الأزمة اليمنية وخطر الانفصال في الجنوب

منذ أن بدأت “عاصفة الحزم” الذي نفذها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن منذ أواسط شهر مارس/آذار2015، كردة فعل سعوديّة تجاه تقدّم جماعة “أنصار الله” (الحوثيون( في اليمن، يرى المحللون أن الهجوم السعوديّ -الإماراتي أعاد إنتاج أبرز المواجهات السعوديّة الإماراتية -الإيرانيّة،التي لا يمكن لنتائجها أن تكون محصورة عند حدود اليمن.
وبعد أن تمكن الحوثيون من خلال تحالفهم مع علي عبد الله صالح من السيطرة على كامل مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء ، احتدم الصراع الإقليمي في اليمن بين المملكة السعودية ودولة الإمارات والقوى السياسية المرتبطة بهما من جهة، وبين الحوثيين المتحالفين مع إيران – القوة الإقليمية الصاعدة في المنطقة، من جهة أحرى.
في الوقت الحاضر ،يخيم الترقب على نتائج المفاوضات بين المملكة السعودية وجماعة الحوثي
في العاصمة العمانية مسقط، وسط تساؤلات بشأن السيناريوهات المحتملة التي قد تنجم بعد المباحثات، لاسيما في ظل الصراع المتنامي بين الرياض وأبو ظبي، وتزايد النشاط العسكري للحوثيين في مناطق عدة مؤخرا.
وتضاعف الرياض نشاطها وتحركاتها في المحافظات المحررة من سيطرة الجماعة الحوثية، وتقوم بإعادة ترتيب أوراقها وتوحيد المكونات المناوئة للحوثيين، بعدما طفت الخلافات بين المملكة والإمارات وربما تتحول إلى صراع عميق في المحافظات اليمنية.
وفي هذا السياق، توقع القيادي في جماعة “أنصار الله” الحوثية، محمد البخيتي، فشل المفاوضات وقال إنها “قد لا تنجح”.وكتب البخيتي على حسابه في “تويتر”، الأربعاء: “قد لا تنجح المفاوضات ونضطر لخوض معركة فاصلة لإنهاء العدوان (التحالف بقيادة السعودية) ورفع الحصار”.
ودعا القيادي الحوثي اليمنيين الذين ما زالوا في صف التحالف الذي تقوده الرياض للعودة، وقال: “ننصح إخواننا اليمنيين الذين ما زالوا في صف العدو أن يستعدوا للانضمام لصف المجاهدين (المسلحين الحوثيين) على امتداد خطوط التماس وتمكينهم من حسم المعركة سريعا”.
وأضاف البخيتي: “ونلفت نظرهم إلى أن الحرب في مواجهة أعداء الأمة ليست مباراة كرة قدم، وأن من يقتل وهو في صف العدوان فإن مصيره جهنم خالدا فيها أبدا، خصوصا بعد أن تجلت حقيقة العدوان للجميع، ومشاهد القوات الأمريكية والبريطانية وهي تصول وتجول في المحافظات المحتلة خلف ظهر من يقاتلون في صف العدو لم تعد خافية على أحد” على حد قوله.

الإمارات ودعم مشروع الانفصال في الجنوب
تركز دولة الإمارات تعزيز نفوذها على تعزيز نفوذها في المحافظات الجنوبية لليمن ، سواء من خلال وجودها العسكري المباشر، أو من خلال التشكيلات العسكرية التي أنشأتها. فبعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، ومحافظتي لحج والضالع، في آب / أغسطس 2019، تسعى القوى الانفصالية بدعم مباشر وقوي من دولة الإمارات إلى السيطرة على محافظة حضرموت ، التي تقع في شرق اليمن، في ظل تحشيد قبلي محلي رافض لذلك.
وكانت مكونات سياسية وقبلية في وادي حضرموت، أهمها “مرجعية قبائل حضرموت”، قد أعلنت في وقت سابق من بداية سنة 2023، رفضها أي تمدد من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي نحو أراضيهم.
ولوحت المرجعية، التي تعد أكبر تجمع قبلي واجتماعي في منطقة وادي وصحراء حضرموت، بمواجهة هذه الأخطار المحدقة بحضرموت، والوقوف ضد مشاريع الفوضى والخراب وحيدة وبإمكانياتها الذاتية.
وطالبت مجلس القيادة الرئاسي والسلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة رئيس اللجنة الأمنية, ووكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء, بمنع وصول تلك القوات (التابعة للانتقالي) إلى أراضيها.
وفي الوقت الذي يسعى المجلس الانتقالي إلى التمدد للسيطرة على محافظة حضرموت ، أبدى الموقف الحضرمي رفضًا قاطعًا لأي تمدد نحو أراضيهم، وأشهر خطوطا حمراء أمام هذه المخططات الانفصالية المدعومة إماراتيًا، وسط توافق سعودي عماني على تحييد حضرموت والمهرة من أي تدخل أي قوى من خارج المحافظتين.
وأوضح المتحدث ذاته أن “السعودية لا تريد أن تكرر ما حدث في محافظة شبوة، بعد تعرضها لخديعة ولعبة قذرة من قبل المجلس الانتقالي ومن معه، والتي قوضت أمن تلك المحافظة، وتعيث فيها قواته الفساد”.
من وجهة نظر القوى السياسية اليمنية الداعية إلى المحافظة على وحدة الدولة اليمنية، فإنَّها تعتقد أنَّ المجلس الانتقالي سوف يواصل تحركاته، وستبقى رغبته قائمة لتفجير حرب أهلية في اليمن كلها انطلاقا من حضرموت، لأن مهمة هذا الكيان منذ أن تشكل هو تقسيم اليمن إلى دولتين واحدة في الشمال ، وأخرى في الجنوب.
ومن المعروف أن قوات المنطقة العسكرية الأولى بوادي حضرموت تمثل آخر حصون الشرعية وآخر المؤسسات العسكرية الموالية لليمن الكبير. وهي قوات وطنية ضحت بالآلاف من الشهداء والجرحى على مدى سنوات من أجل فرض الأمن والاستقرار في كافة مناطق وادي حضرموت، من أجل بسط سلطة الدولة وفرض الأمن والاستقرار وإنهاء أي تواجد لعناصر الإرهاب والتخريب.
ومنذ سنوات، لم تتوقف دعوات الانفصاليين المدعومين من حكومة أبوظبي ومطالبهم بإخراج قوات الجيش التابعة للمنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر في مديريات وادي وصحراء حضرموت، وتسليمها لمليشيات مسلحة موالية لهم، على غرار ما حدث في محافظات أخرى.
وتكتسب منطقة “الوادي والصحراء” الواقعة شمالي محافظة حضرموت، وعاصمتها مدينة سيئون، أهمية استراتيجية متنوعة؛ فإلى جانب احتوائها على حقول النفط، مثل “حقل مسيلة”، ظلت طيلة سنوات الحرب الجغرافيا الأمنية والعسكرية والسياسية الوحيدة في البلاد التي بقيت تتمسك بالرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل نقله صلاحياته إلى مجلس رئاسي في أبريل/ نيسان من العام 2022، وسلطات الدولة المختلفة.
وطوال السنوات الماضية، كانت قوات الحكومة اليمنية بقيادة عبد ربه منصور هادي مدعومة من السعودية، تسيطر على الميناء الاستراتيجي، إلى أن سيطرت عليه قوات المجلس الانتقالي الانفصالية الموالية للإمارات بعد خوضها اشتباكات مسلحة في أغسطس/آب 2019 مع القوات الحكومية.
وقامت القوات الإماراتية بالتدمير المنهجي لميناء عدن ، حتى لا يكون منافسا لميناء دبي .. فمن الناحية الجغرافية يقع ميناء عدن وسط ميناء جدة وميناء بئر علي الإماراتي وبحسبة بسيطة نعرف أن ميناء جدة حقق إيرادات عام 2020 بلغت 91 مليار دولار ، فيما يحقق ميناء جبل علي الإماراتي سنويا 53 مليار دولار.. رقمين مهولين يزيلان الالتباس عن أسباب تدمير دول التحالف لميناء عدن وإخراجه عن الجاهزية فالأمر واضع من دخل الميناءين وأنه لا يمكن أن تقوم دولة أو يسمح بتشغيل ميناء عدن.
يتميز ميناء عدن بموقع جغرافي متميز في المنطقة وعلى خطوط التجار العالمية والملاحة البحرية الأمر الذي أوجد تنافساً دولياً على ميناء عدن وبقية الموانئ اليمنية لما تتمتع به من أهمية استراتيجية .. هناك تاريخ طويل لمحاولة الاستيلاء على الموانئ اليمنية من قبل العديد من الدول الاستعمارية وشركة موانئ دبي يحكمه التنافس المحموم في السيطرة على الملاحة البحرية والتجارة العالمية.
وتريد الإمارات الحفاظ على موطئ قدم استراتيجي على سواحل اليمن، وتسعى لبناء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة ميون في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، بما يمكنها من التأمين المباشر للطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم، علاوةً على تقديم نفسها للعالم باعتبارها حامي المياه الإقليمية في البحر العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
واعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني عبدالكريم غانم أن هذا الأمر، من شأنه تعظيم نفوذ الدولة الخليجية، ويجعلها تخرج عن طاعة الرياض، وهو ما لا تقبله الأخيرة، “مهما أنفقت أبوظبي في شراء الولاءات، في تعز وحضرموت وغيرها”.
وقال إن قيام طارق صالح المدعوم إماراتيا (عضو المجلس الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي) بوضع حجر الأساس لمشاريع مياه في تعز، يجسد الموقف الإماراتي، ويضع زيارته إلى المدينة، في سياق التنافس الإماراتي السعودي لـ”شراء الولاءات” على حد قوله.

جدلية الانفصال و الوحدة في اليمن
الصراع في اليمن قديم جدًا، فقد بدأ تقريبا منذ بداية عقد الستينيات من القرن الماضي، فالهاشميون الزيديون، الذين حكموا اليمن لنحو ألف عام، تعرضوا لضربة قاسية مع انتصار الثورة على “حكم الإمامة” (1962)، إِذْ افقدهم النظام الجمهوري الجديد امتيازاتهم وحتى مناصريهم، فيما جاء توغل التيار الوهابي ليهدد وجودهم برمته.
ليست المرة الأولى التي يشهد فيها اليمن حرباً أهلية، ودعوة صريحة لانفصال الجنوب عن الشمال في اليمن ،فقد سبقت هذه الحرب حرباً أهلية شرسة ـ بعد وفاة الإمام أحمد في 18 سبتمبر/أيلول 1962، وإعلان تنصيب ابنه محمد البدر إماماً بعدهـ بين الملكين والجمهوريين. وقد كانت الحرب سجالاً بين الفريقين، وسلسلة من المناوشات، فتارة ينقلب الملكيون وأخرى الجمهوريون تبعاً للدعم المقدم لهذا الفريق اليمني أو ذاك من جانب القوى الإقليمية التي كانت تخوض الحرب بالوكالة على أرض اليمن.
ومنذ انسحاب الجيش البريطاني من جنوب اليمن في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1967 واستقلال البلاد وانسحاب القوات المصرية في أواخر ذات العام، كانت النزاعات وشبه الحروب بين الشطرين السابقين تدور حول موضوع تحقيق الوحدة اليمنية. وكان الشطران الشمالي والجنوبي يتبادلان الاتهامات بين البلدين بسبب فتح كل طرف حدوده لمعارضي الطرف الآخر. فقد حصلت مواجهات عسكرية محدودة على حدود البلدين استمرت من ربيع 1968 حتى يونيو/حزيران 1969.
بعد هذه الحرب الأهلية الضارية التي استمرت ثماني سنوات، قررت السعودية الاعتراف بنظام الحكم الجمهوري الجديد في اليمن. وبادرت إلى إعلان هذا الموقف في الثامن من نيسان (أبريل/تيسان ( 1970 وجاء هذا الإعلان عقب المصالحة الوطنية التي رعاها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز. وقد اغتنم مناسبة عقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة (24 آذار/ مارس 1970) ليشرف على المحادثات بين الجانبين الملكي والجمهوري، ويضمن تثبيت المصالحة ووصف في حينه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي كلفه الملك فيصل بمهمة التباحث مع الرئيس جمال عبدالناصر حول مستقبل اليمن، وصف موقف بلاده بأنه موقف الاعتراف بالجمهورية كدولة ذات سيادة كاملة على أراضيها ومستقلة استقلالاً تاماً. وأضاف الأمير سلطان، بأن بلاده تعتبر أمن اليمن واستقراره جزءاً لا يتجزأ من أمنها واستقرارها.
ومع وصول المقدم إبراهيم الحمدي إلى السلطة 13 يونيو/حزيران 1974، قام بخطوات جدية لإقامة الوحدة مع الشطر الجنوبي، غير إنه لم تكن له المقومات الذاتية والموضوعية الكافية للتحرر من هيمنة الضغوطات الإقليمية والغربية، التي كانت تمارس عليه بهدف لجم توجهاته نحو تحقيق مشروع الوحدة بين شطري اليمن، وكانت نهاية حياته مأساوية إذ قتل في مكتبه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977 قبل يوم واحد فقط من زيارته المقررة لعدن للتفاوض بشأن الوحدة معها. وحين حاول الرئيس السابق علي عبد الله صالح انتهاج سياسة استقلالية، سواء لجهة التوجه نحو تطوير العلاقات مع السوفيات وإبرام اتفاقية تسلح معهم في أغسطس/آب 1979 كرد ّ فعل على إيقاف شحن الأسلحة الأميركية لبلاده، أم من خلال موافقته على إقامة الوحدة بين شطري اليمن في نهاية السبعينات، تعرض بدوره لضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة، خصوصاً من قبل القبائل المدعومة إقليمياً والمعارضة للحكم، ولإقامة الوحدة مع الجنوب.
ف”اليمن السعيد” لم يعدْ سعيدًا، والوحدة اليمنية التي تحققت في عام 1990، تعرضت لهزات عنيفة، بدءًا من حرب الخليج الثانية في عام 1991، مرورًا بمحاولة الانفصال في عام 1994،وأخيرًا،بسبب التداعيات الخطيرة للحرب الأهلية الدائرة في اليمن منذ عام 2011 ولغاية الآن، والتي غذتها التدخلات الإقليمية و الدولية.

خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:على الرغم من أن الشعب اليمني في كلا الشطرين الشمالي والجنوبي يتمتع بوحدة ثقافية، واجتماعية واحدة منذ العصور القديمة، حيث أن وحدة الشعب واللغة والتاريخ والنسل (من قحطان) والفولكلور تشكل معطى أساسي ثابت تبلور في التاريخ اليمني، إلا أن القوى الإقليمية
ترفض بناء دولة يمنية موحدة وقوية في منطقة الخليج .ففي ظل غياب التسوية السياسية بين الأطراف الإقليمية و الدولية الفاعلة في الأزمة اليمنية المستمرة منذ أكثر من 12 سنة، فإنَّ اليمن مهدد بالتفكك إلى دويلات طائفية وقبلية ومناطقية.
علْمًا أنَّ الدول الخليجية، وفي مقدمتها المملكة السعودية، ودولة عمان تعارضان مشروع انفصال جنوب اليمن عن الشمال، لأنَّ ذلك سيكون سابقة خطيرة، ومقدمة لتفكيك الدول الخليجية مستقبلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى