الذكرى السنوية الـ 65 لقيام دولة الوحدة السورية – المصرية بعنوان “الجمهورية العربية المتحدة” وبرئاسة جمال عبد الناصر

في مثل هذا اليوم، 22 شباط/ فبراير من عام 1958، وقف التاريخ العربي رافعاً رأسه، وشاهراً بأسه، ومهنئاً نفسه بقيام دولة الوحدة السورية – المصرية، بعنوان “الجمهورية العربية المتحدة” ألتي تم اعلانها، وخفقت في الآفاق اعلامها بعد توقيع ميثاقها من قبل الرئيسين المصري جمال عبد الناصر، والسوري شكري القوتلي، حيث تنازل الأخير عن الرئاسة للأول، واختيرت القاهرة عاصمة للجمهورية الوليدة.
في ذلك الزمن العربي المجيد، إلتقت وفود من مصر وسوريا، لتوقع أكبر وحدة في تاريخ العرب، باسم الجمهورية العربية المتحدة، حقق من خلالها الرئيس جمال عبدالناصر إكبر الأحلام والآمال التي ظلت تراود احرار العرب منذ بدايان القرن العشرين.
مقدمات الوحدة
جاءت الوحدة نتيجة المطالبة الدائمة لمجموعة من الضباط السوريين بها، في وقت كان فيه قادة حزب البعث السوري الاشتراكي قد قاموا بحملة من أجل الاتحاد مع مصر، باعتبار أنهما البلدان الأكثر تحررًا من البلدان الأخرى، فضلًا عن تقديم مصر نموذجًا للثورة تطلع له كل العرب في ذلك الوقت، وأصبح هناك نوعًا من الاستقطاب للزعامة الناصرية.
وفي ذلك العام، حضر وفد عسكري سوري إلى القاهرة مطالبًا بالوحدة الفورية، وفاوض عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر لأيام طويلة، حتى تم الإتفاق على الوحدة، بوصول وزير الخارجية السوري “صلاح البيطار” للتوقيع بالحروف الأولى على ميثاق الوحدة بين سوريا ومصر.
واتفقت مصر وسوريا على إنشاء قيادة عسكرية موحدة يكون مركزها في دمشق، وكانت العوامل الخارجية لعبت دورها الأول في تعزيز هذا التقارب، حيث بدأ الاتحاد السوفيتي عام 1956، بحملة دبلوماسية واسعة لاكتساب دول الشرق الأوسط، وقبلت سوريا ومصر صفقات السلاح السوفيتي.
وفي عام 1957،واجتمع مجلس النواب السوري ومجلس النواب المصري في جلسة مشتركة، وأصدرا بالإجماع بيانًا وجها فيه دعوة إلى حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين، واجتمع رئيسا البلدين وأركان حكومتيهما وأصدروا بيانًا آخر أعلنوا فيه توحيد القطرين في دولة واحدة تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”.
قررا أن يكون نظامها رئاسيًا ديموقراطيًا، وبالفعل جرى استفتاء شعبي على الوحدة وتم انتخاب عبدالناصر رئيسًا، ووضع دستورًا جديدًا لها، وحكومة مركزية، ومجلسان تنفيذيان إقليميان، المجلس التنفيذي المصري، والمجلس التنفيذي السوري اللذان يرأس كل منهما وزير مركزي.
أما السلطة التشريعية فقد تولاها مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية والنصف الآخر يختاره من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر، وقد منح مجلس الأمة حق طرح الثقة بالوزراء.
ويرى كثيرون أن الدعوة جاءت تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في إطار الجو الدولي الضاغط، والأحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشود التركية على الحدود السورية وصولًا إلى قيام حلف بغداد بالمؤامرات والدسائس.
خطاب عبدالناصر
وعقب توقيع ميثاق الاتحاد، ألقى “عبدالناصر” خطابًا شهيرًا له قال فيه: “أيها المواطنون، السلام عليكم ورحمة الله.. إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتي، فقد كنت دائمًا أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهار ده، أزور سوريا قلب العروبة النابض”.
وتابع: “سوريا اللي حملت دائمًا راية القومية العربية، سوريا اللي كانت دائمًا تنادي بالقومية العربية، سوريا اللي كانت دائمًا تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان، واليوم أيها الإخوة المواطنون حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة”.
وفي خطاب آخر قال عبد الناصر.. أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة:
لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث فى قلبه، لقد قامت دولة كبرى فى هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتطيق.
الانفصال وأسبابه
التربص بهذا الوليد الجديد كان تربصاً شرساً من قبل قوى عميلة ورجعية في المنطقة وخلفها إسرائيل وأمريكا، لتنتهي الوحدة بانقلاب عسكري في دمشق يوم 28 سبتمبر 1961، حيث أعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية حتى عام 1971، عندما سميت باسمها الحالى جمهورية مصر العربية.
وقد أرجع الكثيرون أسباب الانفصال، إلى قيام الرئيس عبد الناصر باستفزاز الطبقة الرأسمالية جراء تأميم البنوك والمعامل والشركات الصناعية الكبرى، واختلال توازن قوى العمل، وفضلا عن فرض سياسات انضباطية من قبل الحكومة ساهمت في توليد انزعاج لدى السوريين، الذين كانوا يتمسكون بالتعددية السياسية التي اشترط عبدالناصر إلغائها لقبول الوحدة، فضلًا عن توتر المنطقة.
غير ان الكثير من الأدباء والمفكرين قد اشادوا بتجربة الوحدة، بسبب المنجزات الاقتصادية التي تم إنجازها في عهدها وعلى رأسها بداية مشروع سد الفرات، والذي كان في نظر عبدالناصر موازيًا لمشروع السد العالي في أسوان، إضافة لحماية سوريا من تهديدات تركيا والأحلاف التي كانت تتربص بها والتي كانت السبب الأساسي وراء قيام دولة الوحدة بهذا الشكل الفوري.