ماهي انعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني على قضايا المنطقة؟

بقلم: توفيق المديني

بعد سبع سنوات من القطيعة في العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية،وما تخللها من توترات وحروب بالوكالة،توصل البلدان إلى اتفاق يوم الجمعة 10مارس 2023، يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
ويعود الفضل في التوصل إلى هذا الاتفاق ‏الذي سيقود إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين،للدور الذي لعبته الصين في حل النزاع بين السعودية وإيران، منذ أن التقى قادة الدول العربية مع الرئيس الصيني شي ‏جين بينغ في المؤتمر الإقليمي بالرياض في كانون الأول/ ديسمبر2022، حين طرح الرئيس الصيني فكرة عقد قمة عربية-إيرانية في ‏بكين تعقد عام 2023، حسب مانشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الثلاثاء 14مارس الجاري.
وأفاد مسؤول سعودي، يوم الأربعاء15مارس 2023، بأنَّ الزعيم الصيني شي جين بينغ عرض على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نهاية العام الماضي التوسط لتحقيق مصالحة
بين المملكة السعودية وإيران، مما أدّى بالنهاية إلى اتفاق استئناف العلاقات بين الرياض وطهران.
وتابع المسؤول السعودي حديثة ،أن “الرئيس الصيني أعرب عن رغبته في أن تكون الصين جسرًا بين المملكة العربية السعودية وإيران. ورحب سمو ولي العهد بذلك”، مضيفًا أنَّ الرياض ترى أنَّ بكين في وضع “فريد” حاليا لتوسيع نفوذها في الخليج.
وقال المسؤول: “بالنسبة لإيران على وجه الخصوص، تحتل الصين المرتبة الأولى أو الثانية في ما يتعلق بشركائها الدوليين. وبالتالي فإن النفوذ مهم في هذا الصدد، ولا يمكن أن يكون لديك بديل مماثل في الأهمية”.
أبرز محطات التوتر بين السعودية وإيران
تتنافس السعودية وإيران:القوتان الإقليميتان الكبيرتان على زعامة إقليم الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، في إطار خصومة إيديولوجية وسياسية ومذهبية تعمقتْ بشكلٍ رئيسيٍ مع قيام الثورة الإسلامية في طهران العام 1979.
ويعود أول التوترات بين السعودية وإيران إلى عام 1943، بعد أن أعدمت السلطات السعودية حاجّا إيرانيا، بتهمة تدنيس الكعبة المشرفة، وشتم الصحابة.
ونفت السلطات الإيرانية التهم وقالت؛ إنَّ الحاجَ الإيراني أصيب بالدوار خلال الطواف حول الكعبة، ما أدى لاستفراغه في المكان.
وقطع البلدان العلاقات الدبلوماسية قرابة ثلاث سنوات، قبل أن تعود مجدَّدًا في عام 1946، لكنَّها لم تكنْ خاليةً من التوتراتِ، خصوصًا بعد اعتراف نظام الشاه بالكيان الصهيوني عام 1950، وتصريحاته التي اعتبرت مسيئة للعاهل السعودي الراحل الملك سعود.
وفي مرحلة صعود الحركة القومية العربية بزعامة عبد الناصر في عقد الستينيات من القرن الماضي عرفت العلاقات السعودية-الإيرانية تقاربًا تسَبَّبَتْ به نزعة الخوف من صعود جمال عبد الناصر وحرب اليمن إلى حين انسحاب مصر من اليمن عام 1967،وتوترت العلاقات مجدَّدًا بعد انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج في بداية السبعينيات من القرن الماضي ، حيث طالبت طهران بضم البحرين لأراضيها، لكنَّ السعودية دعمتْ استقلالها.
وعندما تأسست الجمهورية الإسلامية في إيران في نيسان/ أبريل 1979، اتهم قادة  دول خليجية الزعيم الإيراني آية الله الخميني برغبته في “تصدير” الثورة إلى الدول العربية.وحين
هاجم العراق إيران في سبتمبر 1980،واندلعت الحرب بين بغداد وطهران التي استمرت حتى عام 1988 كانت السعودية خلالها أبرز ممولي الرئيس صدّام حسين، وشجعت غيرها من الدول الخليجية على فعل الأمر نفسه.
وقمعت قوات الأمن السعودية في تموز/ يوليو 1987 تظاهرة للحجاج في مكة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 400 قتيل غالبيتهم من الإيرانيين. وفي العام 1988 قطعت الرياض علاقاتها بإيران، وتغيّب الإيرانيون عن الحج حتى 1991.
في ذروة ما سمي بمرحلة “الربيع العربي”، أرسلت الرياض في آذار/مارس 2011، ألف جندي إلى البحرين لقمع الحركة الاحتجاجية، واتهمت إيران بالوقوف وراء الاضطرابات.
واعتبارا من العام 2012، تواجهت طهران والرياض في الأزمة السورية السوري. فإيران، بمساعدة حزب الله اللبناني، هي الحليف الإقليمي الرئيسي، عسكريًا وماليًا، للدولة السورية ، في حين كانت السعودية تقدّم دعمًا للتنظيمات الإرهابية و التكفيرية.
في اليمن، تقود السعودية منذ آذار/مارس 2015، تحالفًا عسكريًا ضد قوات الحوثيين، لمنعهم من السيطرة بشكلٍ كاملٍ على اليمن بعد العاصمة صنعاء. واتهمت الرياض وواشنطن إيران بمدِّ الحوثيين بالأسلحة، ما تنفيه الأخيرة.
وفي كانون الثاني/ يناير 2016، أعدمت السعودية 47 شخصاً محكومين بتهمة “الإرهاب”، بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر. وفي اليوم التالي، قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران إثر مهاجمة محتجين سفارتها في طهران.وأعلن وزير الخارجية السعودي آنذاك، عادل الجبير، أنَّ الرياض قرَّرَتْ قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما قرَّرَتْ طرد دبلوماسييها من المملكة.وفي 2016، صنّفت الدول الخليجية حزب الله منظمة “إرهابية”.
ماهي فوائد هذا الاتفاق ؟
يجمع الخبراء الملمون بقضايا المنطقة،أنَّ لهذا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في بيكين بين السعودية وإيران فوائد جمة، يمكن إبراز أهمها على النحو التالي:
أولاً: العودة إلى التأكيد على علاقات حسن الجوار بين المملكة السعودية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، نظرًا للعلاقات التاريخية و الحضارية التي تربط بين البلدين الجارين المسلمين،إذ تجمعهما الروابط المشتركة من الجغرافيا إلى التاريخ إلى الدين للإسلامي ،الأمر الذي يجعل العلاقة بين الرياض وطهران محكومة بالقواسم المشتركة ، وإزالة أجواء التوترات و الصراعات بالمنطقة،وهي أجواء ناجمة عن محاولات أمريكا إسرائيل عرقلة أي تقارب وتعاون بين البلدان العربية وايران.
ثانيًا: وقف الحرب الباردة الإعلامية و السياسية والإيديولوجية ذات الطابع المذهبي في المنطقة، التي كانت تغذيها الولايات المتحدة و إسرائيل و الدول الغربية عموما و لا تزال ، من أجل إعادة تقسيم الدول العربية والإسلامية على أساس طائفي ومذهبي وعرقي.فنزع فتيل الصراع المذهبي ستكون له آثاره الإيجابية على كل دول المنطقة ، لما لإيران والسعودية من أهمية ودور فاعل في تحقيق السلام والإستقرار في العالم العربي والإسلامي،بما يُعَزِّزُموقع هذا الأخيرفي مقاومة سياسة الهيمنة الأمريكية في السياسية الدولية ، المدافعة عنى بقاء النظام الليبرالي العالمي الأمريكي أُحَادِي الْقُطْبية.
ثالثًا: إنَّ الاتفاق السعودي -الإيراني سَيُغَيِّرُ حال المنطقة ومزاجها السياسي، ما يجعل المملكة العربية السعودية تنتهج تدريجيًا سياسة جديدة قوامها الدفاع عن مصالحها الاقتصادية و التجارية و المالية، وتَصْفِير المشاكل لإنهاء التوترات الإقليمية القائمة وتعزيز المصالح والمكاسب الإستراتيجية، كما فعلت مع قطر وتركيا، لا سيما مع ظهور توجه عام لدى العديد من الدول في المنطقة إلى تبني وتعزيز سياسة صفر مشاكل لتحقيق مصالحها الإستراتيجية الخاصة كمصر وتركيا والإمارات.
رابعًا: إنَّ الاتفاق يُعَبِّدُ الطريق لكل من المملكة السعودية وإيران لإقامة شراكةٍ استراتيجيةٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ وماليةٍ قوامها السياسة العقلانية التي تخدم مصالح البلدين وعموم بلدان المنطقة،وتحقيق التنسيق السعودي-الإيراني في أسواق الطاقة وعدم الدخول في “حرب اسعار النفط”،وبناء قطب تنموي إقليمي في كل المنطقة لا يعتمد على الدولار،بل ينتزع حصته من السوق العالمية التي تهيمن عليها التكتلات الاقتصادية العملاقة ،وإنشاء المشاريع التنموية المنتجة في مختلف المجالات الاقتصادية و التكنولوجية و الصناعية ، بما يحقق للمجتمعات العربية والإسلامية رفاهيتها وتنميتها ،وللدول أمنها وسلمها واستقرارها والتغلب على الكثير من التحديات والصعوبات الأمنية والاقتصادية الداخلية والخارجية .
تداعيات الاتفاق على قضايا المنطقة
لا شك أنَّ لهذا الاتفاق تداعيات كبيرة على صعيد قضايا المنطقة،وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وسياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لجهة إحداث تغييرات جيوستراتيجية في المنطقة، ستتضرر منها أمريكا و إسرائيل اللذين يعملان على وأد أي تقارب عربي -إيراني ، لما لهذا التقارب من تأثير على فرملة هرولة الأنظمة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل ، وتحجيم تداعيات اتفاقات أبراهام، وهو ما يدركه قادة الكيان الصهيوني ، حيث يعتبرون أنفسهم أكبر متضرر من الخطوة الأخيرة.
ويرى الخبراء إنَّ الاتفاق السعودي-الإيراني ستكون له تطورات إيجابية على الصعيد القضية الفلسطينية، إذ ستخف حدة الضغوط السياسية والعسكرية على المقاومة الفلسطينية، وسيكون وضع المقاومة أفضل، حيث ستُحرر من سياسة الخنادق والمعارك الإقليمية، وستبقي أيديها طويلة في الرد على اعتداءات الاحتلال الصهيوني .
ومن المؤكد أيضًا أنَّ إعلان اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، سيوفر إطارًا إقليميًا لتسوية سياسية بين أطراف الحرب المختلفة في اليمن،المتواصلة منذ ثماني سنوات،بما يخدم حل الأزمة اليمنية.ومن الواضح أنَّ السعودية وايران سوف ترعيا وتتابعان بصورة مباشرة وضع تصورات للقضية اليمنية انطلاقا من الأفكار السابقة التي طرحت من قبل الأطراف المهتمة بذلك، بما فيها أطراف الصراع المباشرين الشرعية وجماعة الحوثي.
إنَّ تفعيل العلاقات السعودية-الإيرانية يُعَجِّلُ خطوات الإنفتاح السعودي -السوري،وحل الأزمة السورية،فقد أنفقت السعودية طيلة العقد الماضي عشرات المليارات من الدولارات على الإطاحة بنظامين معاديين: نظام الرئيس الأسد، ونظام الحوثيين، الذي يسيطرعلى جزء كبير من اليمن.
والآن تعترف المملكة السعودية بفشل كلتا المحاولتين. هذا ليس لأنَّ السعوديين قد طوروا تقاربًا مع خصومهم. بل إنَّها علامة أخرى على كيف أنَّ المملكة، مثل بعض جيرانها الخليجيين، ترى بشكلٍ متزايٍد بقية العالم العربي على أنَّه مصدر إزعاجٍ وتعبٍ.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إنَّ الاتفاق يمثل تأكيدًا لنفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط، ليس فقط على المستوى الاقتصادي إنَّما أيضًا على المستوى الدبلوماسي.ويشكل الاتفاق أيضًا إنجازًا لإيران إذ إنَّه يَحُولُ دون عزلها نتيجة التطبيع بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي، مقابل تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة لحساب الصين.ولم تنجح الحكومة الإسرائيلية في ضمّ السعودية إلى اتفاقيات أبراهام المبرمة عام 2020 مع جارتي المملكة، الإمارات والبحرين.
وتعتبر دولة الاحتلال أنَّ إشراكَ الرياض في اتفاقيات التطبيع لو حصل، كان سيسمح في إنشاء تحالفٍ إقليميٍّ ضد إيران التي يشكل برنامجها النووي تهديدًا مباشرًا بالنسبة لـ”إسرائيل”.
أما رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بينيت، فقد وصف الاتفاق بأنَّه “نصر سياسي لإيران”، و”ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران”، و”فشل ذريع لحكومة نتنياهو”.
يشكل اتفاق استئناف العلاقات بين المملكة السعودية وإيران، انتصارًا إقليميًا مهمًا للدبلوماسية التي يقودها الرئيس الصيني شي جين بينغ في منطقة الشرق الأوسط، بوصفه محطةً أُخْرَى في طريق الصين إلى نظامٍ عالميٍّ جديدٍ متعدد الأقطاب .وهاهو الرئيس الصيني ، يؤكد مرَّةً أخرى قدرته على تثبيت نفسه على المنصة الدولية كشخصية سياسية عالمية محترمة تبحث عن حلٍّ عادلٍ للأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا، في الوقت الذي تراجعت فيه السياسة الأمريكية في المنطقة، واستماتة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الدفاع عن الكيان الصهيوني،وكذلك عن النظام العالمي الليبرالي الذي يعاني من أزمةٍ بنيويةٍ حادةٍ ،رغم أنَّ بقاء هذا النظام العالمي الأمريكي أحادي القطبية سيقود لحربٍ عالميةٍ جديدةٍ ، في حين تقود الصين القوة الاقتصادية العالمية ومعها روسيا و إيران والبرازيل إفريقيا الجنوبية،والمملكة السعودية، سياسة عالمية جديدة تقوم على تفضيل بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على مبدأ “عدم التدخل”، واحترام مبادئ وأسس القانون الدولي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى