المناضل مجلي النصراوين.. الرجل الصح في الزمن الخطأ

بقلم: عبد الهادي الراجح

فقد وطننا العزيز وأمتنا العربية صباح يوم الاثنين الماضي الموافق 6 آذار 2023م ، قامة من قامات الوطن وعلما من أعلامه.. فقد رجلا من أنزه وأشرف ما عرفت في ميادين الشرف والنضال ؛ المناضل الكبير المحامي والقاضي مجلي النصراوين ، أحد القادة التاريخيين لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي غادر عالمنا بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال والعمل الدؤوب لخدمة وطنه وأمته .

لقد كان فقيدنا الكبير رجل مبدأ وصاحب مواقف مشهودة ، لم يساوم على مبادئه وقيمه وما يؤمن به ، انتقل من القرية التي ولد بها ” السماكيه” الى الكرك ومعان وعمان ثم الى سوريا لغرض استكمال دراسته .
ومع المتغيرات السياسية في سوريا التي كانت معروفة بها ، تعرض فقيدنا الكبير للظلم والاجحاف من رفاقه ، وذاق مرارة السجون لنيف وعشرين عاما ، ورفض خلالها كل الوساطات من الفاتيكان وغيرها من المنظمات الحقوقية للأفراج الشخصي عنه، وربط نفسه ومصيره مع مصير رفاق دربه .

وعندما عاد لوطنه بعد تلك المأساة وتلك السنوات للأسف وجد أن معاملته في وطنه اختلفت عن زملائه في الاستقبال من الجهات الرسمية في الوطن ، حيث تلقى زملاؤه اتصالات التهنئة بالخروج من السجن من أعلى مستويات الدولة ، وهذا الذي لم يحظ به فقيدنا الكبير كما ورد في مذكراته الشخصية .

الأسباب معروفة وكثيرة ، فقد رفض فقيدنا الكبير أبو سليم المتاجرة بقضيته ومأساته حتى نستطيع أن نقول ما قاله عنه الرئيس حافظ الأسد رحمه الله ( اذا كان هناك انسان له عند سوريا فهو مجلي النصراوين ) .
والتزم مناضلنا الكبير الصمت حتى لا يفهم على غير ما يقصد في ظل التربص السياسي بسوريا التي بقيت ككل الوطن العربي في قلب ووجدان فقيدنا الكبير مجلي النصراوين .

وعندما هبت رياح التآمر والخيانة والثورات الملونة المصنوعة في دوائر المخابرات الأجنبية والأمريكية بشكل خاص ، ووصلت الى الأحداث المؤسفة لسوريا وليبيا ، وحاكت المؤامرات وبدأت كقطع الليل حالكة السواد وقف فقيدنا الكبير مجلي النصراوين الى جانب سوريا، وقام بحشد كل طاقاته واستخدام رمزيته الوطنية والقومية للوقوف مع هذه الدولة، مترفعا عن كل الآلآم الشخصية والانسانية ، ورفض الكثير من العروض ليتحدث عن معاناته في سوريه ، تلك العروض التي كانت كفيلة أن تجعله يصبح من أصحاب الملايين ولكنه رفض رفضا باتا وشكل لجنة من المثقفين والصحفيين للدفاع عن الدولة السوريه ، وذهب للسفارة السوريه متضامنا مع الدولة في موقف سيذكره له التاريخ بأحرف من نور .
ولو أراد فقيدنا الكبير مجلي النصراوين المال أو الجاه أو المنصب كان زمانه اليوم في أعلى الأماكن ، ولكنه انحاز لضميره الوطني الذي لا يعرف الا مصلحة وطنه وشعبه وأمته .

وكما أسلفت وقف مع الدولة السوريه في وجه أشرس وأخطر برابرة العصر الحديث وهمجه المدعومين من كل أعداء الأمة العربية وشياطين الأرض ، حتى وقفت الدولة السورية على رجليها واستعادت دورها الوطني والقومي ، وان كانت المؤامرات لا زالت تحاك ضدها .
ولعل ما نأمله من سوريا الدولة وشعبها العريق حضارة وتاريخ أن نرى تكريما لهذا المناضل والقائد مجلي النصراوين باطلاق اسمه على أحد الأماكن العامة ؛ تكريما لهذا المناضل الذي أثبت أنه ابن بار لسوريه، كما هو الأبن البار لكل قطر عربي شقيق ايمانا بقناعته ومبادئه التي آمن بها حتى رحيله المفجع ؛ أن العرب أمة واحدة ويجب أن يكونوا كذلك .

وعلى المستوى الشخصي أذكر أول مرة عرفت الفقيد الكبير مجلي النصراوين كانت في رابطة الكتاب ، وقد عرفني عليه المناضل الكبير الدكتور يعقوب زيادين رحمه الله .
ولفتت انتباهي مداخلة فقيدنا الكبير في الحوار، فسألت أبا خليل عنه وأخبرني أنه مجلي النصراوين ، وبعد ذلك صادفته أكثر من مره في حزب الشغيله وحدث تعارف بيننا ، واتصالاتي به لم تنقطع حتى الرحيل ، وأذكر في كل المناسبات والأعياد ، انه كان أول المهنئين ، وكنت أعتقد في فترة أن سنوات السجن الطويلة قد أخذت منه اهتماماته ولكن وجدت العكس تماما ، فهو متابع ممتاز لكل قضايا وطنه وأمته حتى ما يخص الاعتصامات والاضرابات المطالبة بحقوق قطاع من الشعب ، وفوجئت أنه يحدثني عن اضراب مؤسسة الموانيء وعن دوري شخصيا أنا الفقير لله كاتب هذه السطور ، وما دفعته من ثمن باهظ .

رحم الله القائد والانسان والمناضل الكبير مجلي النصراوين “أبو سليم” ، فقد رحل عنا بالجسد كأي انسان ، ولكن مجلي النصراوين المبدأ والمدرسة سيبقى خالدا تتعلم منه الأجيال معنى النضال الحقيقي ومواقف الرجال الرجال ، وخسارتنا برحيله تعجز عن وصفها كل كلمات لغة الضاد .

عزاؤنا الحار لزوجته الفاضلة وأشقائه وشقيقاته وعموم آل النصراوين الكرام ولكل احرار وحرائر الأمة العربية التي تبقى ولادة ، والبقاء لله وحده .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى