رمز للبطولة والرجولة.. “المطارَد” فتحي خازم يتحدى العدو ويشارك في جنازة ابنه الشهيد عبد الرحمن بمخيم جنين/ فيديو

 

جنين – بإرادة فولاذية وتحدٍ سافرٍ للعدو ، أصر “المطارد” فتحي زيدان خازم على وداع ابنه القائد في كتائب شهداء الأقصى عبد الرحمن، شهيده الثاني خلال عدة أشهر، والذي روى بدمه صبيحة أمس ثرى مخيم جنين خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال أثناء عملية أدت إلى ارتقاء 4 شهداء.

خازم صاحب التجربة، بعد مطاردته من قبل الاحتلال منذ عملية ابنه رعد التي عرفت بعملية “ديزنغوف” التي هزت إسرائيل.

لم يهتم لتهديدات الاحتلال وبالطائرات التي تحلق فوق مدينة جنين على ارتفاع منخفض، بل خرج لشوارع المخيم محاطاً بعشرات المسلحين ليودع عبد الرحمن رافضاً الحزن و تقبل التعازي، حاثاً الجميع على تهنئته لانضمام ابنه لقائمة الشهداء وشقيقه رعد الذي لا يزال جثمانه محتجزاً لدى الاحتلال.

بشموخ وكبرياء انتصب في ساحة المخيم الشاهدة على معركة مخيم جنين الشهيرة في نيسان 2002، حتى شق المسلحون رفاق درب عبد الرحمن طريق الجموع المحتشدة للوصول إلى الوالد الذي أدى التحية ثم تضرع لله أن يتقبله شهيداً وعانقه و هو يردد الله أكبر، مما ألهب حماس الجماهير التي تعالت هتافاتها غضباً على الاحتلال ونصرة للمقاومة.

عبر أزقة المخيم، تابع الوالد فتحي شق طريقه مع المقاومين الذين شاركوه رفع إشارة الشاهد وهم يرددون التكبيرات وسط صرخات الغضب التي دعت المقاومة للرد على العدوان وحماية المخيم.

وبفخر واعتزاز، قال خازم “الحمد لله، عبد الرحمن ورعد استشهدا في سبيل الله وفلسطين والقدس، لم يرفعا إلا راية لا إله إلا الله، دفاعاً عن دينهم وأرضهم ومقدساتهم أمام هذا العدوان الغاشم، والاحتلال الذي فتح النار على الانسان والحجر والشجر، لكننا أقوى منه ولن نركع”.

وأضاف، “الاحتلال فتح النار على شعب لا يعرف الهزيمة أو العار أو الانحناء … شبابنا لا يرفعون أيديهم ولا يركعون إلا لله، يقاتلون صفاً كأنهم بنياناً مرصوص”.

وبصوت مجلجل انطلق صوت الوالد معلناً: “اللهم اشهد أني راضٍ عن ولداي رعد وعبد الرحمن، فارض عنهما والحمد لله ولله ما أعطى و ما أخذ”، مضيفاً، “شرفنا رب العالمين، وأنعم علينا في أرض الرباط المقدس التي خلقنا فيها ولن نتخلى عن ذرة من ترابها، فمنذ بداية الاحتلال وشعبنا مستمر في طريق النضال، مُقدماً الكثير من التضحيات، واليوم نطالب شباب فلسطين للنهوض والاستنفار للدفاع عن أرضهم ووطنهم”، داعياً أن تمتد الانتفاضة والنار التي تشتعل بمخيم جنين إلى كل أنحاء فلسطين، وقال “مطلوب من أهل فلسطين جميعاً أن يساندوا مدينة جنين الصامدة والتي تنزف .. جنين يصرخ فيها الأطفال والشهداء والجرحى، آن لكم أن تقفوا إلى جانبها”.

فتحي خازم، الذي انتمى لحركة فتح في ريعان الشباب، وتعرض للمطاردة والاعتقال خلال انتفاضة الحجر، وأعادت إسرائيل إدراج اسمه ضمن قوائم المطلوبين منذ تنفيذ نجله رعد العملية، دعا للوحدة ورض الصفوف.

وقال، “ادعو الشعب الفلسطيني، لاعتبار اليوم الخميس، يوم غضب ومواجهات وإضراب شامل في كافة الضفة الغربية، اسناداً لجنين ومخيم جنين، واسناداً للمقاومة”.

ورداً على سؤال حول رسالته في ظل التهديدات باغتياله واستشهاد ابنه الثاني، قال ” هدموا بيوتي لكنهم لم يهدموا إلا أحجاراً.. لم يعدموا عزيمتنا ولا إرادتنا.. وقتلوا أبنائي… ولكنهم ليسوا بقتلى، فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.. والله مولانا ولامولى لهم .. عقيدتنا تفرغ صبراً على قلوبنا ويفرغ الله صبراً من عنده، فنحتسب أبناؤنا شهداء عند الله، لانرضى إلا بما يرضى الله ولانقول إلا ما يرضي الله”.

هكذا وبكل رباطة جأش، ومعنويات خفاقة عالية، خرج فتحي خازم، يخاطب وسائل الإعلام تارةً والجماهير التي خرجت في جنازة نجله تارةً أخرى، يرثي “عبدالرحمن” من جهة ويستذكر “رعد” من جهة أخرى، قابضًا على قلبه المحترق من داخله، مطلقًا العنان لكلماته ولضميره الذي خاطب من خلاله “عنفوان الثوار” الذين لا يتوانوا عن حمل سلاحهم وحجارتهم وزجاجاتهم الحارقة، مدافعين عن جنين ومخيمها، وعن جبل النار “نابلس” وبلدتها القديمة، وعن كل شبر من هذا الوطن المستباح تحت نار العدوان الذي لا يتوقف.

خرج “أبو رعد” من بين الثوار وفوهات بنادقهم، مودعًا نجله “عبدالرحمن”، ومحملاً إياه السلام لولده “رعد”، مخاطبًا أبناءه من المقاومين أن لا يطلقوا النار في الهواء وأن يحتفظوا برصاصاتهم لعدوهم الغاشم، فكان منهم السمع والطاعة، علمًا وفهمًا وتلبيةً لوالد الشهداء ولمن يعي جيدًا صعوبة المرحلة والحاجة لكل طلقة تعني الكثير في عنصر المواجهة.

لم يرضخ “الخازم” لتهديدات ضباط مخابرات الاحتلال، ومحاولاتهم للنيل منه والوصول إليه منذ أن نفذ “رعد” عمليته الشهيرة في “ديزنغوف”، واستمر في تحديهم، فلم يعبأ بهم وبطائراتهم المسلحة بدون طيار، وخرج في جنازة نجله “عبدالرحمن” متحديًا بالفعل والكلام، كل محاولات هذا الاحتلال الغاشم في تركيعه بهدم منزله تارةً وبقتل أبنائه وتهديده بالاغتيال تارةً أخرى، رافعًا شعارًا واحدًا لا يتغير “لا نركع إلا لله”.

ومثل شموخ جبال فلسطين، تقدم جموع المشيعين، ماضٍ بهم إلى حيث مضى الشهداء، ينادي بحمل سلاحهم وإكمال المشوار، مستقبلًا القبلة، مصليًا صلاة الوداع، منفطرًا قلبه من الداخل، لكنه متسلحًا بعزيمة الإيمان والوطنية والثبات، مؤمنًا بقدر الله، متمسكًا بإيمانه الذي لا ينضب، والذي يزداد قوةً وثباتًا على الحق، ملبيًا من داخله “نداء الشهادة”، متأملًا بأن يلحق بأبنائه “شهيدًا ممتشقًا سلاحه”، على طريق الثوار منذ القسام، وحتى طوالبة، ووصولًا إلى طه الزبيدي، وجميل العموري وغيرهم، من قوافل الشهداء التي لا تتوقف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى