الفيلم الامريكي واللعنة .. خبر جميل في النعش

منذ سنوات لم يصل الى مسامعي خبر جميل .. والاخبار الجميلة في زمننا لا يحملها الا خبر عن نعش أمريكي أو نعش اسرائيلي .. ولكن منذ ايام أهدتنا المقاومة الشعبية السورية نعشا أمريكيا اعادنا الى الزمن الجميل .. فيا سبحان الله كيف صارت السعادة تأتينا في النعوش .. والنعوش هي رمز للحزن والفجيعة ..
أنا لا أحب الأمنيات لأنها مخدرات ونوع من انواع المهلوسات .. وكلما تسللت الامنيات الى سطوري وزرعت خلسة في كلامي طردتها أو قتلتها قبل ان تستقر على السطر .. أو محوتها بالممحاة كما يمحو طفل كلمة لا يحب رسمها المعوج ..
اليوم لم تعد النعوش الامريكية القادمة من الجزيرة أمنيات .. بل حقيقة .. وعندما تصل النعوش الامريكية تصل الينا الحرية .. ونتعرف على الديمقراطية … ونتذوق معنى الكرامة والانتقام .. معادلة غريبة فالحرية في الشرق والديمقراطية لا توصلها الدبابات الامريكية كما ادعى جورج بوش وفريق المجرمين من المحافظين الجدد .. والحرية والديمقراطية لا يحملها المسلمون الذين يرفعون رايات لا اله الا الله السوداء .. بل انها تتحقق بقدر ما يتحقق من نعوش عسكريين تذهب الى أميريكا .. فاذا سألتني كم حجم الحرية لديك أقل لك كم نعشا أميريكيا صنعت ؟ ..
والحقيقة هي انني منذ زيارة الرئيس الاسد الى موسكو كنت أنتظر وأترقب ان تتم ترجمة اللقاء في سورية بأن تنتقل حرب اوكرانيا الى الوجود الامريكي في سورية .. فلنا وللروس مصلحة كبيرة في تدمير الوجود الامريكي في سورية وأن يدفع ثمن استهتاره بكرامات الشعوب .. وتطاوله على كل البشر .. فغالبا ان الرئيسين بوتين والاسد وجدا ان الوقت صار سانحا ومناسبا لتوسيع المواجهة مع الوقاحة الامريكية .. لانه لم تعد للديبلوماسية والانتظار اي فائدة ..

نحن نعلم الفيلم الاميريكي الذي يبدأه الاميريكيون ولا يعرفون انجاز نهايته .. لأننا شاهدناه مرارا .. فالفيلم الامريكي يبدأ بوقاحة الادعاء بمساعدة المعذبين في الارض من قلة مستويات الحرية والديمقراطية او من كثرة الديكتاتورية .. وعندما يتلقى الضربات تزداد وقاحته ويتصرف بلا ديمقراطية بل بوحشية .. قبل ان يعلن انسحابه المذل تحت اية ذريعة .. فهو عمل نفس السيناريو في فييتنام فبعد ان اعلن انه جاء ليساعد الفيتناميين هرب تحت ضربات الفيتكونغ ونسي مهمته الانسانية لمساعدة الفيتناميين .. وفي لبنان في الثمانينات جاء المارينز ليضبط “الفوضويين” ولما هدم مقر المارينز على رأسه هرب أيضا ونسي مهمته وترك الفوضويين ليدبرهم السوريون .. وفي العراق جاء لنشر الحرية والديمقراطية ولكنه عندما خسر آلاف الضحايا هرب تحت جنح الظلام ونسي الحرية والديمقراطية .. وفي افغانستان جاء لطرد طالبان من الوجود ونشر أنسام الحرية ولما قرر الهرب نسي مهمته الجليلة وترك افغانستان لطالبان ذاتها التي جاء لاخراجها من الوجود .. وما بين الدخول والهروب تدمير وأذى وتخريب وموت فقط .. انه فيلم اميريكي لا يعرف المخرج والمنتج كيف يتغير السيناريو وتتغير النهاية ..
الوقاحة الامريكية في السناريو السوري هي عينها .. فقد اتى لمساعدة الشعب السوري وأن الكونغرس وأهل نيويورك لا ينامون من كثرة انشغالهم على تأمين حرية الشعب السوري والقلق من داعش على امن السوريين .. واليوم بدأ نفس السيناريو يمر بنفس الممر الاجباري .. نعوش امريكية من سورية تسبق الهروب .. والوقاحة الامريكية ستزداد عندما تبدأ الخسائر الامريكية قبل ان تعلن انسحابها الذي تلجأ اليه في نهاية الفيلم الامريكي الحربي .. فالامريكيون اليوم يصرون بعناد على بقائهم في سورية ويصرون على ان بقاءهم في سورية هو من أجل مساعدة السوريين في التصدي لداعش وليس من أجل الأمريكيين .. رغم ان داعش لم تظهر في كل الشرق والعالم الى ان جاء الاميريكيون إلى الشرق .. وبوصولهم وصلت داعش .. حيث لم يكن هنا داعشي واحد في الوجود قبل وصول اميريكا الى المنطقة .. ولكن يا سبحان الله فحيثما كانت جيوش اميريكا تنبثق داعش وتتفتح مثل الكمأة تحت الرعود الامريكية وتحت قصف الطائرات .. لأن الامريكيين حولوا الشرق الى معمل لانتاج داعش .. والاسلام الى معمل لانتاج التطرف والكراهية والموت .. ولكن اذا استمرت زيارات الصواريخ للقواعد الامريكية فان الامريكيين سينسون كل ما جاؤوا من أجله وسيذهبون دون ان يتمتع الشعب السوري بالحرية الامريكية ..
الوقاحة الامريكية عينها الان في الادعاء انها تساعد الشعب الاوكراني وسيتكرر نفس السيناريو .. لان ما فعلته في سورية هو ما تفعله الان في اوكرانيا .. وهو تكرار لانتاج نفس السلعة .. فقد دفعت بجزء متطرف من الشعب السوري الى مواجهة الجزء الاكبر رغم ان ذلك من الناحية الديمقراطية عملية وقحة .. اي ان تناصر جزءا من شعب ليتمرد على بقية الشعب .. وتشعل الحرب بين المدن والمدن .. والقرى والقرى .. وبين الشوارع والشوارع .. والدفع بجزء من اي شعب ليفرض رأيه المتطرف بالقوة على بقية الناس غايته دوما خلق حرب أهلية لأن خلق اللاتوازن في اي مجتمع هو سبب الحرب الاهلية ..
وكما فعلت في سورية عندما جاءت بالعالم عبر ماكيناتها الاعلامية ومنظمتها الارهابية المسماة (الامم المتحدة) التي تصدر القرارت التي تسحق حقوق الامم وتفصل مواثيق الفصل السابع على مقاسات الشعوب المقهورة .. وحشدت الدنيا كلها لدعم الشعب السوري .. وها هي اليوم فانها جاءت بالعالم اليوم لنصرة شعب زيلينسكي وثوار زيلينسكي .. وهو مواطن اسرائيلي انتقل الى أوكرانيا .. وقاد ثورة اوكرانية شبيهة بالثورة السورية .. وصار يقاتل نيابة عن اميريكا بالشعب الاوكراني الذي اذا صدقت ابحاث الانثروبولجيا وأبحاث التاريخ هو شعب أقرب ما يكون الى الشعب الروسي ثقافة ولغة ودما وليس للشعوب الاوربية الغربية .. لكنه اليوم تتحكم به أقلية نازية تحركها اميريكا وتريد بيع اوكرانيا الروسية الى اميريكا .. وهم نسخة عن نازيي الاخوان المسلمين كما باع الاخوان المسلمون سورية لاميريكا وتركيا .. اي انها عملية تخريب لبنية المجتمع وشقه وسلخه عن بعضه ..
المهم لاشك ان تلاحم المعركتين في اوكرانيا وسورية ضروري .. لأن لا فرق بين اوكرانيا وشرق سورية .. وان هزيمة اميريكا الحتمية في سورية ستنعكس عليها في اوكرانيا .. والعكس بالعكس ..
لن أجرؤ على طلب الامنيات .. ولن اقول ان الفيلم الاميريكي بدأ ينتقل الى حبكة النهاية التقليدية .. حيث تسافر النعوش الى اميريكا .. وتبدأ نهاية الفيلم .. ولكني أعلم علم اليقين أن الفيلم الاميريكي لا يمكن ان تختلف نهايته عن اي فيلم آخر .. وسيخرجون ويهربون .. ويستغيثون .. ومشوار الألف ميل لا يبدأ بخطوة .. بل بنعش .. والنعش يبدأ اللعنة .. لعنة النهايات تبدأ بنعش .. وتنتهي بكارثة ..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى