الفقر والبطالة يدفعان الشباب العربي إلى الهجرة

تشير الهجرة الاقتصادية للشباب العربي إلى البلدان الأوروبية ، والخليجية ، إلى وقائع البطالة الفقر المنتشرة في المجتمعات العربية، منذ مطلع القرن العشرين وإلى يومنا هذا، لجهة انعكاس تعقيداتها على بُنية المجتمع، وعلى نمط علاقاته الاجتماعية والثقافية؛ بحيث أصبح من الضروري تدخّل الدول العربية لمكافحة البطالة والفقر، من خلال إعادة تنظيم عالَم العمل والصحّة والتعليم والرعاية والمجالات الأخرى.‏‏
هجرة الشباب السوريين لدوافع اقتصادية
رغم أنَّ الحرب انتهت في سورية منذ ثلاث سنوات،وأصبحت الدولة السورية تسيطر على حوالي 70% من أراضي الجمهورية العربية السورية، فإنَّ معظم الدراسات الحديثة تؤكد على زيادة ظاهرة هجرة السوريين من المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة.ونظرا لتفاقم الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية،والإرتفاع الجنوني في أسعار معظم المواد الأساسية،إضافة إلى تفاقم البطالة، فإنَّ غالبية السوريين يرغبون بالهجرة، وخاصة بين الشباب، في حين أبدى كبار السن رغبة أقل.
بعد سنة 2011، كانت أسباب الهجرة تتمثل في الحرب وحسابات الموت والإصابة من القصف، أما بعد سنة 2019، فإنَّ الواقع الاقتصادي الصعب وما يرتبط به من عدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية للحياة يمثل أبرز الأسباب التي تدفع إلى الهجرة من الشباب الجامعي، وسواه، خاصة بعد فقدان الأمل بالحل بعد 11 سنة من الحرب.
فغالبية المهاجرين السوريين تتألف من المتعلمين وأصحاب المهن والحرف، ومن هم في سن الجامعة، ورجال الأعمال والمستثمرين والصناعيين.وفيما اختار الصناعيون والتجار وبعض من يرغب في متابعة التعليم العالي مصركوجهة للهجرة، توجه أصحاب رؤوس الأموال والحرف المميزة إلى الإمارات ،وواختار الشباب العاطل عن العمل التوجه إلى إقليم كردستان العراق، والمحافظات الشرقية السورية الخاضعة لسيطرة ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والشمال السوري، للدخول نحو تركيا والتوجه نحو أوروبا ، تلك هي الوجهات الأكثر هجرة إليها من قبل السوريين .
وتُعَدُّ هذه الهجرة وفق إجماع آراء الخبراء في الهجرة والاقتصاد، بأنَّهَا هجرة اقتصادية، تهدف إلى تأمين فرص عمل أفضل وحياة كريمة، ما يعني أن المهاجرين لا تنطبق عليهم صفة اللاجئين، لعدم وجود خطر على حياة أغلبهم.ومن النتائج السلبية لهجرة الشباب السوريين ، تحول المجتمع السوري إلى مجتمع كهل غير منتج،إضافة إلى حدوث خلل ديموغرافي ،يؤدي لزيادة نسبة الإناث على الذكور، الأمر الذي يقود لظهور مشكلات اجتماعية،كالعنوسة وغيرها.
وتعيش سورية منذ سنة 2011 أزمة اقتصادية ومعيشية، ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، حسب الأمم المتحدة، وخلال العامين الماضين، اشتدت الأزمة بسبب جائحة كورونا، وتأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا، ما أدَّى إلى تدهور سعر صرف العملة المحلية المستمر، وفقدان الثقة بالاقتصاد السوري، والسياسات المالية المتخبطة، فضلاً عن التضخم الجامح.
و لا تسمح ظروف روسيا وإيران بمد يد العون المالي والاستثماري للدولة السورية . فزيادة أسعار السلع وخاصة الغذائية ،ستزيد من استنزاف السوريين، وهذا يعني زيادة الفقر والجوع.
وباتت الدولة السورية تعتمد حاليا على الحوالات المالية التي تصل من المغتربين للداخل السوري، والتي تقدر قيمتها إلى 8مليون دولار يومياً(حوالي 240مليون دولار شهريًا)، حيث تشترط الحكومة السورية تسليمها في الداخل السوري بالليرة السورية.
هجرة الشباب التونسيين
وصل أكثر من 13.449 مهاجرًا تونسيًا غير شرعي إلى سواحل إيطاليا منذ بداية سنة 2022، منهم 2600 قاصر و640 امرأة، مقارنة بـ 11042 كانوا وصلوا خلال نفس الفترة في العام 2021، على ما أظهرت إحصاءات قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكلف بملف الهجرة في مؤتمر صحافي.
رغم أنَّ السلطات التونسية منعت أكثر من 23.217 مهاجرا غير شرعي من الوصول إلى السواحل الإيطالية عبر إحباط أكثر من 1890 عملية اجتياز منذ بداية العام الجاري.فقد خلفت هذه الموجة الهجرية مأساة إنسانية حيث تم تسجيل أكثر من 570 ضحية ومفقودا على السواحل التونسية.ويمثل هذا الرقم نصف المفقودين والضحايا في البحر الأبيض المتوسط الأوسط وثلث الضحايا في كل البحر الأبيض المتوسط.
هل هناك نوجه للدول العربية لمكافحة الفقر؟
لا يزال موضوع  مُكافَحة الفقر وخفْض معدّلاته في الدول العربية من أولويّات العمل العربي  المُشترَك في المجال الاجتماعي والتنموي، ولاسيّما أنّ القمة العربية  في دَورتها الرابعة عشرة (بيروت 2002)، أصدرت قراراً محوريّاً  في مسيرة العمل العربي المُشترَك في مجال مكافحة الفقر، حيث جاء هذا القرار بعد صدور الإعلان العالَمي للأهداف التنموية للألفية في العام 2000، والذي التزمت بتنفيذه الدول الأعضاء بحلول العام 2015، وفي مقدّمتها خفض معدّلات الفقر، على الرّغم من أنّ عدداً من الدول العربية، بخاصّة الأقلّ نموّاً، واجَهت  صعوبات في تنفيذ هذه الأهداف، وفي مقدّمتها “القضاء على الفقر المدقع والجوع”.
تعريف الفقر
أجمعت البحوث الاقتصادية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة على أنَّ الفقر آفة فتّاكة وظاهرة عالميّة عرفتها وتعرفها شعوب الأرض كلّها، وقد لا تخلو منها دولة من الدول، ولا مدينة من المُدن. وهي تنخر في خلايا المجتمعات وتسهم في توليد الكثير من الآفات: سوء التغذية، الأمراض، الجهل. لكنّ قياس هذه الظاهرة أصبح مُمكناً، وأصبحنا نضع تعاريف للفقر، والفقر المدقع، وخطّ الفقر، والفقر الأدنى، والفقر الأعلى، ومع هذا، هل هناك مفهوم ومقياس واحد للفقر؟ ولخطّ الفقر؟
تعرّف المنظّمات الدولية الفقر على “أنّه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحّية والغذاء والملبس والتعليم، وكلّ ما يُعدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة”. واتّسع هذا المفهوم وأصبح أكثر شمولاً بعد قمّة كوبنهاغن في العام 2006 على وجه التحديد، والتي شدَّدت على أهمّية حصول الفرد على الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة سليمة، وفُرص المُشارَكة الديمقراطية في اتّخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية.
كان المرء يُعتبَر فقيراً إذا كان دخله لا يستطيع أن يؤمِّن له الإنفاق الكافي لتأمين الحدّ الأدنى من حاجاته الغذائية، وأصبح الإنسان اليوم يُنعت بالفقير إذا كان غير قادر على تأمين مجموعة من الحاجات، من بينها الغذاء الصحّي والسكن والملبس والطبابة والاستشفاء والصرف الصحّي والمياه النقيّة للاستهلاك البشري، وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتلبية الواجبات الاجتماعية. وبشكل عامّ، إن البلد الذي دَخْل الفرد فيه دون الدولارَين في اليوم الواحد يُعتبر في حالة فقر شديد، ومَن كان دخل الفرد فيه على حدود الدولار الواحد، يكون مُلامساً عتبة الفقر المدقع.
العلاقة بين الفقر والبطالة
هناك علاقة عضوية بين الفقر والبطالة في البلدان العربية، إذ تُعتبر  البطالة من بين أهمّ التحدّيات التي تُواجِه الدول العربية قاطبة، باعتبارها ظاهرة تمسّ عشرات الملايين من العرب، ومن مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية في العالَم العربي. وتُعَدّ  البطالة السبب الأوّل لتفشّي ظاهرة الفقر في الدول العربية، وما ينجرّ عنها من آفاتٍ اجتماعية خطيرة تهدِّد أمن المجتمعات العربية.
وفي ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتداعياتها العربية، تعاني اقتصادات العالَم  العربي في معظمها من البطالة التي باتت تهدِّد تماسك المجتمعات العربية واستقرارها، لما ينتج عنها من تأثيرات مدمِّرة تنعكس على الجانب الاجتماعي بالدرجة الأولى، ثمّ الجانب الاقتصادي الذي سيُحرم من طاقات بشرية تصنَّف من ضمن الطّاقات المُعطَّلة. بينما تقتضي الديناميّة الاقتصادية الاستغلال الأمثل لهذه الطّاقة الإنتاجية المُعطَّلة، من أجل دفع عجلة التنمية إلى الأمام للخروج من أزمة الفقر والتخلّف التي تَسِم الدول العربية. وممّا زاد أزمة البطالة استفحالاً  في العالَم العربي، دخول  الاقتصادات العربية في سيرورة العَولمة اللّيبرالية المتوحّشة، واتّساع هوّة الاختلالات الهيكلية لاقتصاداتها.
تُعتبَر البطالة التي تفوق نسبتها الـ 20% في العالَم العربي مقابل 6 % عالميّاً، من أخطر المشكلات التي تُواجِه الدول العربية. ومن المتوقَّع أن يصل عدد المتعطّلين عن العمل خلال العام الحالي إلى 25 مليون عربي، ما يتطلّب استحداث 5 ملايين فرصة عمل سنويّاً لمُعالجة هذه المشكلة الخطيرة. وتعاني الدول العربية هوّة واسعة في مستويات الدخل والمعيشة، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 14 %؛ وإذا ما بقيت معدّلات النموّ في الناتج المحلّي العربي منخفضة نسبيّاً، فكيف سيتمّ توفير فرص العمل وتوظيف الإمكانات الهائلة للشباب العربي في التنمية الاقتصادية؟
وفي النظام الريعي، تحكم الدولة قبضتها على الثروات، وهي ثروات تفتقر إلى قيمة مُضافة مصدرها البلد نفسه وقيمتها مرتبطة بالطلب الخارجي. ويترتّب عن مثل هذه الأنظمة بروز عدم تناظر سياسي بين الدولة والشعب. فالدولة تُراكم الثروات ولا توفِّر فرص عمل. وليس خلق الثروات شاغل الدولة. فقد تفاقمت ظاهرة البطالة في الدول العربية الريعية التي لا تدعو مواطنيها  إلى العمل، ولا تحفّز العمل وسوقه. وهذا مثبت في إحصاءات كثيرة. ففي سلّم البطالة في العالَم، وهي تقاس من أدنى المعدّلات إلى أعلاها، تتربّع مصر في المرتبة 107، والمغرب في المرتبة 109، والجزائر في المرتبة 110، والأردن في المرتبة 139، وتونس في المرتبة 140، واليمن في المرتبة 185. وعليه، قد يصحّ رسم خريطة الثورات العربية بناءً على معدّلات البطالة والعمل.
ولعلّ من أهمّ أسباب ما شهدته المنطقة العربية من انتفاضات وثورات، تفشّي البطالة وارتفاع نسب الفقر، ما أدّى إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي وأَسَّس لثورات الشباب. وقد وصفت منظّمة العمل العربية الوضع الحالي للبطالة في الدول العربية بـ”الأسوأ بين جميع مناطق العالَم من دون مُنازع”، وأنّه ” في طريقه لتجاوز الخطوط الحمر”. ويجب على الاقتصادات العربية ضخّ نحو 70 مليار دولار، ورفع معدل نموّها الاقتصادي من 3 % إلى 7 %، واستحداث ما لا يقلّ عن خمسة ملايين فرصة عمل سنويّاً، حتى تتمكّن من التغلّب على هذه المشكلة الخطيرة.
وهذا ما يجب على الدول الخليجية القيام به ، بوصفها الدول التي تمتلك فائضًا ماليًا ، وصناديق سيادييتم استغلالها و توظيفها من جانب الدول الغربية لحل مشاكلها الاقتصادية، بدلاً من توظيفها في مشاريع التنمية داخل البلدان العربية.
العلاقة بين الفقر وانخفاض مستوى النموّ
إنَّ تنامي ظاهرة الفقر له علاقة بالتوزيع غير العادل للدخول والثروات على جميع الصعد في الدول العربية. فقد أظهرت الدراسات الاقتصادية العلمية العلاقة السلبية بين سوء توزيع الدخل والثروة من ناحية، والنموّ الاقتصادي من ناحية أخرى. فالنموّ الاقتصادي قادر على أن يكون أداةً قويّة للقضاء على الفقر، وذلك، من خلال زيادة الإنتاجية التي تقود بدَورها إلى زيادة دخول الفقراء. فمن الناحية التاريخية، كان النموّ القومي المطّرد للناتج المحلّي الإجمالي مُقترناً بزيادة الأجور والإنتاجية، وكان أحد الأسباب المهمّة التي ساعدت الدول الصناعية على الخروج من الفقر. وفي العقود الأخيرة، أسهمت المستويات العالية من النموّ الاقتصادي في بلدان شرق وجنوب آسيا في تخفيض نسبة الفقر فيها.
وهناك إجماع بصفة عامّة على أنّ النموّ الاقتصادي يُعتبر من الضرورات الأساسيّة للحدّ من ظاهرة الفقر، ولاسيّما أنّ الاقتصادات التي تنمو بسرعة، تكون فرصتها في التغلّب على الفقر أكبر من فرصة البلدان التي ينخفض فيها الدخل السنوي. والأمثلة على البلدان التي نجحت في تخفيف حدّة الفقر تشير إلى وجود علاقة عكسية بين النموّ الاقتصادي وتخفيف حدّة الفقر. إنّ النموّ الكبير في الإنتاج يُسهم في تأمين العمل لأعداد الشباب التي تخرج إلى سوق العمل كلّ سنة وفي تسهيل وصولهم إليه، فضلاً عن تأمين العمل لأكبر شريحة من الناس التي تترجم فاعليّتها بقدرة شرائية أكبر.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يساعد الفساد على زيادة حدّة الفقر، وخصوصاً عندما يسرق مسؤولون على مستوىً رفيع في العديد من الدول العربية الأموالَ من خزائن دولهم أو يسيئون إدارة موارد عامّة يقصد بها تمويل تطلّعات شعبهم لحياة أفضل. ويعرَّف الفساد السياسي في معناه الواسع بأنّه إساءة لاستخدام السلطه العامّة (الحكومية) لتحقيق أهداف غير مشروعة وغالباً ما تكون لتحقيق المصالح الشخصية، وأهمّ أشكاله: المحسوبية والرشوة والابتزاز ومُمارسة النفوذ والاحتيال ومُحاباة الأقارب. ويُعَدُّ الفساد السياسي أخطر أنواع الفساد إطلاقاً، لأنّ القابضين على السلطة السياسية ينهبون المال العامّ، ويفسدون موظّفي الخدمة العامّة في مؤسّسات الدولة والمجتمع، من خلال مَنْح مناصريهم وظائف كبيرة لا تتوافق مع مؤهّلاتهم العلمية وخبراتهم وشراء الذمم والتستّر على فضائح الرشاوى والفساد.
إنّ علاج الفقر هو مسؤولية التنمية، وهذا يتطلّب من الدول العربية تبنّي استراتيجيات وطنية للتنمية المُستدامة، وتعزيز الاتّجاهات الرامية إلى وضع سياسات اجتماعية فاعِلة لخفْض الفقر وزيادة معدّلات الرفاه العامّ في كلّ الدول العربية، والتوكيد على ضرورة مواصلة السعي الجادّ لإقامة شراكات عربية وعالمية من أجل التنمية، ولاسيّما أنّ الأقاليم العربية في مشرق الوطن العربي، وفي مغربه، من أشدّ الأقاليم احتياجاً إلى تلك الشراكات والمُبادرات لتتمكّن الدول العربية من تحقيق التنمية الشاملة، ودعم التشغيل المجزي والمُنتِج، وإيجاد فرص العمل والحدّ من البطالة في أوساط الشباب، وتحسين ظروف الحياة للحدّ من الفقر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى