على هامش ثورة 23 يوليو.. في ذكرى إنطلاقتها السبعين

بقلم: عبد الهادي الراجح

حتى لا ندخل في الكولسات ومحاولة الهروب للأمام، نقول بألم وحزن إن ثورة 23 تموز التي تمر الان في عامها السبعين قد توقفت تاريخياً في 28 سيبتمر من عام 1970، وذلك مع رحيل قائدها ومفجرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وقد أعلن عن وفاتها رسمياً بانقلاب 15 أيار/مايو من عام 1971 الذي يصادف مع ذكرى نكبة العرب الأولى بفلسطين ، ولم يكن ذلك من صنع الصدف حيث تم وضع خيرة رجال مصر رفاق جمال عبد الناصر في السجون والمعتقلات، لدى إنتصار  مؤامرة الردة الساداتية بدعم المخابرات والخارجية الأميركية معاً ، واعترافات هنري كيسنجر واضحة وضوح الشمس في هذا الإطار لكل من قرأ مذكرات كيسنجر وما بين السطور، وللأسف بتمويل النفط العربي من نظام آل سعود والإمارات حتى أن ذلك السقوط قد أوصل إلى كامب ديفيد، الأمر الذي جعل مصر في القرن الواحد والعشرين عاجزة عن حماية نهر النيل شريان حياتها، فيما اصبح العدو الصهيوني بكل أسف صديقا مرحبا به في كل بلاد العرب أوطاني، إلا دولتي الثوابت القومية التين لم تتغيرا.. سوريا والجزائر بشكل خاص .
في هذا الوضع العربي البائس والتلوث الفكري تأتي ذكرى 23 يوليو المجيدة، وبهذه المناسبة العزيزة على كل عربي وحر في هذا العالم نتأمل أين كنّا في عصر الثورة حيث الإصلاح الزراعي الذي لم يكن ليتحقق لولا الإصلاح السياسي والتوزيع العادل للثورات والتأميم وبناء السد العالي والتصنيع والبناء الحقيقي لمؤسسات وطنية، ودعم الثورات في الوطن العربي والعالم النامي كله، على اعتبار أن الاستعمار واحد، إلى قيام منظومة دول عدم الانحياز حيث كانت مصر الناصرية قائدة الوطن العربي إحدى أبرز مؤسسي تلك المنظمة .
يضاف إلى ذلك، تنوع مصادر الأسلحة بعد أن كانت حكراً على الغرب الذي اوجد الكيان الصهيوني اللقيط وغير ذلك الكثير الكثير من الإنجازات التاريخية ، يكفي أن نذكر أن كل بلد عربي أو افريقي استقل كان لمصر عبد الناصر بصمتها على استقلاله حتى امتد شعاع الثورة لتكون قدوة لكل دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهذا الثائر العظيم جيفارا أيقونة الثورات التحررية في العالم يقول في زيارته التاريخية لمصر: أن نضال الشعب المصري بقيادة جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس ودحر العدوان الثلاثي كان حافزاً لنا في ثورتنا الكوبية، وأضاف وقد تصادف وجوده في مصر مع استفتاء على حكم جمال عبد الناصر: لو كنت مصرياً لكنت أول من صوت لكم في هذا الاستفتاء التاريخي، وحتى بعد حركة الردة الساداتيية ورحيل جمال عبد الناصر ،هذا هو ثائر آخر من وزن نيلسون مانديلا يقول بعد زيارته لمصر في تسعينيات القرن الماضي: أن موعدي مع عبد الناصر قد تأخر ربع قرن وعندما أتيت لمصر كان قد رحل ، وهذا الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيس يعلن، في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية، بأنه ناصري ويفتخر بناصريته ، وهذا محمد مرسي عندما زار أوغندا وجد نفسه في شارع يحمل اسم جمال عبد الناصر، وليس أخيراً زيارة الرئيس السيسي لصربيا حيث وجد الرئيس الصربي يقول له: إنك في زيارة شعب يقدر بلدكم ويحب الزعيم جمال عبد الناصر ، فماذا حمل لنا انقلاب 15 مايو المضاد للثورة غير إعادة مصر لدائرة الاحتواء الغربي وبيت الطاعة الأمريكي حيث فقدت دورها المركزي الذي تنازلت عنه حتى أنها سمحت بل وأعطت شرعية للناتو لضرب ليبيا وتدميرها واستشهاد قادتها وعلى رأسهم العقيد الشهيد معمر القذافي من خلال ما يسمى بالجامعة العربية أو جامعة تمرير السياسة الأميركية منذ انقلاب مايو ، وكانت مصر ذاتها أول من عانت ودفعت ثمن آفة الإرهاب الذي تصدره ليبيا بعد الفوضى التي لا تزال منذ استشهاد القذافي .
وعلى الجانب الاقتصادي حدث ولا حرج حيث ديون مصر بعد هذاك الساداتي كانت تقدر بثلاثين مليار دولار ناهيك عن التبعية الاقتصادية والسياسية لأمريكا .
وبالنهاية ما حصدته مصر من انقلاب 15 مايو أدى وبعد أربعين عاماً إلى انفجار ثورة شعبية في 25 يناير وبتلك الثورة لم يعرف الشعب أو يحفظ إلا شعارات ثورة 23 يوليو المجيدة وحتى الأغاني الوطنية والأعمال الفنية أعادت لمصر ثورتها وذلك أمر طبيعي وتصحيح لمسار التاريخ ، لكن تلك العودة للأسف لم تكتمل لظروف محلية ودولية كثيرة تحتاج إلى مجلدات ومجلدات، ولكن تبقى ثورة يوليو خالدة في تاريخ مصر وأمتها العربية خالدة خلود الأهرامات لأنها إرادة شعب والطريق نحو المستقبل، فلا مستقبل لمصر بالذات دون دوائرها الثلاث: الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية، وهي أبرز معالم وأهداف ثورة يوليو كما حددها الزعيم جمال عبد الناصر في كتابه الشهير “فلسفة الثورة” .
وفي الذكرى السبعين لقيام ثورة 23 يوليو سلام على روح قادتها العظام وعلى رأسهم جمال عبد الناصر (باستثناء الساداتي) ، وستبقى ثورة 23 يوليو أمل الأمة العربية بقيادة مصر، وطريقها نحو الوحدة والحرية والاستقلال والاشتراكية ببعدها الإنساني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى