عن برشلونه واسرائيل..!!

بقلم: حسام عبد الكريم*

في خطوة فاجأت الاوساط الصهيونية داخل اسبانيا وخارجها, اعلنت رئيسة بلدية برشلونه قرارها القاضي بقطع كل العلاقات المؤسّسية القائمة بين مدينة برشلونه والكيان الاسرائيلي, وإلغاء اتفاقية التوأمة بين مدينتيّ برشلونه وتل ابيب والموقعة عام 1998. وبررت عمدة برشلونه, أدا كولاو, قرارها بـ “انتهاكات حقوق الانسان الفظيعة والمنهجية” التي تقوم بها “دولة اسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني و “عدم التزامها بقرارات الامم المتحدة”, وذهبت السيدة كولاو الى حد نعت اسرائيل بأنها دولة “ابارثايد” تمارس سياسة الفصل العنصري. واضافت عمدة برشلونه انها تسلمت طلبات متكررة من اكثر من 100 منظمة وهيئة وتجمع سياسي وحقوقي في مدينة برشلونه بالاضافة الى آلاف الاشخاص, تدعوها الى اتخاذ هذه الخطوة. وقامت السيدة كولاو بارسال رسالة الى رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو تبلغه فيها بقرارها.
وفي ردة فعلها قالت منظمة “الكونغرس اليهودي الاوروبي” انها تشعر “بالحزن والغضب” بسبب هذا القرار الذي مبعثه “موقف منحاز ومعادي لاسرائيل”. واما المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية فقد وصف القرار بـ “المؤسف” واضاف ان القرار “يدعم المتطرفين والمنظمات الارهابية واعداء السامية, ويضر بمصالح سكان برشلونه”, وان “هذا القرار المؤسف لن يؤثر على الصداقة القديمة والراسخة بين اسرائيل ومدينة برشلونه”.
الصدمة التي شعرت بها “اسرائيل” والمنظمات اليهودية الاوروبية لها ما يبررها بالتأكيد. فالعلاقة بين الكيان الاسرائيلي ومدينة برشلونه , واقليم كتالونيا عموما, قديمة ووثيقة. وتكاد برشلونه تكون اكثر مدينة رئيسية في القارة الاوروبية ارتباطاً وتعاملاً مع “اسرائيل”. ونادي برشلونه لكرة القدم دائم الزيارات للكيان الاسرائيلي بشكل منتظم حيث يلعب مباريات ودية هناك بشكل دوري. والتعاملات التجارية بين “اسرائيل” واقليم كتالونيا قوية للغاية والسياح الاسرائيليون يزورون برشلونه اكثر من سواها في اسبانيا. وفي العام الماضي كانت هناك حملة في مدينة برشلونه موجهة تحديدا للترحيب بالسياح الاسرائيليين اسمها ” شالوم برشلونه”. وافتتح ايضا في برشلونه اول مطعم كوشير “الطعام اليهودي” في العالم حائز على تقدير “نجمة ميشلان”.
تلك العلاقة الوثيقة بين برشلونه و “اسرائيل” لطالما اثارت الدهشة لدى الكثيرين ممن يعجزون عن فهم دوافعها وخلفياتها. وفي ضوء كون كتالونيا, وعاصمتها برشلونه, اقليماً متميزاً عن اسبانيا وذا نزعة انفصالية, فهو يرتدي ثياب الأقلية التي تعاني من طغيان وتجبر الأكثرية. أو هكذا تبدو الأمور. وبالتالي فإن هذا الاقليم ينبغي ان يكون مرشحاً اكثر من غيره لاتخاذ مواقف مؤيدة للقضية والنضال الفلسطيني ( كما هو الحال مثلا في الاقاليم الايرلندية والاسكتلندية في المملكة البريطانية). ولكن ما كان حاصلا في كتالونيا هو خلاف ذلك, بل عكسه.
وفي تفسير ذلك نحن نميل الى العودة للتاريخ الاسباني في عصر ما بعد التحرر من الحكم العربي. فمحاكم التفتيش التي بدأت في عهد الملك فرديناند والملكة ايزابيلا , بتأييد من الكنيسة الكاثوليكية, طالت اليهود ايضا وليس فقط المسلمين والعرب مما أدى الى هجرتهم الجماعية الى بلاد شمال افريقيا والدولة العثمانية. وبما ان الملوك الاسبان هم رمز القومية الاسبانية المتمسكة بالسيطرة على اقليم كتالونيا, فإن نظرة اهل كتالونيا – الذين لا يعتبرون انفسهم اسباناً – كانت ايجابية للغاية ومتعاطفة مع اليهود الذين اعتبروهم, مثلهم, مظلومين على يد اسبانيا وملوكها وقوميتها. والجنرال فرانكو – المؤيّد من طرف الكنيسة – الذي حكم اسبانيا لعشرات السنين كان اقرب للفاشية ومعادياً لليهود ورفض الاعتراف بــ “دولة اسرائيل” الى حين وفاته عام 1975. وحتى في العهد الديمقراطي بعد فرانكو لم تعترف اسبانيا رسميا باسرائيل الا سنة 1986. ولذلك كانت ردة الفعل لدى اهل كتالونيا, وعاصمتها برشلونه, هي التأييد لاسرائيل والتعاطف معها.
ويمكن اعتبار قرار عمدة برشلونه الاخير خطوة في اتجاه تصحيح المسار. فالتعاطف مع الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة أمر بديهي لدى جميع الحركات الساعية للحرية والمناضلة ضد الظلم في العالم, وكتالونيا لا يجب ان تكون استثناءاً.

*كاتب و باحث من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى