بمناسبة العيد السبعين لـ ثورة يوليو.. فصول من رواية (قصفة زيتون وعنقود كروم ) للمحامي محمود كامل الكومي

بمناسبة العيد السبعين لـ ثورة يوليو الناصرية.. ننشر الفصول من 27:19 من رواية (قصفة زيتون وعنقود كروم ) التي لم تنشر بعد، وهي تجسد مؤامرات الماسونية ضد جمال عبد الناصر ومصر الناصرية، وهي من تأليف: محمود كامل الكومي، الكاتب والمحامى المصرى المعروف.
(19)
النيل حزين , والليل يرخي سدوله , والسُحب تتكاثر , والمطر ينَزَّ
يغيب القمر , و عبق دخان الحرائق يستحوذ علي حاسة الشم
لكل المارين بشوارع وسط القاهرة .
صارت المحروسة ترنو الي مستقبل بَنِيها , وعلى كيانها حريصة .
غدت حُبلي بالثأر .
مازالت الأسلحة الفاسدة التي ارتدت ضرباتها الي صدور أبنائها المدافعين عن فلسطين , ماثلة أمام أعين ضباط الفالوجا .
مجون الملك وعربدته في الداخل والخارج يندى لها جبين الأحرار.
قوى سياسية تُغلب الذات , تتناحر فيما بينها , تتاجر بالباشاوية والباكوية تزيد من الجهل والفقر والمرض للناس .
صار جو البارات السائد وفرقعة الكاسات أكسير الطغاة .
العار يلاحق كل وطني حر شريف أن يعيش محكوم بالأجانب والإنجليز وعملائهم من أبناء البلاد .
– لابد من الخلاص
إن الثورة تولد من رحم الأحزان
— 23 يوليو هو يوم الخلاص
لم يكد مخلص ينتهي من تحديد ميعاد الثورة , ويغادر
إلا وهبط عصمت الساعي كالقضاء المستعجل
– جئت أشد من أزركم مؤيداً
– أُسقط مخلص
سرعان ما تدارك الموقف ,وحاول أن يبدو متزنا
– كنت سأرسل لك , والآن أدعوك
سأبلغ الأعضاء, للموافقة على عضويتك , وأخبرك .
أكاد أجن !
من يسرب ؟! إذا كنا لا ندرى من حرق ؟
لكن يجب إن نتحسس أقدامنا مع أولي الخطوات
من أين نأتي بالإخلاص؟
نعم هناك وطنيون ليسوا أصحاب هوى , لا يمكن أن يبوحوا
لكنهم الأخوان
بعد أن تخلصنا من القسم على الطاعة العمياء
وصرنا بعد حرب فلسطين , تنظيم جديد .
يخاطب النفس و يستحثها على طرد الأهواء
لا يجب أن نفقد الثقة في الأعضاء
ما حدث وارد , فلن نأتي بملائكة
عاد مخلص يتدبر
وطرح عقله (الحرس الحديدي)
وعاد يتذكر التحقيق معه بخصوص
العثور في أحد مخابئ الجهاز السري للإخوان على أحد الكتب السرية الخاصة بالقوات المسلحة التي تدرس صناعة واستخدام القنابل اليدوية، وكان على الكتاب اسمه.
أذن أرسلوا الساعي ( عضو الحرس الحديدي للملك ) جاسوس.
من جديد عاد يحلل الواقع وطبيعة الساعي
مقررا انه إنسان يعمل من أجل ذاته , ويستغل المواقف ليصطاد
أنه يلعب يمين ويسار , ولا ينحاز لمبدأ
لذا وجب توريطه
غير ذلك ستباح الأسرار !
وتجهض الثورة
لابد أن نمضى ونثور في الميعاد
أقنع مخلص الأعضاء الذين وافقوا بعد اعتراض
لكنهم قدروا الأسباب , وغير ذلك سراب .
فيما الميعاد , تطبق عليه الشفاه !
فصار من الأسرار
————-
(20)
الأولاد الثلاثة يستهلكون وقتها نهارا
مناهدة طوال اليوم , تثقل على النفس وترهق البدن
يسرى عنها خالد بابتسامة وجهه
ينتشلها من جو الأحزان
يعبث بالأطباق فى المطبخ
يخرج إليها حاملا قصفة زيتون في يد وعنقود عنب في الأخرى
تحتضنه وتناغيه
لما يجي بابا أديهم له !
يباغتها الليل ,( تنتفض بهية )
الي الشرفة ترنو الي الشارع ,وقد أنحسر عنه المارة الا القليل
رغم حرارة الصيف , ترتعش تزيد من الملابس
تحتمي بأطفالها الثلاثة
تغوص نظراتها في وجوههم الناعسة
تندى رموشها , دمعات
تنساب على صدر ثوبها , تشعر بثديها يكتوي
تستفيق , متضرعة الي الله
” ربنا يخليك لأولادك ولا يحرمنا من طلتك يا مخلص”
———————-
آه لو لم يأت , وقد حقق الوعد !
سيبدو لي كالوغد … أنه وغد ولِمَ لا !
ما تزوجته إلا بالأمر !
أنا من عمر بناته أو يزيد قليل
أمي انجليزية , وأبى رغم مصريته فقد حاز الجنسية
فيما هو ابن ال ……. !
لم يشأ أن يعود إليها , إلا والمزاج عال
فهو يعرف قيمة الخبر عندها
لذا لزم إن تعطيني بقدر سعادتها
وقد صار
اعتبرتُها ليلة عُرسِنا
لا أدرى شعورها !
إلا وأنا اخبرها
– الآن أنا عضو فى تنظيم الضباط الأحرار
لحظتها كادت تلامس السماء فالخبر أثلج صدرها , وخفق شعرها , وتطاير كل ما ترتدي من ألبسة , فثارت شهوتها !
ليلا بردت ناره
صباحاً تيممت !
وغادرت الي المحفل .
————————-
(21)
كانت رقعة الشطرنج واسعة
فيما قطع الشطرنج التي أمام مخلص
خالية من الملك وبيدق من البيادق
هو عسكري تعمد تغيبه !
بينما قطع العدو كاملة
كان السؤال
كيف نصنع ملك ؟
حتى تسير الخطة الي بر الأمان
نعم سألعب بالوزير والفرس والفيله جميعا
سأحطم ملكهم والقلاع
لكن لابد من ملك يأمر البيادق فتطاع
دعوت باقي اللاعبين
فالأمر جد خطير
والمعركة علي الأبواب !
صارت الخطة تستوجب ملك .
كيف نصنعه
أنقسم الرأي
أتباع كرم البنا .. رأوه ( بهلول)
فيما كنت أراه وطني مصري غيور والصاغ الأحمر كان معي فيما أريد
لكنهم اتفقوا علي بهلول
لشيء في نفس يعقوب !
وصارت الخطة .
أصول وأجول
أسابق الزمن
كيف علم ملك العدو بالخبر ( الحرس الحديدى)!
عصمت الساعي لم يأت بعد
مازال بعيدا عن رقعة الشطرنج
من ورائه ؟!
سأتحرك في اى أتجاه
هذا يعطينى التحكم في كل الأنحاء
سأحرك الحصان , تبرز له الأفضلية الآن
فهو القادر على القفز فوق القطع.
استراتيجيتى في الحفاظ على الفيلين
بهما سأغطى صفوف قواتي المتجاورة
صارت بيادقى تأسر العدو وأنا الوزير الذي يدير
أغطي علي الملك من كل الجبهات
كان البيدق الصِدِيق
فى القيادة العامة قبل ساعة من الميعاد
من ابلغ العدو بميعادنا ؟!
فجأناه قبل الميعاد
كش مات.. بدون أي مساعدة من قطعة أخرى.
لا لن يموت ملك العدو
سأحاصره من كل الجهات
مازالت قصفة الزيتون في يدي منذ أعطاها لى محمود -وفى الأخرى بندقيتي
وروح نور الدين تغرد أمامي الآن.
كان سمسار الأسلحة الفاسدة ؟!
نعم
لكن المحروسة لها كل الاحترام
سيغادر عبر البحار
وستطلق المدفعية 21 من الطلقات
حركة مباركة ناصعة البياض
لا تخضبها الدماء
————————
(22)
تسارعت الأحداث , وصار الإيقاع يسابق الزمن
تجاوزت الخطة كل التوقعات , وتعالت على عيون محفل البنائين
فيما محفل الأخوان يرقب من خلال لاعبيه , ليفرض السيطرة .
أرسلت سُهاد , تستدعي الساعي فورا الي قاهرة المعز .
– لا وقت للقبلات والأحضان الآن
هيا بنا الي السينما !
– اى سينما …. والحركة قد صارت واقع الآن
– ليست واقع , كل شيء له حساب
– لماذا لم يشد انتباهكِ الفيلم
– أفكر في أثباتك بعيدا عن مسرح الأحداث
الي قسم البوليس , نثبت الشجار
– الآن أذهب الي مقر الحركة
– يبدو أنها صارت مباركة بعد إن عم الخبر العالم
حين ذهب , كانت المهام وزعت علي الأحرار
وهو بلا مهام,,,, فألقي البيان
لحظتها تبادر الي ذهن سُهاد
أن الملكة نازلي , قد اتفقت مع دار نشر أمريكية
على نشر مذكرات , تكشف فيها مستور العائلة الملكية المصرية المسمومة وخاصة خفايا تنظيم الحرس الحديدي للملك فاروق , وعلاقته بمحفل البنائين الأحرار في المحروسة .
جن جنون سُهاد , فالمذكرات سوف تكشف , دور عصمت الساعي وحسن الخضر أعضاء التنظيم وتفضح خفاياهم ونحن فى بدايات الثورة ,ولو انكشفا , سيتم طردهم ومحكماتهم , ولو حدث لصار ذلك فقأ لعيوننا!
سرعان ما تم التخطيط فى المحفل , بحضور, ابن عم والد الملك السابق , وقد انفردت به سُهاد تدير الاتفاق :
– لابد أن تثنى نازلي عن النشر
– لماذا يا بنت جيلا
— لأنها ستحوى فضائح العصر
— لكنها وقعت العقد مع دار النشر , وفيه شرط جزائي
— ما هي قيمة الشرط ؟
– مليون ونصف المليون دولار
— سندبر المبلغ المطلوب من خزينة المحفل
وبالفعل استطاع شيرين إثناء ( الملكة الأم ) نازلي عن النشر
ودُفِعَ مبلغ الشرط الجزائي ,فيما المحفل فى أمريكا يتعهد بنازلى .
صارت قنبلة النشر منزوعة الفتيل , بعد أن كادت تطيح باثنين من
أعضاء تنظيم الثورة ,
في حين أطاحت الثورة بالملك ,فلا تأثير عليه حتى لو ثار التفجير .
———————
(23)
أشتهى أن يقبلها , يناغيها , يمسك يدها ويلامس بشرتها
في عينها أولاده الثلاثة , وفى الأخرى رأى مهجته .
مرت الأيام العشر الأولي , لم ير بهية والأطفال
عمل دءوب , تخطيط , وتدشين , مقابلات , وتحديد خطى , السير على الأشواك والمطالبة بالوصول بسلام
صارت مغادرة الملك الإسكندرية , خطوة , فضت غشاء المتربصين .
بدا الرأس ثقيلا , تبعة التفكير مشلولا , فيما الأطراف مخدرة يعقبها ارتخاء وهمود .
سرح مخلص بخياله وقد ران السكون , كيف تم الانجاز ؟
وسط هذا الجو الملغوم , وهيئة تأسيسية تموج بالتيارات
( حدتو والأخوان والحرس الحديدي والعملاء من الأقطاع والرأسمالية ),
من يريد أن يأخذنا الي الصراع من أجل العمال
ومن يريد أن يهدم البلاد على من فيها , وعلى أنقاضها يقيم الخلافة,
وبعد أن غادر فاروق فلا مجال للحرس الحديدي !
لابد أن يسود الأمن والأمان ,
أن تلتف خيوط الشرنقة حول الإقطاع ومافيا رأس المال , حتى لو كانت حرير .
لابد أن يصيب الوهم الانجليز ويتخدر الاستعمار,
حركة مباركة تعيد ترتيب الأوراق , بعدها يقفز الفرس
وثبة تلو أخرى فوق الحواجز , لاشتعال الثورة من أجل القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال والاستعمار , ثم أقامة عدالة اجتماعية لتحقيق الديمقراطية .
نعم الثورة علم تغير المجتمع تقدميا ,
لكن علي تراب المحروسة , لا يجب إن يكون الصراع دمويا , لابد من تهيئة الأجواء للسلم والأمان ,ثورة بيضاء.
مازالت في يدي قصفة الزيتون.
لم تأت الرياح بما تشتهى السفن
وعكس ما يدور في مخيلة مخلص من تخطيط !
أشعلها العمال في مصانع النسيج , تصاعدت صارت حريق
من فعلها , ولماذا ؟ هل للإجهاض ؟
نعم كانت حبلى من جراء الفساد ومص دماء العمال من مافيا رأس المال والملك وحاشيته , وقد جئنا لنغير الأوضاع .
لماذا الآن ؟ ولم تمض أيام علي القيام .
هل فعلها الصاغ الأحمر والبيدق الصديق ؟
مستحيل
اعرف الصاغ وحسه الوطني , وطريقه معي من أول المشوار وكلانا يهرع من الغرفة المظلمة معا حينما حاولوا أن نعهد على السمع والطاعة .
هو لا يطيع الا حسه الوطني ولو كانت الأوامر من تنظيمه الذي يهواه .
ولا يمكن إن يكون البيدق , الذي استبق الأحداث ,فأجهز على قيادة جيش الملك والاحتلال
لماذا هذه السرعة في تشكيل محكمة يترأسها من ينتسب لمحفل البنائين الأخوان, ويصدق على تشكيلها وأحكامها (بهلول) ,رغم معارضتي والصاغ الأحمر والبيدق الصديق !
,لماذا يساوم بهلول من صدرت ضدهم أحكام الإعدام ؟
أيكون حقا ملاذه الوحيد لتسوية الأزمة؟
أَلا ينحرف به الطريق جائراً على الحقوق ؟
ألا يتسبب فى إجهاض الثورة ؟
ليس سوء تصريف – العمد متوفر.
نعم السفينة تشتهي هدوء البحر وانسياب الموج والهواء العليل لتسير
لكن لايمكن أن نعطل محركاتها بقتل اثنين من بحارتها بحجة عدم التصدي للريح .
كيف يمكن أن نروض الريح للسفينة , كيف يمكن أن نستعيد الروح , كيف يمكن أن نواجه المؤامرة التي تحاك من داخل المجلس؟
يستعيد مخلص الذاكرة , كيف استطاع أن يجبر رئيس محفل الإخوان الجديد على الابتعاد؟
وأن يستقل بحركته بعيدا عن الأخوان .
هو يدرك طريقهم الطويل ,
القائم على الهدم من أجل خلافة تستعصي على الفهم !
لذا كان لابد من الثأر للبقري وخميس
وتعويض أهلهم الفلاحين ؟
بعد أن تأكدت مؤامرة الإخوان وبهلول !
عادت مهجة مخلص تذكر ذاته بالاستفادة من عِبر التاريخ القريب
كيف قُضِيَ على الزعيم الحقيقي لثورة 1919
وكيف صار زغلولها هو الزعيم ؟
فأهدر ثورة الشعب وتنكب الطريق !
عاد مخلص يستجلي الوقائع حين ابتغي تكريم زعيم ثورة 1919 الحقيقي , فتمسك بتعيين ابنه مراد عبد الرحمن فهمي وزيرا في أول وزارة .
(24)
– لابد أن تستكين الآن ,أن تغوص تحت مخادع القوي
كان تصويتك لصالح المحكمة والإعدام, للتهيج وإرضاء للرئيس .
لابد أن تحيد عن الصراع الآن , انتظارا لمن ينتصر
حتى لا نخسر كل الأوراق
– هل نسيتِ يا سُهاد طبيعة عملي مع الألمان والحرس الحديدي ؟
– لكن عملك الآن يختلف كل الاختلاف , لابد أن يدوم , لتحقيق الهدف المنشود
كادت سُهاد أن يصيبها الجنون لحظة أن انطلقت مدافع الأسطول تطلق
التحية لفاروق وهو يغادر , طائعا منكس الرأس
اَ بكل هذا الوئام يغادر الرجل دون أن يقاوم ولا تراق الدماء !
كانت تمنى النفس بإجهاض الحركة والحكم على مخلص بالإعدام
من أكتوي بمؤامرة حرب فلسطين , ومن تجرع سم الأسلحة الفاسدة, من حوصر في الفالوجا و أبلي أعظم البلاء يزود عن فلسطين.
لا يمكن أن يستكين , لابد أنه عائد يهدد أمن الشعب المختار , لابد أنه سيعمل على أن يعيد الفلسطينيين
من المخيمات الي وطن الأجداد.
نعم ندرك أن محفل الأخوان سيشذ عن طريق البنائين الأحرار
لكن مهما كان الشذوذ فهو تكتيك لوطن اليهود من النيل للفرات قاعدة البنائين الأحرار للانطلاق لوطن واحد تحت راية دين واحد.
كان( قضب) أكثرهم امتثالا وهو يدعو الي إقامة حد الحرابة على العمال , لكن من ورائه محفل الأخوان الذي يتلاعب بكل شيء من اجل مصالحه الشخصية .
ما حدث من العمال أشعله رأس المال , بهدر عرقهم , يحاول أن يستعيد بعض من الأرض
قبل أن تميد من تحتهم
– أَلا تدرك أن رأس المال ما كان يسيطر على الحكم إلا لأن من
يجمعونه ينتمون للمحفل ؟!
– معنى ذلك أن مخلص محاصر من كل الجبهات ؟
– نعم لن نتركه يهنأ
– لكنه الآن يعمل على التخلص من آثار غضبة العمال , وإعدام اثنين من
زملائهم الشجعان
أنه يثبت أنه قادر على أن يفك عُقد حصاره
لقد أعلن أولى خطوات الثورة , بالقضاء على الإقطاع , وتوزيع إقطاعيات كبيرة على الفلاحين , لكل معدم خمسة فدادين .
والآن
,يتم التوزيع على الفلاحين في مسقط رأس خميس والبقرى.
أسقطت سُهاد, وسرحت , ورنا بصرها بعيد
بدت الهلوسة في كلامها وهى تردد:
-الحرب كر وفر,وغدا سنحاصره داخل التنظيم ,ثم نحجر عليه ,أو ننفيه !
ثم أردفت موجهة الكلام الي عصمت الساعي :
-عليك الآن أن تدغدغ العواطف باللسان , وأن تغوص تُثبر أغوار النفوس , وتستخرج منها ما تلوذ
وتستعيد ما درجت عليه .
ران الصمت برهة , وتجهم وجهها , ثم انفرجت أساريرها
وهى تهذى …لابد إن أحكم هذه البلاد !
– كيف
– عن طريقك , يا سيادة الرئيس !
ثم تابعت عليك أن تفهم الفرق بين زوجة تنتمي إلى أصول إقطاعية
وزوجة تنتمي الي بريطانيا العظمى ّ.
————————
(25)
لم ينم عبد الباري ليلته .
, كان الرجل قد بلغ من العمر أرذله وغزا الشيب مفرقه.
ورغما , كان أسعد خلق الله وهو بين أحضان بخاطرها , التي أصبحت زوجته عملا وفعلا, فاستعاد معها شبابه ومهجته .
في غدوه ورواحه ,لم تفارق مخيلته صورة نور الدين , وروحه التي صعدت الي السماء دفاعا عن جيش مصر وفك الحصار , ومن أجل نصرة فلسطين بعد أن صار من أهلها .
كان محمود في عيونه يرعاه ويرسم له طريقه , يبهج له الحياة , ولفدوي أخ كبير ونصير وقد غدت بين أهل نور الدين وبنتها في رعايتهم وقرة أعينهم .
الليلة ليست ككل الليالي , فكيف يدركني النوم ؟
هل هي ليلة الثأر , ليلة التشفي , ليلة القصاص ؟
يسترجع عبد الباري الذكريات , ليغيب في الماضي البعيد والقريب …
كيف سرقوا الأرض ,ولم يكتفوا , بل نزفوا عرقنا ودمائنا ليجنوا خيرها؟
كيف ساقونا بالسياط من عذاب الي عذاب , تحت أشعة الشمس الحارقة , وفى الصقيع , نخضب الأرض بالدماء , ليحصدوا التبر , ونحصد نحن الفقر والجهل والأمراض ؟.
اقتطع الوالي لكل أسرة من الأسر المقربة له ألاف الأفدنة من أرض الفلاحين ولم يكتفوا
بل ساقوهم أُجراء في الأرض و أقنان
توارثوها جيل بعد جيل الي الآن
وفي أرضنا صار الباشا , يستحوذ على كل الحياض .
يتذكر عبد الباري ,دموع نور الدين وهو يحكى كيف ساق الباشا والده بالسوط ,وكيف نزف عرقه وسال دمه يروى أرض الباشا ليجنى الحنظل , فيما الباشا بخيرها يعيث ضربا في خلق الله.
كيف أنهار كرم وأصابه الصرع حين تذكر أخته عارية ,يلعق جسدها ابن الباشا وأصحابه ؟
ليس ثأراً !
انه الفرح الضارب في العيون ابتهاجا بـ إعادة الحق لأصحابه الأُجَرَاء الى وضعهم الطبيعي, مُلاك, والأقنان صاروا أسياد
اليوم عيد الفلاح
تكريما لوقفة عرابي زعيم الفلاحين أمام قصر عابدين فى 9 سبتمبر يهتف فى وجه الخديوي توفيق “لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا”.
كان فجرا باسما في مقلتيَّ , يوم أشرقت من الغيب علىَّ
هو مخلص بلحمه ودمه , جاء إلينا يُمَلِك الأرض للفلاحين , يوزع عقود الملكية عليهم ,يرفع رؤوسهم عاليا ,,, يُخلصنا من السخرة .
صارت الأحضان بيننا دافئة عميقة , عمق الأرض
باتساع الصحراء وصمود الفالوجا وعروبة فلسطين كلها
كان الفلاحون ينظرون إلينا لا يصدقون .
ما كان أحد يجرؤ على أن يتحدث مع الباشا , أو يمشى أمامه وهو على ظهر جواده يختال .
كيف لعبد الباري ,أن يستقبل قائد الثورة بالأحضان ويجلس معه الآن ؟
-هو واحد مننا , جاء بالثورة من أجلنا
ترتفع الحناجر بالهتاف , تفور العيون بدموع الفرح
تلتقط عيون مخلص , فدوى ومعها بنتها و محمود ابنها من نور الدين
-لابد أن يعامل الفلسطينيين في مصر معاملة أهلها ويزيد
كان التقدير لروح نور لابد أن يصير , وفرتُ لهم الفرصة في التعليم
والإقامة في القاهرة .
رفض عبد البارى أن يغادر قريته , فقد ارتبط بأرضها وعبقها , وصارت الخمس فدادين خير ويزيد ,
فيما احتضن فدوى عمل شريف , لتربية الأولاد ونشأتهم ليصيروا
فاعلين من أجل فلسطين , فساروا على الطريق.
ولم تترك الخمس فدادين إلا بعد أن ظللتها بعناقيد الكروم ,تمتد جذورها بين أحضان الثرى , وتابعها مخلص يثرى ترابهم بقصفة الزيتون التي أعطاها له محمود في الفالوجا
فصارت روح نور تروى الأرض لتنبت زيتونا وعنبا من ثرى فلسطين .
————————-
(26)
لم تستكين سُهاد
فكل خطوة على طريق الثورة , تثير فيها الحقد الدفين
– لابد للمحفل أن يعيد توطيد العلاقات بالمحفل الإخوانى من جديد
– قاطعها زوجها , أتباعهم في مجلس قيادة الثورة يثيرون المشاكل مع مخلص , فقد بدت سيطرته , بعد أن تعاظمت شعبيته من جراء توزيع الأراضي على الفلاحين .
– أنه من الذكاء , يعرف كيف يستخدم الديمقراطية الشعبية .
برلمانه هو الشارع , الذي يلجأ إليه بخطاب يشد الناس , وكلماته من القلب الي القلب تذوب .
– يتحاشى الآن صندوق الانتخابات لتحقيق الديمقراطية , كمطلب من مطالب الثورة .
– هذه فرصتنا لنؤلب القوى السياسية عليه
– لن يتحقق ذلك , فالشعب أدرك الآن أن القوى السياسية تعمل لمصالحها الشخصية , وتستغل جهل الشعب وفقره للوصول الي البرلمان عن طريق الصندوق .
– كيف سيحقق الديمقراطية إذن , إذا استبعد الصندوق ؟
– لن يستبعد الصندوق ,إنما رآه آليه مؤجله , تسبقها آليات أخرى تقضي على الفقر والجهل والمرض , فمن لا يملك قوت يومه لا يملك صوته الانتخابي .
– لذا كان تصريح (بهلول), بالعودة الي الثكنات ,وعودة الأحزاب وإجراء انتخابات, سببا ليحاصره مخلص .
– هذه المرة يا سُهاد , أنت لا تقرأي ما وراء الكواليس , فما ذكرتيه هو الظاهر , لكن (بهلول ) كان يرمي الي شيء في نفس يعقوب أو بالأصح في نفس من دفعوه الي هذا التصريح الصفيق ؟.
– ما هو , يا ابن ست الب…. ؟
– إجهاض الثورة – فعودة الثوار الي الثكنات , تعنى أنه لا يوجد من سيملأ الفراغ سوى الإقطاع والرأسمالية والأخوان , هؤلاء المؤهلين الآن.
فمازال الشعب لا يملك قوت يومه
ولم تتحرر أرادته بعد
فيعود الحال الي ما قبل الثورة
ويضحى الثوار وراء القضبان في غياهب السجون .
– أذن كانت ضربة مخلص بفرض الإقامة الجبرية على بهلول , وإجباره على الاستقالة,ضربة معلم .
– كانت للحفاظ على الثورة
– وماذا كان رأى أتباع الأخوان داخل المجلس
– خرج مخلص من محاولة اغتياله بميدان المنشية بالإسكندرية مرفوع الهامة , بخطابه المؤثر , وديناميكيته في إلهاب حماس الجماهير , وقد تعاطفت معه , فصارت تفتديه.
وقد غدا مد الجماهير هادر ,وصار مخلص في القلوب.
حين قبض على من حاولوا الاغتيال , وثبت أنهم من محفل الإخوان, حاول المحفل الأخوانى التنصل من المحاولة الفاشلة , زاعمين أن ورائها (بهلول)
– وعلي ذلك لم يعترضوا على وضع بهلول قيد الإقامة الجبرية , وإجباره على استقالته .
– عاد مخلص كما كان قبل أن يأتوا ببهلول وبعد أن غادر الآن صار للقيادة عنوان .
– إذن عليك أَلا تفارقه , وتستكين تحت مخدعه !
استكان الساعي فعلا للنوم , وراح يغط في سُبات عميق
فيما الشياط قد صار يخنق جو الغرفة , وتصاعد السناج يغلف عقل سُهاد, ويشل التفكير
لماذا نكصت الخطة وشذت عن التدبير ؟
من أجهض المؤامرة,وأفشل قتل مخلص؟
لماذا أختار التنظيم السري لمحفل الأخوان من هم للرماية غير لائقين ؟
لماذا لم يتحسبوا للخطأ والميدان يحوى الآلاف ؟ ليتيسر الإمساك بمن نفذ !
وقد أتى التنفيذ الفاشل , بعكس ما نتوقع !
ليت عقلي يتخدر ويغيب
أكاد أجن , فمخلص قد صار الآن زعيم شعبي تحيطه القلوب ,
من جراء تنفيذ خاطئ!
فمن يستطيع الآن أن ينزع عنه الغلاف ؟
تعقدت الأمور
بدا رأسها يندبل في خمول , وعينيها تذوب في ندف الضباب
وقد خدرها النوم ,فصارت بجانب زوجها تجاريه في عزف شخير الخياشيم .
الدولارات , والملايين , يسيل لها لعاب كل ملك ورئيس ,ويلين لها الصلب والحديد , وهاهي ال سي اى إيه , تقدم الرِشى لكل من هب ودب. لايمكن لمخلص أن يقبل مباشرة , إذن لابد من وسيط
يا تري من يكون وسيط ؟
وجدته
أنه عين محفل البنائيين الناعسة , هو هذا الدرويش
من سامر سيدنا الخضر وهو نائم يوميا .
أنه حسن الخضر
على صوت حسن الخضر هجعت سُهاد سكري
فاجأتها دقات قلبها مسرعة
تردد و لا تكاد تصدق
– هل قبل مخلص ملايين الدولارات التي أرسلها رجل المخابرات الأمريكي
– نعم أعطيتها له بيدي !
– أذن كُسِرَت عينه ولان عنقه , وصار الآن جدير بتنفيذ ما يرنو إليه
محفل البنائيين .
لم تكد سُهاد تهنأ , بتدبير رشوة مخلص
وقد حدثتها نفسها , عن ما سيحدث بعد طيه في محراب المحفل.
اِلا وطار عقلها !
ففى المساء فتحت المذياع , فكانت الأنباء
تزف تدشين شاهد على مر الزمان يشير الي خيبة المخابرات
الأمريكية, هي أطول (لا) فى التاريخ
بطول 187 متراً بما يزيد عن ارتفاع الهرم الأكبر ب 43 مترا
, سيسمى ( برج القاهرة ) شاهدا على مدى التاريخ يلاحق فشل وسذاجة المخابرات الأمريكية في رشوة مخلص
, بل دليلا على طهارة يده وإخلاصه لبنى لقومه .
أحست(سُهاد) بالمكان يضيق ويضغط
سقطت مغشيا عليها , ودم الاجهاض يسيل .