غورباتشوف.. غيّر العالم بشكل مختلف عما كان يريده، فتسبب بتوحيد المانيا وتفكيك الاتحاد السوفياتي

تنظم جنازة آخر زعيم للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، اليوم السبت في موسكو، في مراسم محدودة لن يحضرها الرئيس فلاديمير بوتين مما يدل على إرثه المثير للجدل في روسيا.

توفي غورباتشوف مساء الثلاثاء الماضي “بعد صراع طويل مع مرض خطر”، حسب ما أفاد المستشفى التابع للرئاسة الروسية حيث كان يعالج.

ويحظى غورباتشوف الذي وصل إلى السلطة في 1985، باحترام كبير في الدول الغربية، فيما يأخذ عليه معطم الروس مساهمته في انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بدعوى محاولته إنقاذه مع إصلاحات ديمقراطية واقتصادية.

بوتين وصف انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، فيما حمّل العديد من الروس مسؤولية انهيار قوة عظمى وسنوات من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تلت ذلك.

في دليل على هذا الأمر، لم يتم إعلان يوم حداد وطني رغم أنه ستكون هناك “عناصر جنازة رسمية” أثناء تشييع غورباتشيف، خصوصًا مشاركة “حرس الشرف” بحسب ما أعلن الكرملين.

تسبب في توحيد المانيا وتفكيك الاتحاد السوفياتي

“في النهاية، غيّر ميخائيل غورباتشوف العالم بشكل مختلف عما كان يريده”، هكذا علقت صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” (31 أغسطس / آ ب 2022) على وفاة الزعيم السوفيتي السابق الذي سيظل الألمان ممتنين له، لأنه مكن من توحيد بلدهم، الذي كان مقسما إلى شطرين بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة.

غورباتشوف كان يسعى إلى عالم مختلف للذي يسعى إلى بناءه فلادمير بوتين. إنه “الشيوعي الذي جعل الوحدة الألمانية ممكنة” وفق موقع “فيلت”.

موجة من الحزن والتعاطف والعرفان عمت ألمانيا بعد إعلان المستشفى المركزي في موسكو في ساعة متأخرة من من مساء الثلاثاء (30 أغسطس/ آب) وفاة مهندس البيروسترويكا عن عمر ناهز 91 عاما. صحيفة “زودويتشه تسايتونغ” الصادرة في اليوم نفسه، ذهبت في نفس الاتجاه وكتبت “لقد فشل آخر زعيم للاتحاد السوفيتي في نواح كثيرة، لكن الألمان على وجه الخصوص، لديهم سبب ليكونوا ممتنين له، حتى وإن كان قد عدًل عندهم صورة روسيا إلى يومنا هذا”.

ويحظى الزعيم السوفيتي السابق بتقدير دولي كبير بفضل دوره الحاسم في إنهاء الحرب الباردة بشكل سلمي؛ ما مكن من انهيار جدار برلين. كما قاد الاتحاد السوفيتي إلى إبرام معاهدات تاريخية مع الولايات المتحدة بشأن نزع السلاح النووي. وعلى المستوى الداخلي، قاد عمليات إصلاح شاملة بهدف بناء الديموقراطية. وفي عام 1990 حصل غورباتشوف على جائزة نوبل للسلام بسبب إصلاحاته الشجاعة، غير أن ذلك لم يمنع من انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان كان يتألف من 15 دولة، ومعه أيضا الانهيار السياسي لغورباتشوف نفسه.

موقع إذاعة “دويتشلاندفونك” الألمانية كتب معلقا (31 أغسطس/ آب) “ساعد ميخائيل غورباتشوف في إسقاط الستار الحديدي. لهذا يُحتفى به في الغرب كرجل دولة عظيم. إلا أنه يُتهم (في روسيا بالتسبب) بانهيار الاتحاد السوفيتي”.

إجماع ألماني على الإشادة بغورباتشوف وإدانة بوتين

كان أمرا مثيرا كيف ربط الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير بين الماضي والحاضر، في إشادته بمهندس نهاية الحرب الباردة (غورباتشوف) وبين مشعل الحرب في أوكرانيا (بوتين). وقال شتاينماير إن حلم غورباتشوف تحول اليوم إلى أنقاض بعد أن حطمه الهجوم الروسي الوحشي على أوكرانيا، موضحاً أن ألمانيا لا تزال مرتبطة بـ”رجل الدولة العظيم” هذا. وقال: “نحن ممتنون لمساهمته الحاسمة في وحدة ألمانيا ونحترم شجاعته في الانفتاح الديمقراطي وبناء الجسور بين الشرق والغرب”.

صحيفة “باديشه تسايتونغ” (31 أغسطس/ آب) كتبت معلقة “كان ميخائيل غورباتشوف إنسانيًا لكنه لم يكن ثوريًا. أراد إضفاء الطابع الإنساني على النظام السوفيتي. إنه لا يتقاسم أي شيء مع بوتين، الذي تعني له القوة والحجم كل شيء”.

ومن جهته، وصف المستشار أولاف شولتس الزعيم السوفيتي الراحل بصاحب الجرأة. وأكد أن سياسته مكنت من “وحدة ألمانيا وانهيار الستار الحديدي”. وأضاف شولتس أنه بفضل غورباتشوف، حاولت روسيا تأسيس دولة ديمقراطية، لكن يظهر اليوم أن روسيا لم تفشل فحسب في بناء الديموقراطية، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين يعمل أيضا على تقويض دعائم أوروبا “ولهذا السبب نتذكر ميخائيل غورباتشوف وندرك كم كان مهما لتطور أوروبا وبلدنا في السنوات الأخيرة”.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة “بيلد تسايتونغ” الشعبية الواسعة الانتشار (31 أغسطس/ أب) معلقة: “بالنسبة لنا نحن الألمان، يجب أن تكون وفاة غورباتشوف مناسبة لإعلان حداد وطني. فبدونه لم يكن للوحدة الألمانية أن تتم”. واقترحت الصحيفة إطلاق اسم آخر زعيم سوفييتي على إحدى الساحات الكبرى في العاصمة الألمانية برلين.

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عبرت هي أيضا عن امتنان ألمانيا الأبدي لميخائيل غورباتشوف، وكتبت في تغريدة على موقع “تويتر”: “استرشد ميخائيل غورباتشوف بالسلام والتفاهم بين الشعوب في لحظات مصيرية من تاريخنا. نهاية الحرب الباردة ووحدة ألمانيا هما إرثه … إننا نأسف على فقدان رجل دولة نشعر بالامتنان له إلى الأبد”.

أما المستشارة السابقة أنغيلا ميركل فوصفته بأنه “سياسي عالمي فريد”. وقالت في بيان نُشر “أتمنى أن تُتيح ذكرى إنجازه التاريخي لحظة توقف، خاصة في هذه الأسابيع والأشهر الرهيبة من حرب روسيا ضد أوكرانيا (..) لقد كتب غورباتشوف تاريخ العالم. لقد جسد كيف يمكن لرجل دولة واحد أن يغير العالم إلى الافضل”.

وأضافت مسترسلة “ما زلت أشعر بالخوف الذي كنت أشاركه مع العديد من الأشخاص في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في عام 1989، إذا ما كانت الدبابات ستتحرك مرة أخرى كما فعلت في عام 1953، عندما صرخنا “نحن الشعب” ولاحقا “نحن شعب واحد”. ولكن هذه المرة، على عكس عام 1953 – لم تتحرك دبابة ولم تُطلق أعيرة نارية”، مشيرة إلى أن غورباتشوف وجه بدلا من ذلك اللوم إلى قادة ألمانيا الديمقراطية العجائز بعبارة: “الحياة تعاقب المتأخرين (..) لقد غيّر ميخائيل غورباتشوف حياتي بشكل جذري. لن أنسى ذلك أبدا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى