قمة طهران ونظرة الأطراف الإقليمية المختلفة
بقلم: توفيق المديني

عقدت في طهران يوم الثلاثاء19تموز/يوليو الجاري القمة الثلاثية، التي جمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، حيث ركزت على مناقشة الأزمة السورية،إلا أنَّ محللين اعتبروا أنَّ “الأسباب الحقيقية للاجتماع أبعد بكثير من التنسيق بشأن سوريا”.
وتُعَدُّ قمة طهران أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن إطار “عملية أستانة للسلام” الرامية لإنهاء النزاع السوري المندلع منذ عام 2011، وعلى وقع تهديدات تركية بالقيام بعملية عسكرية في شمالي سورية.
وجات القمة بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إقليم الشرق الأوسط، التي شملت الكيان الصهيوني والمملكة السعودية، ومشاركته في “قمة جدة للأمن والتنمية” التي ضمت بالإضافة للدولة المضيفة، دول الخليج العربية ومصر والعراق والأردن.ورغم أنَّ القمة ركزت على ملف سورية، لا سيما أنَّ هناك عددًا من الاختلافات بين الدول الثلاث حول هدف كل دولة في سورية، فإنَ القمة تعرضت أيضًا لقضايا أمنية واقتصادية وموازنة بين الاهتمامات الوطنية والأجندات الجيوسياسية الأوسع لكل دولة.فالبلدان الثلاثة تتطلع إلى زيادة النفوذ لأسبابها الخاصة، لكنَّها على استعداد للتعاون ضد الغرب كلما كان ذلك ممكنًا.
بيان قمة طهران حول سورية
أكد البيان الختامي أنَّ الرؤساء الثلاثة رئيسي،وبوتين،ولأردوغان،أكدوا على أهمية مسار أستانة في “التسوية السلمية والمستدامة للأزمة السورية”، وجدَّدُوا التأكيد على التزامهم باستقلال ووحدة الأراضي السورية.
ورغم الرفض الروسي والإيراني للعملية التركية المرتقبة في شمال سورية، أعرب الرؤساء عن رفضهم للمحاولات الرامية إلى “خلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، وأعربوا عن تصميمهم على الوقوف في وجه المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية”.
كما ناقش رؤساء إيران وتركيا وروسيا الوضع في الشمال السوري، مؤكدين على أنَّ “الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لن يتحققا إلا على أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها” والدعوة إلى تنسيق جهودهم بهذا الشأن، ومع رفضهم الاستيلاء على عائدات بيع النفط السوري.
إلى ذلك، جدد المجتمعون التأكيد على تصميمهم على “تعاونهم المستمر للقضاء على الإرهابيين في نهاية المطاف من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات مع ضمان حماية المدنيين والهياكل الأساسية المدنية وفقا للقانون الإنساني الدولي”.
وفي بنده السابع، أكد البيان أنَّ رؤساء تركيا وإيران وروسيا استعرضوا بالتفصيل الوضع في منطقة خفض التصعيد بإدلب، داعين إلى “ضرورة الحفاظ على الهدوء فيها عبر تنفيذ جميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب بشكل كامل، مع التعبير عن القلق من وجود وأنشطة الجماعات الإرهابية التي تشكل خطرا على المدنيين داخل وخارج هذه المنطقة”.
وأعرب المشاركون في قمة أستانة السابعة عن قلقهم البالغ تجاه الوضع الإنساني في سورية، ورفضهم جميع العقوبات الأحادية ضدها ومنح إعفاءات “تمييزية” لمناطق خاصة، و”التي يمكن أن تؤدي إلى تفكيك هذا البلد من خلال دعم الأجندات الانفصالية”.
وإلى ذلك أيضا، أكَّدوا على أنَّ “الصراع في سورية ليس له حل عسكري إلا من خلال إطلاق العملية السياسية التي يقودها السوريون تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2254″، مع الإشارة في السياق إلى “الدور المهم” للجنة الدستورية المنبثقة عن جهود ضامني أستانة وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار السوري في سوتشي.
كما أعلن المشاركون في القمة عن استعدادهم لـ”دعم التفاعل المستمر مع أعضاء اللجنة والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن، مع التأكيد على ضرورة أن تحترم اللجنة الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية للتمكن من تنفيذ مهمتها في إعداد وصياغة إصلاحات الدستور لإخضاعه للتصويت الشعبي من دون تدخل أجنبي ومن خلال روح تصالحية ومشاركة بناءة”.
