياسية والقانونية، والتأكيد على احترام حقوق الأفراد المدنية والسياسية ، والالتزام بتحقيق التنمية المستدامة في المحافظات المتخلفة والمهمشة و المحرومة من مشاريع التنمية وفق رؤية تقوم على التمييز الإيجابي في مسار التنمية .
حقيقة الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي السوري
من منظور القانون الدولي ، يُعَدُّ الوجود العسكري الأمريكي في شرق سورية احتلالاً موصوفًا، بصرف النظر أنَّ الولايات المتحدة تشرعن هذا الوجود من خلال ادعائها بأنَّ القوات الأمريكية جاءتْ لأول مرَّة إلى سورية ضمن حملة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ضد تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” بالشراكة مع مجموعة يقودها الأكراد تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” في عام2015.
لكنَّ الخبراء والوطنيين السوريين، والقوميين العرب، يرون في الوجود العسكري الأمريكي في الشرق السوريّ،بأنَّه وجودٌ لا يستند إلى أيّ تفويض قانونيّ دولي أو محليّ أمريكيّ، وهو الأمر الذي أقرّ به المسؤول السابق في إدارة الرئيس باراك أوباما، والمستشار الحاليّ لبرنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدوليّة، بريان فينوكين، في حديث إلى مجلة “فورين أفيرز” مطلع هذا العام، إذْ قال إنّ العملية العسكرية الأمريكية في سورية تجري “من دون تفويض، وتقوم على أرضيّة قانونيّة ضعيفة”، لكنّ واشنطن التي تمسك بخناق “المجتمع الدوليّ”، وتدُوسُ على كلّ القوانين والأعراف الدوليّة، موَّلَتْ عن طريق الكونغرس عمليات قواتها العسكرية هناك، تحت بُنْدِ محاربةِ إرهابِ تنظيم “داعش”.
في الخطاب الإعلامي و السياسي الأمريكي تتحدث الإدارة الأمريكية عن وجود نحو 900 جندي أمريكي في سورية معظمهم في الطرف الشرقي من البلاد، لكنَّ في الواقع تقيم الولايات المتحدة الأمريكية في الأراضي السوريّة 24 قاعدة عسكرية و4 نقاط تواجد، تتمركز جلّها في منطقة شرقي الفرات والبادية السورية، إذْ تضمُّ القواعد المنتشرة في محافظتي الحسكة ودير الزور والبادية نحو 3000 جندي أو أكثر في بعض الحالات.
وتُعَدُّ قاعدة “حقل العمر” في ريف محافظة دير الزور واحدة من أكبر وأهمّ القواعد الأميركية في الأراضي السوريّة. وقد أقيمت في مدينة العمال السكنية التابعة لحقل العمر النفطيّ السوريّ، وهو من أغزر حقول النفطية السوريّة إنتاجاً، وتقوم القوات الأمريكية بسرقة نفطه بالكامل.
وتُشَرْعِنُ الولايات المتحدة الأمريكية وجودها تحت عنوان محاربة إرهاب “تنظيم الدولة الإسلامية”، أو دعم “قسد” و”حقوق الكرد” ،لكنَّها في الحقيقة تَضْطَلِعُ بأدوار الاستعمارِ الأمريكيِّ الجديدِ الذي يقوم على ركيزتين في المنطقة:الأولى نهب وسرقة خيرات الشعب السوري في المنطقة الشرقية ،لا سيما أنَّ القوات الأمريكية تحتلُّ آبارِ النفطِ والغازِ، وتقومُ بالسطوِ على كامل إنتاجها وسرقة إيراداتها عن طريق العراق، ثم إنّها تقطع طريق بغداد – دمشق بهدف إضعاف محور المقاومة ومنع أيّ وحدة تكاملية بين البلدين ، وهو ما يخدم الأهداف الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية في المنطقة. والركيزة الثانية، خدمة مصالح و أمن كيان الاحتلال الصهيوني، بالتلازم مع الأمن القومي الأمريكي.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
قبل اندلاع “انتفاضات الربيع العربي” كانت سورية تبيع أكثر من 350 ألف برميل من النفط يوميّاً، أمَّا اليوم وبعد سيطرة الميلشيات الكردية على حقول النفط و الغاز، والتعاقد مع شركات أمريكية لتطوير هذه الحقول ونهب خيراتها؛ تحولت سورية إلى بلد يعيش في العصور الوسطى، مَحْرُومًا من مصادر الطاقة، والكهرباء والغاز المنزلي.
من هنا تنبع أهمية تطوير المقاومة الشعبية من أجل طرد الاحتلال الأمريكي من الشرق السوري،و عودة النفط والغازوالقمح للشعب السوري، واستخدامه في سبيل إعادة بناء الاقتصاد السوري وبدء إعمار البلد.إنَّهُ الطَرِيقُ الْوَطَنِيُّ فِي التحرُّرِمِنْ رِبْقَةِ الاسْتِعْمَارِ الأَمْرِيكِيِّ الْجَدِيدِ.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد حلاً للأزمة السورية، بل إنَّها تريد أن تظل سورية ساحة استنزاف مالي و سياسي وعسكري للقوى الإقليمية و الدولية ، لا سيما تلك التي كانت معارضة للنظام السوري وتطالب بإسقاطه وتنحيه. علمًا أن الدول الخليجية الحليفة لأمريكا ، وتحديدُا المملكة العربية السعودية،باتت لا ترى أي جدوى من استمرار سياسة الاستنزاف هذه التي تمارسها إدارة الرئيس بايدن ، فاستدارت سياستها الإقليمية باتجاه التطبيع مع سورية ،وترتيب علاقاتها الدولية مع الصين وروسيا وإيران؛ بوصفه المحور الصاعد هذه الأيام في مواجهة المحور الأمريكي في أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى