مغامر ام متآمر؟.. سعيّد يُصعّد من اجراءاته للحد من نفوذ “اتحاد الشغل”، ويدعو الأجهزة الأمنية لمحاسبة المعارضة

تونس – صعّد الرئيس التونسي قيس سعيد من نبرة تحذيره للقوى المتورطة في الإضرار بمصالح الدولة، داعيا لضرورة التصدي لها عبر تفعيل المحاسبة فيما يأتي الخطاب في خضم خلافات متصاعدة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وفي مواجهة تحذيرات يطلقها معارضون من مغبة استغلال المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي في إشارة لاستيائهم من تعيين مسؤول في الجيش على رأس وزارة الفلاحة بعد التعديل الحكومي الأخير .
وطالب قيادات الحرس الوطني “بالتصدي لمن تآمر على الدولة”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يُترك أعداء الدولة وأعداء الوطن خارج المساءلة”. فيما عبرت قيادات معارضة بارزة عن استيائها من استمرار المسار السياسي الحالي وقرب تقزيم المؤسسات الدستورية خاصة البرلمان.
وفي اطار صراعه المستمر مع اتحاد الشغل، قال سعيد خلال اجتماعه امس الثلاثاء مع قيادات عليا للحرس الوطني (قوات تابعة لوزارة الداخلية) في ثكنة العوينة بتونس العاصمة، أن “الحق النقابي مضمون بالدستور لكن لا يمكن ان يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على احد”، في اشارة لمبادرة الانقاذ التي طرها الاتحاد مع عدد من المنظمات الوطنية.
وقد عبر سعيد عن رفضه لسياسة لي الذراع، رافضا غلق الطريق بسبب تواجد شخص خارج ارض الوطن، قائلا أنه يتفهم المطالب ويحاول تخفيف المآسي والبؤس لكن المجموعات التي يتم وضعها على سكة القطار بقفصة ورائها من ورائها وهم معلومون “.
وقال إن “من يتولون قطع الطريق ويهددون بقطع الطريق السيارة لا يمكن ان يبقوا خارج دائرة المحاسبة والمسائلة”.
وكان الرئيس التونسي قد قرر إجراء تحوير جزئي عيّن بمقتضاه محمد علي البوغديري وزيرا للتربية خلفا لفتحي السلاوتي، وعبد المنعم بلعاتي وزيرا للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري خلفا لمحمود إلياس حمزة، حيث اعتبرت هذه التعيينات رسالة حادة للاتحاد وللنقابيين المعارضين لمساره.
وقد مثّل تعيين البوغديري رسالة قوية لقيادة الاتحاد، فوزير التربية الجديد نقابي سابق وشغل منصب امين عام مساعد في المنظمة العمالية ودخل في خلافات مع القيادة الحالية بقيادة نورالدين الطبوبي، وهو من مؤيدي ابطال المجلس الوطني الذي طالب بعقد مؤتمر استثنائي غير انتخابي في الاتحاد وسط تشكيك في شرعية القيادة الحالية.
اما وزير الفلاحة الجديد فهو شخصية عسكرية تقلد مناصب ومهام عديدة داخل المؤسسة العسكرية، وعرف بانضباطه في مسعى من الرئيس لفرض الانضباط داخل قطاع شهد كثيرا من التجاوزات والأزمات.
وقد دخل الخلاف بين الرئيس والاتحاد منعرجا خطيرا بعد إلقاء القبض على انيس الكعبي كاتب عام نقابة الطرقات السيارة التابع للمنظمة العمالية، اليوم الاربعاء، بسبب دعوته للاضراب في القطاع ما يعني امكانية ان تشهد البلاد معركة كسر عظم متصاعدة بين الطرفين.
وتاتي التطورات الاخيرة كرد واضح من قبل الرئيس التونسي على مبادرة الحوار الوطني التي اطلقها الاتحاد مع عدد من المنظمات الوطنية في انتظار موقف الرئيس.
وقال سعيد: “لا يمكن أن يُترك أعداء الدولة وأعداء الوطن بل وأعداء الشعب التونسي خارج المساءلة أو خارج دائرة أي جزاء”.
وتوجه إلى قيادات الحرس الوطني قائلا: إن “الشعب يريد المحاسبة ومطلبه الأساسي المحاسبة ودوركم تاريخي في الاستجابة لمطالب الشعب”.
وتابع: “واجبكم المقدس أن تتم محاسبة كل من أجرم في حق الوطن، ولا يمكن أن يُترك مجرم واحد دون مساءلة.. اليوم نخوض معركة تحرير وطني للحفاظ على الدولة، وكفى من يستخفون بالدولة ما اقترفوه من جرائم ومن يدبرونه من جرائم في المستقبل”.
وفي خطاب يدعو لتفعيل المحاسبة وهو شبيه بخطاب سابق وجه للقضاة، قال سعيد: “عليكم (قيادات الحرس الوطني) وعلى القضاة الشرفاء أن يقوموا بدورهم كاملا حتى يتم التصدي لمن تآمر على الدولة في السنوات الماضية، ومازالوا إلى حد هذه الساعة يتآمرون على الدولة”.
وأضاف إن “الشعب يريد تطهير البلاد، الشعب يريد المحاسبة لأنه سئم بالفعل من طول الإجراءات وسئم بالفعل من القضايا التي بقيت منشورة لمدة أكثر من عقد دون أي حكم وحتى إن صدرت بعض الأحكام فقد صدرت للأسف على المقاس”.
وقد قرر الرئيس التونسي تمديد حالة الطوارئ في البلاد حتى يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر من العام الجاري/ ما يشير الى ان وجود مخاوف بشان امكانية استغلال بعض الاطراف للازمة المالية التي تمر بها البلاد لتاجيج الشارع وإحداث اضطرابات.
ويعتقد الرئيس التونسي أن المحاسبة تبنى على منظومتين: السلطة التنفيذية الممثلة في الأجهزة الأمنية بفتح تحقيقات ومتابعة المتورطين مهما كان نفوذهم وعلاقاتهم، والسلطة القضائية بسرعة البت في تلك الملفات.
وبالرغم من أنه لا يسميها، إلا أن المعارضة التونسية عادة ما تعتبر أنها المقصودة باتهامات سعيد، وترجع ذلك إلى رفضها الإجراءات الاستثنائية التي بدأ فرضها منذ 25 يوليو/ تموز 2021، ما أحدث أزمة سياسية مستمرة.
وامس الثلاثاء، حذر رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، أحمد نجيب الشابي، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة، من أن “توظيف المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية مضر بالبلاد وبحياد الجيش وسمعته العالية”.
وتأتي هذه التطورات بعد يومين من إقامة الدور الثاني للانتخابات التشريعية المبكرة التي جاءت هزيلة، وهي أحدث حلقة في سلسة إجراءات استثنائية فرضها سعيد وشملت أيضا حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد في 25 يوليو/تموز 2022.