هكذا كان عبد الناصر يختار الوزراء.. الوزير القبطي كمال رمزي استينو، مؤسس وزارة التموين، مثالاً

مرت مصر عام 1960 بأزمة اقتصادية بعد طرد قوات العدوان الثلاثى من مصر، واتجاه الحكومة الى تطبيق القرارات الاشتراكية في المؤسسات، ومن هنا فكر الرئيس جمال عبد الناصر في تعيين القبطى كمال رمزى استينو ـ ولد فى يوليو 1910 ـ وزيرا للتموين، حيث كلفه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1960 في البداية للعمل مستشارا فى وزارة التموين لأنه يريد أن يعينه وزيرا، فقد كان استينو قبلها يتمتع بسمعة طيبة فى الأوساط العلمية حيث كان يعمل كأستاذ فى كلية الزراعة جامعة الاسكندرية، وله ابحاثا في الزراعة واستنباط الأنواع كثيرة.

فحص ارغفة الخبز
وبمجرد تعيينه وزيرا كان يتابع عمل الوزارة بشكل كبير، وحدث أن كلف “ناصر” سامى شرف بأن يجمع له عينات من أرغفة الخبز التى تنتجها وزارة التموين ،وفى اليوم التالي كان موعد الاجتماع الدورى لمجلس الوزراء، وقد افتتح عبد الناصر الجلسة بقوله: ( تقدر تأكل الرغيف ده يا دكتور كمال؟)، فرد الوزير: لا يا ريس، فقال له الرئيس: ما هوا ده اللي بتطلعه مخابزك.. وإذا كنت لا تقبل أن تأكله، وأنا لا أقبل بالتالي فكيف بالله عليك تقبل إن الناس تأكله.. يا دكتور كمال. عندك 48 ساعة لتصحيح هذه الأوضاع، ومن هنا كانت جولات الوزير رمزى ستينو على مخابز الخبز لمتابعة سير العمل ومراعاة المواصفات في الإنتاج.
ومن ناحية أخرى كلف الرئيس الدكتور استينو بأن يدرس فكرة إنشاء الجمعيات الاستهلاكية التى كانت حتى وقت قريب من أساسيات حياة المواطنين في مصر خلال فترة من افضل الفترات، وبعد ذلك وضع ستينو مشروعا لإصدار بطاقة تموين ورقية مثل الدفتر مدتها عام كامل تسجل فيها السلع المدعومة لكل مواطن للحصول عليها شهريا، وتشمل ثياب الكستور في الشتاء وقماش الزفير في الصيف، وكوبونات للكيروسين والزيت والسكر والأرز، ليكون أول وزير يتعامل مع المواطن بالبطاقات التموينية.
البطاقة التموينية هي رمز دعم الدولة للمواطن الفقير لمواجهة أعباء الحياة خاصة أيام الغلاء والأزمات، وقد صدرت أول بطاقة تموينية في مصر عام 1940، كأحد الحلول لمواجهة الغلاء الفاحش وجشع التجار في الحرب العالمية الثانية، ففي البداية كانت توزع الكيروسين ثم الأقمشة الشعبية على المواطنين اثناء الحرب.

احتياجات اساسية
تطور الامر وشملت البطاقة توزيع بعض السلع الغذائية على البطاقات التموينية بعد الحرب لتوفير بعض الاحتياجات لمساعدة المواطن المصري البسيط، ومواجهة رفع الأسعار، في الوقت الذى كان التجار يخزنون السلع الأساسية التي يقتات منها المواطن مثل السكر والزيت لدرجة بيعها الى المحتل البريطاني بأضعاف الأسعار، ثم فرضت الحكومة  التسعيرة الجبرية والسجن والغرامة والمصادرة لمخالفتها وتجاوزها بديلا لصرف السلع الأساسية المدعومة فألغيت بطاقة التموين.
أيضا ظهرت فكرة المجمعات الاستهلاكية فى ستينيات القرن العشرين وذلك عندما بدأت الحكومة بتأميم وتمصير بعض الشركات المتخصصة فى بيع السلع الغذائية ليتم بعدها إنشاء أول مجمع استهلاكى عام 1961، لتصبح الان خمس شركات مجمعات استهلاكية وهى الاهرام والنيل والاسكندرية وشركتى جملة هما المصرية للتجارة والعامة للتجارة.
ويروى الدكتور كمال رمزي ستينو كيف تم إختياره وزيرا للتموين، ثم استمراره في الوزارة نحو خمسة عشر عامًا فيقول:
كنت أستاذا في جامعة القاهرة، وليس لى الا النشاط الأكاديمي وذات صباح دق باب مسكني ففتحت الباب لأجد شابًا بهي الطلعة، قال لي إنه من رئاسة الجمهورية، وأضاف: ان الرئيس جمال عبد الناصر سوف يقابلك اليوم الساعة السادسة مساءً، وفي السادسة بالضبط رأيت جمال عبد الناصر لأول مرة في حياتي. شخصية طاغية. لا تتمالك نفسك أمامها. مد الرجل يده لمصافحتي. لكنني لم أتمكن من تحريك يدي إليه، وكأنها قد شُلّت من هيبته الرهيبة، فقال:” هاتو ليمون وقهوة للدكتور ” ، ثم قال: قالولي إنك أستاذ كويس ومجتهد ونشيط، وأنا عايز أختارك وزيرا للتموين بعد وفاة الدكتور جندي عبد الملك وزير التموين، الله يرحمه منذ أسابيع، اليوم سأصدر قرارا بتعيينك مستشارًا لوزارة التموين. سوف تتسلم عملك غدا. إدرس الوزارة كويس. وقدّم لي رؤيتك لتطويرها خلال شهرين. بعد كدا تسافر الي يوغوسلاڤيا لتدرس لنا نظام الجمعيات التعاونية الاستهلاكية وكيفية تطبيق هذا النظام في مصر. إذا نجحت في الاختبار، سوف نصدر قرارا بتعيينك وزيرا للتموين. شد حيلك يا دكتور.
وبعد، هكذا كان عبد الناصر يختار وزراءه ويجهزهم لمهمتهم، وقد ظل كمال رمزي ستينو وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء خمسة عشر عاما، نشر خلالها نظام الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بطول مصر وعرضها.

زمن البطاقة الذكية
كما أصدر وزير التموين الدكتور كمال رمزي استينو، قرارا بإلزام مكاتب التموين باستخراج البطاقات التموينية للمواطنين خلال 24 ساعة من وقت تقديم الطلب، وقد استمر العمل والصرف بهذه البطاقة حتى اصدر وزير التموين الحالي البطاقة الذكية لصرف المواد التموينية بدعم خمسين جنيها لكل فرد من الأربعة المسجلين بالبطاقة فقط، وما يزيد على الأربعة يحصل على دعم 25 جنيها فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى