21 عاما على استشهاد ” أبوعلي مصطفى “.. الحاضر أبداً
بقلم: محمد العبد الله *
“القائد أبو علي مصطفى أيقونة ثورية، واغتياله لم يوقف نهج الثورة الذي يمضي به رفاقه نحو العودة والتحرير”
– حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين 27 / 8 / 2020
“إنّ دماء أبو علي مصطفى الزكية شكلت وقودًا وحافزًا لرفاقه الأبطال للثأر له والمضي على دربه حتى التحرير والعودة، كما أن مواقفه الوطنية تُمثل جدارًا صلبًا للمحافظة على الثوابت ومواجهة تصفية قضيتنا. “
– عبد اللطيف القانوع الناطق باسم حركة حماس 27 / 8 / 2021
لم يكن يوم الإثنين الموافق 27/8/2001 يوما عاديا في حياة شعبنا. في ذلك اليوم، حملت صواريخ طائرات الأباتشي الموت للقائد الوطني والقومي والأممي ” أبو علي مصطفى ” وهو يهم بالخروج من مكتبه بعد أن جهز أوراقه للذهاب لاجتماع القيادة العسكرية المُوحدة للانتفاضة بصفته المسؤول الأول للمجلس العسكري . استهداف الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان البند الأول على جدول أعمال الجيش والأجهزة الاستخباراتية في حكومة العدو، نظرا لما شكله هذا القائد من خطر على كيان الغزاة الاستعماري، الاحتلالي، منذ اللحظات لوصوله أرض الوطن المحتل يوم 30 / 9 / 1999 حين قال للحشد الشعبي الذي كان في استقباله “عدنا لنقاوم، على الثوابت لن نساوم “. وقد عمل القائد الثوري على ترجمة تلك الكلمات ببرامج عمل، تنظيمية ،سياسية، وعسكرية، وهو القائل ” إن ضغط العدو على الزناد بإصبع فيحق لنا أن نضغط عليه بعشرة أصابع”، مما دفع بقيادة المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية أن تُسرع في استهدافه، وهو الذي تمكن من الإفلات من محاولات استهدافه المتكررة، وأبرزها التي جرى التحضير لها في بيروت، وتم كشفها وإفشالها قبل تنفيذها بوقت قصير.
“مصطفى علي الزبري ” الذي ولد في بلدة “عرابة ” قضاء مدينة جنين في العام 1938، لأسرة فلاحية، كان والده أحد الثوار القساميين، الذي ملأ الحقول سنابلا وطلقات، وزرع في العائلة المشاعر والمفاهيم الرافضة للاستعمار والاحتلال . في هذه البيئة الوطنية، نشأ وترعرع هذا الفتى الذي تشبع الروح الوطنية، والتضحية من والده ، ومن الوقائع الميدانية. لهذا انخرط في النضالات الوطنية والنشاطات الاجتماعية في سن مبكرة، قادته للانخراط في “حركة القوميين العرب” ليتدرج في مراتبها التنظيمية، ويساهم بنضالاتها، متفرغا للنضال اليومي في شتى الميادين ، وخاصة ، المهمات الاستثنائية في ظروف العمل السري داخل الضفة الغربية، والضفة الشرقية.
وقد جاءت نتائج نكبة عام 1967 لتكون الدافع للإسراع في ترتيب الوضع التنظيمي والنضالي بما يتلاءم مع النكبة الجديدة. وقد تمت ترجمة ذلك بأن تقرر أن يعمل ” إقليم فلسطين” بالحركة على الإسراع والتطوير بما بدأه قبل سنوات من عمليات الاستطلاع داخل فلسطين المحتلة، والإعداد للمقاومة المسلحة ( الشهيد الأول خالد الحاج أبو عيشة الذي استشهد في أوائل شهر تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٦٤ الذي أهداه الأديب المُبدع الشهيد غسان كنفاني روايته “ما تبقى لكم” حيث كتب في الاهداء ” إلى خالد…. العائد الأول الذي ما زال يسير” ). قاد الدوريات الأولى نحو فلسطين عبر نهر الأردن، لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان ملاحقا من قوات الاحتلال واختفى لعدة شهور في الضفة في بدايات التأسيس
لهذا بدأت المهمات التنظيمية والكفاحية للتشكيلات الفدائية التي حملت أسماء “شباب الثأر” و”أبطال العودة” بالظهور للعلن ، والتي كانت المدماك الأساسي في بناء “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” التي شاركت في تأسيسها أيضاً “جبهة التحرير الفلسطينية” التي غادرتها بعد عدة أشهر لتحمل اسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”. هنا، وفي كل تلك الخطوات كان “أبو علي مصطفى” حاضرا، في مركز القرار والميدان، وهو أحد القلائل الذين امتلكوا العلوم العسكرية التي تعلمها ومارسها في الكلية العسكرية في “أنشاص” المصرية، لهذا، كان من أوائل قادة المجموعات المسلحة الأولى نحو فلسطين عبر نهر الأردن، لإعادة بناء التنظيم وتأسيس الخلايا المسلحة، والعمل على بناء أدوات التنسيق و ” التشبيك ” بين تشكيلات النضال المسلح في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما اضطره للاختفاء وقيادة العمل من تحت الأرض، بعيدا عن ملاحقة قوات الاحتلال والعملاء.
يمتاز من نحتفي بذكراه ، بأنه النموذج والقدوة لأجيال من المناضلين الفلسطينيين والعرب، فهو الذي لم يتابع دراسته ولم يحمل شهادة جامعية ” أكاديمية “، بسبب ظروف العمل السري وسنوات الاعتقال، لكنه امتلك المعرفة والوعي الثوريين، بالاعتماد على الذات – كما يقال : تِعب على حاله – في إطار النضال الجماعي : الحركة والجبهة . وقد امتاز بعقلية تنظيمية، مرنة، لكنها حازمة، تتعاطى مع ظرووف العمل، بدرجة عالية من الحرفية، البعيدة عن الشللية والزبائنية، من أجل بناء التنظيم / الحزب، على أسس ثورية وجماهيرية بذات الوقت. كما أن في سلوكه اليومي مع عائلته ومع رفاقه في التنظيم، دروسا وعِبَرا، لقائد زاهد، مُتقشف، وعفيف اليد واللسان، وهنا، أستحضر م اقاله رفيق دربه ومسيرته، الحكيم “جورج حبش” في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده ” إننا أمام رجل كرس جُلَ حياته ، لوضع القيم والمُثل السياسية والفكرية والأخلاقية والإنسانية موضع التنفيذ “.
اعتقد العدو أن اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، سيؤدي إلى انهيار هذا التنظيم / الحزب التاريخي الرائد، لكن المفاجأة التي أذهلت الاحتلال ، كانت على أيدي الجيل الذي تربى على أفكار وثوابت ومبادئ : جورج حبش ،وديع حداد ،غسان كنفاني ،أبو ماهر اليماني، وأبو علي مصطفى، الذي قال عنهم ” هذا الجيل كبر ونما وأصبحت له تجربته الخاصة، ليس من موقع التناقض مع تجربتنا، ولكن من موقع الإغناء، في مشهد الانتفاضة كان هناك إبداعات لم تبتدعها قيادة الثورة في م.ت.ف، تمثلت في وضع قوانين علاقات اجتماعية ليست مكتوبة، ولكنها قوانين ثورية شعبية في نظم العلاقات العامة، وفي التضامن الاجتماعي، وفي مسائل عديدة أخرى، نبعت من واقع التجربة نفسها” . جاء الرد الثوري السريع على اغتيال ” أبو علي مصطفى ” بعد حوالي 40 يوما، بإعدام المجرم، صاحب نظرية الترانسفير، والوزير السابق في حكومة العدو ” رحبعام زئيفي ” في أحد فنادق مدينة القدس المحتلة، على يد عدد من المناضلين ، من أبناء الجيل الذي تحدث عنه القائد أبو علي مصطفى ، من كوادر الجبهة الشعبية.
سقط الجسد، لكن الفكرة باقية، تتجذر وتتمدد.
* كاتب وسياسي فلسطيني.