“لأن روحه ما زالت حية ترفرف حولنا”.. زفاف مهيب اليوم السبت للشهيد العريس فاروق سلامة في مخيم جنين

 

جنين –  قبل أن تشرق الشمس، نهضت الوالدة هنية سلامة من فراشها، وباشرت التجهيز لحفل زفاف ابنها القائد الميداني لكتيبة جنين (فاروق جميل سلامة)، والذي كان مقرراً اليوم السبت، رغم اغتياله برصاص الوحدات الخاصة خلال مباغتتها لفاروق أثناء تحضيره لحفل زفافه في مدخل المخيم الغربي.

إلا أن الوالدة الستينية “أم فادي”، قررت الاحتفال بزفاف العريس رغم غيابه، فروحه: “ترفرف بيننا وحولنا لأنها حية، هم اغتالوا جسده، لكن روحه ما زالت حرة وأشعر أنه يراقبنا، ويطلب منا أن نكمل مراسم زفافه كما خطط لها”.

وتكمل: “حزني كبير ووجعي ليس له حدود، لكن الاحتلال لن يسرق فرحتي بزفاف فاروق الذي اصطفاه رب العالمين شهيداً، لأنه يعلم حبه وسعيه وجهاده من أجل الشهادة، لقد تمناها ونالها، فمبروك الشهادة على فاروق”.

منذ الصباح، انهمكت الوالدة هنية، بتجهيز تفاصيل اليوم الذي حوله الاحتلال من فرح لحزن وألم، فقد توجهت إلى غرفته التي جهزها فاروق قبل استشهاده، وأخرجت بدلته وعانقتها وسط الدموع وهي تردد “اليوم عرسك”، ونحن سنحتفل بعرسك ونحقق وصيتك، مبروك عليك الجنة يا أسد وبطل ونور عيوني”.

كما تابعت الوالدة “أم فادي” ترتيب سلال الحلوى التي كانت أنهت تجهيزها يوم اغتياله، وحضرتها لتوزيعها على نساء المخيم مساء السبت، في الموعد الذي كان مقررًا فيه زفاف حبيب قلبها، والذي بدأت نهارها بزيارة ضريحه في مقبرة شهداء معركة نيسان الأسطورية في مخيم جنين.

وتنفيذًا لوصية فاروق، انشغل إخوانه ورفاقه بالتحضير لحفل زفاف شقيقهم، والذي تحول لمهرجان ووليمة عن روحه، ويقول شقيقه فادي سلامة  “لا يوجد كلمات تعبر عن قهرنا وجرحنا النازف، فتلك الرصاصات الحاقدة التي اخترقت جثمان شقيقي طالتنا، وأصابتنا وفتحت في جسد كل واحد منا جرحًا ونزيفًا لن يندمل أبدًا، لذلك سنبقى أوفياء لعهده ودمه الطاهر”.

وأضاف شقيقه: “قبل استشهاده وخلال تحضيره لعرسه، قرر فاروق أن يكون حفل زفافه عبارة عن وليمة فقط عن أرواح رفاقه وإخوانه الشهداء الذين كان يتحدث عنهم دومًا ويتذكرهم، فلكل منهم قصة وحكاية بطولة معه، وبعد اغتياله سنحقق وصيته، وسنقيم وليمة عن روحه وإخوانه الشهداء، لتبقى ذكراه حية”.

في مخيم جنين، حيث بيت عزاء الشهيد فاروق، ومشاعر الحزن والألم التي تخيم في كل منزل تزينت جدرانه كما شوارعه بصور العريس الذي خلدت ذكراه بعدد كبير من القصائد والأغاني الوطنية، صدرت نداءات عن القوى والفعاليات، وبينها كتيبة جنين دعت الجماهير الفلسطينية للمشاركة في إحياء حفل زفاف الشهيد فاروق من خلال حضور وليمة العشاء التي ستقام في نادي مخيم جنين الرياضي لتشكل كما يقول المتحدث باسم الكتيبة لمراسلنا: “بأن شعبنا ومقاومته قادرون على تحقيق أمنيات الشهداء، ومواصلة خطاهم، ففاروق حي وعرسه عنوان للبطولة والتضحية والجهاد”.

في هذا الوقت، كشفت مصادر المقاومة والنشطاء في مخيم جنين المزيد من الحقائق حول عملية اغتيال سلامة، المطلوب لأجهزة الأمن الإسرائيلية منذ فترة لدوره في المقاومة، بينما زعمت مصادر عبرية أنه ارتبط بعلاقة وطيدة مع عرين الأسود في نابلس، بينما يؤكد رفاقه في المخيم أنه شكل رأس حربة في مقاومة الاحتلال والتحريض والدعوة لقتاله، كما ارتبط بعلاقة وطيدة مع كافة القوى والفصائل وخاصة الاجنحة العسكرية.

قبيل استشهاده
يروي رفاق فاروق، أن يوم الخميس كان مميزاً بالنسبة له، فقد أنهى وإياهم توزيع بطاقات الدعوة، كما جهز منزله بشكل كامل وتوجه برفقة إخوانه، ومجموعة من المقاومين إلى ملحمة “الاخشت” الواقعة على مداخل المخيم من الجهة الغربية.

وذكر رفاقه “أن فاروق صمم على الإشراف على ذبح العجول التي اشتراها لإقامة وليمة عن أرواح الشهداء بمناسبة زفافه، وقد ارتسمت على محياه معالم الفرحة والسعادة، والجميع يهنئه ويتمنى له الفرح والسعادة، وإتمام مراسم عرسه”.

ويضيف شقيقه فادي: “بعدما قام فاروق بذبح العجول وتلقى التهاني من المتواجدين، انسحب رفاقه المسلحين من الموقع، وتوجهوا إلى المخيم، بينما بقي يتابع التجهيزات”.

ويكمل: “فجأة توقفت شاحنة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية أمام الملحمة بشكل مباشر، بحيث لم تتجاوز المسافة بين الشاحنة والملحمة المترين”.

بلمح البصر، قفز الجنود إلى الملحمة وهم يشهرون أسلحتهم نحو المتواجدين فيها، بينما تمكن فاروق من القفز من فوق سور الملحمة المؤدي إلى شارع فرعي، لكن الوحدات الخاصة كانت بانتظاره وقامت بإعدامه بشكل مباشر، وتؤكد أشرطة الفيديو التي وثقها نشطاء وأصحاب المنازل المجاورة، وروايات الشهود، أن الاحتلال كان قد حاصر المنطقة بشكل كامل، ونشر الوحدات الخاصة في العديد من المواقع قبل بدء الهجوم على الملحمة.

وذكر شقيقه فادي، “أن الوحدات الخاصة عندما بدأت الهجوم انقسمت إلى عدة مجموعات، إحداها هاجمت الملحمة واحتجزت المتواجدين فيها، واعتقلت ثلاثة منهم بينهم شقيقه إيهاب (34 عامًا)، والذي تحرر قبل أسبوع من سجون الاحتلال، بعد قضاء (14 شهرًا) بتهمة إيواء ومساعدة أسرى نفق الحرية، ومعه المطاردين يزن حسن وتوفيق الشلبي والذين اعتقلوا في نهاية العملية”.

ويضيف: “فريق آخر يتقدمهم ضابط مخابرات يرتدي زي مدني لاحق فاروق الذي قفز من نافذة الملحمة، لكن في نفس الوقت كانت الوحدات الخاصة، تنصب كمينًا آخر لفاروق وتنتظره في مركبة جيب تحمل لوحة ترخيص فلسطينية، فترجل منها مستعرب وأطلق النار بشكل مباشر نحو فاروق، وبعد سقوطه أرضًا أكمل جريمته وأعدمه بأكثر من 6 رصاصات”.

ويؤكد شهود العيان، أن نجاح الاحتلال باغتيال القائد الميداني لكتيبة جنين، سببه الوحدات الخاصة التي كشفت التسجيلات التي نشرتها المقاومة والأهالي بوجودها ونشاطها، وتحركها في عدة مواقع حول المخيم، مما يؤكد أنها بمساندة الطائرات كانت تقوم برصد تحركات فاروق وهو يجهز لعرسه، حيث استغلت هذه المناسبة لتنفيذ تهديداتها المستمرة بصفيته، وتمكنت من اغتياله رغم أنه كان بالإمكان اعتقاله.

ويقول شقيقه فادي: “عندما قفز فاروق، مر بشكل مباشر من أمام الجيب الذي بداخله الوحدات الخاصة المدججين بالسلاح، كان بإمكانهم اعتقاله أو إصابته بيديه أو قدميه، لكنهم نفذوا حكم الإعدام انتقامًا لدوره البطولي في مقاومة الاحتلال”.

وأضاف: “الاحتلال أعدم فاروق، لكن روحه حية وسنبقى الأوفياء لوصاياه”.

صور أخرى ..
عندما سقط فاروق مدرجًا بالدماء كان شقيقه فادي، يتواجد في مدينة جنين لشراء باقي احتياجات حفل الزفاف، وفجأة شعر برعشة في قلبه وسيطرت عليه مشاعر الغضب والقلق كما يقول: “عندما وصلتني رسالة على “الواتس أب” تحمل خبر محاصرة الاحتلال لملحمة في مخيم جنين، انتفض قلبي وأصبت بالصدمة والرعب لمعرفة أن فاروق هناك”.

ويضيف: “انقطعت شبكة الاتصال ولم أتمكن من الوصول لهاتف شقيقي والاتصال معه، حتى تلقيت اتصالاً من صديق لي، وقال لي: “فاروق أصيب فركضت نحو المستشفى بسرعة الريح، ولكن قلبي لم يطمئن”.

ركض فادي نحو غرفة الإنعاش في المستشفى، وسط الدموع وهو يصرخ: أين فاروق؟ وأين إصابته؟، وعندما شاهده مدرجًا بالدماء بدأ يصرخ ولم يصدق المنظر، بل انتابته مشاعر الغضب عندما أزال الأطباء أجهزة إنعاش القلب عن جسده، وبدأ يصرخ “فاروق لازم يعيش، ونفرح بعرسوا، لازم تصحوه .. ما تخلوه يروح..”، ثم أمسك بالجهاز وبدأ يحاول إنعاش فاروق الذي لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله، فوقع على الأرض وهو يبكي بلوعة.

ويقول: “قبل اغتياله كانت قد وصلت بدلة عرس فاروق من تركيا، و لأنها صغيرة وضيقة أهداها لأحد رفاقه، ثم توجه للسوق واشترى أخرى وعاد إلى محل وهو يضحك ويبتسم، ويسألني عن قيمة نقوطي له”.

ويكمل: “سرق الاحتلال فرحتنا وقتل فاروق بدم بارد، لكن سنقيم له زفة كبيرة وعرس وطني، فقد أحضرنا له بدلة العرس الرسمية وأخرى عسكرية”.

المصدر: “القدس” دوت كوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى