من سيخلف جونسون؟
بقلم: د. موسى الحمداني/ لندن
و أخيراً سقط بوريس جونسون و لكن لم و لن تسقط السياسة التي انتهجها و التي تقوم على دعائم قوية من الفساد و الكذب و الخداع. تلك السياسة قائمة من قبل جونسون و باقية بعده، لكن التاريخ سيذكر رئيس الوزراء المستقيل باعتباره من أكثر الساسة فساداً و خداعاً و أنه استطاع أن يحفر اسمه الى جانب اسم توني بلير في لائحة المكروهين.
بوريس جونسون من صنيعة المؤسسة العميقة في بريطانيا. جاء من عائلة ثرية محافظة و تلقى تعليمه المدرسي في كلية ايتون الذائعة الصيت و تخرج من جامعة اكسفورد التي تتلقف خريجيها أكبر الدوائر و المؤسسات في العالم. عمل في الصحافة و ترأس تحرير مجلة السبكتاتور و عكفت اجهزة الاعلام على صناعة نجم منه و تشبهه بتشرشل. انضم الى حزب المحافظين و اختير مرتين كعمدة للندن مما يعتبر انجازاً لأن لندن تعتبر معقلاً لحزب العمال. كان جونسون قوة دافعة اساسية للحملة التي قادت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، ذلك الخروج الذي تم في عهده. يعيش جونسون حياة متحررة أبعد ما تكون عن تقاليد المحافظين فهو لا يزال يعيش مع شريكته و ابنته و لا يزال يرفض الزواج الديني، و في عهده ترعرعت مجموعات الشذوذ الجنسي بكل اطيافها.
السؤال المهم هو من سيخلفه في رئاسة حزب المحافظين و رئاسة الوزراء؟
وزارة جونسون كانت تضم العديد من ابناء الاقليات الذين اختارهم بعناية لابعاد تهمة العنصرية عن حزبه. وهكذا، و لأول مرة يظهر ابناء المهاجرين كمرشحين بارزين، و يبدو أن الوقت قد حان ليحكم بريطانيا واحداً من ابناء مستعمراتها. لكن لفت نظري في كلمة الوداع التي القاها جونسون عبارة موجهة إلى أوكرانيا لكنها ذات دلالات بعيدة. قال جونسون ”إن دعم بريطانيا لأوكرانيا سيستمر كما هو مهما طال الوقت“. ما الذي يجعل جونسون متأكداً من أن من سيخلفه سينتهج نفس السياسة تجاه أوكرانيا؟ الإجابة واضحة في رأيي و هي أن سياسة جونسون تجاه الحرب لم تكن من وضعه و لكن من وضع قوى و مؤسسات أكبر منه، و بالتالي فإن تلك القوى لن تسمح بوصول شخصية أخرى لرئاسة الوزراء إلا إذا كانت مستعدة لتنفيذ تعليماتها. بمعنى آخر أنه يجب أن لا نتوقع الكثير من أي رئيس وزراء مقبل مهما كان لونه و مهما كان دينه.
من أبرز المرشحين لرئاسة حزب المحافظين:
ساجد جافيد: وزير الصحة المستقيل. من مواليد بريطانيا و من خلفية باكستانية مسلمة. ذو فكر علماني و قالها بصراحه انه لا يمارس الاسلام رغم ان زوجته مسيحية متدينة. ساجد جافيد صديق حميم لاسرائيل و يتفاخر بصداقته تلك و للجماعات اليهوديه في بريطانيا. شارك في دعوة افطار رسمية في رمضان، ربما لمداهنة المسلمين لكسب اصواتهم.
ريشي سوناك: و زير المالية المستقيل. من مواليد بريطانيا لأب هندي يعمل كطبيب. ريشي مليونير و متزوج من بليونيرة. المضحك أن زوجته تتحايل على مصلحة الضرائب التي يرأسها زوجها و لا تدفع شيئاً لانها تتعمد ان تعيش في الخارج مدة كافية للتهرب شرعاً من الضرائب. كان يمكن للخزانة البريطانية أن تكسب عشرات الملايين من الضرائب. و من المضحك أيضاً أن سوناك و زوجته معهما البطاقة الاميركيه الخضراء التي تؤهلهما للمعيشة في اميريكا. هذه المعلومات تكشفت في الاسابيع الاخيرة و كانت التوقعات أنها ستقضي على مستقبل سوناك السياسي، لكن في بريطانيا في عصر جونسون كل شيء مقبول.
ناظم الزهاوي: كردي من مواليد العراق تولى وزارة التعليم ثم وزارة المالية (بعد استقالة سوناك) لكنه استقال بعد يومين و سحب دعمه لجونسون. الزهاوي مسلم و كان رجل اعمال ناجح. من المفارقات أنه كان ممنوعاً من دخول اميريكا في عصر ترامب لكونه من مواليد العراق، لكنه زارها فيما بعد. لم أجد دليلاً على صدق المزاعم التي تربطه بشاعر العراق الكبير جميل صدقي الزهاوي.
بريتي باتل: وزيرة الداخلية من مواليد بريطانيا و هي أيضاً ابنة طبيب هندي. متحدثة لبقة في التلفزيون و مجلس العموم لكنها اكتسبت سمعة انها تتكلم كلاماً جميلاً و لا تفعل شيئاً.
طبعاً لا يزال الوقت مبكراً لتوقع أي شيء، فهناك آخرين في حزب المحافظين ممن يبدون اهتماماً بمنصب زعامة الحزب. أنا شخصياً أعتقد أن بريطانيا جاهزة لتقبل رئيس وزراء من ابناء مستعمراتها إن لم يكن هذا الصيف فربما في انتخابات لاحقة. من عوامل ضعف المرشحين الأربعة المذكورين أعلاه أنهم وصلوا إلى مناصبهم بدعم من جونسون لاعطاء صورة ليبرالية للحزب، لكن هل سيتقبلهم أعضاء الحزب عند التصويت؟ لا ننسى اننا نتكلم عن حزب المحافظين.