تصاعد واتساع موجة “الكراهية” في تركيا.. بدأت ضد السوريين وإمتدت حالياً لتطال سائر شرائح الأجانب من السياح والمقيمين

الحرة – إسطنبول

تصاعدت حدة “حوادث الكراهية” في تركيا، خلال الأيام الماضية، من زاوية العدد والفئة المستهدفة، فبينما كانت تستهدف في السابق وبالعموم اللاجئين السوريين، تحوّلت في الوقت الحالي لتطال شرائح مختلفة من الأجانب، سواء السياح منهم أو المقيمين.

وتنذر هذه الأجواء، حسب نشطاء حقوق الإنسان وباحثين سياسيين في الشأن الداخلي، بحالة “خطيرة”، وباتت تلاحظ بشكل واضح، في الوقت الذي تستمر فيه تيارات من أحزاب المعارضة بعمليات التحريض، وسط غياب إجراءات قضائية رادعة، ضد كل من يقف وراء هذا السلوك، الذي يوصف بـ”العنصري”.

وقبل يوم، نشر مستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا مصورا أظهر اعتداء مواطنين أتراك بالضرب على سائح مصري، ضمن حافلة في مدينة إسطنبول، لاعتقادهم بأنه “يصوّر السيدات خلسة”.

وأظهر التسجيل، الذي انتشر على نطاق واسع، مجموعة من المواطنين يضربون الشاب، وهو يردد عبارات: “حرام عليكم، هموت حرام عليكم”.

هذه الحادثة سبقتها أخرى مشابهة مع اختلاف الشخص المستهدف، حيث تعرض الصحفي الإسباني، لويس ميغيل هورتادو لاعتداء “عنصري”، الأسبوع الماضي، من قبل مجموعة من المواطنين الأتراك في مدينة إسطنبول، “لاعتقادهم بأنه سوري”، حسب تعبيره.

وقال الصحفي، وهو مراسل صحيفة “ألموندو”، في سلسلة تغريدات عبر “تويتر”، إن ثلاثة شبان حاولوا استفزازه لنحو “10 دقائق” من خلال طلبهم “قداحة”. وحين لم يستجب لطلبهم، لاحقوه بسيارتهم مئات الأمتار، قبل أن يتوقفوا بجانبه ويرموا زوجته بعقب سيجارة مشتعلة، وينهالوا عليه بالضرب مع زوجته، مشيرا إلى أنهم “ظنّوه سوريا”.

وبالتزامن مع الكشف عن الحوادث المذكورة، نشر اليوتيوبرز التشادي، أمير زكريا، تسجيلا عبر حساباته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه إنه تعرض “للعنصرية” لأول مرة، منذ 9 سنوات، وهي تاريخ بدء إقامته في تركيا.

وأضاف زكريا أن “الأمور تغيّرت في الأشهر الأخيرة”، في إشارة منه إلى تصاعد حوادث الكراهية والعنصرية، على نحو كبير.

“دائرة السوريين تتوسع”
وعلى مدى العامين الماضيين، كان اللاجئون السوريون الفئة الأكثر استهدافا من عمليات “التحريض والكراهية”، التي ازدادات على نحو مضطرد، وغير مسبوق. وجاء ذلك في الوقت الذي دخلت فيه تركيا إلى ظروف اقتصادية صعبة، تزامنت مع بروز تيارات من أحزاب المعارضة، تطالب بإعادتهم إلى سوريا، وأنهم “سبب كل شيء مما يحصل”.

وبينما بقيت هذه الدائرة ضمن حدود هؤلاء السوريين فقط، سرعان ما توسّعت، مع مواصلة التيارات المذكورة عمليات وحملات التحريض، وخاصة من جانب شخصيات بارزة، مثل زعيم “حزب النصر”، أوميت أوزداغ، وآخرين، مثل السياسية المعارضة إيلاي أكسوي، ورئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان.

وكان لافتا منذ مطلع يوليو الحالي أن “حوادث الكراهية” تصاعدت على نحو كبير، حيث أنه وبالإضافة إلى الحوادث الثلاث المذكورة سابقا تم تسجيل حوادث أخرى، ورغم أنها صُورت بذات السياق، إلا أنها بدت “مغايرة” على نحو قريب.

ففي يوم 14 من يوليو نشر مستخدمون تسجيلا مصورا أظهر مسنا تركيا يهاجم أشخاصا تحدثوا باللغة الشركسية، داخل حافلة في مدينة قيصري (وسط تركيا)، مما ولّد حالة من الغضب في الشارع التركي.

وظهر في الفيديو المسن التركي، وهو يقول: “هنا تركيا بلد الأتراك، كل شيء تركي هنا، لا يمكن الحديث بلغة ثانية غير التركية ولو كانت الشركسية أو الكردية”.

وتبع ذلك حملة استنكار للحادثة العنصرية، ودعا بعضهم لسن قوانين صارمة للحد من انتشار لغة الكراهية ضد الأجانب في تركيا، بينما طلب آخرون من الأجانب التمسك بلغتهم الأم أكثر، لأنها حق من حقوقهم.

وبعد يومين من هذه الحادثة كشفت الجالية اليهودية في تركيا، أن عشرات القبور اليهودية، تضررت أو دمرت في مقبرة عمرها 600 عام، في حي هاسكوي، وقالت عبر “تويتر” إنه “تم دخول مقبرة هاسكوي في منتصف الليل، وتم تدمير 36 من شواهد القبور لدينا”.

وقدّرت الأسبوعية اليهودية التركية Alom Gazetesi الرقم في وقت لاحق بـ 81.

بدوره ندد إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بشدة بما حصل ووصف الهجوم على المقبرة اليهودية بـ “الهجوم الشنيع”، وأضاف: “لن نسمح أبدا لمن يهاجم القيم المقدسة، ويحاول زرع بذور الفتنة والعداوة في مجتمعنا”.

“لا حدود لنمطية الاعتداءات”
وهناك جملة من “العوامل المحرضة” للمشهد الذي تعيشه تركيا في الوقت الحالي، بينها حسب مراقبين حملات الكراهية، التي تقودها بعض التيارات من أحزاب المعارضة، إضافة إلى غياب الموقف الحازم من جانب الحكومة التركية، وعدم اتخاذ إجراءات قانونية وتجريمية بحق كل من يمارس السلوك العنصري.

وتحدث الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن “العنصرية موجودة منذ زمن داخل المجتمع التركي، لكنها تصاعدت في الوقت الحالي مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي”.

ويقول لموقع “الحرة”: “بدأنا نلاحظ حالات العنصرية بشكل واضح وأكبر، لأن الإعلان المرئي والمكتوب والمسموع لم يتناول هذه الظاهرة كما يجب في السابق”.

وبالنسبة للأحداث الأخيرة “فالموضوع يتفاقم على أن يكون مجرد أمر متعلق بوجود اللاجئين في تركيا، فحسب”.

ويضيف جوناي: “هذه الظاهرة كانت موجودة منذ دخول اللاجئين بحالات منفردة إلى البلاد، وبينما لم تتم معالجتها أصبحت مثل الثلج تتضاعف وتتكاثر وتنتشر بكثافة”.

“الكراهية والعنصرية شيء معد. هي مثل الفيروس. هذا الفيروس ينتشر في المجتمع التركي في الآونة الآخيرة، ليشمل جنيسات مختلفة”.

ويرى الباحث: “ما نراه أن معالجة هذه الظاهرة من قبل الحكومة ضعيفة. يتم التغطية على هذه الظاهرة ويكون هناك نفي للعنصرية، وأن هناك حالات منفردة. هكذا يتم تبريرها. إن جئنا على الحقيقة فالموضوع غير ذلك”.

 

طه الغازي، ناشط حقوقي مهتم بأوضاع اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا، كان قد عقد سلسلة مؤتمرات والتقى بشخصيات من الحكومة والمعارضة، وجميعها صبّت في ضرورة مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية في تركيا.

ويقول الغازي لموقع “الحرة”: “أشرنا في أكثر من لقاء وتجمع مع الأتراك، سواء على مستوى وزارة العدل أو الداخلية إلى أن خطاب الكراهية والعنصرية الذي بدأ ضد السوريين، سينتقل إلى حالة عدائية ضد المكونات الأخرى في المرحلة المقبلة”.

ويضيف الناشط الحقوقي: “بالمجمل هذه النمطية من الاعتداءات ستزداد في المرحلة المقبلة، وستنتقل إلى خطاب مناطقي على مستوى المجتمع التركي. هذا الأمر نتيجة حتمية لصعود تيار اليمنين المتطرف في تركيا”.

ومن خلال “الخطاب الشعبوي” الذي يستند إلى أفكار خاطئة، ويتم بثه من جانب شخصيات مثل “أوزداغ” و”إيلاي أكسوي” و”تانجو أوزجان”، بدأت تتولد لفئة من الأتراك أنه “بقدر أنك عنصري بقدر ما تعبّر عن ولائك للوطن وقوميتك”.

ويشير الحقوقي السوري: “هناك مخاطر أخرى تتعلق بالفئة الرمادية أو المترددة. هذه يعتبر صمتها وسكوتها عندما تجري حوادث العنصرية أمامها نذيراً خطراً”.

“خطابان”
ووسط هذه الأجواء المشحونة سادت تحذيرات، خلال الأيام الماضية، من أن تؤثر “حوادث الكراهية” على القطاع السياحي لتركيا، وهو ما استشعرته ولاية طرابزون، أحد أبرز الوجهات السياحية في البلاد، قبل أيام.

وتداولت وسائل إعلام تركية، الأسبوع الماضي، فيديو يظهر شابا تركيا يقوم بشتم وإهانة السياح العرب وسط شوارع طرابزون.

وعقب هذه الحادثة التقى والي طرابزون، إسماعيل أستا أوغلو ببعض السياح العرب، وقال حسب ما نقلت وسائل إعلام تركية امس الاثنين: “لن نتسامح مع من يريد تعكير الأجواء. البعض غير مرتاح بسبب الحركة السياحية النشطة في طرابزون”،

ويرى الناشط الحقوقي طه الغازي أن “العوامل الأساسية والمحرضة لما يحصل هو خطاب بعض تيارات المعارضة. هناك.. بعض التيارات وليس الجميع”.

ويقول: “في المقابل هناك خطاب خاطئ من قبل الحكومة. لو كانت هناك قوانين رادعة لخطاب الكراهية لما وصلنا إلى هذا الأمر. سكوت الحكومة والاكتفاء بالدعم والتشجيع المعنوي لا يكفي. في الفترة الحالية لا بد من قوانين تجرم خطاب الكراهية والعنصرية”.

من جانبه يوضح الباحث السياسي هشام جوناي أن “الشخصيات التي تغذي مشاعر الكراهية، مثل أوميت أوزداغ تنشر معلومات كاذبة عن اللاجئين والأجانب، وتجعل شريحة كبيرة من المجتمع تنجرف ورائها. هناك أيضا رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان وصحفيين”.

ويضيف جوناي: “القضاء التركي حتى الآن لم يتخذ أي إجراء إزاء هؤلاء الناس الذين يفتخرون بعنصريتهم. المواطن عندما لا يرى تعامل القضاء مع هذه الحالات بشكل صارم فأعتقد أنه يمشي ويحذو حذوهم، ويمارس العنصرية على أقرب شخص منه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى