بوتين في الـ 70.. أعاد للروس الثقة بالنفس، ونجح في استنهاض روسيا بعد أن جثت على ركبتيها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي

 

موسكو – RT
يتم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة، 7 أكتوبر 2022، عامه السبعين، وبين الاحتفالات والتهاني فتحنا في RT ملف إنجازاته للوقوف على ما قدمه لروسيا خلال وجوده في السلطة.

1- إنقاذ روسيا من براثن الإرهاب ومنع خطر انهيار البلاد

جاء فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في 7 مايو 2000، وحينها كانت روسيا تعيش حالة محفوفة بالمخاطر من كل جانب، فعلى الصعيد الاقتصادي، كان الاقتصاد الروسي يعاني ركودا مزمنا، وانخفاضا حادا في مستوى معيشة السكان، وكانت العملة الروسية شديدة الضعف في ضوء توقف الصناعات وبيع الأصول والخصخصة، وعلى الصعيد السياسي كانت الدولة تعاني من فوضى وتقلبات سياسية شتى، أثرت على مناطق كثيرة، وأدت إلى اندلاع مواجهات عسكرية في بعض المناطق، وجعلت وجود الدولة الروسية الموحدة على المحك. إلا أن الأهم والأخطر ما كانت ما تعاني منه خاصرة روسيا الرخوة في القوقاز، حيث شرعت مجموعات الإرهاب في تأسيس ما أسموه “الخلافة”، وبدأوا في توسيعه والمطالبة بالانفصال، بدعم وتنسيق من الخارج.

نجح فلاديمير بوتين في تدمير العصابات الإرهابية في الشيشان، واستعاد سلطات الدولة الروسية على تلك المناطق، وشرع على الفور في تنفيذ برامج إصلاح إقليمي وإداري واسع النطاق، أظهر نتائج مبهرة وتفاعلا حيويا ما بين المركز وتلك المناطق.

2- عادت روسيا لتتبوأ مركزا مؤثرا في المشهد السياسي الدولي

في أوقات سابقة كادت روسيا تفقد كل تأثيرها على مجريات الأحداث في المشهد الدولي، بل وهددت بعض توجهات السياسة الخارجية الروسية التي كانت موجهة بشكل حصري نحو الغرب، بتحويل روسيا إلى تابع لما تمليه السياسات الغربية وتحديدا الأمريكية. وكانت خطورة ذلك تنبع من كون روسيا عضوا في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولها حق النقض “الفيتو”. تمكن بوتين من استعادة الدور الروسي، وأصبحت روسيا بحق شريكا متساويا، ومؤثرا في تحالفات دولية رئيسية كثيرة، إضافة إلى إنشاء تحالفات بديلة للهياكل الغربية، تعمل حتى يومنا هذا بفعالية، وأظهرت دورها البارز في خضم الأزمة الأوكرانية الأخيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: منظمة شنغهاي للتعاون، منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بريكس، وغيرها.

3- الوقوف في وجه “الثورات الملونة”

نجح فلاديمير بوتين في الوقوف في وجه محاولات افتعال فوضى وتوترات في روسيا وفقا لسيناريو “الثورات الملونة”. وعلى الرغم من أن ثورات كهذه حدثت في دول مجاورة لروسيا مثل جورجيا وأوكرانيا، إلا أنها مع الوقت فقدت جاذبيتها وإمكاناتها التي بدت “ملهمة” في لحظة ما. وبينما أنفق الغرب أموالا طائلة لدعم المعارضة الروسية غير المنظمة، وحاول من خلال منظمات المجتمع المدني اختراق المجتمع الروسي، وإحداث شرخ بينه وبين السلطة، إلا أن بوتين بمساندة حزبه “روسيا الموحدة” تمكن من الثبات أمام كل تلك المحاولات، وساعدت في ذلك جميع الأحداث السلبية اللاحقة التي دفعت نحو أحداث عام 2008 في جورجيا، وعام 2014 في أوكرانيا.

4- إعادة توحيد القرم مع روسيا

في مارس من عام 2014، عادت شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول إلى وطنهما الأم روسيا، بعد رحلة طويلة دامت عشرات السنين، وعلى الرغم مما يدعيه النظام في كييف، و”أسياده في واشنطن” على حد تعبير بوتين، إلا أن الغرب أشاد، على استحياء، بالسيناريو الذي تم تنفيذه ببراعة، وجعل من الممكن ضمان إرادة سكان القرم، والحفاظ على الأمن والسلامة والاستقرار لصالح إرادة الأغلبية التي أرادت ربط مصيرها بروسيا، دون نقطة دماء.

5- إحياء الجيش والبحرية

في عهد فلاديمير بوتين، ظهرت صورة جديدة للقوات المسلحة الروسية القوية والحديثة والمدربة جيدا والمجهزة بأحدث الوسائل والتقنيات، حيث تبنى الرئيس برنامج تسليح الدولة وتم تنفيذه وتحديث ترسانات التشكيلات والوحدات العسكرية وبناء معسكرات عسكرية جديدة. وأصبح الوفاء بالالتزامات الاجتماعية التي لم يكن من المنطقي تصورها حتى في أوقات الاتحاد السوفيتي أمرا معتادا، وأصبح الجيش الروسي ثانيا بعد الجيش الأمريكي على مستوى العالم، على الرغم من أن الإنفاق العسكري الروسي أقل بكثير من نظيره الأمريكي.

6- القضاء على “عش الدبابير” للإرهاب في سوريا

نجح بوتين من خلال عمليته العسكرية في سوريا من تطهير البلاد من 90% أو يزيد من تنظيم “داعش” الإرهابي الذي صال وجال في منطقة الشرق الأوسط، تحت سمع وبصر التحالف الأمريكي لسنوات، واستخدمت روسيا بمهارة جميع أدواتها في حل الأزمة السورية، من حملة عسكرية إلى جهود سياسية جادة ومشاركة إنسانية فعالة. وأنشأت مسار أستانا الذي يضم الدول الضامنة (روسيا-إيران-تركيا) والذي توصل في النهاية إلى وقف إطلاق النار وإنشاء مناطق للتهدئة. تمكن بوتين من تخليص هذا البلد والمنطقة بأسرها من التهديد الإرهابي الذي يواجه العالم أجمع.

يختلف بوتين، بأفعاله، بشكل حاد عن المهرجين من الاتحاد الأوروبي، ومن بلاد العم سام غير الموثوق بهم، حيث يشبه بوتين القائد الروسي الشهير كوتوزوف، وتجنب مخاطر التورط في سوريا وخرج من هذا “المستنقع” بأفضل النتائج. يتصرف بوتين بشكل أكثر جرأة من القادة الغربيين، فبينما حاول القادة الأوروبيون والأمريكيون بكل طريقة ممكنة جعل روسيا تبدو وكأنها “شخصية مزيفة”، لكن في النهاية تبين أنهم أنفسهم سخيفون. لقد قام بوتين بتقييم الوضع في سوريا بشكل صحيح منذ البداية،

7- الانتصار في مواجهة العقوبات الغربية

بعد إعادة توحيد القرم بدأ الغرب في فرض حصار اقتصادي على روسيا، دون أن يتمكن من تركيع روسيا على ركبتيها كما تصور. وبعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بلغت تلك العقوبات حدا تاريخيا غير مسبوق يساوي في تعداده وفي نطاقه وفي قسوته كل العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية والصين مجتمعة. على الرغم من ذلك تمكن بوتين من العبور بأمان من العقوبات المستمرة منذ عام 2014، بل واستفاد منها لمصلحة روسيا، حيث أثبتت البلاد قدرتها على الاعتماد بدرجة أقل من الواردات، وإطعام نفسها. وأصبحت الزراعة المحلية تدر دخلا لا يقل عن المجمع الصناعي العسكري، على سبيل المثال. ناهيك عن أن المجمع الصناعي العسكري لا تزال منتجاته مطلوبة أيضا في جميع أنحاء العالم.

لا تحاول كسر روسيا. فلن تنجح العقوبات أو أي أدوات سياسية أخرى في ذلك. لن تنجح في بلد لم يستسلم سكانه، ومات منهم الملايين من الجوع والبرد خلال الحرب العالمية الثانية، لهذا فالقيود التي تحاول بها الولايات المتحدة الأمريكية عزل روسيا عن بقية العالم، لا معنى لها على الإطلاق. وكل شخص لديه الحد الأدنى من الدراية بتاريخ هذا البلد العظيم يفهم هذه الحقيقة – صحيفة “بيلد” الألمانية.

8- الرهان على القيم الإنسانية ودعم الطوائف والمذاهب الدينية

عندما وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة للمرة الأولى، تنبأ الغرب بتوجه لـ “تضييق الخناق” على الكنيسة والمؤسسات الدينية استنادا لماضيه كضابط مخابرات. في الواقع، تبين أن كل شيء كان عكس ذلك تماما، حيث يتم إحياء المعابد والكنائس والمساجد في عموم البلاد، وبناء أماكن عبادة جديدة، وتعمل المؤسسات التعليمية الدينية بحرية تامة، ويتمتع ممثلو جميع الأديان بفرصة الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم الأخرى دون أي تضييق. بل إن عدد من قادة المؤسسات الدينية هم أعضاء في الهياكل العامة للدولة، وأصبح من المعتاد منحهم جوائز الدولة، وهو ما كان من الصعب تخيله خلال حقبة الاتحاد السوفيتي.

يؤكد الرئيس الروسي دائما على الحفاظ على القيم العائلية التقليدية للمجتمع الروسي متعدد الأطياف والأعراق والمذاهب الدينية، لهذا كان موقف بوتين من جميع الدعوات التي تدفع نحو تقنين الزواج المثلي، أو الدعاية للمثلية الجنسية واضحا وشفافا، فهو يهاجم كل “الانحرافات التي تؤدي إلى التدهور والانقراض، ويرفض فرضها على الأطفال في المدارس ووسائل الإعلام، ويعد ذلك أمرا غير مقبول بالمرة”. فهو يعتبر أن قيم الأسرة التقليدية هي أهم دعم معنوي ومفتاح للتنمية الناجحة في الحاضر والمستقبل، مع التأكيد على ضمان حق كل شخص في التعريف الذاتي لهويته.

9- إقامة دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، وكأس العالم لكرة القدم

في روسيا، وبعد فترة مظلمة في التسعينيات من القرن الماضي، بدأ الاهتمام بالرياضة يتعافى، وأصبحت روسيا الدولة المنظمة لعدد من البطولات الدولية المرموقة، وانتعشت الرياضات الشبابية بنشاط، وبوتين، بوصفه بطلا في رياضة “الجودو”، يرعى لك بشكل شخصي.

10- استعادة المواطنين الروس للثقة بالنفس والاعتزاز بالوطن

يعتقد الخبراء الغربيون أن ازدهار الشعب الروسي وتطوره هو العنصر الرئيسي والخط الواضح في السياسة الخارجية الروسية. نذكر جميعا كيف فقدت روسيا مكانتها كواحدة من أكبر قوتين عظميين في العالم، وسادت الفوضى اقتصادها بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن، وبعد انتقال مقاليد السلطة إلى بوتين، واستقرار الوضع الاقتصادي، ارتفع الدخل الحقيقي للروس على مدى السنوات التالية سبعة أضعاف على الأقل، وانضم ملايين الروس إلى الطبقة الوسطى العالمية، إلا أن تعزيز الوعي الذاتي والنزعة الوطنية لدى المواطنين الروس لم تكن مرتبطة فقط بالنجاح الاقتصادي. فقد كان بوتين شديد الحرص على اختيار جميع درجات الحرية للتحول الناعم من نظام حكم الأوليغارشية إلى نظام تنافسي متعدد في إطار دستوري لا يمكن تجاوزه.

في الوقت نفسه، تخلص بوتين من التأثير المستمر لصندوق النقد الدولي على النظام المالي الروسي، وعلى الرغم من أن روسيا تحدت وتتحدى الغرب في دائرة السياسة الخارجية، وفي سياستها الداخلية، إلا أنها نجحت في بعثرة المعارضة الليبرالية، على الرغم من احتفاظها بنفوذ معين. ولعل ذلك تجلى في رحيل عدد من رموز الليبرالية بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

لقد بنى بوتين هوية جديدة لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، حيث أدرك أن عليه العمل في مجتمع طبقي ناشئ، بدأت فيه عملية التقسيم الطبقي الاجتماعي، بحيث يكون لكل طبقة، مجتمعها الخاص، وأولوياتها الاقتصادية، وكانت تلك العملية الجراحية التي قام بها بوتين محفوفة بمخاطر دفع المجتمع نحو حالة من الاحتراب الأهلي وأزمة في الدولة. إلا أن بوتين فعل كل ما بوسعه لمنع تشكيل أيديولوجية طبقية لأي طبقة من الطبقات، حيث يرى أن الأيديولوجيا هي ثمرة التقسيم الطبقي للمجتمع، بينما يواجه هو مهمة توحيد المجتمع الروسي بجميع طبقاته وأطيافه وأعراقه ودياناته. لهذا نجح بوتين في منع تمركز الصراع وانتقاله إلى أزمة مدمرة، وابتعد عن الخصوصية الأيديولوجية، وانتصر للبراغماتية التي تضع نصب عينيها دائما مصلحة الوطن الروسي والأمة الروسية.

يتميز نهج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمزيج من المناورات التكتيكية، مع الحفاظ على التوجه الاستراتيجي للمسار. وبهذا المعنى، يمكننا القول بأن المهمة الرئيسية للنظام السياسي الروسي هي مواصلة المسار الذي بدأه بوتين قبل 20 عاما، بعد أن عادت روسيا لتتبوأ مكانة القوة العظمى الوحيدة القادرة على تحدي الغرب، فيما نجحت في إحباط عزلتها، وإحباط الخطة التاريخية العالمية للغرب، والتي كانت قريبة جدا من التحقيق.

لقد نجح بوتين في استنهاض روسيا بعد أن كانت قد “جثت على ركبتيها” عقب انهيار الاتحاد السوفيتي تسعينيات القرن الماضي، واليوم تكمل روسيا مسيرتها بالدفاع الشريف والنبيل عن أمنها القومي ومصالحها في مواجهة النازية الجديدة ومحاولات الهيمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى