عن حركة حماس والمصالحة مع سورية

تتعرض حركة حماس الفلسطينية الى ضغوط من قاعدتها الاخوانية العريضة. وخلفية ذلك هو الاعلان رسمياً عن قرار قيادتها (المكتب السياسي) بالاجماع بالسعي لاعادة العلاقة مع سورية. فيوم 10-7-2022 نشر الموقع الرسمي لـ “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ومقره الدوحة, وهو التنظيم الذي أسسه وترأسه لسنين طويلة الشيخ الاخواني الكبير يوسف القرضاوي, بياناً قال فيه ان وفداً ضم رئيسه (القره داغي), ومعه شيوخ من اليمن (الزنداني) وليبيا (الساعدي) وسورية (الرفاعي), التقى بقيادة حماس وقدم لها “النصيحة” بشأن قرارها الذي بنظرهم “فيه مفاسد عظيمة , ولا يتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية” , داعياً اياها الى اعادة النظر والتراجع عن قرار استعادة العلاقة مع “النظام السوري”. وبعد بضعة ايام, في 15-7-2022, نشر المنظّر الاخواني الموريتاني والاستاذ في جامعة قطر, محمد مختار الشنقيطي, مقالاً طويلاً في موقع الجزيرة نت عنوانه ” حماس وأحلافها.. ملاحظات في الأخلاق السياسية والذكاء السياقي” تناول فيه علاقات حماس ليس مع سورية فحسب بل مع كل اطراف محور المقاومة في المنطقة وعلى رأسها ايران التي وصف علاقة حماس بها بأنها “تلاقٍ عابر, في لحظة تاريخية معتمة, لا يعبّر عن العمق الجغرافي والإستراتيجي الحقيقي لفلسطين على المدى البعيد, مهما تكن ثماره العاجلة” , واضاف بعدها داعياً حماس ان لا تفرط في علاقتها بايران “سعياً وراء مكاسب عابرة, أو منافع عاجلة “، واضاف واصفاً حلفاء ايران في المنطقة بـ “المليشيات الدموية” وأن “نظام بشار الاسد لا قيمة له سياسياً ولا عسكرياً”.

هذا الكلام الشديد والضغوط الموجهة لقيادة حماس تعكس في الواقع ادراكاً متزايداً في الاوساط الاخوانية ان حماس قد حسمت امرها بالفعل واستقرت على موقعها الاستراتيجي في المنطقة كعضو فاعل واساسي في محور المقاومة الذي تقوده ايران في مواجهة الكيان الصهيوني. تشعر القيادة الاخوانية في المنطقة بالاحباط من جراء فشل المحور التركي – القطري في المنطقة, الذي تقوّى في العقد الماضي بالصعود الاخواني المؤقت في مصر و تونس, في تشكيل بديل حقيقي يمكن لحماس أن تعتمد عليه وتركن له. الواقع ان حركة حماس قد راكمت تجربة سياسية طويلة على مدى العقود الثلاثة الماضية حاولت خلالها أن تتأقلم مع النظام الرسمي العربي , وأن تسترضي مصر والسعودية والاردن لعلها تجد قبولاً منهم, ولكنها لم تجد منهم إلا صدّاً وردّاً ورفضاً, وشروطاً تعجيزية, رغم كل محاولاتها و جهودها لنيل الرضا الرسمي. كما ان اندفاعة حماس وراء التيار الاردوغاني – الاخواني في المنطقة وصلت بها الى حد قلب ظهر المجنّ لسورية, في الفترة ما بين 2011 و 2013 حين دخلت طرفاً في الأزمة السورية , داعمة للمعارضة الساعية لاسقاط النظام, متشجعة بصعود محمد مرسي في مصر. اعتبرت سورية ذلك الموقف طعنة في الظهر , خصوصاً بعد أن كانت تعاملت معها كحركة وطنية فلسطينية وتغاضت عن عقيدتها الاخوانية, فسمحت لها بالنشاط داخل سورية على مدى اكثر من عقد وساعدتها لوجستيا وعسكريا حين أوصلت صواريخ كورنيت المضادة للدبابات الى قطاع غزة. في المقابل, وحتى في ذروة علاقة حماس مع اردوغان, كانت تركيا تعرف حدودها فاكتفت بالكلام السياسي والاعلامي ولم تقترب ابداً من النواحي العسكرية لدعم القضية الفلسطينية. وفي نهاية المطاف كان التراجع الاردوغاني واعادة تفعيل العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

هذه التجارب التي مرت بها حماس اوصلتها الى نتيجة وقناعة بأنه ليس هناك من يمكن الوثوق به والتحالف معه لمقاومة العدو الصهيوني سوى ايران , التي منذ نجاح ثورتها عام 1979 جعلت العداء للكيان الصهيوني مسألة عقائدية – ايدولوجية لا تراخي فيها. قاسم سليماني كان له الدور الابرز في عودة حماس لمحور المقاومة. لقد قرر سليماني ان يغض النظر عن خطأ قيادة حماس في الأزمة السورية وأن يستمر في البرنامج الاستراتيجي الذي أطلقه من سنين طويلة والهادف الى تحويل حماس في غزة لقوة عسكرية حقيقية قادرة على مواجهة “اسرائيل” وتحديها بل والتغلب عليها , على نموذج حزب الله في لبنان. مبكراً جداً دخل قاسم سليماني على خط المقاومة في غزة متبنّياً التنظيمات المسلحة , وأهمها وأكبرها كتائب القسام, وداعماً لها تقنياً وفنياً, بالسلاح والعتاد, ولوجستياً و مادياً. سخّر الحاج قاسم امكانيات ايران في هذا الاتجاه فصارت تؤتي أكلها وبدأت قدرات جديدة ومتطورة بالظهور في ايدي المقاومين الفلسطينيين , أنظمة صواريخ يزداد مداها يوماً عن يوم, قنابل وألغام متطورة , قدرات بحرية وحتى جوية ! والأهم هو التأهيل والتدريب ونقل الخبرات من أجل ضمان الاستمرارية والقدرة على التصنيع والانتاج. لم يتعامل الحاج قاسم مع حماس بمنطق رد الفعل , فلم يوقف برنامج الدعم العسكري لكتائب القسام. تعامل الشهيد سليماني مع حماس بمنتهى الصبر والهدوء, فلم يعاقبها بسبب موقفها في سورية وتجاهل , بثقة العالم العارف , خالد مشعل ومكتبه السياسي وكأنّ شيئا لم يكن. كانت القضية أكبر من الاشخاص عند قاسم سليماني , وفلسطين مسألة مبدأ وأكبر من حماس كلها. انها عقيدة الجمهورية الاسلامية غرسها الامام الخميني في نفوس قاسم سليماني ورفاقه : اسرائيل غدة سرطانية ولا بد ان تزول , وسوف تزول !

وسرعان ما أدركت حماس خطأها. فمع صمود سورية وفشل خطط اسقاط النظام فيها وجدت حماس ان كل ما حصدته من مغامرتها السورية هو الفشل والظهور بمظهر الناكر للجميل. فكان التغيير الحتمي هو غياب رموز المكتب السياسي آنذاك عن الاضواء, واضطروا لافساح المجال لصعود القيادة الجديدة في حماس , قيادة العمل العسكري و كتائب القسام, لتتسلم زمام الامور في غزة , ممثلة بشخص المناضل العتيد والعنيد يحيى السنوار الذي لن يسمح بعد الان للسياسيين “بالعبث” في انجازات حماس العسكرية التي تحققت بفضل ايران وبالذات الشهيد قاسم سليماني. لا يبالي يحيى السنوار بغضب من يغضب ولا يداري, بل قالها علناً وعلى رؤوس الاشهاد : كل ما حققناه من قدرات عسكرية كان بفضل ايران و دعمها.

تدرك قيادة حماس جيدا أن الكفاح المسلح هو مصدر قوتها وتأثيرها. فبدون الجناح العسكري والجاهزية لخوض القتال ستصبح حماس مجرد فصيل سياسي مثل غيرها من الفصائل , بلا قدرة حقيقية على الفعل والتأثير . الكفاح المسلح والبرنامج العسكري مسألة حياة او موت بالنسبة لحماس , ولذلك لن تتراجع بعد الان. بل اننا نعتقد انها وصلت مرحلة من النضج في العلاقة مع ايران تجاوزت فيها مرحلة المسايرة او المجاملات وغدت جزءاً من محور المقاومة في المنطقة عن قناعة وايمان. ومن هنا تأتي أهمية تصويب العلاقة مع سورية التي لا غنى عنها في مشروع مواجهة دولة الاحتلال في المنطقة.

ويبقى السؤال : ماذا سيكون رد سورية على مبادرة حماس الجديدة؟ نعتقد انه سيكون بالايجاب, ولو بعد حين.

*كاتب من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى