توتر العلاقات الأمريكية – السعودية

منذ أن قررت منظمة أوبك + تخفيض الإنتاج النفطي في اجتماع 5 أكتوبر الماضي، تشهد العلاقات الأمريكية-السعودية تمزقًا متصاعدًا، ويدل على ذلك المواقف التي أدلى بها العديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية ونواب الكونغرس الذين صَبُّوا جَامَ غَضَبهِمْ على المملكة العربية السعودية بسبب انحيازها لروسيا في الحرب الأوكرانية ،حسب ادعائهم.
إعادة تقييم العلاقات الأمريكية -السعودية
يُعَدُّ تخفيض إنتاج النفط موقفًاسعوديًا متمردًا على السياسة الأمركية في منطقة الشرق الأوسط، لم تألفه الإدارات الأمريكية المتعاقبة،ولهذا السبب أعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن استعدادها للنظر في إجراءات جديدة صارمة بشأن مراجعة العلاقة مع السعودية في أعقاب قرار مجموعة “أوبك+” النفطية، التي تضم الرياض وموسكو، خفض إنتاج النفط.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي قوله إنَّ “بايدن يعتقد أنَّه يجب علينا مراجعة العلاقة الثنائية مع السعودية وإلقاء نظرة لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة هي المكان الذي يجب أن تكون فيه واشنطن وأنَّها تخدم مصالح أمننا القومي”، مضيفًا أنَّ إعادة التقييم جاءت “في ضوء القرار الأخير لمنظمة أوبك وقيادة السعودية”.
ومن الواضح أنَّ الرئيس بايدن سيتحدث إلى كبار الديمقراطيين في الكونغرس الذين كانوا يطالبون الولايات المتحدة بتقليص تعاونها مع المملكة في ضوء ما كان يُنظر إليه على أنَّه قرار ابن سلمان بالانحياز إلى جانب المصالح الروسية على الولايات المتحدة.
فقد سلطت معارضة الرئيس بايدن الضوء على التداعيات المحلية والدولية لخطوة تقليص الإمدادات البترولية في السوق بما يصل إلى مليوني برميل يوميا لتعزيز سعر النفط، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات النصفية الحاسمة التي قد تؤدي إلى زيادة تكلفة البنزين في محطات الوقود الأمريكية وغيرها ، واعتبرت إدارة بايدن خفض الإنتاج النفطي بمنزلة خيانة، حيث كان يعتقد الرئيس الأمريكي بايدن أنَّ لديه تفاهما مع القادة السعوديين عندما زارهم شهر يوليو الماضي للحفاظ على تدفق النفط.
وهكذا،قُوِضَتْ جهود بايدن لعزل روسيا تحت رئاسة فلاديمير بوتين بسبب الحرب في أوكرانيا، ما وفر راحة كبيرة لموسكو، التي تعتمد على صادرات النفط. وبدلا من التمسك بحليفها التقليدي في واشنطن، فقد انحازت السعودية فعليا إلى روسيا حتى في الوقت الذي كانت فيه الصين والهند تنأيان بنفسهما عن الكرملين.
فبايدن مستعدٌ للعمل مع الكونغرس للتفكير فيما يجب أن تكون عليه العلاقات الأمريكية-السعودية في المستقبل .فقد تصاعدت ردود الفعل العنيفة في الكونغرس ضد السعودية بشكلٍ حادٍ هذا الأسبوع بعد أن هدَّدَ روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بتجميد مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني مع المملكة، قائلاً إن ابن سلمان كان يساعد في “ضمان حرب بوتين من خلال أوبك +”.
وقال مينينديز: “ببساطة لم يكن هناك مجال للعب على جانبي هذا الصراع”، مضيفا: “لن أوافق على أي تعاون مع الرياض حتى تعيد المملكة تقييم موقفها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا”.فقد تحدث العديد من أعضاء الكونغرس بلغة تصفية الحساب ردًّا على “التواطؤ السعودي الروسي” في توقيت قرارخفض إنتاج النفط ، بحيث جاء عشية الانتخابات النصفية “وكأنه تدخل فيها ضد الديمقراطيين” ولصالح الجمهوريين، وهو “تواطؤ” وضعه الكونغرس في خانة “الانحياز لموسكو في حرب أوكرانيا” ضد الولايات المتحدة.
وقال السيناتور ريتشارد جيه دوربين من ولاية إلينوي، الديمقراطي الذي يحتل المرتبة الثانية في مجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء الماضي ، إنَّ السعودية تريد بوضوح أن تكسب روسيا الحرب في أوكرانيا. وقال في شبكة سي إن إن: “دعونا نكون صريحين للغاية بشأن هذا. إنه بوتين والسعودية ضد الولايات المتحدة”.
وقال موقع أمريكي، إنَّ الولايات المتحدة أبلغت دول مجلس التعاون الخليجي، بإلغاء اجتماع أمني هام كان من المفترض أن يعقد بعد أيام.ونشر موقع “سيمافور”، نص رسالة حصل عليها، قال إنَّ واشنطن بعثتها إلى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، تبلغهم فيها بإلغاء اجتماعات الفريق العامل المعني بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل ضد إيران، والذي كان من المقرر عقده في السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر الجاري.
وأوضح الموقع أنَّه بينما نفت مصادر رسمية أمريكية خبر إلغاء الاجتماع، تم الحصول على وثيقة رسمية، تؤكد أنَّ الاجتماع لن يتم، دون إبداء الأسباب.وقال الموقع إنَّ الإدارة الأمريكية لم تعلق على هذا الأمر بشكل رسمي بعد، قبل أن ينقل توضيحا عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي، قال فيه إنه سيتم إعادة جدولة الاجتماع وليس إلغاءه.
الموقف السعودي الرسمي
في الوقت الذي اصطف فيه السياسيون الأمريكيون لانتقاد المملكة السعودية بعد أن قام تحالف “أوبك+” بخفض إنتاج النفط، أعلنت وزارة الخارجية السعودية، الخميس 13أكتوبر2022، في بيان شديد اللهجة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إنَّ المملكة “لا تقبل أي نوع من الإملاءات”، وذلك بعد ما كشفته من تقديم الأخير طلبا في وقت سابق بتأجيل خفض إنتاج النفط، الأمر الذي رفضته الرياض.
وقالت الخارجية السعودية في بيان: “تود حكومة السعودية الإعراب بداية عن رفضها التام لهذه التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك+ خارج إطاره الاقتصادي البحت، وهو قرار اتُخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك+”.
وتقصد بذلك تصريحات المشرعين الأمريكيين إلى جانب الإدارة الأمريكية في الهجوم على المملكة بسبب قرار تحالف “أوبك+” خفض إنتاج النفط.
وأضاف بيان الخارجية السعودية: “في الوقت الذي تسعى فيه المملكة للمحافظة على متانة علاقاتها مع كافة الدول الصديقة، فإنها تؤكد في الوقت ذاته أنها لا تقبل الإملاءات، وترفض أي تصرفات أو مساع تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية”.
وأشارت الخارجية السعودية وفق البيان إلى أن “مجموعة “أوبك+” تتخذ قراراتها باستقلالية، وفقا لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية”، لافتة إلى أن “مخرجات اجتماعات المجموعة، يتم تبنيها من خلال توافق الدول الأعضاء ولا تنفرد بها أي دولة”.
وشددت الخارجية السعودية على رفضها التام للتصريحات القائلة بأن قرار أوبك+ مبني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة.وبذلك تؤكد الرياض على أن إدارة بايدن طلبت منها تأجيل قرار خفض إنتاج النفط شهرا، الأمر الذي يعني محاولتها تأجيل الأمر إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي، ما يعني غضبا أمريكيا داخليا متوقعا ضد بايدن.
من جانبه، رحب مجلس التعاون لدول الخليج، الخميس، بالبيان الصادر من وزارة الخارجية السعودية، المتضمن الرفض التام للتصريحات الصادرة بحق المملكة عقب صدور قرار “أوبك+”.
وأعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف فلاح مبارك الحجرف، عن التضامن الكامل مع المملكة السعودية، ورفضه التام لهذه التصريحات الصادرة بحقها و”التي تفتقر إلى الحقائق”، وفق تعبيره.
وأشار الحجرف بـ”الدور الهام والمحوري الذي تضطلع به السعودية على الصعيدين الإقليمي والدولي في مجال الاحترام المتبادل بين الدول، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وعدم المساس بسيادة الدول، وحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات أسعار الطاقة وضمان إمداداتها وفق سياسة متوازنة تأخذ بالحسبان مصالح الدول المنتجة والمستهلكة”.

قدمت المملكة أحد أكثر دبلوماسييها خبرة لتوصيل رسالة إلى إدارة بايدن عبر قنوات تلفزة أمريكية .ففي المقابلة التي أجراها وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية، عادل الجبير، مع شبكة”سي إن إن”، قال الجبير إنَّ السعودية “تنحاز إلى محاولة ضمان استقرار أسواق النفط والذي يصب لصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء”.
وأضاف الجبير أنَّه “تم اتخاذ قرار خفض الحصص بإجماع من قبل 22 دولة. وقد استجابت الأسواق بشكل إيجابي جدًّا لهذا الأمر، فقد انخفضت أسعار النفط منذ الأسبوع الماضي، ولم ترتفع”.
وشدّد على أنَّ “السعودية لا تسيّس النفط ولا تراه كسلاح بل سلعة ونهدف إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق”، قائلا: “نتطلع إلى أن تكون هناك أسواق أكثر استقرارا وأن يتم تزويدها بشكل كاف”.
وعن التقارب مع روسيا، قال الجبير إنَّ بلاده لا تتقارب مع موسكو، مشيرًا إلى أنَّ قرار “أوبك+” خفض الإنتاج جاء من أجل الحفاظ على استقرار سوق النفط.وأشار إلى أن السعودية أيدت قرار الأمم المتحدة الذي صدر بعد بدء الأزمة بين روسيا أوكرانيا، مؤكدا أنَّ الرياض تعارض الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
وبحسب الجبير، حافظت السعودية على خطوط اتصال مفتوحة مع أوكرانيا وروسيا، بحثا عن طرق لجلب روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، قائلا: “لا نعتقد أن التصعيد مفيد لأوروبا أو العالم”.
وبشأن عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة سعودية، قال المسؤول السعودي: “تمكنا من استخدام خطوط الاتصال المفتوحة للتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل أسرى الحرب”، مضيفا أنَّه “لم يكن لاتفاق تبادل الأسرى أن يحدث لو كان ينظر إلينا على أننا منحازون إلى جانب واحد”.
أما عن نوايا الرئيس الأمريكي جو بايدن إعادة تقييم العلاقة مع السعودية ودعوات وقف بيع الأسلحة للرياض بعد قرار “أوبك+”، اعتبر الجبير أنَّ “بيع الأسلحة الدفاعية للسعودية يخدم مصالح الولايات المتحدة ومصالحنا والأمن والاستقرار في المنطقة”، مشيرًا إلى أنَّ “وجود القوات الأمريكية في المنطقة منذ عقود كان لحماية استقرار وأمن المنطقة والولايات المتحدة”.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في تصريحات أدلى بها لقناة “العربية” السعودية في ظل انتقاداتٍ ودعواتٍ أمريكيةٍ إلى إعادة تقييم العلاقات مع المملكة إثر دعمها خفض إنتاج النفط، ما أغضب واشنطن مع إن علاقات بلاده بالولايات المتحدة “استراتيجية”: “لا جوانب سياسية لقرار “أوبك+” ولا ننظر لأي تفسيرات سياسية له”، وأكد أنَّ “العلاقة مع واشنطن استراتيجية وداعمة لأمن واستقرار المنطقة”.
وتابع: “التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن يخدم مصلحة البلدين وساهم في استقرار المنطقة.. علاقتنا مع الولايات المتحدة مؤسسية منذ تأسسها”.وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، قال إن الرئيس جو بايدن “يشعر بأنه ينبغي إعادة تقييم العلاقات مع السعودية”، بعد قرار تحالف “أوبك+” خفض إنتاج النفط.
هجوم الإعلام السعودي على أمريكا
في إطار الحرب الإعلامية و السياسية و الديبلوماسية بين أمريكا و المملكة السعودية، شنَّ الإعلام السعودي هجومًا مضادًا ضد انتهازية السياسة الأمريكية التي تراعي مصالحها فقط،،وهي مسألة نادرة الحصول. فقد سلّط الإعلام السعودي الضوء على نوايا الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخاذ إجراءات بشأن إعادة تقييم العلاقة مع الرياض، في أعقاب قرار مجموعة “أوبك+” خفض إنتاج النفط.
وفي هذا السياق، أعاد الموقع الإلكتروني السعودي”سبق” نشر مقطع فيديو تداوله نشطاء سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي لولي العهد محمد بن سلمان، أشار فيه إلى “مساهمة السعودية في قوة أمريكا”.
ومقطع الفيديو هو جزء لمقابلة لابن سلمان قام بها منذ شهور، قال خلالها: “لكَ أنْ تتخيلَ لو أنَّ الـ10 ملايين برميل نفط (الرخيص بتكلفة إنتاج من 3- 6 دولارات) ذهب عقدها إلى بريطانيا، لن تكون أمريكا بوضعها الحالي اليوم”، مؤكِّدًا أنَّه “ليس هناك شك أنَّ السعودية ساهمت في قوة أمريكا”.
من جهتها، نشرت صحيفة “عكاظ”مقال رأي للكاتب رامي الخليفة العلي قال فيه إنَّ الولايات المتحدة تحولت إلى طفل مراهق يظهر أسباباً لا عقلانية لإدانة تجمع “أوبك بلس” وعلى الأخص السعودية.وأشار الكاتب إلى أنَّ “واشنطن لا تريد أن تفهم المنطق السعودي وهي تعطل لغة العقل في التعامل مع المصالح السعودية. ترى الإدارة الأمريكية أنَّ على دول الأوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تعمل لتحقيق المصالح الأمريكية بغض النظر عن مصالحها”.
وأضاف: “تريد واشنطن زيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط والتسويق للإدارة الديمقراطية على أعتاب انتخابات التجديد النصفي، كما تريد إدارة بايدن أن تنخفض أسعار النفط حتى يضرب ذلك الاقتصاد الروسي، أما خطط التنمية في الدول المصدرة للنفط ونقص التمويل الذي يمكن أن يصيب برامجها الاقتصادية والاجتماعية، فهذا يقع في ذيل اهتمامات واشنطن”.
واعتبر أن “العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية هي علاقة استراتيجية يجب أن تقوم على التفهم المشترك لمصالح كل طرف وأن تكف واشنطن عن التعامل كمراهق أهوج لا يرى إلا ذاته ومصالحه ويريد من الآخرين العمل على خدمتها بغض النظر عن مصالحهم”.
أما صحيفة “الشرق الأوسط” فقد قالت: إنَّه “سبق أن ألقى بايدن اللوم لارتفاع أسعار الطاقة في الصيف الماضي إلى أكثر من 5 دولارات للغالون، على الرئيس الروسي، وعلى الحرب الروسية الأوكرانية، واليوم يوجه اللوم للسعودية، في محاولة لتشتيت الانتباه عن انتقادات لسياساته الاقتصادية، ودفع حزمة مساعدات مالية عالية في أعقاب تفشي وباء كورونا، إضافة إلى سياسات إلغاء الديون لطلبة الجامعات، وهو ما أثقل الميزانية الأمريكية، وأضاف أعباء جديدة على الوضع الاقتصادي مع الحرب الروسية الأوكرانية، ليرتفع الدين القومي الأمريكي لمستويات غير مسبوقة، متجاوزاً 31 تريليون دولار”.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يُعّدُّ قرار تحالف “أوبك بلاس” الذي يضم أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية والشركاء العشرة بقيادة روسيا خفض حصص الإنتاج، إخفاقًا دبلوماسيًا واقتصاديًا لجو بايدن الذي زار السعودية في تموز/يوليو للقاء ولي العهد محمد بن سلمان بعد أن توعد بجعل المملكة دولة “منبوذة” على الساحة الدولية إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
فالقرا الأخير زاد في تعميق أزمة العلاقة بين أمريكا والمملكة السعودية،رغم الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين البلدين منذ أكثر من 85 عاماً ،والتي عادت إلى مسارها الصحيح والطبيعيّ في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، بعد تعثّرها لسنواتٍ عدّة، في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.
وقد أعادت تصويب هذا المسار بشكلٍ واضح نتائجُ الزيارة الأخيرة التي قام بها وليّ وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان إلى واشنطن في عام 2017، والتي أظهرت تغييراً حقيقيّاً في المواقف الأمريكيّة إلى حدّ التوافق إيجابيّاً مع سياسة حلفائها في المنطقة، وإبراز أهمّية خطّة الإصلاح الاقتصاديّة والاجتماعيّة الطموحة،وتحفيز الشركات الأمريكيّة الكبرى لتأسيس صناعات في المجالات الوارِدة في “رؤية المملكة 2030″التي تبناها ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان.
لقد بدأت العلاقات المميّزة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية في إطار “شراكة استراتيجيّة” في العام 1931، وشملت الأمن والسياسة والمال والاقتصاد، وكلّ نواحي الحياة الإنسانية والثقافية بمختلف وجوهها، وتوِّجت بسلسلة إنجازات حقّقت مصالح إقليمية ودولية وبشكلٍ متفاوِت، فضلاً عن حركة استثمارية وتجارية بلغت مئات المليارات من الدولارات.لكنّ هذه الشراكة تعرّضت في السنوات الأخيرة من عهد إدارتي أوباما و بايدن الديمقراطيتين إلى حالة من القلق وعدم الطمأنينة، من الجانب السعودي،مع فقدان جزءٍ كبيرٍ من الثقة،بسبب مواقف الإدارة الأمركية الديمقراطية ، من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الست مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحسن العلاقات الأميركية-الإيرانية في عهد إدارة أوباما، وعودة إدارة بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
الآن تشهد العلاقات الأمريكية-السعودية تصدعًا حقيقيًا، بسبب ضعف الثقة المتبادلة، بتعبير ريتشارد هاس رئيس “مجلس العلاقات الخارجية”، رغم أنَّ إدارة بايدن لا تزال حريصةً على التوازن. خطابها يترك الباب مفتوحًا لتصحيح العلاقات كما يفضل وكما وعد من البداية، لكنَّها قد لا تغفر لصناع قرار “أوبك+” لو خسرالحزب الديمقراطي الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر القادم ، إذ كان وضع الحزب أفضل قبل قرار المنظمة النفطية.
الحرب الروسية في أوكرانيا هي في حقيقتها الواقعية حرب ضد النظام الليبرالي الأمريكي العالمي الذي تقوده الإمبريالية الأمريكية وذراعها اليمنى الحلف الأطلسي-الأوروبي،وقد شكلت زلزالاً ضرب بنية النظام الدولي أحادي القطبية الذي تشكل عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، ونهاية النظام الدولي ثنائي القطبية،في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وتموضع الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، وقائدة للعالم.
وما يجري في العالم الآن هو نوع من التموجات الكبيرة، وحالة سيولة غير مسبوقة، ومخاض عالمي عسير، يوحي بولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ، تحاول المملكة العربية السعودية ودول إقليمية أخرى ناشئة مثل جنوب إفريقيا و إيران و الهند والبرازيل ،أن يكون لها دورٌ فاعلٌ في إعادة رسم خريطة السياسة الدولية، مستندة إلى مكانتها المتعاظمة في العالم، وإلى أهميتها السياسية والاقتصادية.
وبات هذا واضحاً في تموضع المملكة المدروس خلال الصراع المتصاعد بين روسيا والغرب على خلفيات الحرب في أوكرانيا، فقد أعْلَتْ المملكة من أهمية مصالحها بمنأى عن الضغوط الغربية لزيادة إنتاج النفط، فيما كان الموقف السعودي محكوماً بمصلحة المملكة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على استقرار سوق النفط، وهي سياسة متوازنة وعادلة للجميع، على خلاف طريقة تعامل الولايات المتحدة مع أزمة الغاز في أوروبا ما دفع مسؤولين أوروبيين لمهاجمة الانتهازية الأمريكية.
والحال هذه ، أثار قرار “أوبك+” الخوف لدى الرئيس الأمريكي بايدن وفي صفوف حزبه الديمقراطي، لأنَّه يمكن أن يؤدي إلى “تمكين” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المساهمة في هزيمته الانتخابية، خلال الشهر المقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى