صحيفة “واشنطن بوست” تفضح الطابق.. ابن سلمان ينقذ ترامب من الافلاس، مقابل انقاذه من جريمة اغتيال خاشقجي

قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير مطول إن الأموال السعودية قد لعبت دورا كبيرا في انتشال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من المصاعب المالية التي عانى منها مع صهره، جاريد كوشنر، عقب مغادرتهما للبيت الأبيض في أوائل العام الماضي.

وبحسب الصحيفة فإن عائدات ممتلكات ترامب كانت قد تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأربعة التي جلس فيها على كرسي الرئاسة، كما أن أحداث اقتحام الكونغرس أثرت على أعمالهما، وبالتالي فإن شركتهما العائلية كانت بحاجة إلى خطة إنقاذ بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي.

وأشارت الصحيفة إلى أن يد الإنقاذ قد جاءت من الرياض، إذ سارع كوشنر إلى إنشاء مشروع تحول بعد أشهر قليلة إلى شركة أسهم خاصة برصيد 2 مليار دولار جاءت من صندوق الاستثمارات العامة السعودي (الصندوق السيادي) الذي يرأسه ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.

ووفقا لتفاصيل لم يتم الإبلاغ عنها سابقا لنماذج لجنة الأوراق المالية والبورصات التي راجعتها صحيفة واشنطن بوست، فقد قامت شركة كوشنر بهيكلة تلك الأموال بطريقة لم تضطر إلى الكشف عن مصدرها، إذ قال خبراء إن صهر الرئيس السابق قد لجأ إلى استخدام استراتيجية شائعة الاستخدام تسمح للعديد من شركات الأسهم بتجنب الشفافية بشأن مصادر التمويل.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد ذكرت، في يونيو من العام الماضي، أن مجلس النواب الأميركي قد فتح تحقيقا بشأن في الاستثمار السعودي في شركة جديدة لكوشنر.

وقالت لجنة بمجلس النواب وقتها إنها تحقق فيما إذا كان كوشنر، قد استغل منصبه الحكومي للحصول على استثمار بقيمة ملياري دولار في شركته الجديدة للأسهم الخاصة من شركة سعودية بارزة.

ومنحت النائبة الديمقراطية عن ولاية نيويورك، كارولين مالوني، والتي تقود لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب، كوشنر مهلة أسبوعين في خطاب أرسل، الخميس، لتقديم المستندات المتعلقة باستثمار الصندوق السعودي العام الماضي في شركته.

كما طلبت أي مراسلات شخصية بين كوشنر وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء إدارة ترامب أو بعدها.

وكتبت مالوني في الرسالة المؤلفة من ثماني صفحات أن اللجنة تحقق “فيما إذا كانت مصالحك (كوشنر) المالية الشخصية قد أثرت بشكل غير صحيح على السياسة الخارجية للولايات المتحدة أثناء إدارة والد زوجتك الرئيس السابق ترامب”.

وفي بيان، قال المتحدث باسم كوشنر: “أثناء إبرام ست اتفاقيات سلام في الشرق الأوسط، التزم تماما بجميع الإرشادات القانونية والأخلاقية أثناء خدمته الحكومية وبعدها”.

وتابع البيان إن كوشنر “فخور بكونه من بين العديد من أصحاب المصلحة في القطاع الخاص الذين يعملون على تعزيز التواصل بين الأميركيين والإسرائيليين والعرب لتشجيع استمرار التقدم الإقليمي”.

“شفافية قليلة”
وخصص صندوق الثروة السيادية السعودي ملياري دولار لشركة “كوشنر أفينيتي بارتنرز”، التي أسسها كوشنر، بحسب “واشنطن بوست”.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك القليل من الشفافية في شركات الأسهم الخاصة مثل شركة كوشنر، إذ يُسمح لمثل هذه الصناديق بالحفاظ على سرية أسماء مستثمريها، الأمر الذي دفع السيناتور الديمقراطي، رون وايدن، الذي يرأس اللجنة المالية في مجلس الشيوخ، إلى الضغط من أجل تشريع يطالب بمزيد من النفاصيل المعلنة عن الاستثمارات الأجنبية.

وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في عام 2020 إن “الجهات الفاعلة في مجال التهديد من المحتمل أن تستخدم الاكتتاب الخاص للأموال، بما في ذلك الاستثمارات التي تقدمها صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة، لغسيل الأموال”.

وفي المقابل، قال تشاد ميزيل، مستشار شركة كوشنر، في تصريح لصحيفة واشنطن بوست إن شركتهم، مثل العديد من شركات الأسهم الخاصة الأخرى تعمل ضمن اختصاصها الذي لا يخالف القوانين.

من الغولف إلى سلطنة عمان
وبعد عام من انتهاء ولاية رئاسته، بدأت ملاعب الغولف الخاصة بترامب في استضافة بطولات “ليف غولف” LIV Golf المدعومة من الصندوق السيادي السعودي، وهو أمر دافع عنه الرئيس الجمهوري السابق في تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز”، إذ قال إنه لم يفكر مرتين في استضافة ملاعبه التي استضافت الجولة الأخيرة من البطولة في مدينة ميامي.

وأوضح أن محادثاته مع المسؤولين السعوديين أقنعته بأن احتضان المملكة للغولف “مهم جدا بالنسبة لهم”، وأنهم “يبذلون الكثير من الجهد وينفقون الكثير من الأموال عليها”.

وفي سياق منفصل، أبرمت شركة عائلة الرئيس السابق “منظمة ترامب” عقدا مع شركة دار الأركان العالمية (إحدى الشركات التابعة لشركة دار الأركان للتطوير العقاري في السعودية) لتطوير مشروع عقاري وملعب للغولف في سلطنة عُمان بتكلفة 4 مليارات دولار.

ويتضمن المشروع تطوير “فلل ترامب السكنية المميزة وفندق وملعب للغولف في مشروع عايدة”، بحسب مذكرة نشرتها البورصة السعودية (تداول)، التي أضافت أن المشروع “سيتم تطويره على مدى 10 سنوات على مساحة 3,5 مليون متر مربع”.

وأوضحت المذكرة أنّه “يتم تطوير مشروع عايدة بدعم من الشركة العُمانیة للتنمية والسياحة (عمران) الذراع التنفيذية لتطوير السياحة في سلطنة عمان”.

وكان ترامب، الذي أعلن في نوفمبر الماضي ترشحه لفترة رئاسية أخرى في العام 2024، قد بدأ أول رحلة خارجية له في السعودية بعد توليه منصبه في عام 2017، والتي أسفرت عن عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية وشراء أسلحة مما أدى إلى توفير مئات آلاف الوظائف للأميركيين بحسب الرئيس السابق.

ورفض ترامب إدانة ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، مما دفعه بالقول في أكثر مناسبة إنه “أنقذ” ولي العهد السعودي.

وكانت مذكرات كوشنر التي نشرها مؤخرا بالإضافة إلى شهادات جرى الإدلاء بها في الكونغرس ومقابلات أجرتها صحيفة واشنطن بوست مع كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب قد أوضحت أن العلاقات الوثيقة بين “صهر الرئيس” وولي العهد السعودي قد لعبت دورا كبيرا في اختيار الرياض كأول وجهة خارجية لترامب رغم وجود معارضة من كبار المستشارين.

ومع ترشح ترامب للرئاسة مرة أخرى، قال بعض خبراء الأمن القومي ومسؤولان سابقان في البيت الأبيض إن لديهم مخاوف من استغلال ترامب وكوشنر علاقتهما مع السعوديين بعد انتهاء فترة الرئاسة.

وفي هذا الصدد قال جون بولتون، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي لفترة من الزمن في عهد الرئيس السابق، إن فرصة سانحة توفرت لترامب وصهره لبناء قاعدة أعمال خاصة بهم، “وأعتقد أنهم ربما كانوا يعملون بجد على ذلك، ولا سيما جاريد”.

وفي مذكراته، لم يذكر كوشنر شركته الجديدة أو الاستثمارات السعودية، كما أنه لم يوضح فيما إذا كان قد تحدث إلى ولي العهد السعودي أثناء فترة ولاية والد زوجته بشأن التعاملات التجارية عقب الخروج من البيت الأبيض.

كما أنه من غير المعروف ما إذا كان كوشنر قد ناقش الصفقات التجارية مع الأمير محمد بن سلمان أثناء توليه منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي.

“ليست سابقة”
وقال مسؤول إداري سابق متحالف مع كوشنر، والذي تحدث للصحيفة الأميركية شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث عن الأمر علنا، إن هناك العديد من الأمثلة على كبار موظفي الحكومة السابقين الذين يتعاملون مع أشخاص تعاملوا معهم خلال تواجدهم في الخدمة العامة.

وقال المسؤول السابق إن كوشنر كانت لديه أجندة واسعة لدرجة أنه سيكون من غير العدل قطع العلاقات التجارية مع أولئك الذين كان يعرفهم خلال توليه منصبا عاما في البيت الأبيض.

وامتنع ترامب عن التعليق، بيد أن المتحدث باسمه، ستيفن تشيونغ، قال: “الرئيس ترامب هو أكثر الرؤساء دعما لأميركا في التاريخ وقد استخدم مهاراته التفاوضية الخارقة لضمان عدم إخضاع هذا البلد لأي شخص”.

وفي سياق متصل أوضح إريك ترامب، نجل الرئيس السابق وهو أيضا نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترامب، في بيان إن ” بطولة ليف غولف تقوم بأشياء لا تصدق في لعبة الغولف ولا ينبغي أن يكون مفاجئا أن طُلب منا استضافة هذه الأحداث الرائعة”.

وكان ترامب قد صرح سابقا أنه أقام صفقات تجارية مع السعوديين تقدر بعشرات الملايين من الدولارات قبل أن يصبح رئيسا، في حين لم ترد السفارة السعودية في واشنطن والمتحدث باسم صندوق الاستثمارات العامة السعودي على طلبات للتعليق من قبل “واشنطن بوست”.

وقال الديمقراطيون الذين أجروا تحقيقات في الكونغرس بشأن علاقات ترامب وكوشنر بالسعودية، إنه لا توجد سابقة لكيفية اعتماد الاثنين بشكل كبير على الاستثمارات السعودية.

وأوضح السيناتور رون وايدن، الذي يرأس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ والذي كان يحقق لعدة سنوات في العلاقات المختلفة بين الرئيس السابق والسعوديين: “إن الروابط المالية بين العائلة المالكة السعودية وعائلة ترامب تثير قضايا خطيرة للغاية”.

مخاوف ومخاطر
وتأتي هذه المخاوف في لحظة تنطوي على مخاطر عالية في العلاقات المشحونة بين الولايات المتحدة والسعودية.

فقد جاءت استثمارات السعوديين في الوقت الذي قالت فيه وزارة الخارجية الأميركية في تقرير عام 2021 إنه لا تزال هناك “قضايا حقوقية مهمة” في المملكة العربية السعودية ، مستشهدة بـ “تقارير موثوقة” عن التعذيب والإعدام في جرائم غير عنيفة.

وفي وقت يواصل فيه الديمقراطيون في الكونغرس الضغط للحصول على مزيد من التفاصيل بشأن صفقات ترامب وكوشنر، أوضحت لجنة الرقابة في مجلس النواب، كما ذكر تقرير الصحيفة سابقا، أنها وجهت خطابا بتاريخ 2 يونيو إلى كوشنير تبلغه فيها أنها تريد معرفة ما إذا كان قد استغل منصبه الحكومي للحصول على استثمارات وفيما إذا كان قد أثر على سياسة الولايات المتحدة للقيام بذلك.

وكان تحقيق اللجنة قد توقف بعد أن حقق الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب عقب الانتخابات النصفية الأخيرة، لكن اللجنة المالية في مجلس الشيوخ برئاسة السيناتور وايدن قد تطلب نفس الوثائق كجزء من تحقيق أوسع حول ما إذا كانت هناك صلة بين قرارات وتصرفات ترامب و كوشنر خلال فترة ولايتهما وعلاقة ذلك بعقد صفقات مع السعودية.

وأوضح وايدن: “متابعة الأموال هي القضية الأولى.. فبهذه الطريقة يمكن فهم وجود تضارب مصالح محتمل”.

من جانبها دعت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN) التي أسسها الإعلامي السعودي الراحل، خاشقجي، الكونغرس إلى إصدار تشريع يحظر على جميع كبار المسؤولين الأميركيين السابقين العمل لصالح حكومة أجنبية أو الاستفادة منها ماليا.

وقالت في بيان إنه بدون مثل هذا القانون، يمكن للمسؤولين الأميركيين السابقين “تحويل عملهم لصالح حكومتنا إلى عقود مربحة مع الحكومات الأجنبية”.

من جانبه، قال عبدالله العودة، رئيس قسم شؤون منطقة الخليج في نفس المنظمة أنه “لولا الحماية المطلقة التي حظي بها ولي العهد السعودي من قبل ترامب وكوشنر لكان قد سقط”، في أعقاب جريمة مقتل خاشقجي والتي قالت عنها خطيبته التركية، خديجة جنكيز ، في بيان لواشنطن بوست أن كلا الرجلين قد “غطيا على” ولي العهد السعودي.

وفي غضون ذلك، تستمر الفوائد المالية لترامب وكوشنر، فمن المقرر أن تنطلق ثلاث جولات من بطولة “ليف غولف” في الملاعب التي يمتلكها الرئيس السابق.

وبحسب بعض التقارير فقد جمع كوشنر ما لا يقل عن 500 مليون دولار أخرى من مستثمرين دوليين، ليصل إجمالي الاستثمارات إلى 3 مليارات دولار دون أن يُحدَّد مصدر تلك الأموال الإضافية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى