ثورة الضفة والمسؤولية الوطنية
بقلم : جبريل عوده*

تعيش الضفة المحتلة حالة اشتباك حقيقية تؤسس لمرحلة ثورية جديدة في حياة الشعب الفلسطيني , تتنوع أساليب المواجهة التي يخوضها الفلسطينيين ضد الإحتلال ومستوطنيه , فمن موجات الأعمال الفدائية الفردية ودلالة ذلك أن المقاومة خياراً شعبياً ومسلكاً طبيعياً لكل حر يقارع المحتل, إلى ظهور التشكيلات العسكرية المنظمة والمشتبكة مع الإحتلال في جنين ونابلس “الكتيبة والعرين” نموذجاً, إلى المقاومة الشعبية بالحجارة والزجاجات الحارقة في كافة المدن والقرى والمخيمات كل ذلك يشكل تعبيراً شديد الوضوح على الرفض الشعبي للإحتلال بكافة صوره البغيضة , وأن شعبنا الفلسطيني لم يجد سبيلاً للإنعتاق من هذا الإحتلال الا المقاومة الشاملة وما نراه في الضفة المحتلة يمثل صورة حقيقية لثورة الشعب الفلسطيني وإنتفاضته العارمة.
لم يكن لتلك الحالة من الإشتباك الثوري ضد الإحتلال أن تستمر دون حاضنة شعبية تدعمها وتؤسس لإستمراريتها , ولعل أبلغ نماذج الإحتضان الشعبي لحالة الثورة في ضفتنا الفلسطينية , مواكب الشهداء والوداع الإسطوري التي تقدمه أمهات الشهداء وعوائلهم الصابرة من مباركة العروج المخضب بالدماء لفلذات أكبادهم نحو منصة الشهادة التي لا يصل لها إلا من أصر على سلوك درب المقاومين والفدائيين والذي نهايته النصر أو الشهادة , وهذا الأمر يكاد يصبح حالة سائدة في كافة حالات الإستشهاد التي يعيشها شعبنا الفلسطيني , فهذه الأم الفلسطينية رغم الحزن على الفراق إلا أنها تصر على الخروج لتحمل نعش نجلها وحبيب قلبها لأن موقف الثبات وعدم الإنكسار في هذا اللحظة الصعبة بمثابة ذخيرة ترد في وجه المحتل القاتل , والرسالة الجلية بأن القتل لن يرهب شعبنا وقوافل الشهداء أعراسا ومواكب عز تتجدد فيها حياة الشعب والقضية .
أمام هذا المشهد الوطني الثوري يلزم على الكل أن يقف عند مسؤولياته وأن يقدم ما أمكن من أجل إسناد ودعم هذه الجذوة المشتعلة من الثورة والإشتباك وصولاً إلى حرب التحرير الشعبية التي تقودها الجماهير المنتفضة لكنس الإحتلال ومستوطنيه , ويمكن أن نشير ببعض النقاط حول ما نعتقد بأنه مطلباً ضرورياً من أجل إستمرارية الروح الثوري في ضفتنا الثائرة .
أولاً : تبني الحالة الثورية سياسياً , وليس معنى ذلك الإنقضاض عليها أو السيطرة على مجرياتها بل نترك الميدان يتحرك كيفما شاء فالمقاومة حق مشروع في كل الشرائع والقوانين والأعراف الدولية والمطلوب هو توفير الغطاء السياسي والقانوني لمقاومة شعبنا الفلسطيني دون الإنتقاص منها أو محاولة إضعافها أو التشكيك في جدواها وفي نوايا الشهداء والمقاومين وإلا يعتبر ذلك خروجا عن الصف الوطني وإنتكاسة سوف تلاحق مرتكبيها لعنات العار الأبدي.
ثانيا : بعد أن إتضحت هوية حكومة الإرهاب والإستيطان بقيادة ” نتانياهو وبن غفير” يجب رفع اليد الثقيلة لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عن كافة المقاومين والتوقف عن ملاحقة الثوار ومحاولات الإعتقال لرموزهم أو النشطين منهم , والكف عن محاولة تفكيك تشكيلات المقاومة العسكرية وخاصة في نابلس وجنين عبر التهديدات والإغراءات , فهذا يتعارض مع كل القيم الثورية الوطنية ويتصادم بشكل عنيف مع روح الثورة في صدور الشباب الفلسطيني وقد يكون لها نتائج عكسية سيدفع ثمنها كل من يقف ويعاند خيار الثورة الشعبية .
ثالثا :على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أن يكون لها دورها في الإسناد بالقوة العسكرية لجموع الثوار المنتفضين في الضفة المحتلة , فلا يعقل أن يستفرد العدو بالمدن الفلسطينية والتشكيلات العسكرية هناك ويمعن بها إجراماً وتقتيلاً دون ان يكون رداً عسكرياً يتم التوافق عليه في الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة كرسالة ردع للعدو ووقف تماديه عن إستباحة الدم الفلسطيني في الضفة المنتفضة والحفاظ على هذه الجذوة المباركة .
رابعاً :الإسراع بتشكيل هيئة قيادة ميدانية موحدة سرية لكافة التشكيلات العسكرية في الضفة الفلسطينية على غرار الغرفة المشتركة في قطاع غزة , يمكن لها أن تشرف على عملية التنسيق فيما بينها والتوافق على سبل المواجهة المشتركة للإحتلال وعدم السماح للإحتلال أن يستفرد بمدنية أو مخيم في الضفة والعمل على إفشال مخططاته الخبيثة التي تهدف إلى اجتثاث روح المقاومة في الضفة المحتلة.
ختاما فإن القادم صعب ونحن مقدمين على مرحلة فاصلة في الصراع مع المحتل الغاصب وما تخطط له حكومة الإرهاب والإستيطان الصهيونية من تهويد للقدس وتقسيم المسجد الأقصى و ضم أراضي الضفة وزيادة عمليات القتل والقع لشعبنا الفلسطيني , كفيل بإشعال أتون الحرب في المنطقة , ولن يكون من الممكن مواجهة ذلك الإجرام الا من خلال وحدتنا الوطنية في ميادين المقاومة الفاعلة والضاربة الكفيلة بإفشال مخططات العدو وهزيمته.
*كاتب وباحث فلسطيني