ثم أكَّدُوا ضرورة “تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى بيوتهم ومناطقهم الأصلية في سورية مع دعوة المجتمع الدولي إلى المشاركة والمساهمة في إعادة توطينهم وتحمل أكبر قدر من المسؤولية في تقاسم الأعباء”، مطالبين بدعمهم في سورية من خلال المساهمة في مشاريع البنى التحتية والمياه والكهرباء والصرف الصحي والصحة والتعليم والمدارس والمستشفيات.
أولوية أردوغان محاربة الانفصاليين الأكراد
جدَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التلويح ببدء عملية عسكرية في الشمال السوري، تستهدف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.” داعش”.وارتفعت حدَّة تصريحات أردوغان عقب قمة طهران الثلاثية التي جمعته مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي، حيث طالب الرئيس التركي الولايات المتحدة بالانسحاب من مناطق شرق الفرات، والتوقف عن دعم “الجماعات الإرهابية” في المنطقة، في إشارة إلى الوحدات الكردية.
يعتقد الخبراء و المحللون في إقليم الشرق الأوسط، أنَّ دعوة الرئيس التركي لانسحاب الولايات المتحدة من سوريا، تدخل في سياق استثمار أردوغان ل”قمة طهران” من أجل توجيه رسالة إلى واشنطن ، التي لا تزال تؤيد الأكراد في شمال شرق سورية، وتمانع عمليات عسكرية ضد “قسد”.ومن الواضح أنَّ الرئيس التركي أراد الإيحاء لواشنطن أنَّ القمة الثلاثية حملت نوعًا من التوافقات للعمل ضد النفوذ الأمريكي في سوريا على أمل أن تُغيِّرَ الولايات المتحدة موقفها من قوات سورية الديمقراطية “قسد”.
ويلوّح أردوغان منذ شهرين بشنّ عملية عسكرية على مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من أمريكا، التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري و المرتبطة إيديولوجيا وتنظيميا بحزب العمال الكردستاني (PKK)، تنطلق من الحدود التركية وتمتد إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب في شمالي سوريا.
وشدَّد الرئيس أردوغان في كلمته لدى انطلاق قمة طهران، على أن تركيا مصممة على اجتثاث بؤر الشر التي تستهدف أمنها القومي، مضيفا أنَّ مدينتي “تل رفعت ومنبج باتتا بؤرة للإرهاب وحان تطهيرهما منذ وقت طويل”، وأكَّد أنَّ تركيا “ستواصل نضالها دون هوادة ضد التنظيمات الإرهابية الدموية في الفترة المقبلة”. وأشار إلى أنَّ “العودة الطوعية والآمنة والمشرفة للاجئين السوريين إلى بلادهم هي أحد البنود المهمة في جدول أعمال مسار أستانا”.
من الواضح أنَّ كلمة أردوغان في طهران لا تدع مجالا للشك في عزم تركيا على القيام بالعملية العسكرية في شمال سوريا، كما أن إشارته إلى مدينتي تل رفعت ومنبج توحي بأنَّ الهدف الأول للعملية سيكون تحريرهما من قبضة وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني(PKK).
وكان بوتين قد شدد، خلال استقباله من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أنَّ “موقف إيران وروسيا موحد في رفض الهجوم على شمالي سورية”، مضيفا أنه “يجب إعادة شرق الفرات في سورية إلى سيطرة القوات العسكرية السورية”، في إشارة إلى قوات الدولة الوطنية السورية.
وبدأت العمليات التركية في سوريا بتاريخ 24 آب/ أغسطس 2016، وتمكن خلالها الجيش التركي من الدخول إلى جرابلس والباب ودابق، بعد معارك مع تنظيم الدولة “داعش”.
وفي 20 كانون الثاني/يناير 2018، بدأ الجيش التركي عملية “غصن الزيتون”، التي استهدفت وحدات حماية الشعب التركية وحزب العمال الكردستاني، وتم خلالها السيطرة على عدد من المناطق السكنية أبرزها مدينة عفرين بريف حلب.
وبتاريخ 9 تشرين أول/أكتوبر 2019، استهدفت القوات التركية وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في منطقتي تل أبيض ورأس العين شرق الفرات، وتوقفت العملية بعد توقيع تركيا اتفاقية أنقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية واتفاقية سوتشي مع روسيا.
ونفذت القوات التركية في 27 شباط/فبراير 2020، عملية استهدفت قوات الجيش العربي السوري، على خلفية مقتل أكثر من 30 عسكريا تركيا بقصف للقوات السورية في إدلب شمال سوريا.
إيران ضد الهجوم العسكري التركي على شمال سورية
أما المرشد الإيراني علي خامنئي، فقد قال : إن أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على تركيا وسوريا والمنطقة بأكملها، داعيا إلى الحوار لحل الأزمات بطريقة سياسية.
وأضاف خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في طهران أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية أمر مهم، وأن أي عمل عسكري في سوريا سيصب في مصلحة الجماعات الإرهابية، على حد قوله. وحذّر خامنئي من أن الخطوة التركية المحتملة ستحول دون تحقيق “الدور السياسي المتوقع من الحكومة السورية أيضا”، وستصب في مصلحة “الإرهابيين”، على حد تعبيره.
وأكد المرشد الإيراني -وفق بيان نشر على موقعه الإلكتروني- أنه ينبغي حل الملفات المتعلقة بسوريا عبر الحوار، وأن على إيران وتركيا وسوريا وروسيا العمل على تسوية هذه الأزمة عبر الحلول السياسية.
كما شدد خامنئي بالقول إن على تركيا أن تعدّ أمن سوريا من أمنها، موضحا أن “الكيان الصهيوني يعدّ العامل الأساسي لنشر الانقسام بين الدول الإسلامية، وأن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وسياساتها في المنطقة”.
ورأى خامنئي أن “القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في العالم الإسلامي، ولا يمكن لأميركا والكيان الصهيوني الوقوف أمام الحراك الفلسطيني المتجذر”، حسب تعبيره.
وقال خامنئي إن على العالم الإسلامي أن يكون حذرا في مواجهة السياسات التي تسعى إلى نشر الانقسام بين الدول الإسلامية، مضيفا أنه “رغم تطبيع بعض الدول علاقاتها مع الكيان الصهيوني فإن الشعوب الإسلامية ترفض التطبيع مع إسرائيل”.
وفي السياق ذاته، قال الرئيس الإيراني،رئيسي ، أن “الأطراف التي أخفقت في الوصول لأهدافها بالحرب في سورية تريد تحقيق هذا الهدف عبر العقوبات الأحادية”، وتابع أن “السبيل الوحيد لاستتباب الأمن على حدود سورية هو الحضور القوي للجيش السوري على هذه الحدود”، متهما أميركا بـ”نهب الثروات والموارد السورية”.وندد رئيسي بالهجمات الإسرائيلية على سورية واستمرار احتلال الجولان، قائلا إن “الحلول الأجنبية تسبب تعقيد الأزمة السورية”.
أمريكا قلقة من التقارب العسكري بين روسيا وإيران
حظيت زيارة الرئيس بوتن إلى إيران باهتمام كبير، في ظل تحذيرات أمريكية من مخطط إيراني لتزويد روسيا بمئات من الطائرات المسيرة لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، كما أن إيران تراهن على أنها تمارس ضغطا بدعم من موسكو على واشنطن، لتقديم تنازلات في الملف النووي.
وخلال لقائه بوتين، اعتبر المرشد الإيراني (حلف شمال الأطلسي ) “الناتو” كيانا “خطيرا”، مؤكدًا أنَّه “إذا كان الطريق مفتوحا أمامه فهو لا يعرف حدودًا، وإذا لم يتم إيقافه في أوكرانيا لكان سيبدأ الحرب بحجة شبه جزيرة القرم”.
وحثَّ الرئيس الروسي على ضرورة اليقظة مما وصفه بـ”خداع الغرب والأمريكيين”، مذكرًا إياه بأنَّ أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق كان “خداعه من قبل واشنطن”.
كما أعلن المرشد الإيراني موافقته على سياسة إحلال العملات الوطنية في المبادلات بين البلدين واستخدام عملات أخرى بدلا من الدولار، قائلا: “يجب إبعاد العملة الأميركية تدريجيا عن مسار المعاملات العالمية، وهذا ممكن”.
وعمل بوتين على ترسيخ التحالف الإيراني الروسي الذي ظهر كثقل مواز كبير للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء خصوم الغرب في إقليم الشرق الأوسط. والتقى مع آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، الذي أصدر إعلانا لدعم حرب بوتين في أوكرانيا من النوع الذي لم تصله حتى البلدان الأخرى القريبة من روسيا حتى الآن.
ووفقا لمكتب المرشد الأعلى، قال خامنئي لبوتين: “الحرب مسعى عنيف وصعب، والجمهورية الإسلامية ليست سعيدة على الإطلاق لأن الناس محاصرون في الحرب.. لكن في حالة أوكرانيا، لو لم تأخذ المبادرة، لكان الطرف الآخر قد فعل ذلك وبدأ الحرب”.
ولسنوات، كانت روسيا حريصة على عدم الاقتراب أكثر من اللازم من إيران، حتى مع وجود علاقة عدائية للبلدين مع الولايات المتحدة وتعاونهما عسكريا بعد تدخل روسيا في الحرب الأهلية في سوريا. بالنسبة إلى بوتين، حالت محاولاته لبناء علاقات مع إسرائيل والدول العربية دون إقامة تحالف كامل مع طهران.لكن الحرب الروسية في أوكرانيا غيرت المعادلة.
وبسبب عزلها المتزايد عن الأسواق الغربية، تتطلع روسيا إلى إيران كشريك اقتصادي، فضلا عن الخبرة في الالتفاف على العقوبات.
وقعت غازبروم، عملاق الطاقة الروسي، صفقة غير ملزمة بقيمة 40 مليار دولار للمساعدة في تطوير حقول الغاز والنفط في إيران، وفقا لتقارير إيرانية. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن روسيا تتطلع إلى شراء طائرات مسيرة مقاتلة تشتد الحاجة إليها من إيران لاستخدامها فوق أوكرانيا، وهي مسألة لم يتم التطرق إليها علنا في اجتماعات يوم الثلاثاء.
بدأت العلاقة الودية بين البلدين حتى قبل بدء الحرب في 24 شباط/ فبراير، حيث كانت التوترات الروسية مع الغرب تتصاعد. في كانون الثاني/ يناير2022، ذهب الرئيس الإيراني إلى موسكو. ثم التقى الرجلان الشهر الماضي مرة أخرى في قمة إقليمية في تركمانستان، حيث سعى الزعيم الروسي إلى تعزيز الدعم من الدول المطلة على بحر قزوين.
في قمة طهران الثلاثاء الماضي، بينما التقى هو ورئيسي للمرة الثالثة هذا العام، قال بوتين إن العلاقات بين البلدين “تتطور بوتيرة جيدة” في الشؤون الاقتصادية والأمنية والإقليمية. وقال إنه ورئيسي اتفقا على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والنقل، واستخدام العملات الوطنية بشكل متزايد – بدلا من الدولار الأمريكي – للتجارة بينهما.
وقال خامنئي إن “التعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا مفيد للغاية لكلا البلدين” ودعا إلى تنفيذ العقود المعلقة بين البلدين، بما في ذلك في قطاعي الغاز والنفط.
إسرائيل وانزعاجها من التقارب الروسي-الإيراني
تنظر إسرائيل إلى زيارة الرئيس بوتين بنوغٍ كبيرٍ من الإنزعاج،لأنَّ زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط جلبت بعض النتائج العكسية، التي من المتوقع أن تؤثر على الجانب الأمني والعسكري للاحتلال الصهيوني.
فزيارة الرئيس بوتين إلى طهران، تمثل تطلع كل من إيران وروسيا، من أجل إقامة معسكر فاعل مناهض للغرب، يساعد كل منهما للتغلب على أضرار العقوبات، وهما يرغبان في ضم لاعبين إضافيين، ولا سيما من يمكنهم أن يعطوا وليس فقط أن يأخذوا، سوريا الأسد مستعدة للانضمام، لكن ما الذي يمكنها أن تساهم به؟ وبخلافها؛ انضمام الصين إلى الجبهة الموحدة لروسيا وإيران حيال الولايات المتحدة والغرب؛ هو الحلم الرطب لموسكو وطهران، غير أن الصينيين لا يعتزمون خدمة الآخرين.
من وجهة نظر إسرائيلية طرفا المحور الروسي – الإيراني، يبحثان عن الإنجاز في المظهر الرمزي وفي المستويات العملية على حد سواء؛ فالزيارة الاستعراضية لبوتين إلى طهران، تستهدف منح شرعية متجددة لإيران التي تصنفها إسرائيل دولة عدوة، وهي تأتي ، بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، بالذات، بعد وصف معظم دول المنطقة المتحالفة مع أمريكا،والتي طبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني ،إيران بأنها خطر حقيقي على السلام العالمي.
وتشكل زيارة الرئيس بوتين إلى طهران،مؤشرًا قويًا للدول الخليجية التي صنفت إيران بأنها دولة تهدد الاستقرار السياسي في المنطقة، بأن اختيارها الولايات المتحدة كفيل بأن يكون له ثمن في شكل دعم روسي لإيران.وفي نهاية حزيران/ يونيو الماضي، أعلن بوتين بأن علاقات بلاده مع طهران “تحمل طابعا استراتيجيا عميقا”، وهذا ارتفاع لفظي، والعالم ينتظر الأفعال.
سكان و حكام إقليم الشرق الأوسط من العرب والإيرانييين ، لديهم نظرة عدائية للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الحروب التي خاضها رؤساء أمريكا في المنطقة مثل جورج بوش الأب وبوش الابن وكذلك دونالد ترامب، الذين عملوا بتصميم وبحزم على تقدم المصالح الأمريكية و الصهيونية في المنطقة.
فخلال إدارة بوش الابن، احتلت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق، بينما ترامب اتخذ قرارا بالخروج في مواجهة مع طهران، وأمر بتصفية قاسم سليماني في بداية 2020، وانسحب من الاتفاق النووي مع طهران عام 2018 ،أما الرئيس بايدن الذي وصل الأسبوع الماضي لزيارة أولى في المنطقة كرئيس، ليس بوش أو ترامب ولا حتى أوباما الذي حاول ركوب موجات الربيع العربي، جاء بايدن إلى هنا كرئيس ضعيف يواجه التحديات في الداخل، يحتاج إلى النية الطيبة من حكام المنطقة، خاصة من السعوديين، أكثر مما يحتاج أولئك له.
وقال أستاذ دراسات الشرق في جامعة “تل أبيب”، إيال زيسر، في مقال نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”: “الرؤساء الأمريكيون إجمالا لا يتمتعون بشعبية في الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة تشكل الرمز الأوضح لانتصار الغرب والتفوق السياسي، الاقتصادي والتكنولوجي على الشرق”. وأكد زيسر، أنه “سيتبين أنَّ بايدن لم يحقق حلف دفاع جوي حيال إيران خلال زيارته، لكنه نجح في أن يقرب بين روسيا وطهران، خطوة ثمنها ستدفعه إسرائيل بتقييد حرية عملها في سوريا”.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
لم تتوصل قمة طهران إلى تحقيق نتائج واضحة،إذْ جاءت كمحاولة لجلب تركيا إلى جانب المعسكر الشرقي بقيادة روسيا، ضد المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، أو تحييدها على الأقل. لذلك كانت قمة طهران عبارة عن قمة مساومات وتقديم تنازلات لتركيا وخاصّةً في سورية.
ومن وجهة نظر أمريكية جاءت قمة طهران في إطار التحرك الاضطراري وليس التحالفي، بين أطراف، خاصة موسكو وطهران، تجمعها الخصومة مع الغرب إضافة إلى “العقوبات والعزلة”. وترى أمريكا أنَّ مغادرة بوتين موسكو في لحظة حرب تحمل مخاطر كبيرة ة، تؤشر بحد ذاتها إلى وجود “حاجة” أو “حاجات” ضاغطة على موسكو كنتيجة للحرب. فشراء روسيا لطائرات مسيرة إيرانية ليس سوى “إشارة على وجود أعطاب في الصناعة الحربية الروسية”، حسب مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” وليام بيرنز، الذي تحدث عن هذا الموضوع،يوم الأربعاء الماضي، في محاضرة ألقاها خلال “منتدى أسبن للأمن” في ولاية كولورادو.
وفي ضوء الاستقطاب الدولي والإقليمي بين المعسكر الغربي بزعامة أمريكا، والمعسكرى الشرقي بزعامة روسيا، حسمت إيران موقفها بالتحالف الاستراتيجي مع روسيا، بينما اتخذت
الصين موقف المراقب بحذر لنشاط المعسكر الشرقي، حتى إذا رأت أنه في حال انضمامها إليه يصل إلى الدرجة الكافية للتكافؤ مع المعسكر الغربي ستعلن انضمامها وإلا فلن تتورّط برهانٍ خاسرٍ.