حتى لا ننسى.. في 5 فبراير 2003 اطلق وزير الخارجية الامريكي “كذبة القرن” حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل

“ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”.. هكذا زعم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول.
ففي 5 فبراير/ شباط من العام 2003، وقف باول أمام مجلس الأمن يشير بأنبوب اختبار صغير يحتوي على مسحوق أبيض، ليؤكد أنه يقدم أدلة وصفها بـ “الدامغة” آنذاك عن إخفاء نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وأنه يواصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 (2002).
باول الذي أعلن ندمه فيما بعد، قال أمام مجلس الأمن آنذاك، إن العراق لا يستحق منحه فرصة أخرى، ودعا إلى الاستجابة للتحدي الذي تفرضه المسألة العراقية، متهمًا نظام صدام حسين بعلاقته مع تنظيم “القاعدة” الإرهابي.
هذه الكذبة الأمريكية كلفت العراق ثمنًا باهظًا، لا يزال يدفعه حتى اليوم، وكانت نقطة الانطلاق إلى غزو العراق، وسلب عشرات الآلاف من الأبرياء أرواحهم، وهدم منازلهم وحرق حاضرهم ومستقبلهم، تمثل بحسب المراقبين وصمة عار وجريمة ضد الإنسانية لا يمكن أن تسقط بالتقادم.
ويقول البعض إن واشنطن لم تقدم اعتذارًا أو تبد ندمًا على هذه الجريمة التي ثبت زيفها، بل استمرت في مخططها لهدم الشرق الأوسط، والإطاحة بالأنظمة العربية بعد كل هذه السنوات، عبر ذرائع أخرى واهية، أشعلت من خلالها بلدان عدة في مقدمتهم سوريا واليمن وليبيا.

نقطة فاصلة
يتذكر الدكتور عماد الدين الجبوري، السياسي والأكاديمي العراقي، هذا اليوم الذي يعد نقطة فاصلة في تاريخ العراق والمنطقة العربية، بالقول: “وقف وزير الخارجية الأمريكي في 5 فبراير عام 2003 قبيل الغزو الأمريكي للعراق أمام الأمم المتحدة، ورفع أنابيب قال إنها عينة تشير إلى امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، هذه الكذبة الأمريكية الذي عاد لنفيها باول قبيل وفاته وأكد أنه قالها بضغط من المخابرات الأمريكية”.
وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، فان المسؤول العسكري والسياسي في العالم الغربي لا يتكلم عن الحقائق إلا بعد خروجه من السلطة، وباتت الحقيقة واضحة للجميع، إلا أن العراق دفع ثمنًا باهظًا من أرضه وشعبه وبيئته، لكنه أظهر الوجه الآخر من القباحة الأمريكية، والتي تتجلى في محاولاتها المستمرة لتفتيت الإرادة العربية بشكل عام.
ولفت إلى أن الغرب خطط بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لاستهداف العراق، منذ انتصاره على إيران في الحرب عام 1988، حيث كانت تشير التقارير وقتها إلى أن العراق أصبح قوة إقليمية يجب تحجيمها، حيث كان يملك جيشًا قويًا قوامه مليون مقاتل.
وتابع: “من المعلوم أن أي بلد عربي يصل لمرحلة يكون له فيها قوى ذاتية بالإقليم يتم استهدافه، وهو ما حدث بعد أن رفض العراق المساومة والضغوط الأمريكية، وهو ما لم يرق للجانب الغربي، فخلق هذه الذرائع الواهية من أجل غزوه وتدميره، كما حدث مع مصر والجزائر في عهود سابقة”.
العراق الذي بات نموذجًا غربيًا لن يسمح لأي قوة في المنطقة أن تخرج عن القبضة الأمريكية، وعن استراتيجيتها التي تجعل أي قوة غير عربية تهيمن على الوضع، مثل إسرائيل وتركيا وإيران، تلك الدول التي بات لها ثقل ومركزية وتمدد في الوطن العربي، وأي دولة عربية تدافع عن الإرادة يتم استهدافها، بحسب الجبوري.
وعن الغزو الأمريكي، يقول السياسي والأكاديمي العراقي، إن القصف الجوي استمر لمدة 42 يومًا، بيد أن الزحف البري لم يستمر سوى 4 أيام فقط، واجه فيه الجيش الأمريكي مقاومة شرسة من الجيش العراقي في معارك عدة أبرزها الخفاجية والناصرية، وكان هناك ما يعرف بمقبرة الدبابات، خسر الجيش الأمريكي على الأرض الكثير من جنوده وعتاده، وبعدها طلب التفاوض.

كذب وتزييف
من جانبه وصف مناف الموسوي، رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، تصريحات الوزير الأمريكي باول في هذا التاريخ بـ “لحظة التحول” التي شهدها العراق والمنطقة العربية، وذلك بعد أن اكتشف الجميع الكذبة الأمريكية الكبرى، والتي ادعت هي وحلفاؤها خلالها وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وبعدها شرعت في الغزو.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”: الكذبة الأمريكية التي روج لها كولن باول في مجلس الأمن، كانت ضمن خطة لإحداث التغيير في منطقة الشرق الأوسط، وترويج مصطلح الذهاب للشرق الأوسط الجديد، وكان من المقرر أن تكون الانطلاقة من العراق بعد الغزو.
وتابع: “اليوم وبعد 20 عامًا، اتضح فشل التجربة الأمريكية برمتها في منطقة الشرق الأوسط، كما فشلت عملية ما أطلق عليه بعد احتلال العراق بـ “الربيع العربي”، وكافة المحاولة التي قادتها من أجل تخريب البلدان العربية ومحاولة تفكيكها وتقسيمها وإعادة ترتيبها من جديد، كما حدث مع العراق وسوريا وتونس واليمن وغيرها”.
ولفت إلى أن التجربة الأمريكية في ذلك الوقت، روجت لذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت زيفه وكذبه بعد ذلك، بيد أن المقصود كان عملية تغيير جذري في منطقة الشرق الأوسط، والتي ظهرت نتائجه الكارثية لدى الكثير من الشعوب التي عانت من عمليات الاقتتال الداخلي، مشيرًا إلى أن الكذب الأمريكي وما تلاه من إشكاليات كانت نتيجة مخطط كبير واستراتيجي الهدف منه تغيير المنطقة والبدء في مرحلة جديدة.
وفي 5 فبراير 2003، ألقى كولن بأول كلمة مطولة أمام مجلس الأمن الدولي، حول أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق، متحدثا عن أدلة بحوزة الولايات المتحدة، وذلك لتبرير الغزو.
وزعم باول أنه يملك تسجيلات لمحادثات هاتفية بين مسؤولين عراقيين قال إنها تدل على قيام العراق بتضليل وخداع مفتشي الأمم المتحدة، كما عرض صورا التقطتها الأقمار الصناعية قال إنها تدل على أن العراقيين كانوا يمتلكون معلومات عن بعض زيارات المفتشين وأنهم قاموا بإجراء تغييرات أو تحركات استباقا لزيارة المفتشين لتلك المواقع.
وقال باول إن الأدلة التي قدمها لا يمكن دحضها وإنها تشير إلى أن العراق واصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 (2002)، واتهم بغداد بامتلاك علاقة مع شبكة “القاعدة” قائلا إن العراق على صلة بأحد الأشخاص المعروفين فيها وإنه يؤوي بعض منتسبيها.
غير أنه بعد عامين من الهجوم، عبر باول عن ندمه على هذا الخطاب ومساهمته في الغزو، مؤكدا أن الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأمن، سيظل “نقطة سوداء” في ملفه. وقال: “إنه فعلا نقطة سوداء لأنني كنت أنا الذي قدمته باسم الولايات المتحدة إلى العالم، وسيظل ذلك جزءا من حصيلتي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى