هل يتعين على العالم ان يقلق بعدما اقدمت “دولتا المحور” المانيا واليابان على زيادة الميزانيات العسكرية؟؟

في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية، وإعلان موسكو شن الحرب على أوكرانيا، بدأت نية دول المحور المنهزمة في الحرب العالمية الثانية، لتقوية ترسانتها العسكرية ورفع الميزانيات الدفاعية لها بشكل غير مسبوق، تعود للواجهة. الأمر الذي أثار بعض المخاوف من التأثير المحتمل لعودة القوة العسكرية لهذه الدول، تحديدًا ألمانيا واليابان، في وقت لم تمر فيه 80 عامًا على نهاية أكثر حرب دموية في التاريخ الحديث.
قبل الحديث عما تفعله اليابان وألمانيا الآن، ربما يجب أن نعود أولًا إلى الوراء قليلًا، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار قوات الحلفاء على المحور عام 1945. فقد انتهت الحرب العالمية الثانية باحتلال قوات الحلفاء كل من ألمانيا واليابان لعدة سنوات. خلال تلك الفترة، وافق البلدان على إعادة كتابة دساتيرهما للحد من التعزيز العسكري في المستقبل، إذ كان الهدف في ذلك الوقت هو منع ألمانيا واليابان من أن تصبحا قوتين معتديتين في أي حرب أخرى.
اليابان.. وهيمنة الولايات المتحدة
في اليابان، نصت المادة التاسعة من الدستور الجديد على أن البلاد ستصبح أساسًا أمة مسالمة ولن تحتفظ أبدًا بـ«القوات البرية أو البحرية أو الجوية». لكن عندما أنهت القوات الأمريكية احتلالها لليابان، أصبحت الأخيرة على الفور شخصًا أعزل تمامًا ضد أي عدوان قد يحدث من جيرانها الشيوعيين مثل الصين وروسيا.
ولأن اليابان أصبحت تحت الهيمنة الأمريكية، فلن تريد واشنطن أن تتركها لقمة سائغة للشيوعيين، وتحديدًا الاتحاد السوفييتي، القطب الثاني الأقوى في العالم أمام الرأسمالية الأمريكية، أو الصين التي يمكن أن تنتقم من قيام اليابان باحتلال أجزاء كبيرة منها في الحرب العالمية الثانية.
في عام 1954، أنشأت اليابان قوة دفاع ذاتية صغيرة، وبعد ست سنوات، دخلت البلاد في اتفاقية تحتفظ الولايات المتحدة بموجبها بقواعد عسكرية في اليابان لتدافع عنها من أي هجوم، ثم وُضِع سقف افتراضي لميزانية الدفاع بنسبة 1% من إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى حظر إنتاج الأسلحة النووية أو حيازتها أو السماح بدخولها.
ألمانيا.. وحلف شمال الأطلسي
أما على الطرف الآخر في ألمانيا، فقد حصر دستور عام 1949 استخدام القوات المسلحة على الدفاع المحلي فقط. لكن، مع احتدام الحرب الباردة، عادت ألمانيا مرة أخرى إلى خط المواجهة في نوع مختلف من الصراع. ففي عام 1955، سمح لألمانيا الغربية (حليفة الولايات المتحدة والغرب) بإنشاء قوات مسلحة والانضمام إلى قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو).
تدريجيًا، توسع الجيش الألماني الجديد إلى نصف مليون جندي، وقدم الجزء الأكبر من قوات الناتو الدفاعية في وسط أوروبا في ظل الحرب الباردة. لكن ألمانيا عادت وخفضت قواتها في نهاية الحرب الباردة بعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية، وفرضت سقفًا لا يتجاوز 185 ألف جندي، بينما بلغ عدد المنضمين للجيش الألماني قبل نهاية الحرب العالمية الثانية 17 مليون جندي ألماني.
الآن، بالنسبة لألمانيا واليابان، فقد أصبح العالم مختلفًا عما كان عليه منذ قرابة 80 عامًا، وذلك مع ظهور تحديات دولية وإقليمية مختلفة، وهو ما دفع الدولتان إلى تغيير سياستيهما تجاه تطوير القوة العسكرية.
اليابان.. زيادة الميزانية العسكرية
في نهاية أبريل (نيسان) 2022، اقترحت الحكومة اليابانية مضاعفة ميزانيتها الدفاعية إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي، أو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتمثل هذه الخطوة خطورة كبيرة جدًا منذ أن حيدت اليابان عسكريًا بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
لكن لماذا قررت اليابان هذا؟ بحسب الحكومة، فهذا القرار أو المقترح كان مدفوعًا بالصراع في أوكرانيا، لكنه يعكس أيضًا الضغوط الإقليمية المتزايدة من كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا. وبحسب تصريحات وزير الدفاع الياباني، فإن الزيادة في الإنفاق تهدف إلى منح اليابان قدرات الهجوم المضاد للدفاع ضد العدوان في المنطقة.
في الواقع، كانت الولايات المتحدة تضغط على اليابان لزيادة إنفاقها الدفاعي بهدف تقاسم فاتورة الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فمضاعفة اليابان ميزانيتها الدفاعية تجعلها متماشية مع معايير الإنفاق العسكري لدول الناتو، وتضع اليابان في منصب حليف حقيقي، وليس تابعًا للولايات المتحدة في المنطقة، كما كانت دائمًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن.. هل يجب على العالم أن يقلق من اليابان؟
رغم أن الدستور الياباني – كما ذكرنا – ينص على سلمية اليابان، فإن اليابان دعت إلى السلام بالاسم فقط، وذلك لأن عملية إعادة التسليح في اليابان مستمرة منذ فترة ما بعد الحرب مباشرة، حتى جاءت الخطوة الأخيرة بخصوص مضاعفة ميزانية الدفاع، والتي تعد خطوة هامة.
في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت علاقات طوكيو مع واشنطن ذات أهمية قصوى، كون الأخيرة هي الحامي الحقيقي لليابان، لكن مع حالة الإرهاق التي تمر بها أمريكا والتي يصفها البعض بأنها بداية «انحدار»، فإن تحرك طوكيو لتعزيز جيشها وتعميق تحالفاتها يطرح أسئلة حول الهوية الأمنية لليابان.
تثير هذه الأمور مخاوف من تورط اليابان في حروب أمريكية بالوكالة وزيادة المشاركة الاقتصادية في «المجمع الصناعي العسكري» الأمريكي، وهو النظام الذي يشجع قطاع الدفاع من خلاله الإنفاق على التسلح والحرب. لاحظ أنه في عام 2015، أقرت اليابان قوانين جديدة تسمح بنشر قوات في الخارج لأول مرة منذ 70 عامًا والانضمام إلى الحلفاء في العمليات العسكرية!
وعليه أصبحت السياسة الخارجية لليابان تشبه بشكل متزايد سياسة قوة عظمى، فالإنفاق العسكري لليابان هو تاسع أعلى إنفاق على الكوكب (ستصبح ثاني أكبر إنفاق عسكري إذا ضاعفت ميزانيتها بالفعل)، وأصبح لقوات الدفاع الذاتي اليابانية قواعد عمليات دائمة في مناطق بعيدة مثل القرن الأفريقي، وتقوم وزارة الدفاع اليابانية بتوفير المواد اللوجستية بشكل فعال للقوات الأوكرانية في منطقة القتال ضد روسيا.
النقطة الأساسية وراء تحييد اليابان بعد الحرب العالمية كان تهدئة مخاوف القوى الإقليمية من أن اليابان قد تحاول العودة إلى ماضيها الاستعماري. لكن الآن أصبح هناك انتهاك متزايد للدستور، حتى بدأت عملية إعادة تفسير لمواد الدستور، في ظل سياسة رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، الخارجية، التي توصف بأنها متشددة، إذ يميل الآن إلى بناء علاقة قريبة جدًا من الولايات المتحدة لدرجة أنه قد يخاطر بالتورط في «صراعات خارجية».
أخيرًا، نوضح أنه رغم معارضة كثير من اليابانيين مراجعة مواد الدستور وفخرهم بالمجتمع الياباني المسالم، وعدم التوسع أو التورط في الحروب الأمريكية، يبدو أن الحكومة اليابانية ووسائل الإعلام الرئيسية تتذرع بالمعاناة في أوكرانيا، لتحويل التعاطف إلى أفعال مدعومة بالدعم الشعبي، كما زادت طوكيو من دخول اللاجئين بأعداد غير مسبوقة، وزادت التبرعات لأوكرانيا بشكل كبير.
ألمانيا.. وتحول غير مسبوق
في نهاية شهر فبراير (شباط) 2022، قال المستشار أولاف شولتز إن ألمانيا ستزيد بشكل حاد إنفاقها على الدفاع إلى أكثر من 2% من ناتجها القومي (بعد أن كان 1.3% سابقًا)، في واحدة من أبرز مظاهر تحولات السياسة الألمانية التي أثارها الهجوم الروسي على أوكرانيا. يأتي هذا بهدف زيادة الاستثمار في أمن البلاد لحماية الحرية والديمقراطية، حسبما أعلن شولتز.
ألمانيا، التي كانت تتجنب أن تصبح قوة عسكرية كبيرة بسبب ماضيها «النازي»، ألزمت نفسها الآن بزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير، لتكون البداية بضخ مبدئي قدره 100 مليار يورو، وصولًا إلى ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي سينفق سنويًا على التسليح وزيادة قوة الجيش.
ليس هذا فحسب، بل أعلنت ألمانيا – في انتهاك لسياستها الدائمة التي تحظر بيع الأسلحة إلى مناطق الحرب – أنها ستنضم إلى بقية دول أوروبا في توفير الأسلحة للأوكرانيين، وهو ما حدث بالفعل. كما توجهت القوات البرية الألمانية الآن إلى ليتوانيا وسلوفاكيا، ونشرت القوات الجوية والبحرية الألمانية في رومانيا ودول البلطيق والبحر الأبيض المتوسط.
هذا التحول مهم، لأن ألمانيا في تعاملاتها مع الاتحاد الأوروبي كانت شديدة الحذر خاصة في مسائل السياسة الدفاعية، إذ لطالما فضلت ألمانيا تجنب مشاركة قوات في عمليات مشتركة أو إرسال أسلحة في حالات الصراع النشط، وبدلًا من ذلك، ركزت على المساهمات الدبلوماسية والاقتصادية. لكن، بين عشية وضحاها تقريبًا، هُدمت هذه المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية الألمانية.
في الوقت الحالي، تمتلك ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، جيشًا أصغر من جيش أوكرانيا، وتعتمد بالكامل على حلف شمال الأطلسي (ناتو) للدفاع عنها.
لا داعي للخوف من ألمانيا حاليًا
في الواقع، توجه انتقادات كبيرة لألمانيا بخصوص قوتها العسكرية، فقد حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إقناع المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل بدفع تكاليف الدفاع عن ألمانيا، لكنه فشل، فألمانيا لا تريد زيادة إنفاقها العسكري. في الواقع، كانت الحكومات الألمانية المتعاقبة بقيادة هيلموت كول وجيرهارد شرودر وميركل حريصة للغاية على جني ثمار السلام، وخفض الإنفاق العسكري، في ظل اقتناع بأنه لا يوجد تهديد لألمانيا.
لكن نتيجة هذه الرؤية كانت محفوفة بالمخاطر، ففي عام 2015، أصبح نقص المعدات شديدًا لدرجة أن الجنود الألمان اضطروا إلى المشاركة في تمرين للناتو باستخدام أعواد المكانس المطلية باللون الأسود بدلاً من البنادق! فيما اضطرت بعض القوات الألمانية لاستخدام شاحنات مرسيدس مدنية للوقوف أمام المركبات المدرعة خلال تمرين الناتو.
ومع ذلك، ظلت حكومة ميركل غير مبالية على الإطلاق، وبحلول عام 2018، تدهورت الأمور إلى درجة جرى فيها تحذير ألمانيا من عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه الناتو. في ذلك العام، اعترف تقرير رسمي بعدم صلاحية أي من الغواصات الست المتبقية للإبحار، بالإضافة إلى صلاحية 39 من أصل 128 طائرة مقاتلة طراز «يوروفايتر»، و26 من أصل 93 طائرة مقاتلة من طراز «تورنادو»، وفي العام التالي، توقفت جميع طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز «تايجر» الألمانية البالغ عددها 52 طائرة.
جدير بالذكر أنه كانت كلما أثيرت مسألة ضرورة تحديث ألمانيا لجيشها، قوبل برد فعل فوري يتعلق بتذكر جرائم الحقبة النازية، والإصرار على عدم تكرارها أبدًا. لكن بعد حرب أوكرانيا، بدأت تتغير الأمور وتحاول ألمانيا الآن تحديث منظومتها العسكرية، لكن الخبراء يقولون إن الأمر سيستغرق أكثر بكثير من 100 مليار يورو التي تعهد بها أولاف شولتز لإعادة القوات المسلحة الصدئة إلى قوتها السابقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى