ملاحظات على معركة غزة الحالية

 

تدور المواجهة الحالية في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال ضمن معطيات فيها العديد من الالتباسات:

1. يبدو أن حركة حماس أقرب في هذه المرحلة إلى الجهود المصرية منها إلى تيار التصعيد، فليس لها مشاركة تذكر حتى الآن في المواجهة الميدانية الحالية رغم رفع مستوى الجاهزية القتالية، وتصريحات قادتها توحي بقدر من “التروي”.

2. الإعلان عن تفعيل غرفة العلميات المشتركة بين فصائل المقاومة هو اقرب إلى “العمل التعبوي والنفسي” منه للعمل الفعلي، ويبدو أن الرغبة الكامنة وراء الإعلان هي للتأكيد على لجم احتمالات الخلاف بين الفصائل على إدارة المعركة ومنع أي تشققات في جدرانها، لا سيما في ضوء دلالات النقطة الأولى.

3. يبدو أن بيان سلطة التنسيق الأمني بتحميل إسرائيل المسئولية ليس اكثر من محاولة القول “نحن هنا” والظهور بمظهر من يتحكم في القرار الفلسطيني، مع أن هذه السلطة لا في العير ولا في النفير، بخاصة أنها ترى في كل ضغط على المقاومة المسلحة مكسبا لمشروعها الخائب.

4. تدور المعركة في ضوء رغبة ” قبائل التطبيع العربية القديمة والحديثة” في إزاحة أي احتمالات لعرقلة مسار التطبيع المتصاعد منذ 1979، ومن المؤكد أن “دبلوماسية الإنابة” ستتحرك فورا.

5. أما في المستوى الدولي ،فهناك قضيتان استراتيجيتان ينشغل بهما العالم أكثر كثيرا من الموضوع الفلسطيني ، فالحرب الأوكرانية، والتوتر العالي حول تايوان يتفوقان على الموضوع الفلسطيني بنسبة خيالية (سياسيا وعسكريا واقتصادية وإعلاميا)، وبالتالي لن تكون إسرائيل تحت وطأة نشاط دولي سوى تصريحات عابرة من هذه الدولة أو تلك.

6. يبدو أن إسرائيل تريد تحقيق إنجازات في ضوء تطورات غير مواتية لاستراتيجيتها العامة مثل: الوزن الذي كسبه حزب الله في مساومات حقل “كاريش” اللبنانية حول الغاز، وعودة التفاوض الأمريكي الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني، وهو أمر لا تنظر له إسرائيل بارتياح، ناهيك عن بعض ظلال التنافس الحزبي الإسرائيلي لانتخابات إسرائيلية قادمة وقريبة، رغم ان وزن هذا العامل هو وزن هامشي في تحديد الاستراتيجية الكبرى للدولة.

من زاوية أخرى، فان توقف العلميات، إنْ توقفت، لا يعني أن إسرائيل تخلت عن استراتيجية الاستفزاز لجر المقاومة للمواجهة لفرض وقف لإطلاق النار لفترة طويلة، وقد تسعى إسرائيل لاستغلال هذه المواجهة الحالية للحصول على اتفاق تهدئة جديد وبشروط محسنة لإسرائيل.

أخيرا وللمرة الألف، ليت قيادات المقاومة تكف عن الانجذاب نحو “مبالغات الخطابة” إذ أن المسافة البعيدة بين الوعيد وبين التطبيق لا تزال بعيدة حتى على زرقاء اليمامة، والاستمرار في هذه السياسة سيفقد المقاومة “مصداقيتها”، والتعبئة الإعلامية في الحروب علم قائم بذاته، ولا يجوز عبور المسافة الفاصلة بين” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” وبين “مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا***وَماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا”.

وعليه أتمنى أن لا يتحدث أي قائد فلسطيني قبل المناقشة الدقيقة لمضمون ما سيقول(مفرداته وجمله) وكيف يقول (لغة الجسد والإيحاءات المدروسة) ومتى يقول (الزمن الأنسب لإطلاق القول) ومكان القول ( فرق بين خطاب المظاهرات والخطاب في محفل دولي”…ربما.

* د. وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة اليرموك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى