دلالات انتخاب لولا دا سيلفا رئيسًا للبرازيل

أعاد الشعب البرازيلي انتخاب المرشح اليساري، الرئيس السابق لولا دا سيلفا، رئيسًا جديدًا للبرازيل، بعد تفوقه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية على الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونار،و أعلنت المحكمة الانتخابية العليا في البرازيل يوم 31أكتوبر 2022،نتائج جولة الإعادة التي أسفرت عن فوز دا سيلفا برئاسة البرازيل بحصوله على 50.9% من الأصوات، مقابل 49.1% لمنافسه ، جايير بولسونارو الذي يمثل اليمين الليبرالي المتطرف المرتبط بالعولمة الرأسمالية الأمريكية المتوحشة ،بعد حملة شديدة الاستقطاب في البلاد، فقد كان الرئيس المنهزم يمينيًا متشددًا، وصهيونيًا متحمسًا، وشعبويًا إلى أقصى درجة.
واحتفى زعماء عالميون، لا سيما قادة دول أمريكا الجنوبية المحسوبين في مجملهم على اليسار ، بفوز لولا دا سيلفا، بالانتخابات الرئاسية في البرازيل، فالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، قال في تغريدة: “نحتفل بانتصار الشعب البرازيلي، عاشت الشعوب المصممة على أن تكون حرَّةً وذات سيادة ومستقلة. انتصرت الديقمراطية اليوم في البرازيل. مبروك لولا”.
أما الرئيس الأرجنتيني ألبيرتو فيرنانديز، غرَّد: “مبروك لولا، انتصارك يفتح صفحة جديدة في تاريخ أمريكا اللاتينية. وقت الأمل والمستقبل الذي يبدأ اليوم. هنا لديك شريك تعمل معه وتحلم بشكل كبير بالحياة الجيدة لشعوبنا”.الرئيس البوليفي لويس آرسي، غرد: “مبروك أخي، انتصارك يعزز الديمقراطية والتكامل في أمريكا اللاتينية، نحن على يقين من أنك ستقود الشعب البرازيلي على طريق السلام والتقدم والعدالة الاجتماعية”.
وأعلن لولا في خطاب النصر أنّ بلاده “تحتاج إلى السلام والوحدة”، مضيفًا أنّها “عادت” إلى الساحة الدوليّة ولم تعد تريد أن تكون “منبوذة”.وشدّد في خطابه على أنّه “ليس من مصلحة أحد أن يعيش في أمّة مقسّمة في حالة حرب دائمة”، وذلك بعد حملة انتخابيّة شهدت استقطابًا شديدًا. وتابع “اليوم نقول للعالم إنّ البرازيل عادت” وإنّها “مستعدّة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ”.
لولا داسيلفا ودعمه للقضية الفلسطينية
قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إنَّ “تل أبيب” خسرت حليفًا في العاصمة برازيليا وذلك بعد فوز لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بالانتخابات الرئاسية في البرازيل، الذي يعتبر أحد أبرز الزعماء الداعمين للقضية الفلسطينية في أمريكا اللاتينية.
وزار دا سيلفا الضفة الغربية المحتلة عام 2010، والتقى مسؤولين بالسلطة الفلسطينية على رأسهم محمود عباس، كما أنه زار ضريح الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ووضع عليه إكليلاً من الزهور، لكنَّه رفض وضع إكليل على قبر ثيودور هيرتزل في نفس الزيارة، ما جعل وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت، أفيغدور ليبرمان، يرفض مقابلة دا سيلفا.
وخلال زيارته للضفة الغربية المحتلة، تحدث لولا عن حلمه برؤية “فلسطين مستقلة وحرَّة”، واعترف بفلسطين كدولة مستقلة ضمن حدود 1967، مع الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور، وبعد ذلك حذت غالبية دول أمريكا الجنوبية حذو البرازيل في غضون الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011.ومطلع العام الحالي، دعا دا سيلفا إلى دعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مطالبًا بإعادة هيكلة الأمم المتحدة بحيث يمكن إحراز تقدم فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية مثل “إقامة دولة فلسطينية”.
لولا داسيلفا منقذ البرازيل في بداية الألفية
انتخب البرازيليون لولا داسيلفا رئيسًا للبرازيل في عام 2003 …فقد وُلِدَ فقيرًا وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال (كان يعمل ماسح أحذية).وينتمي لولا داسيلفا إلى حزب العمال البرازيلي الذي تأسس في 17يونيو/حزيران 1979 بريودي جينيرو، ورغم تسلمه للسلطة في عام 2003، ظل حزب العمال البرازيلي جبهة تكتلات، تضم الكاثوليك، والماركسيين، والتروتسكيين، أو النقابيين.
وكان عجز الحزب عن تشكيل تكتلات أكثرية مع أحزاب أخرى يعبر عن غياب القناعة بشأن الديموقراطية التمثيلية. إنَّ حزب العمال لا يقبل الفكرة التي تنص على ضرورة تقاسم السلطة.
ومع ذلك كانت الآمال الاجتماعية الكبيرة أيقظها وصول رئيس من اليسار إلى السلطة في 1 كانون الثاني (يناير) 2003، الذي ورث دولة برازيلية مفلسة..
فى الثمانينات مرَّتْ البرازيل بأزمةٍ اقتصاديةٍ طاحنةٍ … فذهبتْ للاقتراضِ من صندوق النقد الدولي معتقدةً أنَّه الحلُّ لأزمتها الاقتصادية .. وطبعا طبقت حزمة الشروط المجحفة مما أدَّى إلى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين وإلغاء الدعم وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية…
ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط … تفاقمت الأزمة اكثر واكثر وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي .. وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرَّةٍ أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين أنَّه الطريق للخروج من الأزمة… فتدهورت الأمور أكثر وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادًا وطردًا للمهاجرين والأكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم (الدين العام تضاعف 9 مرَّات فى 12 سنة) حتى هدَّدَ صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل لو لم تسدَّد فوائد القروض ورفض إقراضها أى مبلغ فى نهاية 2002 … وانهارت العملة)(الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو. (دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة.
حين وصل لولا داسيلفا إلى رئاسة البرازيل في عام 2003،أول ما مسك الحكم الكل خاف منه.. رجال الأعمال قالوا هذا سوف يَأْخُذُ أموالنَا ويُؤَمِّمُنَا . والفقراء قالوا هذا سوف يَسْرُقُ كيْ يُعَوِّضَ الحرمان .. لكنَّه لم يفعلْ ذلك … وإنما؟؟قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس أنَّ الفقرَ للجميع بل هو إنَّ الدولة تَسْتَغْنِيَ عن كثيرٍ من الرفاهياتِ لدعمِ الفقراء ..وقال كلمته الشهيرة (لم ينجحْ أبدًا صندوق النقد إلاَّ فى تدميرِ البلدان) … واعتمد على أهل بلده ..
وضع لولا داسيلفا بُنْدٌ في الموازنة العامة للدولة اسمه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5% من الناتج القومي للدولة.. يُصْرَفُ بصورةِ رواتب ماليةٍ مباشرةٍ لِلْأُسَرِ الفقيرةِ.. يعنى بَدَّلَ الدعم العينى بدعمٍ نقديٍّ .. وهذا الدعم كان يُدْفَعُ ل 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى… هذا الدعم كان 735 دولارًا .
طبعا السؤال من أين والبرازيل دولةٌ مفلسةٌ؟!!
رفع لولا داسيلفا الضرائب على الكل (ما عدا المدعومين برنامج الإعانات).. يعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب … والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة ؟! تخيل أنَّهم كانوا سعداء لأنَّه مَنَحَهُمْ تسهيلاتٍ كبيرةٍ في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومَنَحَ الأراضِي مجانًا وتسهيلِ التراخيصِ وإعطاء قروضٍ بفوائدٍ صغيرةٍ ساعدتهم فى فتحِ أسواقٍ جديدةٍ (بالاضافة إلى أنَّ الفقراء دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية شراء منتجات رجال الأعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم).. بذلك لم يشعروا أنَّها جبايةٌ،بل يدفعون ضرائب مقابل تسهيلات ،فأصبح رجال الأعمال يكسبون أكثر منها ..
بعد 3 سنوات فقط من تطبيق هذا البرنامج عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معاهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل … في 4 سنوات سدَّد لولا داسيلفا كل مديونية صندوق النقد الدولي … بل إنَّ الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة المالية العالمية فى2007- 2008 ،أي بعد 5 سنوات فقط من حكم لولا دا سيلفا .. (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر إفلاس البرازيل في عام 2002 ورفض إقراضها لِتُسَدِّدَ فوائد القروض( .
أثناء حكمه ركَّز لولا داسيلفا في برنامجه الاقتصادي على أربعة أمور .. الصناعة … التعدين .. والزراعة وطبعا التعليم … البرازيل وصلت لسادس أغنى دولة في العالم فى آخر عام لحكمه … وأصبحت تصنع الطائرات (أسطول طائرات الامبريار برازيلية الصنع) .
بعد انتهاء ولايتى حكم لولا فى 2011 … وبعد كل هذة الإنجازات الحقيقية … طلَبَ منه الشعب أن يستمرَّ ويُعَدِّلَ الدستور… رفض بشدَّةٍ وقال كلمته الشهيرة “البرازيل سَتَنْجُبُ مليون لولا .. ولكنَّها تملك دستور واحد ” وترك الحكم …
علْمًا أنَّ البرازيل دشنت أول غواصة نووية في عام 2022، وهناك خمس دول فى العالم تصنع غواصات نووية (أمريكا – روسيا – الصين – بريطانيا – فرنسا) … أول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا .. ولكنَّها دشنت الغواصة الثانية فى 2020 والتالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة …
على الحكام العرب ، ومعهم النخب الفكرية و السياسية، وكذلك الشعوب العربية، أن يتعلموا من الدرس البرازيلي: فالنهوض من التخلف، و التحرّرِ من التبعية للغرب، ليس مستحيلاً .. إنَّما يتطلب إرادةً سياسية وإدارة حكيمة للدولة ، وقيادة واعية ملتفة حولها النخب من جميع الاختصاصات لبلورة البرنامج الكفيل بإعادة بناء الدولة الوطنية المعنية بتطوير الزراعة، والصناعة، و التعليم ، والاهتمام بالطبقات و الفئات الفقيرة… ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة الجبائية، وتشجيع الاستثمار المحلي لرجال الأعمال من خلال بناء دولة الحق و القانون ولا شئ آخر … وهذا ما عملته ألمانيا واليابان فى الستينيات… وهذا ما عملته دول دول شرق آسيا فى الثمانينيات…وهذا ما عملته الهند فى التسعينيات من القرن الماضي.. .وهذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003…وهذا ما تعمله الآن أثيوبيا ورواندا منذ 2015 في القارة الإفريقية…
لولا داسيلفا وبرنامج مكافحة الفقر
1- المنحة العائلية: استفاد من البرنامج الموجه لمقاومة المجاعة، 6.7 مليون من العائلات، التي تقبض كل واحدة منها من 50 إلى 95 ريالاً برازيلياً (32 يورو) شهرياً، بحسب عدد الأبناء. وهذا يمثل أكثر من نصف العائلات التي تعيش تحت خط الفقر. وتخضع العائلات إلى التزامات في شأن إجبارية تدريس أبنائها إضافة إلى الصحة العامة. وحتى نهاية سنة 2006، استفاد 11.2 مليون عائلة (حوالى 45 مليون برازيلي) من هذا البرنامج.
2-الإصلاح الزراعي: استفاد من عملية توزيع الأراضي 117555 عائلة ما بين 2003 -2004. واستفادت 115000 عائلة إضافية حتى نهاية سنة 2005. ويتمثل التزام الحكومة بتوزيع 430000 قطعة أرض حتى نهاية الولاية الرئاسية (نهاية 2006).
3- الزراعة العائلية: هناك مليون من المزارعين الصغار حصلوا على قروض منذ سنة 2003. في سنة 2005 تضاعف مقدار القروض ثلاث مرات ليصل إلى 7 بلايين ريال (2.3 بليون يورو)، ولمصلحة 1،6 مليون عائلة.
4- عمل الأطفال: لقد توصل برنامج استئصال عمل الأطفال إلى تحرير 2.4 مليون طفل ما بين 1999 و2004. وتحصل العائلات على مبلغ بقيمة 200 ريال شهرياً (66 يورو). وبحسب الإحصاءات الرسمية، هناك 3 ملايين طفل ومراهق أقل من 16 سنة يعملون خصوصاً في الشمال الشرقي.
5- التوظيف: لقد هبط معدل البطالة بالقياس إلى السكان العاملين من 12.2 في المئة في أيار (مايو) 2004 إلى 10.2 في المئة في أيار 2005. وسمح الانتعاش الاقتصادي بخلق مليوني فرصة عمل. وكان الوعد الانتخابي يمني الناخبين بخلق 10 ملايين وظيفة.
6- الأجر الأدنى: في أول أيار 2005، تجاوز الأجر الأدنى الشهري سقف 300 ريال (100يورو)، و هو أجر يتطابق مع مطلب تاريخي كانت تطالب به النقابات. أما رواتب التقاعد فهي محسوبة بحسب تغييرات الأجر الأدنى. وإذا جمعنا المتقاعدين والأجراء، يتقاضى 42 مليون برازيلي ما يعادل أجرين أدنيين، أو أقل.
7- الفقر: يعيش 53.9 مليون برازيلي (من أصل 184 مليون) بأقل من 50 دولار شهرياً. ويظل تحدي الفقر وإعادة توزيع الدخل شاملاً.
وتشهد البرازيل ثورة زراعية عميقة بدأت منذ عشر سنوات، عندما تبنت خيار النيوليبرالية، وتحرير القطاع الزراعي، والتوجه نحو الأسواق الكبيرة للصادرات، في عهد السيد فرناندو أنريكي كاردوزو الذي أسهم في تحقيق الاستقرار النقدي عبر محاربة التضخم.
وعندما وصل الرئيس دا سيلفا إلى السلطة في البرازيل في كانون الثاني 2003، فهم فوراً أنَّه يرتكب خطأً كبيراً إنْ هاجم قطاع الصناعات الغذائية القوي، حتى باسم العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء، (الشعار المركزي لحزب العمال، – رفيق درب حركة العمال بلا أرض – الذي أوصل لولا دا سيلفا إلى قمة السلطة). وكان دا سيلفا أعلن “على السوق أنْ تفهم أنَّ البرازيليين يحتاجون أنْ يأكلوا ثلاث مرَّاتٍ يومياً.
وإذا كان قسم من النخبة المثقفة التي رافقت حزب العمال منذ تأسيسه 1982، في قمة سيطرة الديكتاتورية العسكرية، عبرت عن خيبة أملها أحياناً، وعلناً، جراء غياب الإصلاحات، والفساد الذي لوث سمعة الحزب، فإنَّ إعادة انتخاب الرئيس لولا لولاية ثالثة تمنحه القوة الضرورية لفرض إصلاح في النظام السياسي لتجنب فضائح جديدة، والقيام بقفزة تحديثية ثانية منذ النظام العسكري.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إنَّ التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في البرازيل ، مسألةٌ جديرةٌ بالاهتمام،إذْ إنَّ اليسار الاشتراكي الليبرالي الذي يمثله الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا هو الذي يحقق انتصارات في الانتخابات، و هذا بدون شك يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة الأمريكية في القارة الجنوبية و الوسطى . وعلى الرغم من أنَّ بلدان أمريكا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإنَّ شعوبها زادتها العولمة فقرًا على فقرٍ،وفاقمتْ عندها التفاوتات الاجتماعية الحادة، عوض أنْ تنتشلها من واقعها المتردي الذي أوقعته فيها الديكتاتوريات العسكرية بعد مرحلة الاستقلال.
يجمع المحللون في العالم أنَّ أمريكا اللاتينية لم تًعُدْ تمثل الحديقة الخلفية للإمبريالية الأمريكية الشمالية، لا سيما بعد انعطفت القارة الأمريكية الجنوبية والوسطى نحو اليسار، مستفيدة من إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية ، خصوصًا في أفغانستان و العراق.
و تعيش أمريكا اللاتينية تحولاً عميقًا رصينًا، لأنَّ حكوماتها تريد معالجة أمراضها الهيكلية – الفقر، الفساد، عدم المساواة، و المديونية الخارجية-إنَّها تتحرر من النماذج الاقتصادية المستوردة التي طبعت كل تاريخها منذ عقود. فمن البنيوية إلى النقدية ، و من الماركسية إلى الليبرالية، رقصت القارة كلها رقصة دائرية من البراديغمات ،متأقلمة في المدارات الإستوائية، الدروس القادمة من الجار الكبير الشمالي .
وباستثناء حالات قليلة جدا، هرع المواطنون “اللاتينيون ” إلى صناديق الاقتراع للتصويت بكثافة. ففي كل مكان اعتبرت هذه الانتخابات كرهانات حقيقية لترسيخ الديمقراطية التمثيلية. . فبعد سقوط الديكتاتوريات العسكرية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، وموجة الديمقراطية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في عقد التسعينيات ، ها هي الخريطة السياسية تؤكد التوجه الاجمالي للناخبين نحو اليسارأو وسط اليسار. وبذلك أصبح الاشتراكي المناهض للسياسة الأمريكية معطًا جديدًا في القارة الجنوبية و الوسطى.
هل هذا يعني أنَّ المواطنين الأمريكيين اللاتينيين أصبحوا من اليسار؟ إذا كان الناخبون يصوتون لمصلحة اليسار، فإنَّ هذا لا يعني أنَّ العقليات التقليدية قد اختفتْ، كما أنَّه لا يعني أيضا أنَّ أمريكا اللاتينية تحلم بالثورة أو بالعودة إلى مرحلة الحرب الباردة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى