الحَاجُّ تَـــوْفِيــقُ رَاشِـــدِ الحُـــورِيُّ.. وَداعاً

 

◾️أيَّتُهَا النَّفْسُ أجْمِلِي جَزَعَا
إنَّ الّذِي تَحْذَرِينَ قَدْ وَقَعَا
إنَّ الّذِي جَمَّعَ السَّمَاحَةَ وَالـ
ـنَّجْدَةَ وَ الحَزْمَ وَالنُّهَىٰ جُمِعَا
الأَلْمَعِيَّ الّذِي يَظُنُّ لَكَ الظَّـ
ـنَّ كَأنْ رَأىٰ وَقَدْ سَمِعَا
• ينْعِي أحْمَدُ عَبْدِ العَزِيزِ عَمْرٍو ، في حَسْرَةٍ بَالِغَةٍ وَ أسَفٍ شَدِيدٍ ، علَماً مِنْ أعلامِ الإسلامِ في لبنانَ ، وَ يداً بيضاءَ مِنْ أيادِيهِ ، لَمْ تُمَدَّ إلَىٰ أحَدٍ مِنَ الناسِ ، إلّا حَامِلَةً معروفاً .
وعقلاً راجِحاً كَالطَّوْدُ ، إذَا تَتَايعَ النّاسُ فِي أهْوائهم وَ طَاشَتْ أحْلَامُهُم ، وَ حِرصاً يَصِلُ الليلَ بالنّهارِ فِي الدّعوَةِ إلَىٰ اللهِ عَلَىٰ بَصِيرةٍ ، في سكينةِ المُسلمِ المُتواضعِ ، الّذِي لا يَرَىٰ نفسَهُ شيئاً مَذكوراً ، وَهُوَ كلُّ شيئٍ مَذُكُورٍ ، كَمَا قالَ الآخَرُ :
وَ تَزْعُمُ أنَّكَ جُرْمٌ صَغِيرٌ
وَ فِيكَ انْطَوَىٰ العَالَمُ الأكْبَرُ
إنَّهُ الحَاجُّ تَـــوْفِيــقُ رَاشِـــدِ الحُـــورِيُّ الّذِي ماتَ صباحَ هَٰذَا اليومِ الباكِرَ ، عَنْ عُمُرٍ ، لوِ امتَدَّ بهِ ثلاثَةَ أشهرٍ وَ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، لبَلغَ تِسعِينَ عاماً ، أنفقَ منْها سبعينَ أوْ أَكَثَرَ ، في سِلْسِلَةٍ آخِذٍ بَعْضُها برقابِ بعضٍ ، مِنَ الصِّلاتِ وَ أعمالِ البِرّ والإحسانِ .
وَ مِنَ الانْتِصارِ المبكّرِ مِنْ عُمُرِهِ لفلسطينَ ؛ بلسانِهِ في إصدارِ جريدةِ ( فلسطينُنا ١٩٥٩ – ١٩٦٤ م ) وَ بَيَدِهِ الَّتِي كانَ يخَبِّئُ بها سلاحَ المُقاوَمةِ في ” السُّوٰسُوٰلِ ” تحتَ مبنىٰ الجامعةِ لِيَوْمِ الفَصْلِ ، وإعلانِ الانطلاقَةِ الأولَىٰ لِحَرَكَةِ فتْحٍ ، الَّتِي كَتَبَ بِهَا بَيانَها الأوّلَ ، مطلعَ سنةِ ١٩٦٥ م .
وَ مِنَ الصروحِ العلميَّةِ ، الَّتِي رَفَعَ قواعِدَها لأبناءِ العربِ جَمِيعاً ، كَجامِعَةِ بيروتَ العربيّةِ ، الَّتِي كانَ مِنْ مُؤسِّـسيها سنةَ ١٩٦٠ م ، في ” الطَّرِيقِ الجَدِيدةِ ” ، ثُمَّ بُعْدِ نَظَرِهُ الفذِّ النَّادِرِ بَعْدُ ، في نَقلِ كُلِّيَّاتِها العلميّةِ إلَىٰ روابِي ” الدِّبّيّةِ ” الَّتِي اشْتراها للجامعةِ ، حيثُ توَسّعَتْ مُنْذُئذٍ ، وَ صارَ لَها هَٰذَا الانْطِلاقُ العالمِيُّ المَشْهُودُ .
وَ كَجامِعَةِ الإمامِ الأوْزاعِيِّ ، الَّتِي أقامَها من ” لا شيئ ” فغدَتْ صرحاً ءاخرَ مِنْ صروحِ لبنانَ العلْمِيَّةِ .
ثُمّ التّقريرِ الإسلاميِّ ، الّذِي كانَ يسهَرُ لهُ ، وَ يشْرِفُ عَلَىٰ بياناتِهِ مُفَصَّلَةً تَفْصيلاً ، مِنْ سنةِ ١٩٧٩ – ١٩٨٣ م ، ليحفَظَ شوارعَ بَيْروتَ وَ أزِقَّتَهَا مِنْ تزييفِ الأسماءِ والكذِبِ بها ، والمَكْرِ بِعُروبَتِها .
• لا تفِي عُجَالَةٌ كهَذِهِ ، ولا عَشْرُ أمْثَالِها ، بالحَديثِ عَنْ توفيقِ الحُورِيِّ ، وعَسَىٰ أنْ يكونَ لنَا منْقَلَبٌ آخَرُ للكتابَةِ عَنْ بعضِ فضائلهِ ، وَمَا كانَ من نعمَةِ اللهِ عليهِ ، ولَٰكِنَّ مِنْ أوجَبِ ما يُشارُ إلَىٰ ما كانَ لهُ مِنَ الألْمَعِيَّةِ وَ ” الاستِشْعارِ ” أنّهُ ” في ليلةٍ ، كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُها ” وقَدْ تدافعَتْ أخبارُ قلقِ الليرةِ اللبنانيةِ واهْتِزازِها ، هُرِعَ توفيقٌ إلىٰ تغييرِ كلِّ أموالِ الجامعةِ العربيةِ إلىٰ الدولارِ ، وَلَوْ لَمْ يفعَلْ ذلكَ تلكَ الليلةَ ، لانهارَ صباحَ اليومِ التّالي بانْهِيارِ اللّيرةِ ، ذلكَ الصرحُ العلميُّ الفائقُ ، الّذِي تخَرَّجَ منهُ مِئةُ ألفِ طالبِ علمٍ أو يزيدونَ !
آهِ .. آهِ .. ماذا تستطيعُ الكلماتُ أنْ توفّيَ في نعيِ توفيقٍ وتأبينهِ ، وماذا نقولُ فيكَ يا حَبيبَنَا أبَا راشِدٍ ، يا أرشَدَ النّاسِ ، وَ أعَزَّ النّاسِ :
فَقَدْنَاكَ فُقْدَانَ السَّحابَةِ ، لَمْ يَزَلْ
لَهَا أَثَرٌ يُثْنِي بِهِ السَّهْلُ وَ الوَعْرُ
مَسَاعِيكَ حَلْيٌ لِلَّيالِي مُرَصَّعٌ
وَ ذِكْرُكَ فِي أرْدانِ أيّامِهَا عِطْرُ
رَبَّنا أكْرِمْ وَفادَةَ توفيقٍ عليكَ ، وَ أفرِغْ عَلَىٰ أهلِهِ صَبْراً ، وأحْسِنْ عَزاءَهُم ، وأنْزِلْهُ مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَ أنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ ، رَبَّنَا وَ اجْعْلْ تَقاليدَهُ العَاليَةَ باقِيَةً في عَقِبِهِ ، وَ اتْرُكْ عَلّيْهِ في الآخِرينَ ، رَبَّنَا وَ اجْعَلْ لهُ مِنْ معروفِهِ في النّاسِ ، وَ مِنَ الخَيْرِ الّذِي كانَ يبْتَغِي بهِ وَجْهَكَ وَ مرْضاتَكَ ، نُوراً يسعَىٰ بينَ يدَيهِ ( يوْمَ تَرَىٰ المُؤمُنينَ وَالمُؤمِنَٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وَبأيْمَٰنِهِمْ بُشْرَىٰكُمُ اليَوْمَ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتُهَا الأنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ )
( إنَّا للهِ وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ) .
( ٦ رجبٍ ١٤٤٤ * ٢٨ كانونَ الثانيَ ٢٠٢٣ م )

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى