تُعَدُ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) القوة التنظيمية الرئيسية العابرة للحدود في سورية، التي تضم في صفوفها ما بين 20000 و30000 مقاتل إرهابي ، حسب الإحصائيات المتباينة،وهي تنتشر في مناطق عدة من سورية إضافة إلى سيطرتها على مدينة إدلب المعقل الرئيسي لها وأجزاء واسعة من ريفي إدلب الشمالي والغربي وحلب الغربي واللاذقية، وتعتبر “حكومة الإنقاذ السورية” -المشكلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017- الواجهة السياسية للهيئة في شمال غربي سورية، وهي الحكومة الثانية التي تمثل المعارضة بعد “الحكومة السورية المؤقتة”.
وفي الفترة الأخيرة،استغلت “هيئة تحرير الشام” الفصيل المصنف دوليًا تنظيمًا إرهابيًا، حالة الاقتتال و الفوضى بين فصائل سورية مسلحة يصنفها الغرب وتركيا “معارضة معتدلة”، لكي تتدخل عسكرًيا وتفرض سيطرتها العسكرية على الشمال السوري بعد أيام من المواجهات بينها وبين فصائل سورية إرهابية أخرى ، أسفرت عن تمدد “الهيئة” إلى شمال غربي حلب، والسيطرة على منطقة عفرين الاستراتيجية، ما يعني الاقتراب من تخوم مدينة أعزاز معقل قوى المعارضة البارز.
استغلال الاقتتال بين الفصائل الإرهابية
سيطرت “هيئة تحرير الشام”” يوم الخميس 13تشرين الأول الجاري ، على كامل مدينة عفرين شمال غربي حلب، بعد مواجهات مع فصيل “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، حيث دفعت “هيئة تحرير الشام” ، بقوات عسكرية وأمنية وإدارية ضخمة إلى مدينة عفرين، تزامناً مع السيطرة عليها.
وبدأ زحف “هيئة تحرير الشام”، باتّجاه منطقة “عفرين”، مساء الثلاثاء 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري ، بالتحالف مع عدة فصائل عسكرية في “الجيش الوطني”، أبرزها فرقتي “السلطان سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات”، والحمزة، المعروفة بـ”الحمزات” على خلفية اشتباكات بدأت في مدينة الباب، وتوسعت إلى مناطق أخرى عقب ثبوت تورط “الحمزة” باغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته الحامل،بينما كان في مواجهة تحالف “هيئة تحرير الشام”، “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني”، الذي تشكّل “الجبهة الشامية” نواته و”جيش الإسلام”، ولواء “سمر قند”، و”حركة التحرير والبناء”.
وسبق هجوم “هيئة تحرير الشام”، على منطقة عفرين، هجوم لـ”الفيلق الثالث”على مقار أمنية وعسكرية لـ”فرقة الحمزة” في مدينة الباب وطردها، في 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.وجاء هجوم “الفيلق الثالث” الذي لاقى تأييداً شعبياً، بعد تورّط عدد من عناصر “الحمزات”، في عملية تصفية الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف أبو غنوم وزوجته وجنينها وسط مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، والمنتمين إلى فرقة “الحمزات”، وما تبع ذلك من مواجهات بين “الفيلق الثالث”،وبين هذه الفرقة وأنصارها، ودخول “هيئة تحرير الشام” على الخط، إذ استغلت هذا الاقتتال بين هذين الفصيلين لتقوم بالزحف العسكري،وتبسط سيطرتها على مدينة عفرين بريف حلب، شمالي غرب سورية.
وروّجت “هيئة تحرير الشام” لتدخّلها في المعركة، عبر إعلامها الرديف، بـ”منع حصول تغيير في مواقع السيطرة ضمن منطقة الباسوطة، التي تعتبرها ذات تهديد أمني لمناطق سيطرتها، وممر لدخول المخدّرات”،واتّهمت “الفيلق الثالث”، بـ”محاولته التوسّع على حساب قضية اغتيال الناشط أبو غنوم ومحاسبة المجرمين والمتورطين”.
وأفرزت التطورات التي أعقبت اغتيال أبو غنوم وتوقيف الجُناة المتورطين بتصفيته، تحالفين عسكريين للقوى في شمال غربي سورية، تقوده الأول “هيئة تحرير الشام” بمشاركة “الحمزات” و”العمشات”، والثاني “الفيلق الأول والثالث” متضمناً “الجبهة الشامية”، و”جيش الإسلام”، و”جبهة التحرير والبناء”.
يعتقد المتابعون لتطورات الأزمة السورية من خبراء ومحللين، أن “هيئة تحرير الشام” لديها مخططًا في السيطرة على الشمال السوري، مستخدمة بعض فصائل الجيش الوطني كمطية لها.
فأهداف “الهيئة” معروفة، وتتمثل خاصة بإبعاد جيش الإسلام (المنضوي ضمن الفيلق الثالث ) إلى منطقة نبع السلام بريفي الحسكة والرقة، شمال شرقي سورية، وحصول الهيئة على عائدات اقتصادية من المنطقة، لا سيما المعابر الحدودية مع تركيا وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتبعية المؤسسات المدنية في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون لحكومة الإنقاذ، الذراع المدنية ل”هيئة تحرير الشام “في منطقة إدلب،وتقديم نفسها بوصفها القوة الوحيدة المنضبطة في الشمال السوري والقادرة على تقديم خدماتها لكل الأطراف، بما فيها تركيا .
وفي ضوء اللقاءات التي حصلت بين بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين من كلا البلدين تركيا وسورية في الآونة الأخيرة، تتحرك “هيئة تحرير الشام ” (جبهة النصرة سابقًا)في هذا الوقت استعداداً لأي استحقاقات مقبلة قد تؤدي إلى تقارب بين تركيا والدولة السورية ، وهي تريد تقديم أوراق اعتمادها لديهما من أجل تسليمها المنطقة بعد إلحاق فصائل الجيش الوطني بها، تحت ذريعة الاندماج أو وحدة الصف.
وهناك من يرى أنَّ غضَّ تركيا الطرف حتى الآن عن تحركات “هيئة تحرير الشام”، ربما تكون قد أرادت توجيه صفعة للجبهة الشامية وتحجيمها، بسبب عدم إطاعتها الأوامر التركية بشكل أعمى، ومحاولاتها سابقاً الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، فضلاً عن رغبة تركيا في تهيئة الأوضاع الميدانية في الشمال السوري لاستقبال مئات آلاف السوريين المقيمين على أراضيها، والذين قد يترددون في العودة بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها مناطق الشمال السوري.
تركيا و الهدنة المؤقتة
رغم توصل هذه الفصائل الإرهابية المتقاتلة :”هيئة تحرير الشام – (جبهة النصرة وحلفائها)” و”الفيلق الثالث” ،إلى إبرام وقف إطلاق النار فيما بينها قبل ثلاثة أيام ،فإنَّ هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً،لتعود الصراعات بوتيرة أكثر دموية عن سابقتها، في ظل نقض “هيئة تحرير الشام” للاتفاق وتوغلها توغُّلاً أكبر ضمن منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، وتنفيذ هجماتها نحو قرية “كفر جنة” المعقل الدفاعي الرئيس لـ”الفيلق الثالث – (الجبهة الشامية)” المدافع عن مواقعه في منطقة “أعزاز”(كبرى مدن ريف حلب الشمالي)، لتدور إثر ذلك معارك دامية بين الطرفين، تزامناً مع قصف عنيف متبادل بالقذائف والصواريخ.
وأسفر هجوم “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة) في نتيجته عن سيطرتها على قرية “كفر جنة”، إلى حين استقدم “الفيلق الثالث” تعزيزات عسكرية كبيرة غير مسبوقة إلى المواقع المنتشرة ما بين منطقتي “عفرين وأعزاز”، لوقف زحف وتمدد جبهة “النصرة” لتتدخل القوات التركية بإرسال رتل عسكري كبير إلى منطقة الصراع، وتصدر تعليمات مشددة بوقف الاقتتال وفرض هدنة مؤقتة، لحين التوصل إلى اتفاق جديد بين الأطراف كافة.
وكان لافتاً في هذه التطورات غياب الموقف التركي من الهجوم على فصائل محسوبة عليها من جانب “هيئة تحرير الشام”، المصنفة كفصيل إرهابي عند الأتراك وجزء من المجتمع الدولي، فيما يعتقد أنَّ لأنقرة صلات جيدة مع “جبهة النصرة ” الإرهابية على المستوى الميداني على الأقل.فقد استدعت القوات التركية قياديين من الفصائل المتصارعة إلى قاعدتها في مدينة أعزاز، وعقدت اجتماعاً موسعاً معهم لبحث وقف الاقتتال الفوري، إذ أفادت التسريبات الواردة باتفاق الأطراف مبدئياً على التهدئة، والعودة إلى تطبيق بنود الاتفاق السابق دون أي عراقيل، وانسحاب “هيئة تحرير الشام” من “كفر جنة” والمواقع التي سيطرت عليها في أثناء الاشتباكات الأخيرة.
حصيلة الاقتتال بين الفصائل الإرهابية
يذكر أن القصف العنيف الذي تبادله الجانبان (“هيئة تحرير الشام” وحلفائها، و”الفيلق الثالث” وحلفائه) في أثناء اقتتالهما في الشمال السوري على محيط قرية “كفر جنة”، أدَّى إلى مقتل 58 شخصاً، بينهم عشرة مدنيين، وقتل 28 عنصراً من “هيئة تحرير الشام”، و20 مقاتلاً من “الفيلق الثالث”.
وتسبب هذا الاقتتال الدموي الذي استهداف خمسة مخيمات منتشرة في ريف حلب من جهات مختلفة ، إلى نزوح 7284 نسمة من المخيمات التي شهد محيطها الاشتباكات،إذ توجه النازحون إلى مناطق متفرقة من ريف حلب الشمالي (4177 نسمة) وريف إدلب الشمالي (3107 نسمات).
لا فرق بين فصائل المعارضة السورية المسلحة و”هيئة تحرير الشام”
ترى الفصائل السورية المسلحة في الشمال السوري المرتبطة بأجندات الدولتين التركية والأمريكية أنَّ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) موضوعةٌ على قوائم الإرهاب الدولية من قبل كل من الولايات المتحدة وتركيا وكندا وأستراليا، رغم أن “تحرير الشام” تنفي الأمر مرارًا وتعتبر نفسها فصيلاً عسكريا معارضًا للنظام السوري، لكنَّ هذه الفصائل التي تدعي أنَها معارضة للنظام(يصنفها الغرب و الدول الإقليمية الداعمة لها بأنَّها معارضة معتدلة)، هي أيضًا مارست الإرهاب في أبشع صوره خلال الحرب الإرهابية الطويلة التي شنت على سورية منذ عام 2012.
وتتهم هذه الفصائل المعارضة “هيئة تحرير الشام” بالإرهاب ، وتجادل بأنها الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وأن قادتها وكوادرها الحاليين من مكونات “جبهة النصرة” المنحلة. كما أن منشقين عن “تحرير الشام” يتهمون مؤخرًا زعيمها أبو محمد الجولاني بتملق الغرب ومحاولة تلميع صورته وصورة فصيله أمام المجتمع الدولي، من خلال تطورات بارزة شهدتها إدلب معقل “تحرير الشام” الرئيسي، واحتفالات نادرة لمن تبقى من مسيحيي إدلب، ولقاءات مع دروز المنطقة للحديث عن مشاكلهم وهمومهم، لكي يعترف الغرب بأنَ “هيئة تحرير الشام” تمثل القوة المعارضة الوحيدة للنظام،ما يمكنها تحويل محافظة إدلب إلى دولة مستقلة منفصلة عن مناطق سيطرة المعارضة السورية.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
لقد استطاعت “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة )تدريجياً أن توسّع سيطرتها ونفوذها في منطقة إدلب ،خصوصاً مع حملاتها المتكرّرة ضد معظم فصائل الشمال السوري بعد إعلان قائد “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، في تسجيل صوتي مسرّب، تشكيل إمارة إسلامية منذ يوليو/ تموز 2014.
وبعد هزيمة مخطط تقسيم سورية،وإسقاط الدولة الوطنية السورية، ها هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من القوى الغربية ،وأدواتها الإقليمية (تركيا و الكيان الصهيوني) يعملون جميعًا على حماية وكلائهم الرئيسيين في الشمال السوري :تنظيم “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة )الإرهابي والمجموعات المسلحة المرتبطة به ،إذ تريد أمريكا وتركيا ومعها كل إدارات العدوان على سورية نسف أي بارقة أمل لحل سياسي مفترض.
وترفض الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها (الكيان الصهيوني وتركيا) في الوقت الحاضر أي تسوية سياسية للأزمة السورية،لذا تعمل على إبقاء قواتها المحتلة في الشمال السوري ،وتحاول عرقلة الاتفاق بين الأكراد والدولة الوطنية السورية، وتقديم كل الدعم للتنظيمات الإرهابية من “هيئة تحرير الشام” ، وبقية الفصائل الإرهابية الأخرى المرتبطة بتركيا،في الشمال السوري ،لكي تفرض “هيئة تحرير الشام” كقوة سياسية مستقبلية في أي تسوية للأزمة السورية ، رغم تصنيفها دوليًا منظمة إرهابية.
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال