العراق توسع دورها في الوساطة ما بين إيران والسعودية ليشمل حواراً إيرانياً مع مصر والأردن والإمارات

تقول التقارير الواردة من العراق إن بغداد توسع دورها الدبلوماسي في الوساطة بين إيران والسعودية إلى ترتيب حوار إيراني مع مصر والأردن والإمارات أيضا. وإذا نجح هذا المسار فيمكنه ملء الفراغ في الشرق الأوسط عبر دبلوماسية إقليمية شاملة مع تقليص نطاق اتفاقيات “أبراهام” كشكل من أشكال التعاون الإقليمي.

ويفتقر الشرق الأوسط إلى منصة دبلوماسية مؤسسية واحدة للحوار والعمل الجماعي بشأن القضايا الإقليمية. ولا يزال إجماع المنطقة بشأن أي قضية بعيد المنال. وحتى الميل الأخير للحوار من قبل عدة دول متنافسة، من تركيا والإمارات إلى إيران والسعودية، فإنه يعالج القضايا الثنائية ولا ينطوي على التزامات إقليمية أو متعددة الأطراف.

وتعمل مبادرة بغداد الدبلوماسية الإقليمية على تقليل هذه الفجوة، وتُظهر العراق على أنه مفتاح للتعايش العربي الإيراني. وتولي كل من السعودية والإمارات أهمية كبيرة لعلاقاتهما الثنائية مع العراق، بينما عقدت مصر والأردن اجتماعات ثلاثية مع مسؤولين عراقيين 5 مرات منذ عام 2019.

ومن السمات المشتركة للمشاركة العربية مع العراق تركيزها على القوة الناعمة والتبادل الاقتصادي، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم قدرتهم على مضاهاة القوة العسكرية الإيرانية في العراق وقدرة طهران على هندسة السياسة العراقية. وبالتالي، فإن العراق ليس في الحقيقة جبهة صدام محتدم بين إيران والدول العربية.

وتستغل دبلوماسية بغداد ذلك وتظهر لطهران والدول العربية أن العراق يراعي مصالح كافة الأطراف وليس عالقا في شد الحبل بين أي من المعسكرين. ونتيجة لذلك يتعامل الفاعلون في المنطقة مع العراق كجهة محايدة ذات مصداقية يمكن الاعتماد عليها للتوسط في حوار شرق أوسطي كلما لزم الأمر؛ لذلك تتجنب دبلوماسية العراق الانحياز إلى أي طرف عندما يكون هناك تصاعد في التوترات الإقليمية.

ويجعل ذلك الوساطة العراقية أداة مفيدة لخفض التصعيد في معظم المنطقة؛ حيث يمكن لطرفي أي صراع الاتفاق على خفض التصعيد المتبادل بوساطة بغداد دون فقدان ماء الوجه. لذلك يمكن القول إن نقاط القوة التي تتجلى في دبلوماسية العراق تجاه المعضلة الإيرانية العربية تجعلها تحديا كبيرا لاتفاقيات “أبراهام” التي وقعتها إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب.

وقد سعت اتفاقيات “أبراهام” إلى تشكيل الأساس لمنصة تحالف إسرائيلي عربي ضد إيران. لكنها فشلت حتى الآن في تسويق هذه الفكرة لدى معظم الدول العربية أو الإسلامية، بل جاءت بنتائج عكسية في بعض الحالات.

على سبيل المثال، أشعل التطبيع الإسرائيلي المغربي التوترات بين المغرب و الجزائر. واعتبرت الجزائر أن هذه الاتفاقية سبب رئيسي لقطع العلاقات الثنائية مؤخرا مع الرباط، وبالتالي أصبحت هذه الاتفاقية عاملا من عوامل تأجيج الصراعات وليس الدبلوماسية في المغرب العربي.

وبالمثل، بالرغم من انضمام البحرين إلى الاتفاقات بعد فترة وجيزة من توقيع أبوظبي رفضت السعودية الاندماج في هذا المسار، وكان سبب الرياض بسيطا: تجنب تصعيد التوترات مع طهران التي تسعى تل أبيب لبناء تحالف ضدها.

ويعني ذلك أن بعض الدول العربية تري أن ضرر هذه الاتفاقيات ربما يفوق المكاسب المتوقعة منها باعتبار أنها ترتيب محفوف بالمخاطر مبني فوق حقل ألغام جيوسياسي مثل الصراع الإيراني الإسرائيلي.

على النقيض من ذلك، حصل العراق على معظم ثقة العالم العربي وحقق بالفعل تقدما ملحوظا في الدبلوماسية الشرق أوسطية متعددة الأطراف؛ مما أعطى الدول العربية خيارا أفضل من اتفاقات “أبراهام” لمعالجة قضاياها في إطار متعدد الأطراف.

وفي هذا السياق، أطلق العراق مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس/آب 2021. وحضرت المؤتمر جميع الأطراف المشاركة في دبلوماسية بغداد بشأن المعضلة الإيرانية العربية. كما حضرها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” ودعمته الولايات المتحدة مبدئيا كمنصة دبلوماسية إقليمية بقيادة العراق.

وبالمقارنة مع الاستقطاب الجيوسياسي المرتبط باتفاقيات “أبراهام”، تبدو الدبلوماسية العراقية أكثر أمانا وشمولية، كما أنها لا تعتمد على الولايات المتحدة لتقديم فوائد للمشاركين فيها، على عكس الاتفاقات التي تطلبت موافقة واشنطن علي بيع طائرات “إف-35” للإمارت واعترافها بالمطالبات المغربية بشأن إقليم الصحراء، وذلك لإقناع الدولتين العربيتين بتوقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى