هل تأجل الهجوم التركي على شمال سورية ضد “قسد” ؟؟
بقلم: توفيق المديني

يكاد لا يمر يومٌ واحدٌ إلا وتتحدث فيه أجهزة الإعلام العربية و التركية عن العملية العسكرية التركية الوشيكة التي سيقوم بها الجيش التركي بالتعاون مع فصائل معارضة سورية مسلحة مرتبطة بتركيا على “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمالي وشرقي سورية، غير أنَّ المعطيات السياسية و الميدانية تشير إلى إرجاء هذا الهجوم العسكري الكبير، وسط معارضة أمريكية، وكذلك وساطة روسية تستهدف إيجاد تسوية بين تركيا و الدولة السورية، من خلال ترتيب لقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ،والسوري بشار الأسد.
الرفض الأمريكي
تَعْتَبِرُ تركيا “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) نسخةً سوريةً من حزب “العمال الكردستاني” (Pkk)الذي يتعرض لحملات عسكرية في العراق وسورية. وتطالب أنقرة بانسحاب “قسد” من ثلاث مناطق هي: تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ومنبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، غير أنَّ “قسد” ترفض مطالب تركيا.
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تقدم كل الدعم لقوات سورية الديمقراطية”قسد” بوصفها الذراع البرِّية للتحالف الدولي في محاربة تنظيم “داعش” في ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات.
أمريكا تؤكد التزامها ،من خلال الشراكة مع قوات سورية الديمقراطية”قسد” ،بالتصدي للتهديد العالمي الذي يشكله تنظيم “داعش”،إذ قتلت القوات الأمريكية مؤخرًا قائدين كبيرين ل”داعش” في الأراضي السورية،ومع بداية الشهر الحالي، قُتل زعيم ثالث لتنظيم “داعش” خلال عملية نفذتها فصائل محلية في محافظة درعا جنوب سورية،وهو أبو الحسن الهاشمي القرشي المتزعم الثالث للتنظيم، وتعيين أبو الحسين الحسيني القرشي خلفاً له ،ليكون بذلك ثالث زعيم ل”داعش”يُقتل في الأراضي السورية،التي كان يسيطر على نحو ثلثها قبل أن يبدأ رحلة تراجع، حوّلته إلى خلايا متناثرة في أكثر من منطقة.
وتعتقد الولايات المتحدة أنَّ تنظيم “داعش”ما زال يمثل تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها، والحال هذه ، فهي ترى أنَّ اعتمادها على “قوات سورية الديمقراطية”،يعدُّ من الضرورات الاستراتيجية لمواجهته،حسب المنطق الأمريكي التبريري، لكنَّ للولايات المتحدة غايات أخرى ، منها بقاء احتلالها للمنطقة الشرقية ،التي تمثل 25 %المئة من مساحة الجمهورية العربية السورية، والغنية جدًّا بالنفط والغاز، الذي تسرقه وتنهبه وتبيعه لتمويل عملياتها العسكرية ،ودعم الميليشيات الكردية المتعاونة معها بالمال والسلاح، وحرمان الدولة السورية من أهم مصدر قادر أن يدرَّ عليها بالعملة الصعبة التي تحتاجها لإدارة عجلة الاقتصاد السوري المنهار.
وأمام تصاعد وتيرة التهديد التركي باقتحام الشمال الشرقي لسورية، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء الماضي،تقليص عدد الدوريات المشتركة في شمال سورية مع “قوات سورية الديمقراطية” الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، المدعومة من الولايات المتحدة، مع تصاعد المخاوف من تنفيذ تركيا عملية عسكرية برية في الداخل السوري، فيما أكدت أنقرة انسحاب القوات الأمريكية من بعض المواقع.
وتتلقى قوات سورية الديمقراطية، التي تصنفها تركيا “إرهابية”، دعما من واشنطن منذ سنوات، لكنها نسقت جهودها أيضا مع الحكومة السورية وحليفتها روسيا، اللتين تعتبرهما الولايات المتحدة خصمين.
وكان القائد ل”قوات سورية الديمقراطية”مظلوم عبدي، صرَّح لوكالة رويترز عبر الهاتف من سورية، إنَّه “ما زال يخشى غزوًا برِّيًا تركيًا، على الرغم من التأكيدات الأمريكية”، وطالب برسالة “أقوى” من واشنطن بعد رؤية تعزيزات تركية غير مسبوقة على الحدود، مضيفًا:إنَّ هناك تعزيزات على الحدود وداخل سوريا في مناطق تسيطر عليها الفصائل المتحالفة مع تركيا، مضيفا أنَّها تعزيزات جديدة.وأكَّد عبدي أنَّه تلقى تأكيدات “واضحة” من كل من واشنطن وموسكو بأنَّهما تعارضان العملية البرية التركية، لكنه أوضح أنه يريد شيئا ملموسا أكثر لكبح أنقرة.
في غضون ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تعارض قيام تركيا باجتياحها العسكري للشمال السوري ، وهو ما تقابله أنقرة بمطالبة واشنطن بالوفاء بتعهداتها، علماً أنَّ السلطات التركية تطالب بإبعاد “وحدات حماية الشعب” القوة الضاربة ل”قسد” مسافة 30 كيلومتراً عن حدودها.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، “الأميركيون طلبوا منا إعادة دراسة العملية العسكرية المحتملة ضد الإرهاب شمالي سورية، وفي المقابل طلبنا منهم الوفاء بتعهداتهم”. وأكمل: “لا نقبل المواقف المعارضة لكفاحنا ضد الإرهاب من تلك الدول التي تأتي من آلاف الكيلومترات إلى المنطقة بحجة خطر تنظيم داعش، بينما إرهابيو الوحدات الكردية يُهدِّدُون أمننا من الجانب الآخر لحدودنا”.
وأكَّد أكار أنَّ القوات التركية لا تستهدف في عملياتها سوى العناصر الإرهابية. وتابع: “نولي أهمية كبيرة لعدم تضرر المدنيين والبيئة وقوات التحالف من عملياتنا العسكرية ضد الإرهابيين، هدفنا الوحيد هو الإرهاب ولا نستهدف أي طائفة عرقية أو دينية أو مذهبية”.
وكان البنتاغون قد أعلن في بيان مساء الأربعاء 7ديسمبر 2022 أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ أكار في محادثة هاتفية، بأنّ واشنطن “تعارض بشدّة” شنّ أنقرة العملية العسكرية، مضيفة أن أوستن دعا “إلى خفض حدّة التصعيد”.
روسيا والبحث عن تسوية بين تركيا وسورية
تُعَدُّ روسيا القوة الدولية التي تربطها علاقات استراتيجية مع تركيا، وهي تدفع باتجاه إيجاد أرضية لتسوية مرضية بين تركيا و الدولة السورية، لا سيما أنّ روسيا تحاول إقناع تركيا بعدم جدوى العملية العسكرية المحتملة في الشمال السوري، لأنَّها يمكن أن تؤدّي إلى جولة جديدة من المواجهة المسلحة وتحفيز الانفصال الكردي .ومنذ عام 2016، نفذت أنقرة 4 عمليات شمالي سورية، واحتلت مئات الكيلومترات من الأراضي، وتركزت تلك العمليات على شريط اتساعه 30 كيلومتراً.
وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد ، برعاية روسية، حيث قالت أوساط روسية أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رحب بالمبادرة.
وقال أردوغان في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة خلال رحلة عودته من تركمانستان، إنَّه اقترح على بوتين عقد اجتماع ثلاثي بين تركيا وروسيا وسورية، مؤكدًا أنَّ بوتين أبدى ارتياحا للمقترح.وأضاف أردوغان: “بالتالي.. سنبدأ سلسلة المحادثات”، وفق وكالة “الأناضول”.
ورأى أردوغان أنَّه يجب أن تجتمع أجهزة المخابرات أولاً، لترتيب لقاء بين وزراء الدفاع، ومن ثم يمكن عقد لقاء بين وزراء الخارجية.
وفي وقت سابق، نقلت “رويترز” عن مصادر، قولها إنَّ دمشق تقاوم جهود الوساطة الروسية لعقد قمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس السوري بشار الأسد، فيما لم تستبعد مصادر تركية عقد لقاء بينهما في المستقبل القريب، وهو ما أكده مسؤول روسي قال إنَّ موسكو تعمل على ذلك.
وفي هذا السياق قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، إنَّ موسكو مستعدة لتنظيم محادثات بين الجانبين التركي و السوري على أعلى مستوى، مضيفاً لوكالة “سبوتنيك” أنَّ “موسكو ستكون مستعدة لتوفير منصة، إذا كانت هناك رغبة مشتركة بين الطرفين، لكن من المبكر الحديث عن ذلك، لأنه يجب أن تنضج شروط معينة للاجتماع”.
وكان ألكسندر لافرينتيف قد أعلن أنَّ بلاده تعمل على ترتيب لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، مشيرا إلى أنَّ إمكانية عقد اجتماع بينهما كانت “موجودة دائما” وموسكو تؤيد ذلك.
وتعتقد دمشق بأن مثل هذا الاجتماع قد يعزز موقف الرئيس التركي قبل الانتخابات في العام المقبل، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 مليون لاجئ سوري من تركيا، بحسب مصدرين لـ”رويترز”.
ويأتي ذلك بعد تلميح أردوغان قبل يومين إلى إمكانية إعادة النظر في العلاقات مع نظام الأسد بعد انتخابات عام 2023 في تركيا. وقال: “من الممكن أن يحدث لقاء. في السياسة ليس هناك استياء وتحفظ، عاجلاً أم آجلاً سنتخذ خطواتنا”.
يعتقد الخبراء أنَّ الرئيس بشار الأسد لا يمانع من حيث المبدأ لعقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،لكنَّه يرى أن تطبيع العلاقات السورية -التركية مرتبط أساسًا بمدى قدرة أردوغان على تحقيق الشروط السورية، و المتمثلة في النقاط التالية:
أولاً:عودة سيطرة الدولة السورية على كامل محافظة إدلب، الأمر الذي سوف يؤدي إلى فك الارتباط بين تر كيا و التنظيمات الإرهابية المسيطرة الآن على إدلب وأجزاء من ريف حلب . ثانيًا: نقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفازجوزو “باب الهوى” إلى سيطرة الجيش السوري والحكومة السورية، إضافة إلى السيطرة الكاملة للحكومة السورية على الطريق التجاري (M4) الواصل بين شرق سوريا، دير الزور – الحسكة، وحلب – اللاذقية.
ثالثًا: تقديم تركيا الدعم لسورية فيما يخص العقوبات الأمريكية والأوروبية على شركات ورجال أعمال وبيروقراطيين داعمين للحكومة السورية.
رابعًا:مناقشة الدعم المطلوب من تركيا لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة والذي تم تعليقه.
خامسًا:تنفيذ تركيا عرضها في التعاون والقضاء على الإرهاب وإعادة النفط السوري للحكومة السورية، وأن تواصل تركيا دعمها لسورية في مجالات السدود والطرق السريعة والكهرباء والمؤسسات التعليمية .
أمَّا تركيا ،فهي تطالب بالمقابل الدولة السورية بتحقيق الشروط التالية:
أولاً: تطهير مناطق تمركز حزب العمال الكردستاني الانفصالي ووحدات حماية الشعب الكردية، بالكامل وإكمال عملية الاندماج السياسي والعسكري بين إدارة دمشق والمعارضة بشكل سليم وتطبيقها بعد عودة اللاجئين إلى المناطق الآمنة والاستقرار بها.
ثانيًا:القضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود التركية السورية.
ثالثًا:الاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين.
رابعًا:أنقرة تطالب بأن تكون حمص ودمشق وحلب مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار، ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم.
خامسًا:تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن وذوي الظروف الصحية السيئة.
خيارات “قسد” بمواجهة العملية التركية
لقد ارتكبت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)خطأً استراتيجيًا من خلال علاقتها العضوية مع حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) ، الذي تعتبره تركيا تنظيمًا إرهابيًا، ويهدد أمنها القومي،كما تنكرت الميليشيات الكردية لإلتزاماتها وتعهداتها للدولة السورية منذ سنة 2011،وباتت تطالب بإنشاء كيان كردي انفصالي في شمال شرق سورية بعد أن سيطرت على آبار النفط والغاز عن طريق الاستقواء بالولايات المتحدة وإسرائيل،وهي الآن ترتكب جريمة حرب ضد الشعب السوري ،الذي يعاني من ويلات الحصار والعقوبات الأمريكية والأوروبية عليه،لأنَّها تسيطر الأن على أهم منطقة استراتيجية تتركز فيها كل الثروات الحقيقية لسورية من نفط وغاز وقمح وقطن وماء، بينما يحرم السوريون من التمتع بخيرات بلادهم ،التي أصبحت موضوعًا للسرقات والنهب من قبل الأمريكان وعملائهم من الأكراد الإنفصاليين.
الخيار الوطني لأكراد سورية إذا أرادوا ضمان حقوقهم،هو العودة إلى أحضان الدولة السورية،
والسماح لدخول قوات الجيش العربي السوري إلى مناطق “قسد”،لكنَّ ذلك سوف يقوّض مكاسبهم، ف”قسد” تحاول التعاون مع الدولة السورية مع الحفاظ على الإدارة الذاتية لمناطقها، بينما تريد الدولة السورية ممارسة حقها السيادي على كامل ترابها الوطني.
لقد كانت الخيارات الاستراتيجية التي سار فيها أكراد سورية، وأكراد تركيا والعراق،هي التحالف الاستراتيجي مع قوى إقليمية ودولية معادية للعرب عامة ،وتحديدًا أمريكا وإسرائيل ،فتحولوا بذلك إلى أدوات تحرّكها تلك القوى، في غالب الأحيان، ضمن أجواء متوتّرة فرضتها الحرب الإرهابية الكونية على سورية ولم يعد موضوع الأكراد شأناً يخصّهم وحدهم، إذ بات لكلّ تطوّر فيه تداعياته على السياسات الإقليمية والدولية في المنطقة.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:في الوقت الذي بدأت فيه تضيق الخيارات أمام “قسد”، حتى وإن كانت لا تزال تلوّح دائماً بورقة محاربتها الإرهاب،وتستخدم ورقة الآلاف من عناصر “داعش” الموجودين في المخيمات والسجون التي تسيطرعليها،وفي الوقت أيضًا الذي يعاني فيه الاقتصاد السوري من انهيارٍ كبيرٍ،أمام الارتفاع الجنوني للأسعار، وشحة الوقود من نفط وغاز وبنزين ومازوط، وانقطاع متواصل للكهرباء، ليس أمام الدولة الوطنية السورية، سوى تفعيل خيار المقاومة الشعبية المسلحة ضد معسكرأعداء الدولة الوطنية السورية ،وهم: الإمبريالية الأمريكية، والكيان الصهيوني، والتنظيمات الإرهابية،والميليشيات الانفصالية،إنَّه الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يفسح في المجال أمام الدولة السورية استعادة ثرواتها المنهوبة والمسروقة من نفط وغاز،واستعادة أيضًا هيبتها الوطنية والقومية أمام أمريكا و إسرائيل وتركيا ،ما يجعلها قادرة أن تتفاوض من موقع القوة في أية تسوية قادمة على الصعيدين الإقليمي و الدولي.