جمال عبد الناصر.. حاضر رغم الغياب

بقلم: عبد الهادي الراجح

 

شهر ايلول سيبتمبر هو شهر الأحزان والمآسي العربية التي وصلت حد الفجيعة ، ولا يوجد مواطن عربي يؤمن بوطنه وأمته وشعبه ينسى مأساة هذا الشهر الذي شهد اكبر فاجعة عرفتها الأمة العربية وهي رحيل الزعيم الخالد والإنسان المصري العربي جمال عبد الناصر ، الذي جاد بأنفاسه الأخيرة في 28 سيبتتمبر 1970 وهو في ساحة الميدان لوقف أكبر المآسي والكوارث التي أصابت الأمة العربية، وهي الحرب بين الأشقاء في الأردن ووقف سيل الدم العربي في غير موقعه ، تلك المأساة التي صنعها الجهلة والفشلة واستفاد منها الكيان الصهيوني ومن خلفه ومن يعمل لحسابه من عرب الاعتلال .
ولكن في حضرة جمال عبد الناصر لم يكن أحد يجرؤ على المجاهرة بالخيانة والعمالة، غاية ما كان الخونة يتشدقون به ليستروا عوراتهم التي عرّاها الزمن هي الاحتكام لشرعية مجلس العفن وهيئة اللمم التي تسمى بالشرعية االدولية، وهم يعلمون من يؤثر على تلك المزرعة الامبريالية الصهيونية المسماة بالأمم المتحدة .
لقد استطاع الزعيم جمال عبد الناصر التوصل لاتفاق بين الأخوة، ووداع اخر ضيوف مصر الناصرية أمير الكويت رحمه الله، وبعد ذلك استدعى بنفسه سيارة الاسعاف التي أوصلته للبيت ليغادرنا إلى رحاب الله بعد ساعات من حضوره للبيت، وبعد أن بذل أطباؤه كل ما بوسعهم ولكن إرادة الله كانت فوق الجميع .
رحل جمال عبد الناصر وهو في الثانية والخمسين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، بعد أن أوقف نزيف الدم بين اشقاء المصير الواحد وبعد أن أعد للأمة العربية خطة الحرب المقبلة مع العدو الصهيوني التي عرفت فيما بعد بحرب أكتوبر ، حيث وضع خطتها وأصبحت جاهزة لبدء الحرب في نهاية ديسمبر 1970م لتبدأ معركة استرداد الارض العربية جميعها، ولا فرق لديه رحمه الله بين الجولان السورية والقدس الفلسطينية وسيناء المصرية فكلها أرض عربية محتلة، ولكن إرادة الله أرادت شيئاً آخر وأن يكون شهر أيلول سيبتمبر آخر أيام جمال عبد الناصر، ولا زال رحيله حتى اليوم يثير الكثير من التساؤلات والجدل وعلامات الاستفهام، هل توفي مسموماً أم غير ذلك .
ولو نظرنا للخارطة العربية وكيف تحولت بعد رحيله بدءاً بمصر ما بعد كامب ديفيد وصولاً لصفقات الاستسلام بأعراب الكاز والغاز الذين لم يخوضوا حرباً ولم يمسكوا سلاحاً إلا للاستعراض لحماية حكامهم الذين بدورهم يعملون لمصلحة مشغليهم الصهاينة الأمريكان، الوجه الآخر للكيان الصهيوني .
لذلك وعلى ضوء المتغيرات التي طرأت على السياسة العربية نقول أن فاجعة رحيل جمال عبد الناصر هي فاتحة المآسي والأوجاع في تاريخ أمتنا العربية وهذه المنطقة المهمة من العالم، ولذلك رحيله المفجع لا يمكن ان يكون طبيعياً برأيي المتواضع وعلى ضوء تسلسل الأحداث بعد الرحيل، فلو كان الزعيم جمال عبد الناصر حياً هل سنرى مأساة حرب الخليج الأولى بين الجارين العربي العراق والإسلامي ايران، وهل سنرى احتلال العراق للكويت وما ترتب على ذلك من فاجعة تدمير العراق وصولاً لاحتلاله في العاشر من نيسان إبريل 2003م وإعدام رئيسه الشرعي صبيحة عيد الأضحى المبارك بهدف خلق فتنة بين أبناء الأمة الواحدة، الأمر الذي مكن ويمكن المستعمر الامبريالي حتى اليوم من ذلك البلد العظيم .
لو كان جمال عبد الناصر حياً هل سنرى دستور بريمر الذي قسم العراق لطوائف وقوميات، وهل سنرى احتلال ليبيا وإعدام رئيسها الشرعي بأبشع الصور، ولو كان جمال عبد الناصر حياً هل سنرى ما صنعته مخابرات الأعداء وبعضنا احتفل به كربيع عربي الذي اسمه جاء من وكالة المخابرات الأمريكية .
لو كان جمال عبد الناصر حياً هل سنرى ما حلّ بسوريا من حرب أممية عليها بهدف اسقاط نظامها الوطني، وهل سنرى السودان مقسما ومعرضا للتقسيم ايضاً، وهل سنرى مأساة الصومال وقبل هذه المآسي وتلك هل سنرى مصر من بعد حرب اكتوبر وكيف اصبحت تدور في الفلك الأمريكي واصبح اندادها من وزن الحبشة وغيرها، بعد ان كانت وحتى رحيل جمال عبد الناصر تقف على قدم المساواة مع الهند والصين واندونيسيا وتتفوق على كوريا الجنوبية، وكيف اصبحت بعد رحيله الذي لم يكن مجرد رئيس لأكبر وأهم بلد عربي بل كان قائداً وزعيماً استثنائياً وسابقاً لعصره، فلم ير مصالح مصر مع امريكا وبريطانيا او نحو المتوسط كما يحلم بعض من ليس لهم علاقة في مصر إلا بالمولد، فقد رأى مصلحة مصر في الدوائر الثلاث وهي العربية والإفريقية والإسلامية وعلى ذلك بنى سياسته التي اكسبته كل هذا الدعم والتأييد الشعبي لمشروعه حياً وميتاً، والوقوف طويلاً امام تجربته بعد رحيله المفجع وخيانة من جاؤوا بعده حيث انكشف المستور.
ورغم الحملة المسعورة التي لم يعرف التاريخ مثل بشاعتها حتى على النظام النازي والفاشي في اوروبا ودفع مليارات الدولارات لتزييف الوعي الوطني، إلا ان اصالة الشعب العربي والمصري بشكل خاص تتجلى بكل هذا الحب والاحترام والتقدير لذكرى هذا الزعيم، واستذكار مناقبه حتى في أحلك الظروف التي تمر بها الأمة العربية .
جمال عبد الناصر لم يكن حاكما مضى بالموت وانتهى امره، بل سيظل نهجه وفكره ورسالته هي مستقبل امة تبحث عن مكانتها بين الأمم والشعوب، وسأقف هنا عند ما قاله الجنرال الصهيوني موشي ديان وكل قادة العدو الصهيوني حين وصلهم خبر رحيل جمال عبد الناصر، وابدأ بالجنرال موشي ديان الذي قال ((إن هذا اليوم يعتبر عيدا قوميا لدى كل يهودي بالعالم ))، فيما قال ديفيد بن غوريون (( لقد كان لليهود وعبر التاريخ أعداء ولكن أشرس عدويين لليهود هما هتلر وجمال عبد الناصر، الاول مات منتحراً بعد جرائمه والثاني تدخل الرب وخلصنا منه )) ، وقال شمعون بيريز (( الآن وبعد رحيل عبد الناصر اصبحت الطريق السلام سالكة جيداً بين مصر واسرائيل )) .
هل يوجد شرف أو كرامة أكثر من ذلك وتلك شهادة الأعداء، وعندما يعترف عدوك بذلك هل بقي كلام أخر يقال ، رحم الله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وستبقى الراية العربية الناصرية عالية خفاقة فوق الرؤوس، لأنها إرادة أمة عبر عنها جمال عبد الناصر افضل تعبير حتى وهو ولم يخترعها.

وبعد يقول القائد الفلسطيني الشهيد صلاح خلف أبو إياد: ” كل مآسي أمتنا تصغر مع الزمن مهما كبرت إلا مأساتنا بفقد جمال عبد الناصر، فهي كل يوم تكبر “ .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى