عبد الوهاب: هكذا أغمي على أمير الشعراء مرتين هلعاً من الإغتيال

صادف، يوم امس الجمعة  14 أكتوبر 1932، رحيل أمير الشعراء أحمد شوقي بعد أن خلف وراءه ثلاثة وعشرين ألف وخمسمائة بيت موزعة على مجموعة من الدواوين والقصائد، وقد عرف بشاعر القصر لتقربه الشديد لملوك الأسرة العلوية.

ولد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في 16 أكتوبر 1870 لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكتاب الشيخ صالح، فحفظ أجزاء من القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية.

كان أحمد شوقى شغوفا بقراءة الشعر فجرى على لسانه، وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق عام 1885.

بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني أستاذ البلاغة بالحقوق ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجعه، وكان الشيخ بسيوني ينظم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته ثم أرسله للدراسة في فرنسا على نفقة القصر، فالتحق بجامعة “مونبلييه” لمدة عامين لدراسة القانون.

عاد أمير الشعراء أحمد شوقي إلى مصر فترة تولى الخديوي عباس حلمى الحكم، فعينه بقسم الترجمة في القصر، وتقرب إليه وكتب شوقى القصائد في مدحه، وبعد خلعه وإعلان الحماية الإنجليزية نفي شوقى إلى برشلونة في إسبانيا.

تعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقا في العاطفة، ومن أشهر قصائده “نهج البردة” فأعجب بها شيخ الجامع الأزهر الشيخ سليم البشري ليقوم بشرحها وتداولها، تبعها قصائد الهمزية النبوية، وقصيدة ذكرى المولد التي غنتها أم كلثوم باسم سلوا قلبى.
أنفق أحمد شوقى وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة أمهات الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي قصيدته (دول العرب وعظماء الإسلام) وهي تضم 1400 بيت تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة.

عاد أمير الشعراء أحمد شوقي إلى مصر عام 1920 واستقبله الشعب استقبالًا رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر “حافظ إبراهيم” وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال بعد ان انقطعت صلاته بالقصر.

أبدع شعره قصيدته في “نكبة دمشق” التي سجل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، وبعد اختياره عضوا بمجلس الشيوخ كتب ديوانه الشوقيات، ومن دواوينه: عنترة، على بك الكبير، الست هدى، البخيلة، وغيرها.

وقد بايعه شعراؤها بإمارة الشعر عام 1927 في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ.
إنتاجه الشعري

ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في 14 من أكتوبر 1932م.

محمد عبد الوهاب يروي ذكرياته معه

في مجلة الجيل عام 1961 روى الموسيقار محمد عبد الوهاب لصحفي بالمجلة بعضاً من ذكرياته مع أمير الشعراء أحمد شوقى، فكتب الصحفي: جلست مع الفنان محمد عبد الوهاب استمع إلى أغنيته القديمة “خايف أقول اللى في قلبى تتقل وتعاند ويايا”، بعد أن سجلتها فيروز بصوتها وأعاد الإخوان رحبانى توزيع موسيقاها.

هذه الأغنية صدرت في ثوبها الجديد شيء مذهل، فهي نقطة التقاء موفقة بين القديم والجديد.. شيء يسرق الإحساس والمشاعر.

قال لي عبد الوهاب: إني أستمع إلى قطعة من شبابي، إلى ذكريات جميلة جمعتني مع صديقى وأستاذى أمير الشعر والشعراء أحمد شوقى.

سألت عبد الوهاب”: بم تذكرك الأغنية؟

قال : بأيامى الأولى وأنا أغنيها في مسرح رمسيس، بالهوانم المعجبات بالشاعر أحمد شوقى وهو ينتظرنى في بار سولت بعد أن انتهى من الغناء.. ذكريات كثيرة تطوف بخيالي.

وأضاف عبد الوهاب: في يوم كنت أمشى مع أمير الشعراء في ميدان التحرير، وكان مطرق الرأس يفكر في قصيدة جديدة وهو يروح ويجيء في الميدان، وأنا أمضى وراءه ذهابا وإيابا.

وفجأة لاحظ شوقي أن هناك شابين يتهامسان وينظران إليه بعداء شديد، لقد كان رحمه الله يخاف من خياله، فقال لي: يلا بينا من هنا يا محمد، لكن الشابين تعقباه فأسرع هو الخطى، فأسرع الشابان خلفه، فجرى شوقي وجريت وراءه، وأنا أجرى معه وقد تقطعت أنفاسي.

وفجأة سبقه الشابان واسوقفاه وهما يحملقان في وجهه وقال أحدهما: سعادتك شوقي بك؟

فأجاب أمير الشعراء وهو يرتجف: أيوة.

قال الشاب لزميله: مش قلت لك، وصافحاه ومضيا، وأغمى على أمير الشعراء وبدأت إفاقته ومضينا، وفى اليوم التالي قبض البوليس على الشابين لأنهما كانا يترصدان لقتل رئيس الوزراء، عبد الخالق بك ثروت، ولما كان شوقي يشبه عبد الخالق بك ثروت فقد ظناه هو.

وعندما قرأ شوقي الخبر في صحف الصباح، وشاهد صور الشابين أغمى عليه مرة ثانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى