الزعيم جمال عبد الناصر والبدايات

لا شك أن من يتمعن بتاريخ الزعيم جمال عبد الناصر ، اذا كان لماحا وشديد الملاحظة ، سيقف أمام نشأة هذا الزعيم الذي كان تأثير تلك النشأة وخطه السياسي واضحاً وضوح الشمس ، حيث يبدو أنه من عائلة عربية مصرية تؤمن بالعرب والعروبة ، كما ان لديها جذوراً راسخة في تربة الوطنية المصرية .
أحد أشقائه، مثلاً، اسمه عز العرب والمسمى له دلالة واضحة على نهج والده الحاج عبد الناصر حسين السلطان رحمه الله، وشقيقه الاجر اسمه شوقي، والاسم له علاقة بأمير الشعراء وابن مصر البار أحمد شوقي ، كما أن عمه خليل الذي كان له تأثير كبير على حياة الزعيم جمال عبد الناصر منذ البدايات ، وقد تأثر به كثيرا ؛ فعمه خليل كان مشاركا بكل نشاط ضد الاستعمار البريطاني .
في هذه البيئة التي آمنت بالوطنية المصرية الصميمة وبالنهج القومي العربي ؛ ولد جمال عبد الناصر ونشأ ، واذا كانت المصاعب والشدائد تفرز الرجال وعزائمهم ، فالزعيم جمال عبد الناصر لم يكن حالة استثنائية من ذلك ، فقد رحلت والدته رحمها الله مبكرا ، وتزوج والده ولم يكن ذلك الأمر سهلا على جمال عبد الناصر أن يرى في البيت من اصبحت تنوب عن أمه ، رغم أن تلك السيدة الفاضلة كانت من النماذج الرائعة ، فهي قبلت الزواج من رجل أرمل ولديه أبناء ، حيث عملت كل جهدها أن تكون الأم الثانية لجمال عبد الناصر وأشقائه ؛ الأمر الذي اوجد لها مكانة خاصة في قلب الزعيم جمال عبد الناصر فيما بعد .
في هذا الجو المليء بالأحداث والمتغيرات التي اعقبت ثورة 1919م ، وما تركته من أثر على الشارع المصري وسخط على المحتل، فرغم فشلها في تحقيق مطالب الشعب ؛ الا أنها كانت بداية مبشرة لثورة قادمة عرفها التاريخ باسم ( ثورة 23 يوليو 1952م) التي أسسها وقادها الزعيم جمال عبد الناصر ، الذي نحتفل اليوم بذكرى ميلاده الخامس بعد المائة ، والتي عقبت ثورة 1919م ، وكان عمر الزعيم عندما قامت تلك الثورة لم يتجاوز العام ، فقد كانت تلك الثورة امتدادا لثورة البطل أحمد عرابي وما تلاها من مقاومة للوجود البريطاني من احرار وحرائر مصر ، حتى قيام فجر ثورة 23 يوليو .
لقد نشأ جمال عبد الناصر في تلك الظروف، وبعد اتمام دراسته الثانوية التحق بكلية الحقوق ولكن لم تكن رغبته ولا هوايته ، فقد كان يعشق العسكرية ويري في الجيش الوسيلة الوحيدة لاخراج المحتل المغتصب ، وقد كتب روايته الشهيرة بذلك الوقت ( في سبيل الحرية ) الأمر الذي يثبت ويؤكد وعيّه السابق على زمانه وعصره في ذلك الوقت .
بعد ذلك ساعدت اتفاقية 1923م في قبول أبناء الفلاحين في الجيش ، وقد كان لجمال عبد الناصر فرصة القبول مع عدد من رفاقه منهم عبد الحكيم عامر ، كمال الدين حسين ، زكريا محي الدين ، عبد اللطيف البغدادي، وصلاح وجمال سالم رحمهم الله جميعا وغيرهم .
وبعد تخرجه من الكلية العسكرية أصبح مدرسا للعلوم العسكرية ، وبعد ذلك نقل الى السودان ، وكانت النقلة النوعية بحياة جمال عبد الناصر ، وما هي الا سنوات حتى اندلعت شرارة الحرب والمؤامرة في فلسطين وعليها مع العصابات الصهيونية التي جاءت من كل بقاع العالم بحجة أرض الميعاد بمؤامرة من العالم الذي يدعي التحضر والعلمانية ، ولكنه صنع كيانا لقيطا على أسس دينية وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان .
كان جمال عبد الناصر في طليعة المشاركين بحرب فلسطين ، ورأى بأم عينيه حقيقة ما حدث من الخيانة التي وصلت الى قمتها في الهدنة المعروفة التي أنقذت الكيان المصطنع من الهلاك ، وأن النظام الرسمي العربي كان يزايد باسم فلسطين خاصة من العروش التي كانت تتنافس فيما بينها وكانت فلسطين هي الضحية ، وجرح جمال عبد الناصر جروحاً بليغة في الحرب لكن الله كتب له السلامة وأن يقوم بدوره الخالد بتحرير وطنه الحبيب مصر وطرد آخر جندي بريطاني ، وأن يساهم بتحرير أبناء أمته العربية في قارتي آسيا وافريقيا، بل وامتد نضاله من المشرف الى أمريكا اللاتينية في ذلك الوقت، وساهم برفع اسم وطنه وأمته عالياً، كما برز كأحد أهم قادة التحرر ، وساهم بعد كل ما أنجز في وطنه وامته في مطاردة الاستعمار بالمساهمة الأساسية بتأسيس كتلة دول عدم الانحياز وكان القطب الأبرز اضافة للوحدة الافريقية والمؤتمر الاسلامي .
والحقيقة أن الحديث عن جمال عبد الناصر يحتاج لمجلدات، ولكن حديثنا اليوم بعيد ميلاده ليس ترفا فكريا ولا مناسبة والسلام ، ولكن الحديث عن جمال عبد الناصر لأجل االاضاءة على دروب الغد لشعبنا وأمتنا العربية .
أليس غريبا أن اسم جمال عبد الناصر حتى بعد أكثر من 52 عاما على رحيله لا يزال يتصدر كل حوار في كل المناسبات المختلفة ، فاذا نظرنا للهيمنة الصهيو امريكية اليوم ، نجدها نقول أين جمال عبد الناصر ؟، وذا ناقشنا الوضع الاقتصادي نتذكر بناء أكثر من 1200 مصنع تم بناؤها في عهده ، وتم بيعها من قبل خلفائه للاسف ، واذا تحدثنا على الاستقلال يبرز اسم جمال عبد الناصربوصفه الحاضر الغائب في كل هموم وقضايا وطنه وأمته ، وعندما نتذكر كل ذلك فليس من أجل البكاء على الاطلال واللبن المسكوب ؛ ولكن لأجل التفكير بصوت عالٍ بشعبنا وأمتنا فكيف كانت وأين أصبحت .
الزعيم جمال عبد الناصر هو أحد عظماء العالم ، فهو بالنسبة لنا كعرب كشارل ديغول لفرنسا ، وونستون شيرشل لبريطانيا ، ولينين لروسيا ، وجورج واشنطن لأمريكا، ومحاولة شيطنته بعد الثورة المضادة في 15 أيار مايو 1971م ، لم تتوقف حتى اليوم ، فما هو السر في ذلك؟ .
يهاجمه قادة عرب، معروف تاريخهم، لأجل الدخول للبيت الأسود في واشنطن ، ويهاجمه اشباه المثقفين في وطننا العربي لارضاء مشغليهم في واشنطن وتل الربيع، ولكن قسما بالله ورغم أنوف الأعداء والعملاء ستبقى رايتنا عربية ناصرية وتوجهنا نحو عروبتنا حتى تحقيق رسالة جمال عبد الناصر بقيام أمة عربية واحدة من المحيط الى الخليج .
وسلام عليك يا جمال عبد الناصر يا شهيد الأمة العربية الحي رغم الموت ، سلام عليك يوم ولدت ويوم خرجت ثائرا ويوم كافحت وناضلت من أجل شعبك ووحدة أمتك ويوم تبعث حيا .
وعلى طريقك ومبادئك نحن سائرون، والى أمتنا العربية أوفياء مخلصون .
ولا نامت أعين الجبناء .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى