“موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر”.. كتاب يعكس الوحدة الوطنية للشعب المصري في عهد عبد الناصر
كتب زياد شليوط – شفاعمرو – الجليل
تقديم: تحل يوم غد الأحد، الخامس عشر من الشهر الجاري يناير، الذكرى السنوية الـ 105 لميلاد القائد والزعيم العربي المصري جمال عبد الناصر، وبهذه المناسبة أقدم قراءة متواضعة في كتاب حديث يتناول جانبا من جوانب العهد المضيء للرئيس الخالد.
قرأت مؤخرا كتاب “موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر 1952-1970″ للدكتورة هبة شوقي، وهو الكتاب الـ 363 من سلسلة كتب ” تاريخ المصريين”، التي تشرف عليها الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويتناول موضوعا في غاية الأهمية في تاريخ المصريين، ويأخذ تلك الأهمية في الظروف التاريخية التي يصدر فيها الكتاب، والتي تعكس وضعا غير طبيعي فيه الكثير من الاساءات للمكون القبطي – المسيحي داخل مصر، يتمثل ذلك في اعتداءات متكررة عليهم وعلى بيوتهم وممتلكاتهم، ناهيك عن مقدساتهم كما حصل قبل عدة أشهر من حرق لعدد من الكنائس (وإن نتجت عن إهمال بشري)، ومؤخرا اعتداءات على ممتلكات وكنيسة قبطية في إحدى القرى، وكل ذلك يصب في ضرب النسيج الاجتماعي الذي تميزت به مصر في حقب تاريخية هامة.
عنوان الكتاب واضح ويحدد الفترة التاريخية التي يدرسها وهي فترة حكم الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، وتأكيدا على العلاقة الجميلة التي ربطته بالمكون القبطي ثبتت على الغلاف صورة للرئيس وهو يضع يده في يد البابا كيرلس، لدى وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية عام 1965 في القاهرة.
يتألف الكتاب من ستة فصول إضافة الى مقدمة وتقديم في البداية وخاتمة وملاحق ومصادر في نهاية الكتاب. وتتناول الكاتبة في بحثها كل نواحي العلاقة الإيجابية والمميزة التي جمعت بين الأقباط والقيادة المصرية لثورة 23 يوليو في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ومواقف الأقباط من مختلف الأزمات التي مرت بها مصر في تلك الحقبة. وسوف أتوقف عند كل قضية كما عرضتها الباحثة باختصار.
أحسنت الكاتبة صنعا بوضع فصل تمهيدي لفصول الكتاب تناول وضع الأقباط قبل ثورة 23 يوليو فعرّفت بأوضاعهم في العصور المختلفة وبيّنت تعامل الحكام معهم في كل فترة، وأكدت أن ثورة 1919 مثّلت نقطة البداية في الدور السياسي الواضح الذي قام به الأقباط.
تناول الفصل الأول “موقف الأقباط من ليلة 23 يوليو” وتأييد المجتمع القبطي بغالبيته للخطوات التي اتخذتها الثورة عقب نجاحها لاستكمال أهدافها، حيث استقبلت محافله الكنسية والإعلامية والمجتمعية حركة الجيش بالترحيب والتأييد، لأنهم رأوا فيها فاتحة عهد جديد بالنسبة لهم يبعث على الأمل والطمأنينة. وعندما أعلنت الثورة عن قيام الجمهورية عبّر الأقباط عن ذلك برفع الأعلام والزينات وقرع أجراس كنائسهم وإقامة الصلوات فيها، وكذلك الأمر بعد اعلان الرئيس عبد الناصر قراره بجلاء القوات الإنجليزية عن أرض مصر بتأميم قناة السويس، فوجهوا له برقيات التهنئة وصدرت القرارات التي “تنص على اعلان التأييد الكامل للموقف الخالد للرئيس في سبيل إعلاء سيادة الوطن العليا”. (ص 68)
وتمحور الفصل الثاني حول “موقف عبد الناصر من الأقباط بعد رصاصات المنشية”، فحادثة محاولة اغتيال عبد الناصر كانت البداية الفعلية للعلاقة المميزة بين عبد الناصر والأقباط، حيث عبر الأقباط عن فرحتهم بنجاة الرئيس من محاولة الاغتيال سواء في توجيه البرقيات له من مختلف المحافل القبطية أو تنظيم الاحتفالات من قبل الجمعيات المسيحية، وقد بادلهم عبد الناصر الشعور فأخذ يزورهم في مناسباتهم المختلفة، وتذكر الكاتبة أن “الرئيس جمال عبد الناصر كان أول رئيس في تاريخ مصر السياسي يزور بابا الأقباط، وقد حدث ذلك عام 1953م” (ص 85)
وتعرض الفصل الثالث لـ “موقف الأقباط من نشاط الاخوان المسلمين”، وخلصت فيه الباحثة إلى أن ” العلاقة بين الاخوان والأقباط كانت علاقة بين تيار سياسي وبين فئة من فئات الجماعة المصرية، بحيث لم يجمع الاثنين أو يفرقهما في آن واحد إلا التوجه السياسي للتيار الإسلامي”. (ص 117)
وبحث الفصل الرابع “موقف الأقباط من السياسة الاقتصادية والاجتماعية للثورة”، ويظهر فيه أن الأقباط بشكل عام انحازوا الى جانب قرارات وإجراءات عبد الناصر رغم أنها أصابت قطاعات قبطية بالضرر، لكنهم كانوا على يقين أنها لم تكن موجهة إليهم لكونهم أقباطا، انما لأنهم أصحاب رأسمال وسيطرة في شركات وقطاعات اقتصادية، فأصابهم في ذلك ما أصاب سواهم من المسلمين الأغنياء والاقطاعيين والمتمولين.
واستعرض الفصل الخامس “موقف الأقباط من الحروب المصرية الإسرائيلية”، وهنا أيضا يظهر مدى ولاء الأقباط لوطنهم ووقوفهم خلف قيادتهم الوطنية المتمثلة في الرئيس جمال عبد الناصر، وانخراط الأقباط في جيش التحرير الوطني الذي دعا اليه عبد الناصر لرد العدوان الثلاثي عام 1956 (ص 147) ومدى التلاحم الوطني بين المسلمين والمسيحيين في مصر أيام المحن والشدائد. وتؤكد الكاتبة أن “الكنيسة القبطية قد قامت بدور بارز في تأييد النظام والرئيس جمال عبد الناصر” وأكثر ما تجلى في قرار البابا بإلغاء الاحتفالات بمناسبة الأعياد واقتصارها على الصلوات، ومنع الحج المسيحي الى القدس طيلة فترة الاحتلال (ص 170).
وتوقف الفصل السادس مطولا عند “موقف الأقباط من وفاة جمال عبد الناصر” حيث خيم الحزن على الكنيسة كما خيم على الوطن، وقد بلغ حجم الصدمة والحزن على بابا الأقباط كيرلس السادس الى حد البكاء على الرئيس عندما بلغه خبر وفاته. وقد بكاه الأقباط أجمعين كبارا وصغارا رجالا ونساء معلمين وطلبة من رؤساء الكنائس حتى أصغر مؤمن.
ملاحظات ومآخذ على الكتاب
لا شك أن وضع دراسة في مسألة الأقباط في مصر وخاصة في فترة محددة لهو عمل هام ويصب في باب تأكيد وحدة الشعب المصري بمسحييه ومسلميه، هذه الوحدة التي تعززت وترسخت في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي لم تشهد حادثة طائفية واحدة. من هنا ولأن هذا هو الحال وهذا الذي أكد عليه الرئيس عبد الناصر في خطبه ومواقفه وممارساته، ولأن الشعب المصري هو شعب واحد، اعلن تحفظي من العناوين الفصول الداخلية التي أثبتتها الباحثة والتي بدأت “موقف الأقباط من…” وكأن الأقباط ليسوا الجناح الثاني للشعب المصري، أو أنهم أقلية غريبة ولها مواقف نابعة من مصالح مختلفة وليس من منطلق المشاركة في هموم الوطن وتحدياته كمكون أساسي من مكونات الشعب المصري، بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما جعلت عنوان الفصل الثاني “موقف عبد الناصر من الأقباط بعد رصاصات المنشية”، حيث يوحي بأن للأقباط دور في اطلاق الرصاص على عبد الناصر حتى يكون لعبد الناصر موقف منه، وفعلا استغربت الأمر عندما وقعت عيناي على هذا العنوان، حيث أمكن للكاتبة أن تجد عنوانا آخر مناسبا.
ويظهر ان الكاتبة أرادت التأكيد على أن تعرض الرئيس عبد الناصر لحادثة الاغتيال برصاص الاخوان المسلمين في بداية عهده، جعلته يعامل الأقباط معاملة جيدة خاصة أنهم وقفوا إلى جانبه علنا وعبروا عن مساندتهم له وفرحهم بنجاته، إلا اذا قصدت الباحثة التماهي مع عنوان الكتاب فاستمرت على هذا النهج في جميع الفصول.
رغم التحفظات إلا أن الكتاب يعتبر شهادة تاريخية هامة لطالبي دراسة التاريخ المصري الحديث، تعكس صفحة مضيئة من هذا التاريخ الذي عاش ذروته في عهد الرئيس والقائد العروبي جمال عبد الناصر.
* د. هبة شوقي – موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر 1952-1970، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021