“الجميع يعيد النظر في حساباته”.. تسارع وتيرة الجهود المبذولة لعودة سوريا الى مقعدها بجامعة الدول العربية
الحرة – دبي
تسارعت وتيرة الجهود المبذولة لإعادة سوريا لجامعة الدول العربية عقب الزلزال الكارثي الذي ضرب شمال البلاد وجنوب تركيا في وقت سابق من الشهر الحالي.
وتقف الإمارات على رأس الدول التي تسعى لتطبيع العلاقات مع النظام السوري بعد 12 عاما على الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد.
وبعد حدوث الزلزال، التقى وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بالرئيس بشار الأسد، بالعاصمة دمشق في رحلة هي الثانية من نوعها منذ بداية العام الجاري.
“فتح قنوات الحوار”
وقال المحلل السياسي الإماراتي، محمد تقي، إن الإمارات “تعمل بكل جهد منذ فترة لاعادة سوريا للمكانة الطبيعية وللحاضنة العربية من جديد”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، امتدح المحلل الإماراتي سياسة بلاده في هذا الاتجاه واصفا إياها بـ “الموضوعية”، وأكد أن “كسر العزلة” عن النظام اسوري هو نهج كانت أبوظبي تتبعه حينما قاطعت بعض الدول العربية مصر على خلفية توقيعها لاتفاقية سلام مع إسرائيل في السبعينات.
وكان الرئيس السوري قد زار مسقط والتقى بسلطان عمان، هيثم بن طارق، امس الاثنين، في رحلة هي الثانية للأسد لدولة عربية منذ عام 2011.
وخلال جلسة مباحثات رسمية بين سلطان عمان ورئيس النظام السوري، تم “تبادل وجهات النظر بشأن مجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود الرامية لتوطيد دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العمانية.
وفي هذا الإطار، شدد الأكاديمي العماني والباحث في شؤون دول الخليج والشرق الأوسط، عبدالله باعبود، على أن علاقة سلطنة عمان مع سوريا لم تقطع، وظلت كما كانت حتى خلال سنوات الحرب الأولى.
وقال باعبود لموقع “الحرة” إن “العلاقات ظلت مستمرة رغم كل الصعوبات التي مرت فيها سوريا من حروب وأزمات”.
ومع ذلك، يعتقد الباحث العماني أن بلاده تحاول “الموافقة” بين سوريا والدول العربية بحيث “تفتح قنوات حوار ومصالحة”، لا سيما وأن هناك توجه عربي بلم الشمل، وفق تعبيره.
من جانبه، قال تقي إن زيارة الرئيس الأسد لمسقط تمثل “خطوة هامة لكسر الجمود العربي عامة والخليجي خاصة تجاة دمشق”، واصفا استقبال عمان لرئيس النظام السوري بالخطوة “الشجاعة التي تحسب للسلطنة”.
انفتاح “بمستويات متعددة”
كذلك، اتصل الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بالرئيس الأسد بعد الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 43 ألف شخص في تركيا وسوريا معا وتسبب بدمار كبير للمباني وتشريد مئات الآلاف من الناس.
في هذا الصدد، يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، إن “الفاجعة الإنسانية ساهمت في فتح قنوات اتصال ومساعدات حتى من الدول المتحفظة” لإعادة العلاقات مع الرئيس الأسد.
في حديثه لموقع “الحرة”، يرى الشوبكي بأن عودة العلاقات بين القاهرة ودمشق التي قطعت في عهد الرئيس الراحل، محمد مرسي، “واردة بدرجة كبيرة”.
وقال إن القرار المصري بعودة العلاقات مع سوريا سيكون “بالتنسيق مع السعودية”، موضحا أن عودة دمشق للجامعة العربية بشكل كامل إن حدث سيأتي “بالتفاهم في إطار مظلة عربية أكبر وليس من خلال البوابة الإماراتية”.
وفي تصريحات، السبت الماضي، على هامش مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، وجود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما” حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين.
وخلال منتدى ميونيخ للأمن، قال الأمير فيصل بن فرحان، “سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.
وفي 14 فبراير، هبطت طائرة سعودية في مطار حلب الدولي تحمل مساعدات إغاثية لمنكوبي الزلزال المدمر، وهي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق قبل أكثر من عشر سنوات، وفقا لوكالة فرانس برس.
وعلى الرغم من أن المساعدات الإنسانية ليست بالضرورة أن تصنف على أنها تأتي لأهداف سياسية، إلا أنه “لا يمكن إبعاد الخطوة” عن الانفتاح العربي “بمستويات متعددة” على النظام السوري، حسبما قال باعبود.
ويرى باعبود أن المنطقة “لم تستفد” من كل الخلافات مع سوريا طوال السنوات الماضية وأن استمرارها يمثل “ضرر” على المنطقة.
وقال إن محاولة جذب سوريا للحضن العربي تمثل مرحلة جديدة من العلاقات العربية العربية بحيث تبقى الخلافات السياسية الأخرى محصورة في زاوية معينة لا تمنع الدول من العمل مع بعضها البعض.
وأرجع الشوبكي التغييرات التي طرأت على العلاقات العربية مع سوريا إلى النتائج الموجودة على الأرض.
وقال: “نعم. هناك مؤشر للتحول. الجميع يعيد حساباته، بما في ذلك السعودية على ضوء التحولات على الأرض”، مردفا: “هناك طرف انتصر وهو النظام السوري الذي بسط سيطرته على معظم الأراضي بعد أن كان الوضع في البداية معاكسا”.
وتابع: “أصبح من الصعب تجاهل حضور النظام وقوته في معظم الأراضي السورية أيا كانت الأدوات التي يستخدمها لذلك”.
ومع ذلك، يرى محللون أنه مازالت هناك “تحديات” تواجه إعادة العلاقات الكاملة مع النظام في دمشق بالنسبة لكثير من الدول العربية.
وفي حين يقول باعبود أن هناك دولا لا تزال “متحفظة”، يرى الشوبكي “الصعوبات” تتمثل في “مسألة العلاقات السورية الإيرانية”.
وقال الشوبكي إن “حجم حضور إيران ووجود المليشيات التابعة لها في سوريا والتأثير السياسي والاقتصادي يقلق بعض الأطراف العربية على العودة الكاملة”، مشيرا إلى أنه “لابد من حل المسائل العالقة” حتى يتحقق اختراق أكبر في عودة دمشق لجامعة الدول العربية.