رغم أنه ضرورة قومية بالغة.. لماذا لم ينجح مشروع «التكامل الاقتصادي» في العالم العربي؟

لعب مشروع الوحدة العربية دورًا كبيرًا في تاريخ المنطقة، رغم فشل تحققه، ولا يزال حلمه قائمًا إلى اليوم، مع توفر العوامل التي تجعل من المنطقة ملائمة لتحقيقه، من وحدة اللغة، والثقافة، والتاريخ، ومركزية الإسلام الجامع بين أغلبية العرب.

لكن واقع العالم العربي بعيد جدًّا عن الوحدة؛ فالمنطقة المعبر عنها بـ«الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» تعد المنطقة الأقل تكاملًا اقتصاديًّا في العالم، وفقًا لديفيد مالباس الرئيس السابق لمجموعة البنك الدولي، والتي تشكل الدول العربية النسبة الأكبر من المنطقة وفق تعريفات البنك الدولي.

ويرجع جزء من هذا الواقع دخول اقتصادَي كلٍّ من إيران، والاحتلال الإسرائيلي ضمن التعريف، وهما اقتصادان ليسا بذلك الحجم الذي يسمح بأن يفسر الجزء الأكبر من المشكلة، ولذلك فإنها بالدرجة الأولى مشكلة عربية داخلية.

يحاول هذا التقرير التعريف بمشكلة التكامل الاقتصادي عربيًّا، ومحاولة فهم أسبابها وجذورها، مع محاولة تخيل عالم تتكامل فيه الاقتصادات العربية وأثر ذلك في الدول العربية إقليميًّا وعالميًّا.

ما هو التكامل الاقتصادي؟
عادةً ما يكون التكامل الاقتصادي عبارة عن ترتيبات اقتصادية بين الدول، تخفض أو تلغي حواجز التجارة بينها، والتنسيق في السياسات المالية والاقتصادية، بهدف الوصول إلى إلغاء الحواجز الاقتصادية كاملة إن توافرت الرغبة المشتركة، وانتقال العمالة ورأس المال بحرِّية بين هذه الدول.

ومبكرًا في علم الاقتصاد، نظَّر اثنان من آبائه، آدم سميث وديفيد ريكاردو، ضد فكرة الانغلاق الاقتصادي، وضد فكرة الاكتفاء الذاتي. بدلًا من ذلك رأى سميث وريكاردو أن على الدول إنتاج أكثر من السلع التي تمتلك فيها ميزة تنافسية، وتستورد غيرها من المنتجات.

وفي وضع مثالي لا مكان فيه للسياسة وغيره من العوامل، وفرض وجود عالم يمكن فيه التنافس بحرية، دون استغلال طرف لقوته وثروته للتأثير في الدول الأخرى؛ فإن مثل هذه النظريات منطقية جدًّا، ومن غير المعقول رفضها، ورغم أن الواقع مختلف فإن الفكرة الأساسية من هذه النظريات مفيدة للتفكير الاقتصادي.

وبالعودة إلى الواقع، يعلم الجميع أن العالم لا يسير بهذه البساطة، بل إن امتلاك ميزة تنافسية في إنتاج النفط لتوافره في بلد ما، مختلف عن امتلاك ميزة تنافسية في بناء تكنولوجيا معقدة جدًّا، ومحاولة احتكار هذه التكنولوجيا، واستخدامها وغيرها من تراكمات النفوذ والقوة للتحكم بالعالم ومسار سياسته.

لكن الأهم هو أن الدول تحتاج في مثل هذه الظروف لانغلاق نسبي، تؤمن فيها احتياجاتها الإستراتيجية التي لا تستطيع إيكال اعتمادها فيها على غيرها، أو على الأقل لا تستطيع الاعتماد فيها على خصومها، ولذلك فإن التكامل الاقتصادي لا ينبني على المصالح الاقتصادية وحدها فقط، بل السياسية أيضًا.

يبدأ التكامل الاقتصادي من وجود العلاقات التجارية طبيعيًّا، وقيام العلاقات الاعتيادية. فعلى سبيل المثال، وبشكلٍ طبيعي، لا يحتاج السوريون واللبنانيون اتفاقات محددة لوجود تجارة كبيرة نسبية بينهم، بل تتكفل بذلك عوامل القرب الجغرافي، والعلاقات البشرية الطبيعية.

لكن أولى مراحل التكامل الاقتصادي على المستوى الرسمي بين حكومتي بلدين توقيع «اتفاقيات التجارة التفضيلية»، والتي تخفض الجمارك على السلع المتبادلة بين البلدين، إلى «اتفاقيات التجارة الحرة» التي تلغي الجمارك تمامًا.

والخطوة اللاحقة هي «الاتحاد الجمركي»؛ الذي تلغى فيه الجمارك بين الدول، وتتفق فيما بينها على سياسة جمركية موحدة تجاه الاستيراد من الدول الأخرى خارج الاتحاد الجمركي، ويليه «السوق المشتركة» والتي تضيف على ما سبق السماح لوسائل الإنتاج بالانتقال بحرية، لا المنتجات نفسها وحسب.

كل ما تقدم يبقي السياسة المالية والنقدية الداخلية مستقلة بيد الحكومات المحلية، والمرحلة التالية هي المرحلة التي تبدأ فيها الدول تنسيق سياستها المالية، وتنسيق مصاريف الحكومات على بنود محددة، وهي الاتحاد الاقتصادي، ويليه الاتحاد الاقتصادي والنقدي؛ والذي توحد فيه العملة بين دول مستقلة كما هو الحال في منطقة اليورو.

وأخيرًا التكامل المطلق، ومثاله الأفضل هو الولايات المتحدة الأمريكية؛ فولاياتها المختلفة تمتلك حكومات وقوانين محلية، ولكنها موحدة في اتحاد فيدرالي يضع الدستور العام للبلاد، ويدير ميزانية مركزية، مع توحيد العملة، وانحصار السياسات الاقتصادية الكلية بيد الحكومة المركزية؛ ومعها السياسة الخارجية وغيرها من الشؤون السيادية الكبرى.

ويلاحظ أنه كلما تقدمنا في هذه المراحل انخفضت السيادة المحلية للحكومات، وزاد التعاون الاقتصادي بينها، ورغم الفوائد الكبيرة للتعاون الاقتصادي بين الدول فإن فقدان السيادة تدريجيًّا هو أهم مشكلات التكامل وسلبياته.

أين يقع العالم العربي من هذه المراحل؟
لا يجمع العالم العربي بصفته وحدة واحدة أي من هذه المراحل، بل إن بعض مناطق العالم العربي تعاني من تدني التبادل التجاري بينها بشكل ملحوظ؛ مثل منطقة المغرب العربي، وبدرجة كبيرة بسبب الخلاف المغربي الجزائري.

بينما يفترض أن دول الخليج العربي بدأت منذ عام 2003 تطبيق اتحاد جمركي بينها، ولكن الواقع أن هذا الاتحاد المعلن عنه لم ينضج بعد، ولم يتحقق فيه شروط الاتحاد الجمركي كاملة.

ويظهر بحث صادر عام 2017 عن مجلة آسيا للإدارة والأعمال أن الاتحاد الجمركي الخليجي ما زال يفتقد لسياسة جمركية خارجية موحدة، وأن بعض الدول الخليجية لا تتردد في خرق السياسة الجمركية الداخلية المتفق عليها، كما أن التجارة الداخلية ليست معفاة بالكامل من الجمارك، بل هناك سلع محددة معفاة، وجمارك مخفضة بشكل عام وضمن اتفاقات بين هذه الدول.

وفي عام 2001 وقعت كل من سوريا والعراق اتفاقية تجارة حرة بينهما، ولكنَّ ظروف الدولتين جعلت تطبيق مثل هذه الاتفاقية شبه مستحيل واقعيًّا.

ومن أكثر هذه التجارب طموحًا هو «منطقة التجارة العربية الحرة ح GAFTA»، والتي أثبتت نجاحًا لا بأس به في رفع التجارة البينية العربية، دون أن يكون لذلك فوائد كبيرة جدًّا، ما يعني ضرورة تعميق التجربة وتوسيعها، ولكن الحقيقة هو أن أيًّا من ذلك لم يحصل بعد. فلماذا لا يسير العالم العربي نحو تكامل أكبر؟ ولماذا فشلت المحاولات السابقة؟

إعادة إنتاج الفُرقة العربية
كما أنَّ حالة التنمية في العالم العربي قد يصح وصفها بأنها حالة من «تنمية التخلف»، أو إعادة إنتاجه بشكل دائم، بالمحافظة الدائمة على عوامل التخلف وبقائه، بل نسج شبكات مصالح بناء على هذا التخلف، فبالمثل يمكن أن نقول أن انعدام التكامل العربي هو حالة يعاد إنتاجها سياسيًّا واقتصاديًّا.

بداية؛ إذا كان التكامل يعني حركة مستمرة نحو فقدان السيادة الاقتصادية على المستوى المحلي لصالح تعاون أكبر وأعم، فهذا يعني فقدان الأنظمة العربية لسلطتها المحلية مقابل تعاون عربي، ومن الطبيعي في دولنا الاستبدادية بالعموم أن تخشى الأنظمة على خسارة جزء من رصيد سلطتها السياسية لصالح أنظمة أخرى، كما أنها تخشى خسارتها لصالح شعوبها ديمقراطيًّا.

يفسر هذا جزءًا من فشل التجارب الوحدوية العربية، وأحد أمثلته انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة نتيجة لانقلاب عسكري عام 1961، والفشل في إيجاد حالة وحدوية على مستوى النخب الحاكمة، بل إن جزءًا من المشكلة كان عدم الاتفاق على توزيع الحصص بشكل تقبله الأطراف المختلفة، والعالم العربي اليوم في موقع متأخر عما كان عليه وقت تجربة الجمهورية العربية المتحدة من حيث المد القومي الجارف ووجود أنظمة تدعي ولو نظريًّا تبنيها للفكر القومي العربي.

ولكن هذا المد القومي وصل إلى نهاية عهد بوفاة الرئيس المصري الخالد جمال عبد الناصر عام 1970، والمرحلة اللاحقة كانت مرحلة انتقالية لم يظهر فيها توجه حاسم بعيد عن التوجهات القومية اشتراكية الطابع، حتى انهيار الاتحاد السوفيتي وخسارة الكتلة الشرقية، وتعميم الهيمنة الغربية على العالم، والنتيجة كانت ظهور الليبرالية الجديدة بديلًا كاسحًا في العالم والعالم العربي تحديدًا.

إذا كانت المرحلة اللاحقة التي يحتاجها العالم العربي في التكامل الاقتصادي هو إنجاز الاتحاد الجمركي الذي يوحد السياسة الجمركية العربية تجاه الخارج، فذلك يعني أن أحد عوائق التقدم نحو هذه المرحلة هو اتفاقات الدول العربية مع دول غير عربية بشكل منفرد، والموجة الليبرالية التي اجتاحت المنطقة منذ التسعينيات تمكنت من تحقيق مثل هذه الاتفاقيات، وأهم الميزات التي قد نلاحظها هو أن غالبية هذه الاتفاقيات كانت بين دول عربية ضعيفة اقتصاديًّا مع دول غير عربية قوية الاقتصاد.

يذكر تقرير لليونسكو هذه الاتفاقيات العربية مع دول غير عربية، وهي كما يلي؛ اتفاقات بين كل من الجزائر، مصر، الأردن، المغرب، السلطة الفلسطينية، تونس مع الاتحاد الأوروبي. واتفاقيات كل من البحرين، والأردن، والمغرب، وعمان مع الولايات المتحدة الأمريكية. واتفاقيات كل من مصر، والأردن، ولبنان، والمغرب، وتونس مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية التي تشمل تركيا أيضًا، عدا عن اتفاقيات أخرى مع غير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وانضمام دول عربية عديدة لمنظمة التجارة العالمية.

هذه الاتفاقات كان لها أيضًا سمة عامة هي استهداف تحرير الاقتصادات العربية الداخلة في هذه الاتفاقات، والعمل على ربط اقتصاداتها قدر الإمكان بالخارج، إن لم يكن هذا الربط عامًّا وشاملًا للاقتصاد بأكمله فعلى الأقل تُستهدف قطاعات بعينها مثل القطاع الزراعي، وأضحت كثير من الدول العربية أكثر اهتمامًا بتعميق اتفاقياتها التجارية مع الدول غير العربية من الدول العربية؛ مع دفع غربي نحو ذلك بطبيعة الحال.

وإذا كان من الطبيعي أن يكون الهدف التكامل والوحدة متكاملًا مع الحاجات العربية الأخرى للتحرر والنهضة والاستقلال بالقرار العربي الاقتصادي والسياسي وغيره، فإن أكثر هذه الاتفاقات تعارضًا مع التكامل العربي هو مشروع «تأهيل المناطق الصناعية – QIZ»، وهو اتفاق رباعي يهدف لتعزيز صادرات الأردن ومصر إلى الولايات المتحدة؛ بشرط احتواء منتجات البلدين على مدخلات من الاحتلال الإسرائيلي، وهو مشروع قائم منذ عام 1996 حتى اللحظة، وهو يمثل سلفًا مبكرًا لمحاولات إدماج إسرائيل اقتصاديًّا في المنطقة.

يضاف إلى ذلك محدودية نتائج المحاولات العربية الأخرى، وهو عامل لعب مع غيره دورًا في مضاعفة الأثر، وأخيرًا الفوارق الاقتصادية المتنامية بين الدول العربية على مستوى الاقتصاد الكلي، فالمنطقة تجمع دولًا من الأعلى في العالم على مستوى الدخل، على بعد قريب جدًّا من بعض أفقر دول العالم كاليمن في الخليج، وحتى الدول التي كانت أكثر حظًّا في السابق إما تخضع لحروب مستمرة مثل العراق وسوريا، أو انهيارات اقتصادية مثل لبنان، أو أزمات متجددة مثل مصر.

هذا الواقع هو ما فتح المجال أمام اعتمادية عربية داخلية عكس التكاملية، ولكن قبل أن نختم بتوصيف مشهد سريع من الواقع والعقود الأخيرة؛ فلنفكر قليلًا بكيف يمكن أن يصبح شكل العالم العربي والعالم في سيناريو خيالي نفترض فيه أن العرب شكلوا دولة واحدة منذ الخمسينيات على سبيل المثال، دون الخوض في تجميع أرقام الاقتصاد والجيوش وغيرها، ولكن على مستوى آخر.

«التكامل» لمصلحة العرب و«الاعتماد» لمصلحة مستعمريهم
ليس المقصود من هذا السيناريو المتخيل التحسر، ولكن فهم التكلفة التي أضعناها خلال العقود السبعة الماضية، ومعها الإمكانات التي ما زالت أمامنا في المستقبل، والتي تحتاج لتحريرها من عوامل التبعية والتفكك والتخلف.

ولنبدأ تصورنا من عند «نظرية في الإمبريالية» للمفكرين الهنديين أوتسا وبرابهات باتنايك عن عالم الهيمنة الغربية كما نعرفه اليوم، والذي يقوم فيه الغرب بمنع الدول النامية من التقدم، وتفكيك مشروعاتها التنموية بحيث تظل معتمدة على تصدير المواد الأولية للغرب الذي يحتاجها بشدة لتقدمه، وفي المقابل يمنع ذلك من إمكانية استهلاك الدول النامية لمواردها داخليًّا لسد حاجاته، ولاستخدامها في مراكمة التنمية.

هذا النمط الغربي يقوم على عملية مقصودة من هدم الدخول في الدول النامية، بحيث تبقى شعوبها فقيرة وغير قادرة على تحمل أثمان المواد الأولية التي تنتجها، ولهذا هدف مالي مهم، وهو أن حصول التنمية في الدول النامية، وارتفاع قدرتها الشرائية يعني ارتفاع الطلب على المواد الأولية بشكل متزامن، وبشكل مستمر طالما استمرت عملية التنمية، وارتفاع الطلب يعني ارتفاع السعر، وهذا يعني كلفًا كبيرة على الدول المتقدمة التي تمنعها الجغرافيا من إنتاج كثير من المواد الأولية التي تحتاجها، والتكلفة الإضافية هذه ستكون ربحًا إضافيًّا في الدول النامية لتعزيز تنميتها.

فلنتخيل الآن عالمًا يتوحد فيه المشرق العربي وحده كحد أقل؛ أي من مصر إلى العراق، ومن سوريا إلى جنوب الجزيرة العربية، بحيث تتكامل الموارد الطبيعية متمثلة بالنفط والغاز في دول الخليج قليلة السكان والتي كانت قبل 70 سنة ضعيفة التعليم، وغير مستثمر فيها، وبلا رأس مال بشري يبنى عليه، مع ما في بلاد الشام والعراق ومصر من رأس المال البشري والخبرات وغيرها.

لن ينتج من هذا إمكانيات ضخمة لتحقيق قاعدة صناعية كبيرة تستفيد من عوائد بيع المواد الأولية، واستثمارها داخل الدول العربية فقط، بل سيعني ذلك تنافسية كبيرة لهذه الصناعات بسبب أنها تستهلك طاقتها المحلية؛ والتي ستكون تكلفتها قليلة جدًّا، مع تقدم هذه الصناعة وزيادة الرفاه داخل الدول العربية سيزيد استهلاك النفط والغاز لغايات إنتاجية واستهلاكية.

هذه الزيادة المطردة، والتي قد تتكامل لاحقًا مع تجارب أخرى في الهند والصين مثلًا، ستعني ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر من أي معدل عرفناه اليوم، وهذا سيكون له تبعات كبيرة جدًّا؛ أولها الطابع المتصاعد في قدرة الدول العربية على تحقيق عائدات طاقة تستثمر في إمكاناتها البشرية والصناعية وفي رفاهها وبرامجها الاجتماعية، وهذه الأمور نفسها ستعود للمساهمة في التصنيع مرة أخرى.

وثانيها هو قلب أحد أسس النظام الاقتصادي العالمي كما نعرفه اليوم، وتحديدًا «البترودولار» الذي تكون المركزية فيه للعملة (الدولار) والذي تُربط فيه المواد الأولية وعلى رأسها النفط، وبدلًا من ذلك تصبح هذه المواد الأولية الضرورية للحياة هي الأساس الاقتصادي، ومن ثم تأسيسًا لمركزية سياسية عالمية مختلفة.

لذلك فإنه من المنطقي جدًّا أن تفهم العلاقات الاقتصادية العربية اليوم بأنها عامل من عوامل منع هذا السيناريو من التحقق، فتقسيم الدول العربية لدول بموارد كبيرة وكثافة سكانية قليلة، مع جعل هذه الدول معتمدة في أمنها على الغرب، وبالمقابل دول أخرى ذات كثافة سكانية كبيرة، معتمدة اقتصاديًّا على الخارج، دون موارد ومحاربة طالما كانت ظهر فيها أي شكل من أشكال العصيان للهيمنة الغربية.

هذا الواقع أدى لاعتمادية الدول العربية الأفقر على الدول الأغنى، وبدلًا من الاستفادة من عوائد الخليج باستثمارها في الزراعة من النيل إلى الفرات، وفي التصنيع من القاهرة إلى بغداد ضمن السيناريو المصغر، تضطر عمالة هذه الدول إلى الانتقال إلى الخليج لتُستثمر طاقاتها في اقتصادات بدأت مؤخرًا التفكير بتنويع مصادر دخلها واحتمالية الانتقال لعالم ما بعد النفط، أو على الأقل ما بعد مركزيته الكبيرة اليوم، ما يعني أن هذه العمالة التي انتقلت من مصر والشام إلى الخليج لم تُستثمر في بناء قاعدة إنتاجية وصناعية لا بلدانها ولا في الخليج.

تصل المفارقة العربية إلى أوجها فيما يرصده تقرير اليونسكو من توزيعات الاستثمارات المالية التكاملية في العالم العربية بحسب الدول المستفيدة، ويظهر منها أن السعودية كانت أكبر متلقي هذه الاستثمارات بنسبة 27%، ومع إضافة نسب كل من الكويت، الإمارات والبحرين تصبح النسبة 43%، ويتوزع الباقي على باقي الدول العربية؛ فمصر تلقت قرابة 11%، والسودان 13%، ولبنان الصغير الذي لا يمكن مقارنة إمكانات الاستثمار فيه بالاستثمار في مصر وصلت نسبته إلى قرابة 8%، ما يعكس عدم منطقية التوزيع من ناحية اقتصادية بحتة بين الدول الأكثر فقرًا.

وختامًا علينا في هذا السياق ألا ننظر إلى هذه الاعتمادية بوصفها حالة ضد التكاملية والوحدة فقط، بل عملية مستمرة مناقضة لا لمساعي التكامل والوحدة فقط؛ بل حتى لإمكاناتها واحتمالاتها، فالسياسة العربية تبنى اليوم على هذه الاعتمادية، وتُربط من نهاياتها جميعًا بالعلاقة بالغرب، بل بإدماج الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، فهي حالة تحتاج أن نهزمها لا عقبة نحتاج تجاوزها كما قد تصورها المؤسسات والمنظمات الدولية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى