لقاء الاسد وبوتين .. المحور يستعد .. قبر وثلاثة مرضى

بقلم: نارام سرجون

يخطر في بالي سؤال كلما ظهر الاسد في لقاء مع الرئيس بوتين .. مَن مِن الذين يراقبون اللقاء سيكون الأكثر توقا لمعرفة ما دار بينهما .. أو بالأحرى من الذي سيكون الأكثر قلقا وتوتراً ؟؟ هل هو الرئيس التركي اردوغان أو بنيامين نتنياهو .. أم الرئيس الامريكي جو بايدن .. فلكل من هؤلاء كوابيسه من اجتماع الاسد وبوتين .. فأردوغان ينتظر نتيجة اللقاء بجانب الهاتف والخط الساخن المربوط بموسكو وخطوط الكرملين .. وهو ينتظر ان يرن الهاتف ويكون الرئيس بوتين على الطرف الآخر ويقول له كما نقول في حياتنا اليومية: هات الحلوان يا اردوغان .. الأسد وافق ان يمنحك مصافحة امام الكاميرات .. وعندها سيرقص قلب أردوغان فرحاً .. ويشكر لبوتين هذه البشارة .. من الرئيس بشار ..

ولكن نتنياهو أيضا قلق وينتظر قرب الهاتف المربوط بالخط الساخن في الكرملين .. كي يرن ويكون بوتين على الطرف الاخر ويقول له: هات الحلوان يا نتنياهو .. الأسد لم يتخذ قرار معاقبتك واسقاط طائراتك .. والاسد رغم ان صبره نفذ الا انه قبل وساطتي ولن ينالك عقابه ..

أما جو بايدن فانه لاشك استمع بشكل قلق الى الاخبار الخطيرة التي تقول ان الأسد سيمنح الروس ربما المزيد من القواعد .. ولكن ما أخطر من ذلك هو ان السلاح الذي سيسمح به الاسد في هذه القواعد سيكون سلاحا مخصصا لشل حركة اميركيا والناتو في الشرق الاوسط .. وتصبح قواعد بوتين العسكرية في سورية مثل نقاط تفتيش على كل المقذوفات التي تعبر السماء وتعترضها .. ناهيك عن انها ستصبح خزانا لصواريخ فرط صوتية ..
السؤال الذي سيشغل بال الاسرائيليين والامريكان هو أن الأسد ذهب الى موسكو لا ليعطي فقط بل ليأخذ .. وهو كغيره من السوريين البارعين في فن التفاوض .. يعرف ان روسيا تحتاجه اليوم أكثر مما يحتاجها .. وتحتاج الى تقوية موقعها أمام الناتو .. وأنها معنية باضعاف الناتو خارج اوروبة وخاصة في الشرق الاوسط .. ولذلك فان الروس سيعطونه ما يريد .. فهل سيطلب الأسد اغلاق المجال الجوي فوق الشرق الاوسط في وجه الطائرات الاسرائيلية؟ هل سيطلب ان تنتقل ملكية س 400 في حميميم الى الجيش السوري الذي سيمسك وحده الحق الحصري في الكبس على أزرار الاطلاق؟؟ .. هل سيتفق الاسد وبوتين على موعد اطلاق عمليات فعالة ضد التنف والوجود الامريكي في الشرق؟؟

من الصعب ان نظن أن لقاء بين زعيمين كبيرين مثل الرئيس بوتين والرئيس بشار الاسد سيكون من اجل ترتيب العلاقة السورية التركية فقط كما يتوهم البعض .. ولا أظن ان النقاش حول أردوغان استغرق أكثر من 10 دقائق لأن ملف اردوغان درس بعناية من قبل لجان الطرفين الروسي والسوري منذ أشهر ولا جديد يضاف اليه .. لأن المشكلة السورية ليست فقط في العلاقة مع تركيا .. بل تركيا صارت الان جزءا من مشكلة بعد ان كانت كل المشاكل تمر عبرها طوال 13 سنة .. ففي 13 سنة لولا الدور التركي لما كان المال والاعلام العربي قادرين على احداث الأثر الكبير في سورية .. لأن التغيير العنيف في سورية كان يحتاج قوة فاعلة عسكرية .. لم يكن بامكان اي طرف توفيرها الا بشكل محدود .. ولو كانت الحدود السورية الشمالية البالغة الطول آمنة لكان تحرك الجيش السوري كافيا لانهاء التمرد في الجنوب السوري .. ولكن تركيا لعبت الدور الأكثر قذارة لأنها أشعلت الشمال السوري المترامي الاطراف .. وتدفقت منها داعش .. ومنها سقطت حلب ثاني أكبر ودن سورية وادلب والشمال السوري .. وبسببها سقطت الجزيرة السورية بيد المسلحين الذين تداولوا الجزيرة كما يتداول الارهابيون السبايا ..

اليوم صارت تركيا موجودة في 10% من المساحة السورية بعد ان كانت تتمدد في نصف سورية عبر داعش والاخوان المسلمين .. وخرجت السعودية من الغوطة بسحق جيش الاسلام .. وخرجت غرف الموك في الاردن واسرائيل من الخدمة بشكل كبير .. ولكن المشكلة الكبيرة في سورية هي في فقدانها لثروتها واقتصادها وزراعتها وبقاء الاميركيين وفرضهم حصارا حقيرا على كل أشكال الحياة .. وفي عودة اسرائيل جويا بعد ان ظننا أنها خرجت من المعادلة الجوية بوصول صواريخ س 300 …

اليوم هناك ملفات تطرح على الرئيس بوتين منها الملف التركي .. ومنها الملف الامريكي في الجزيرة السورية .. ومنها الملف الاسرائيلي والتحرش الجوي .. ولكن ملف اردوغان لا يهم بوتين كثيرا كما يهمه ملف أميريكا واحراق أصابعها في كل مكان ..

في ظل الحرب في اوكرانيا يمكن للسوريين ان يقترحوا ان تفتتح روسيا فرعا للحرب الاوكرانية في التنف السورية وفي الجزيرة السورية .. وأن يتم معاقبة اسرائيل التي تشارك في حرب اوكرانيا عبر اغلاق المجال الجوي في الشرق الاوسط أمام الطيران الاسرائيلي ….. وهذه الملفات الكبيرة كلها بيد الزعيم بوتين والاسد ..

وأما أردوغان فانه تم ترويضه ووضع اللجام في فمه .. ربما كان الملف التركي هو الاكثر سهولة الان لأن اردوغان جريح ومصاب ورجل مريض .. الا ان هذا اللقاء يجب ان يكون لعلاج رجل آخر مريض في المنطقة هو الوجود العسكري الامريكي في سورية .. الذي يجب ان يصبح (الرجل المريض) .. ويصبح هذا الشرق مكتظا بالمرضى .. المريض الاسرائيلي .. والمريض الامريكي .. والمريض التركي .. والمريض الكردي .. والمريض الارهابي .. ولكل داء دواء .. ولكل ورم جرّاحه .. ولقاء بوتين والاسد هو لقاء غرفة العمليات .. ولن يظل الانتظار حتى ندرك من ان من بين المنتظرين هناك هو الأكثر حظا أو الأسوأ حظا ..

اتمنى ان يكون هناك قبر يتم تحضيره لأحد المرضى في هذا اللقاء .. والمشكلة هو ان عدد المرضى اكثر من عدد القبور .. وكلهم جاؤوا منذ 13 سنة ليدفنونا .. فاذا بنا نجد ان علينا ان نفتح لهم القبور .. وها نحن ننتظر من الذي سيموت اولا .. ويا ليت لقاء الأسد وبوتين هو الذي قرر من سيموت أولا من رجال الشرق المرضى ..

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى