تونس بين محاربة الفساد وانتظار إصلاح أكبر من ثورة

بقلم: توفيق المديني

تشهد تونس منذ الأسبوع الماضي و لغاية الآن حملة اعتقالات واسعة شملت شخصيات سياسية منتمية لأحزاب سياسية معارضة لسلطة الرئيس قيس سعيَّدْ، ورجال أعمال وقضاة وإعلاميين.
من هم المعتقلون في تونس؟
من أبرز هؤلاء المعتقلين ،الناشط السياسي خيام التركي الذي التحق بحزب التكتل بعد الثورة في 2011لا قبلها.وهو سياسي انتهازي متميز،وأبوه ابراهيم التركي سفير تونس الأسبق بباريس في عهد بورقيبةوهو رديء جدًّا وأكل ،في وقت ما،وكان عقل الدكتورمصطفى بن جعفررئيس حزب التكتل حليف حركة النهضة في السابق ،ورئيس أول برلمان في تونس ما بعد 2011(المجلس التأشسيس).وخيام التريكي طموح جدا وكاد يصبح وزير المالية لولا أنَّ محاميَا فضحه في آخر لحظة في الإعلام بسبب قضايا ضده من دولة الإمارات بسبب اختلاسات مالية وقد تقرب كثيرا من النهضة في السنوات الأخيرة لكنه استقال من التكتل في 2015 .
وبدأت حملة الاعتقالات نهاية الأسبوع الفائت بتوقيف رجل الأعمال كمال اللطيف،حيث تتكون هذه العائلة من ثلاثة أخوة: (كمال وصلاح ورؤوف)، ويعتبر الأول صديقاً شخصياً للرئيس الراحل بن علي منذ وقت طويل. وكانت هذه العائلة القوية والمتكونة من مقاولين في الأشغال العمومية، تمتلك القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل الحكومات، طيلة السنوات الخمس الأولى من تاريخ حكم الرئيس بن علي.وقداحتل أحد أعضاء هذه العائلة مولدي زواري وزارة الفلاحة عن طريق التحالف. وكانت كل الشخصيات التونسية تنتظر في مكتب كمال لطيف القائم بنهج بيروت قبل مقابلته.وقد ّمكنّه هذا الامتياز من الظفر بمعظم عقود مقاولات البناء العمومية،وكل مدير عام لشركة تابعة للقطاع العام مجبر على منحه عقود الأشغال العمومية، لشركته تحت طائلة فصله.وحتى الشركات التابعة للقطاع الخاص، فإنها تخضع للقاعدة نفسها. مثلا لا يستطيع مؤسس فندق أن يحصل على قروض من البنك دون أن يعطي لشركة لطيف مهمة تنفيذ أشغال البناء. وقد استحوذت هذه العائلة على ملايين الدولارات بفضل احتكارها واستحواذها على أسواق مقاولات البناء في القطاعين العام والخاص.
غير أنه منذ عام 1992،سقطت هذه العائلة من برجها العاجي بسبب خلاف نشب بين كمال لطيف وبن علي، حيث رفض الأول دخول عائلة مافياوية جديدة في نظام النهب،أي عائلة ليلى الطرابلسي الزوجة الثانية للرئيس بن علي،ومنذئذ خضعت عائلة لطيف لعقوبات صارمة،ووضعت تحت الرقابة البوليسية، وأحرقت عدة مقرات لها،والتزم أعضاؤها سياسة الصمت ثمن بقائهم على قيد الحياة.
وتم اعتقال نائب رئيس حركة النهضة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، الذي دجَّن القضاء التونسي في عام 2012،بما جعله مخترقًا بالكامل من قبل حركة النهضة، ووكيل النيابة السابق القاضي البشير العكرمي، الذي نيَّمَ ملفات الاغتيالات السياسية للشهيدين شكري بلعيد،ومحمد البراهمي في أدراج مكتبه ،وملفات الجرائم الإرهابية الأخرى في داخل تونس،وفي خارجها، نظرًا لأنَّه كان مَحْمِيًا من حركة النهضة، التي كانت تسخر قياداتها المتنفذة من الغنوشي إلى البحيري من الجميع: اذهبوا الى القضاء… فالتدخل السياسي في عمل القضاء التونسي من جانب حركة النهضة الإسلامية ،موجود دائماً،لمنع وصول القضاء إلى كشف الحقيقة عن جرائم الاغتيالات السياسية،وكذلك عدم كشف ملفات الفساد ،ويحصل بشكل مسبق واستباقي.
ومن بين الذين تم اعتقالهم أيضا المتهم رئيس محكمة التعقيب السابق الطيب راشد، والسياسي عبد الحميد الجلاصي، والصحفي وصاحب الإذاعة الخاصة “موزاييك” نور الدين بوطار،ومن قبلهم قيادات ائتلاف الكرامة، بالإضافة إلى تداول أسماء رجال أعمال ونشطاء، من دون توضيحات من السلطات عن التهم الموجهة إلى هؤلاء والرابط بينهم، وطبيعة القضايا والتزامن في التوقيفات.
وتم إيقاف الوزير السابق المحامي و الناشط السياسي الأزهر العكرمي مساء الاثنين الماضي بعد عملية مداهمة وتفتيش لمنزله وفق محاميه. وقام الأزهر العكرمي بترحال إيديولوجي وسياسي من اليسار في سنوات الجامعة، إلى تبني الليبرالية الأمريكية بعد 2011، حين عينه رئيس الحكومة المؤقتة الراحل الباجي قائد السبسي كاتب دولة لدى وزير الداخلية ،والمسؤول عن الإصلاحات من 1تموز/يوليو إلى 24ديسمبر 2011، ثم أصبح من قيادات حزب “نداء تونس”(2012-2015)،ومنذ فترة أصبح قريبًا من حركة النهضة، حيث بات يرفض التهم الموجهة إليها بأنها غير ديمقراطية، ويًعُدُّهَا مكْسَبًا وطنيًا يجب الحفاظ عليها،لأنَّها من أساسيات العمل السياسي في تونس قائلاً عنها:”مخطىء من يتصور أنه يستطيع ضرب حركة النهضة لأنَّها متغلغلة في المجتمع التونسي”.
وقالت المحامية منية بوعلي، إنه بدأ يوم الخميس16فبراير2023 التحقيق مع المحامي الأزهر العكرمي في محكمة مكافحة الإرهاب. وتم توجيه تهمة المشاركة في تجمع للاعتداء على “أمن الدولة” لكل من الجلاصي، والتركي واللطيف، بحسب ما أفاد به محاموهم.
فيما تتمثل التهمة الموجهة للوزير السابق نور الدين البحيري على أساس المادة 72 من المجلة الجزائية، في “التآمر على أمن الدولة”، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
بدورها، أكدت محامية الصحفي نور الدين بوطار، أنه لم يتم توجيه أية تهمة له منذ إيقافه، مشيرة إلى أن التحقيق معه تمحور حول الخط التحريري، والتسيب المالي والإداري للإذاعة.
كما اعتقلت السلطات التونسية ، القيادي في حركة”النهضة “فوزي كمون، الذي شغل سابقا منصب مدير مكتب رئيس الحركة راشد الغنوشي.ويُعَدُّ كمون من كوادر النهضة الذين برزوا كقيادات شبابية في ثمانينيات القرن الماضي، وشغل بعد الثورة مناصب أبرزها مدير مكتب الأمين العام السابق للحركة حمادي الجبالي، ثم عضوا بديوان رئيس الحكومة.
خطاب المعارضة والدفاع عن ديمقراطية الفساد
تتكون المعارضة المناهضة لسياسات الرئيس قيس سعيَّدْ من الأحزاب السياسية التي كانت تحكم خلال العشرية السوداء من 2011 ولغاية 2021، وهي حركة النهضة وحزب نداء تونس، ومشتقاته، حزب قلب تونس، وتنظيم الكرامة السلفي الذي يمثل الذراع اليمنى للنهضة، وحزب أمل الذي ينتمي إليه رئيس جبهة الخلاص الوطني الأستاذ نجيب الشابي، والعديد من منظمات المجتمع المدني ، والقضاة و المحامين المرتبطين بالمنظومة السياسية السابقة التي أسقطها الرئيس سعيَّدْ في 25يوليو 2021.
إلى جانب جبهة الخلاص، شهدت الساحة السياسية المعارضة، في 28 سبتمبر/ أيلول 2021، تشكيل جبهة تحت اسم “تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية”، ضمّت في صفوفها حزب التيار الديمقراطي وحزب العمال والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري .وتشترك تنسيقية الأحزاب مع جبهة الخلاص في معارضتها للرئيس سعيّد، وفي اعتبار ما حدث في 25 تموز/ يوليو انقلابًا، وفي عدم الاعتراف بشرعية سعيّد وقراراته، غير أنها تحمّل حركة النهضة وشركاءها مسؤولية الإخفاقات التي شهدتها عشرية الانتقال الديمقراطي، وترفض الالتقاء معها في أي إطار سياسي أو حراك ميداني.
في خطابها السياسي والإعلامي الذي تقدمه للشعب التونسي بشأن الاعتقالات في تونس في الفترة الأخيرة ، تقول هذه المعارضة آنفة الذكر إنَّ”القاسم المشترك الوحيد بين الموقوفين أنَّهم أشخاص عرفوا بنشاطهم السياسي ضد الانقلاب، وأجمع المحامون في تصريحاتهم وتدويناتهم على أنَّه تم التمطيط بطريقة غير قانونية في فترة المنع من مقابلة مندوبيهم التي تنص عليها مجلة الإجراءات الجزائية في قضايا الإرهاب، وأنه تعذر عليهم الاطلاع على الملفات ومراقبة سلامة الإجراءات”.
ويضيف خطاب المعارضة “يبدو أن سلطات الانقلاب انتهجت المحاكمات السياسية وسيلة للتخلص من المعارضة في البداية باستعمال القضاء العسكري كما يظهر جليا في الارتفاع البين لعدد المحاكمات العسكرية للمدنيين بعد 25 يوليو، وهوية المحالين من نواب ومحامين وإعلاميين وسياسيين”.
وفي دفاعها عن البعد الليبرالي للديمقراطية ، أي المتعلق بالحرِّيات ، وحقوق الإنسان، يصف خطاب المعارضة منعرج الاعتقالات ب”المخيف للحقوق والحرِّيات الذي دق آخر مسمار في نعش دولة القانون ينذر بمستقبل مظلم للمعارضة الديمقراطية في تونس في ظل انقلاب تحول بسرعة مخيفة إلى دكتاتورية مقيتة”.
وبالمقابل يقدم الرئيس سعيَّدْ خطابًا نقيضًا لذلك، فيقول أنَّ بعض الموقوفين في الآونة الأخيرة متورطون “في التآمر على أمن الدولة الخارجي والداخلي، وهذا بالإثباتات”، مضيفا: “هم من يقفون وراء هذه الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الأسعار”.وفي معرض تحليلة لأزمات التوزيع وارتفاع الأسعار ، يقول سعيَّدْ إن المحتكرين تقف خلفهم ”عصابات منظمة تأتمر بأوامر هؤلاء الخونة والمرتزقة، عصابات لا يهمها جائع أو فقير، بل لا تثير فيهم أنات مريض أي شعور”، على حد زعمه.
وأضاف سعيّد: “التنبيه والتحذير موجهان إلى من يسيطرون على ما يسمى مسالك التوزيع، وهي مسالك تنكيل وتجويع، فلن يهربوا ولن يبقوا خارج المساءلة وتطبيق القانون”، مؤكدا أن “الشعب يريد المحاسبة ولا بد من محاسبة هؤلاء، ولا استثناء لأحد مهما كان، ولن نخيب آمال شعبنا”.وقال إن “على القضاة الشرفاء أن يطبقوا القانون ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم”، مضيفا: “سنواصل بنفس القوة والعزيمة لتطهير البلاد”.
تؤكد المعارضة في خطابها السياسي والإعلامي على دفاعها عن الديمقراطية،ولكنَّ عن أي ديمقراطية؟إنها ديمقراطية الفسادالتي نقم عليها الشعب التونسي،وعبَّر عن كرهه للأحزاب السياسية و الديمقراطية معًا،لا سيما بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيَّدْ في 25يوليو ، وما نسبة العزوف الأخيرة في آخر المحطات الانتخابية سوى التعبير الدقيق عن هذا الموقف.
المنظومة السابقة قتلت الأمل للشعب التونسي
كانت العشرية السوداء عبارة عن ثقب أسود مرعب ،فلم تحقق الحكومات المتعاقبة التي تداولت فيها الأحزاب السياسية على السلطة ديمقراطيا (الترويكا، نداء تونس، النهضة.. إلخ) أي من انتظارات الشعب التونسي،وأفرغت المنظومة السياسية السابقة الديمقراطية من محتواها الاقتصادي والاجتماعي. فعجزت هذه الحكومات المتعاقبة عن حل مشكلة البطالة التي بلغت نسبة مليون عاطل عن العمل ثلثهم من حاملي الشهادات الجامعية،إذ لم يبق أمام الشباب التونسي سوى طريق الهجرة السرية عن طريق المغامرات في البحر باتجاه الجنة الموعودة شمال المتوسط،وفشلت كل الأحزاب السياسية والنخب الاقتصادية في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، واكتفت بالحديث عن البعد الليبرالي للديمقراطية المتعلق بالحرِّية ، حتى تحولت إلى فوضى عارمة في تونس. فتم إضعاف الدولة الوطنية التونسية الموروثة من العهد البورقيبي بكل مكتساباتها ،وتحولت تونس إلى أول بلد في العالم يشهد إضرابات شلت القطاعات العمومية (المعلمون والقضاة والمهندسون والأطباء وأعوان المالية والبريد والنقل وعمّال النظافة …) طلبا للزيادات، بعقلية فئوية أنانية. تعطل إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي والبترول في الكامور (أقصى الجنوب التونسي) وغيره، ما تسبب في تردّي خدمات مؤسسات وطنية عديدة، وهي حاليا على حافة الإفلاس. كما فشلت كل الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد، رغم وجود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.، بسبب غياب الإرادة السياسية،وارتماء كل هذه المنظومة السياسية بكل مؤسساتها في أحضان مافيات ولوبيات الفساد.
الرئيس سعيًّدْ والبرنامج الجديد لإنقاذ تونس
ما يتطلب التركيز عليه في تونس اليوم، هو أنَّ النظام الاقتصادي و الاجتماعي لم يعد قادراً على تلبية احتياجات غالبية الشعب التونسي، وهو ما قاد إلى خلق حركات احتجاجية ذات طابع اجتماعي في كل مكان، وجعلها تنهض وتلتحم بحثاً عن أنموذج اقتصادي جديد، إذ لم تعد الرأسمالية الليبرالية المندمجة في نظام العولمة الرأسمالية اللبرالية المتوحشة ، التي انتشرت بشكل فعال طيلة العقود الثلاثة الماضية ، قادرة على طرح نموذج أو بعث أمل في نفوس أولئك الذين يبحثون عن بديل للرأسمالية، إذ يريد التونسيون حلولاً جديدة، وعلاجاً لغياب العدالة وانعدامها وانتشار الفساد والإخفاقات الهائلة.
يعتبر كبار الخبراء في الاقتصاد سواء من الدول العربية أومن الدول الغربية، أنَّ النموذج الاقتصادي التونسي الريعي الذي تهيمن عليه البرجوازية الطفيلية،هجيناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى دقيقٍ، ليس نموذجاً رأسماليا خالصاً على الطريقة الغربية خاضعاً لقانون السوق،بل هو نموذج خاضع لقانون مافيا الفسادالسياسي و المالي والإداري المهيمنة على الاقتصاد التونسي في ظل الحكومات المتعاقبة ما بعد سنة 2011،لتتحول تونس بعد ما سمي بالثورة إلى ما أشبه بالعيش في العصورالإقطاعية ، لا في عصر العولمة الليبرالية ،بسبب تفاقم المشاكل طويلة الأمد مثل البيروقراطية، وصعوبة الحصول على التمويل،وتحول الفساد إلى آفة تأكل الأخضرواليابس،ونمو الاقتصاد الموازي الذي بلغ نسبة 53%، متفوقًا على الاقتصاد الرسمي.
تعيش تونس اليوم في الهاوية،لا سيما في ظل الإفلاس المالي ،من هنا تأتي الدعوة الوطنية الصريحة لإنقاذ تونس من هذا الإفلاس، ووضعها على طريق الإصلاح الذي يُعَدُّ أكبر من الثورة.ويقتضي هذا من الرئيس قيس سعيَّدْ بلورة البرنامج الجديد للخروج من الأزمة البنيوية التي تعيشها تونس، والذي يقوم على تحقيق تسوية تاريخية قوامها النقاط التالية :
أولاً: فتح حوار وطني حقيقي بإشراف الرئيس سعيد ، تشارك فيه المنظمات الوطنية ،والأحزاب الوطنية والديمقراطية غير المنضوية في المنظومة السابقة ، وكل العقلاء من سياسيين ونقابيين، ،لبلورة عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ للبلادِ،عبر تشريكِ كل الأطرافِ الاجتماعيةِ في العقد الاجتماعيِّ الجديدِ، ليتمَّ تحديد كل المسؤوليات ،وتشكيل حكومة إنقاذ وطني حقيقية تخرج البلاد من أزمتها العميقة.ويَرْتَكِزُ هذا العقد الاجتماعي الجديد على ضرورةِ التحرُّرِ الحقيقيِّ من عقلية الدولة الغنائمية ،وإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية أي دولة القانون ،بما تتضمنه دولة المؤسساتِ.
ثانيًا :لإنقاذ تونس، يحتاج الرئيس قيس سعيَّدْ إلى بناء الكتلة التاريخية الشعبية التي تضمُّ كلَّ التيارات الفكرية والسياسية والنقابية المؤمنة بالمشروع الوطني الديمقراطي التونسي ،وبناء دولة الضمان الاجتماعي.ومن المفيد في هذا السياق أن يتفاعل الرئيس قيس سعيَّدْ بشكل إيجابي مع “المبادرة الوطنية للإنقاذ” التي أعلن الاتحاد التشاور في شأنها مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وعمادة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعرضها على الرئيس سعيّد.
لقد حافظ الاتحاد العام التونسي للشغل على موقعه التاريخي كجزء لا يتجزأ من منظومة الحكم التي تشكلت ما بعد الاستقلال بمختلف مكوناتها الدستورية ثم التجمعية وحلفائها العضويين من اليسار الوظيفي واليسار الدغمائي وارتباطاتها الإقليمية والدولية…لكنَّ الاتحاد التونسي للشغل مطالب اليوم بإجراء إصلاح ديمقراطي حقيقي في بنيانه الداخلي، خاصة مقاومة البيروقراطية اليمينية في داخله الذي ينخرها الفساد،وأن يطور ثقافته السياسية والنقابية لكي تواكب عصر العولمة الرأسمالية الليبرالية، لا أن يظل يعيش في ظل الفكر النقابي التقليدي العائد إلى القرن العشرين ،وأن يقبل بضرورة إجراء الإصلاحات المطلوبة داخل مؤسسات القطاع العام ، لكي تصبح مؤسسات منتجة وتنافسية . فيتخلى الاتحاد العام التونسي للشغل عن السياسات الثورية المناهضة للرأسمالية الوطنية من خلال تجميد الإضرابات لثلاث سنوات ،مقابل ضمان رجال الأعمال التونسيين غير الملوثين بالفساد توفير الرساميل الكبيرة لبناء المشاريع التنموية في الولايات الفقيرة.
ثالثًا : أن يعرض الرئيس سعيَّدْ الصفقة التالية على الرأسماليين ورجال الأعمال الفاسدين،التخلي عن الجزء الأكبر من ثرواتهم الشخصية، ومدخولاتهم من الشركات الاحتكارية و العقارات ،وأن يقبلوا بزيادة نسبة ضريبة الدخل على رؤوس أموالهم وثرواتهم ودفعها للحكومة المركزية من أجل صرف تلم الأموال لتمويل المشاريع التنموية في الولايات الفقيرة، وأن يقبلوا بالحوار الاجتماعي مع النقابات العمالية، والأحزاب السياسية الوطنية ، لكي يلتزموا جميعًا بالإصلاحات ويتعاونوا مع الحكومة وإلا سيكون مصير تونس قيام انفجار شعبي كبير في ظل إحالة الإفلاس التي تعاني منها الدولة، ورفض صندوق النقد الدولي منح القرض بقيمة 1.9مليار دولار.
رابعًا : إنَّ الإخفاقَ الذي واجهته الحكومات التونسية المتعاقبة منذ سنة 2011، يعود إلى تمسكها بالليبرالية الاقتصادية الجديدة،التي تُعِيدُ الأسباب في إخفاق تونس تحقيق معدلِ نموٍ كبيرٍ إلى تَدَخُّلِ الدولةِ، بينما أنصار الدولة التنموية في تونس يُعِيدُونَ أسباب الإخفاق إلى إغراقِ الحكوماتِ المتعاقبةِ تونس بالديونِ الخارجيةِ، التي جعلتها تلجأُ إلى المؤسساتِ الدوليةِ المانحةِ التي فرضتْ عليها “الإصلاحات والتكيف الهيكلي”، الذي قاد إلى إفقارِ عمومِ الطبقاتِ الشعبيةِ والطبقة الوسطى لمصلحةِ الطبقةِ الرأسماليةِ الطُفَيْلِيَّةِ، وأدَّى إلى إطلاقِ ما باتَ يُعْرَفُ في تونس بـ “اليدِ الخفيةِ” أي مافيات الفساد التي تُسَيِّرُ شؤون الاقتصادِ،وعجزِ كل الحكومات عن محاربةِ الفسادِ وتَخَلُّفِ أجهزةِ الدولةِ التونسيةِ، وغيابِ المساءلةِ، وانعدامِ الشفافيةِ ،و انحيازها لأصحابِ المصالحِ الخاصةِ،والوقوعِ في أسْرِ الْمُؤَسَسَاتِ الدوليةِ المانحةِ ومصالحِ الدولِ الغربيةِ الكبرى كالاتحادِ الأوروبيِّ و أمريكَا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى