نداء إلى كل البشر.. من أجل السلام والحرية والديمقراطية

أيها الناس، من كل الشعوب، من كل الأجناس، من كل الألوان، من كل الأديان، في كل مكان، انتبهوا، تأملوا، اعدلوا، ولو مرة واحدة، من أجل السلام والحرية والديمقراطية لكل البشر الآن وإلى الأبد.
منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بقذيفة نووية صنعها شيطان وألقاها مجنون، فأهلك بها في لحظة مئات الألوف في هيروشيما بعد أن قد أهلكت الحرب عشرات الملايين من البشر عسكريين ومدنيين رجالا ونساء وشبابا وأطفالا، أصبح حلم البشرية، كل البشرية، ألا يتعرض الرجال والنساء والشباب والأطفال، في أي مكان، في أي زمان، لمثل تلك المجزرة الوحشية التي يسمونها الحرب.
من أجل هذا كان لابد من أن تلغى إلى الأبد شريعة الغاب، حيث تنعدم المساواة بين الكائنات وحيث تؤدي المنافسة الحرة على الحياة إلى افتراس الأقوى من هو أضعف منه. كان لابد من أن تلغى إلى الأبد التفرقة بين البشر حسب أجناسهم أو أديانهم أو ألوانهم أو لغاتهم، كان لابد من المساواة بين الناس، كان لابد من المساواة بين الدول، فكان لابد للبشر من أن يحتكموا إذا تنازعوا إلى قواعد عامة مجردة تحكمهم وتحكم فيما بينهم، وكان لابد للدول أن تحتكم إذا تنازعت إلى قواعد عامة مجردة تحكمها وتحكم فيما بينها، وكان كل البشر يريدون أن يتجنبوا العنف والخوف من العنف.
ولقد بدأ التعبير عن هذه الإرادة الإنسانية العامة قبل أن تنتهي الحرب. ففي 14 أغسطس 1941 (أثناء الحرب) اجتمع روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وتشرشل رئيس وزراء إنجلترا على ظهر البارجة (برنس أوف ويلز) وأصدرا تصريحا ذائع الصيت عرف باسم (ميثاق الأطلنطي) جاء بالفقرة السادسة منه أن الرئيسين يأملان (بعد القضاء على النازية) في أن تتمكن جميع الأمم من التحرر من الخوف والعوز ومن الحياة في ظل السلم والأمن الدولي. وفى أول يناير 1942 صدر تصريح باسم تصريح الأمم المتحدة (مشروع الميثاق)، وكان خطوة ثانية إلى تحقيق حلم البشرية، ولكن قوة الشر والدمار والخوف، عدوة السلام والإنسان (الولايات المتحدة الأمريكية) اعترضت تلك الخطوة باقتراح عقد حلف عسكري دائم بينها وبين الاتحاد السوفيتي ودول الكومنويلث البريطاني على أن يضم جمهورية الصين فيما يتعلق بالشئون الأسيوية للإشراف على تنفيذ معاهدة الصلح التي سوف تفرض على ألمانيا واليابان وإيطاليا تنفيذا كاملا.
ولقد رفضت كل الدول ذاك الاقتراح لأن سائر دول الأمم المتحدة سواء كانت من الدول الوسطى أو الصغرى سوف تخضع بمقتضاه لنظام ديكتاتوري تفرضه عليها الدول الأربع العظمى وهو ما لا يمكن أن ترضاه لنفسها الدول التي اشتركت في القتال لنصرة الديمقراطية. ولأن هذا الاقتراح إذا قدر له التنفيذ لن يفيد إلا معنى واحدا هو إحلال نوع جديد من الديكتاتورية محل الديكتاتورية المحورية، فتراجعت أمريكا إلى حين.
إلى حين أن اختلى ستالين وتشرشل وروزفلت بأنفسهم في يالتا يوم 11 فبراير 1945 واتفقوا على اقتسام مناطق النفوذ في العالم، ثم اتفقوا، على أن تكون إرادة البشر في كل الأرض كما تمثلهم الهيئة العامة للأمم المتحدة، وإرادة هيئتهم التنفيذية التي يمثلها مجلس الأمن، غير نافذة إلا إذا وافقت عليها خمس دول مجتمعة: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين.
لم يكن من الممكن أن تقبل دول العالم وهي مجتمعة في سان فرانسيسكو في إبريل 1945 لصياغة دستور قائم على أساس من المساواة بينها كما نص الميثاق، أن تحتكر دولة أو أكثر من دولة سلطة تعلو على إرادة البشر جميعا. وقد عبرت كل الدول، من غير المحتكرين، على رفض مؤامرة (يالتا).
فما الذي حدث؟
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية صراحة أن عدم موافقة المؤتمر على ما تم الاتفاق عليه بينها وبين الاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة في (يالتا) ستكون نتيجته الحتمية امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصديق على ميثاق الأمم المتحدة.
بهذا التهديد الصريح فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتحدث كثيرا عن الشرعية الدولية والسلام العالمي، وحقوق الإنسان، فرضت أن تكون إرادتها فوق إرادة كل الشعوب والأمم والدول والبشر في العالم كله.
منذ ذلك الحين، لم تتوقف الحروب والثورات والعنف على ظهر الأرض، وحيث لا يوجد دستور، ولا قانون، ولا مساواة، ولا عدالة، لا بد من العنف. وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية منذ نصف قرن بدور الطاغية المستبد في المجتمع الدولي. ولقد مضت فترة من الزمان كان تنافس الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية فيها على الاستبداد بالأمم والشعوب والدول، يتيح للمستضعفين الذين هم كل البشر ثغرة لكسب قدر من الحرية، قدر من المساواة، قدر من العدالة في مقابل أن يكونوا تابعين لأحد الطاغيتين. ولقد استفادت دول كثيرة متوسطة وصغيرة بل وكبيرة من التناقض بين الدولتين العظميين، إلى أن انسحب جورباتشوف من حلبة المنافسة وانحاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتتوحد قوى الديكتاتورية المفروضة على العالم.
وكان لا بد مما ليس منه بد، أصبح على كل الأمم والشعوب والبشر في كل الدول المقهورة أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن تقبل مذلة الخضوع للإرادة الأمريكية، وإما أن تقاتل من اجل الحرية والمساواة والعدالة والسلام.
ولقد اختارت الأمة العربية القتال وستنتصر لأنه قتال اليائسين من الحياة الحرة الكريمة، اليائسين من العدالة الدولية، اليائسين من سلام البشر لا سلام أمريكا.. ومع ذلك، قد لا تنتصر.. فليكن.. سنموت.. فليكن.. ما الذي نخسره إلا مذلة الحياة في ظل الطغيان الأمريكي.
أيها الناس، انتبهوا، تأملوا، اعدلوا ولو مرة واحدة.
وثقوا أننا نحن العرب نفضل الفناء الكامل الشامل على الخضوع للولايات المتحدة الأمريكية، فليكف المنافقون عن الإشفاق الكاذب على مصيرنا، سنمارس حريتنا ولو بالموت.
أنتم أيها الناس، تبحثون عن حل سلمي.. لا يمكن أن يوجد حل سلمي لما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية أزمة الخليج، ما دامت أزمة الشرعية الدولية ما تزال مستحكمة. وحين تحل أزمة الشرعية الدولية فسنحتكم إلى ميثاق الأمم المتحدة، وهيئتها العامة، ومجلس أمنها، وسننفذ إرادة المجتمع الدولي حتى لو لم تتفق مع إرادتنا، قد نخسر قضية ولكنا نكون قد كسبنا لكل الشعوب قضيتها وقضيتنا …
نحن نقدم إليكم، أيها الناس، حل أزمة الشرعية الدولية الآن، وإلى الأبد، إلغاء سلطة ((الفيتو)).
لتكون السيادة على الأرض لكل الدول على قدم المساواة، لتخضع الأقلية للأغلبية من أجل السلام، ليعود الميثاق دستورا لنا، ولتعود الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة برلمانا لنا، ليكون مجلس الأمن حكومة لنا..
حينئذ سنقبل قرارات برلماننا، ونخضع لما تقرره حكومتنا نحن البشر..
وإلا.. فقاتلونا يقتلكم الله بأيدينا..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

القاهرة فى 7 يناير 1991

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى