مجازفاً بتوتير العلاقات بين بكين ودول الغرب.. الرئيس الصيني بينغ يجدد التأكيد على قربه من “صديقه القديم” الرئيس بوتين

بكين/موسكو – تجاهلت الصين، امس الأربعاء، التحذيرات الغربية من الوقوف إلى جانب روسيا مجددة تأكيدها دعم سيادة موسكو وأمنها بينما تستمر القوات الروسية في مواجهات عنيفة مع القوات الأوكرانية التي يدعمها الغرب بالأسلحة.

ويأتي الموقف الصيني في خضم تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة التي تدعم تايوان بينما هددت بكين خلال أول اجتماع مباشر بين وزيري الدفاع الصيني وي فنغي والأميركي لويد اوستن الأسبوع الماضي على هامش قمة “حوار شانغري-لا” الأمنية في سنغافورة، بالحرب في مواجهة استقلال الجزيرة.

امس الأربعاء جدّد الرئيس الصيني شي جينبينغ التأكيد على قربه من “صديقه القديم” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم الحرب في أوكرانيا، مجازفا بتوتير العلاقات بين بكين والدول الغربية.

وفي مواجهة المقاومة الأوكرانية ووحدة الدول الغربية التي فرضت عقوبات غير مسبوقة على موسكو، لا يمكن لهذه الأخيرة أن تعتمد سوى على النفوذ الصيني لتجنّب العزلة الاقتصادية الكاملة.

ونبّهت القوى الغربية مرارا بكين من تقديم أي دعم لبوتين من شأنه أن يسمح لموسكو بتخفيف تأثير العقوبات.

وأكّد الرئيس الصيني الأربعاء خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي دعم بكين لـ”سيادة” روسيا و”أمنها”. وقال لبوتين بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الصين الجديدة إن “الصين راغبة في مواصلة دعم روسيا في قضايا تمثل مصالح أساسية وتثير مخاوف رئيسية مثل السيادة والأمن”.

وبحسب التقرير عن المكالمة التي جرت يوم عيد ميلاد الرئيس الصيني التاسع والستين، لم يذكر شي أي قضية محددة مثل أوكرانيا أو تايوان.

وأشار الكرملين إلى أن الرئيسين اتفقا “على توسيع التعاون في مجالات الطاقة والمال والصناعة والنقل وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي العالمي الذي تعقّد بسبب العقوبات غير الشرعية الغربية”.

إمدادات الطاقة تتزايد باطراد.. الصين تعرف ما تريد ولا تطلق النار على قدميها، بينما إلى الغرب من موسكو يطلقون النار على أنفسهم في الرأس

وفرضت الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على روسيا ردا على هجومها على أوكرانيا. وتعتبر موسكو أن الأوروبيين والأميركيين تسببوا بذلك بتباطؤ اقتصادي عالمي.

إلا أن موسكو تبحث عن منافذ جديدة ومزوّدين جدد لاستبدال الجهات الاقتصادية الأجنبية الكثيرة التي غادرت البلاد في أعقاب الهجوم الروسي وأعلنت في السابق أنها ستكثف صادراتها النفطية إلى وجهات آسيوية.

وأضافت الرئاسة الروسية أن الرئيسين ناقشا أيضا “تطوير العلاقات العسكرية والعسكرية-التقنية” مشيرة إلى أن المكالمة كانت “ودية”، مؤكدة أن شي وبوتين أعربا أيضا عن نيّتهما “بناء نظام علاقات دولية متعدد الأقطاب وعادل بالفعل”.

وتعود آخر مكالمة أعلن عنها بين شي وبوتين إلى أواخر فبراير/شباط غداة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وترفض الصين منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط استخدام عبارة “غزو” لوصفه وتوجه أصابع الاتهام في النزاع إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وامتنعت السلطات الصينية القريبة من الكرملين عن التنديد بالعملية الروسية.

صداقة بلا حدود

واعتبر شي الأربعاء أنه “رغم الاضطرابات العالمية، فإن العلاقات بين الصين وروسيا أبقت على دينامية تطوّر جيّدة”، داعيا إلى “تعاون استراتيجي وثيق أكثر” بين بكين وموسكو.

وعرض الرئيس الصيني أيضا رؤيته لوضع حدّ للحرب في أوكرانيا. وقال “على كل طرف أن يقدّم حلا ملائما” و”بشكل مسؤول”، مشيرا إلى أن الصين مستعدّة إلى لعب دور في الأزمة.

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم يتمّ الإعلان عن أي اتصال بين بكين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولم يخفِ الرئيس الصيني يوما قربه من بوتين الذي يصفه بأنه “صديقه القديم”.

ومنذ وصوله إلى الحكم في الصين عام 2012، التقى شي نظيره الروسي أكثر من ثلاثين مرة. ويعود آخر لقاء للرئيسين إلى فبراير/شباط، وكان الأول لهما منذ بدء تفشي وباء كوفيد-19 أواخر 2019.

وقبل ثلاثة أسابيع من بدء النزاع في أوكرانيا، استقبل الرئيس الصيني بوتين في بكين على هامش افتتاح دورة الأولمبياد الشتوية لعام 2022. وأعلنا في تلك المناسبة “صداقة بلا حدود” بين بلديهما ووقعا عددا من الاتفاقيات لا سيما في مجال الغاز.

في مؤشر واضح على قربهما، دشّنت الصين وروسيا الجمعة الماضي أول جسر يربط البلدين والذي يمتد على كيلومتر كامل ويربط من فوق نهر آمور، مدينة هيهو في شمال الصين بمدينة بلاغوفيشتشينسك في أقصى الشرق الروسي.

ومن غير المستبعد أن يكون الرئيس الروسي قد أبلغ نظيره الصيني على هامش افتتاح دورة الأولمبياد الشتوية لعام 2022 بتاريخ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وفي تلك الفترة توقعت أوساط أميركية عسكرية واستخباراتية أن تشن روسيا هجوما عنيفا وواسعا على أوكرانيا بعد عودة بوتين من الصين.

وتجتمع روسيا والصين تقليديا في مواجهة النفوذ الأميركي وقد دشنتا في السنوات الأخيرة عمليات اقتصادية وعسكرية لكسر الهيمنة الأميركية.

الموارد الدبلوماسية الروسية أعيد توجيهها بالفعل بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة وكندا إلى آسيا وأفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق

وفاقمت تصريحات الديمقراطي جو بايدن خلال حملة الانتخابات الرئاسية وبعد فوزه على الجمهوري دونالد ترامب، التوتر مع الصين حيث أعطت إدارة الرئيس الأميركي الأولوية لمواجهة النفوذ الصيني وقامت بسحب أو تقليص عدد قواتها في الشرق الأوسط وأفغانستان من أجل تلك المهمة.

وكان بايدن قد أعلن في أكثر من تصريح أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا في حال غزت الصين تايوان في خروج عن استراتيجية الغموض التي اتبعها الرؤساء الأميركيون السابقون حيال تايوان.

الغرب يطلق النار على رأسه

وقالت “روسيا اليوم”، امس الأربعاء إن الغرب “أطلق النار على نفسه” عندما حاول فرض قيود على واردات الطاقة التي تأتيه من حقول النفط والغاز في سيبيريا بسبب صراع أوكرانيا، في تناقض صارخ مع موقف الصين التي زادت وارداتها.

وأدت الحرب في أوكرانيا ومحاولة الغرب عزل روسيا كعقاب لها، إلى ارتفاع أسعار الحبوب وزيت الطهي والأسمدة والطاقة، فيما تعهدت أوروبا بتقليص الاعتماد على النفط والغاز الروسي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إن شراكة روسيا الإستراتيجية مع الصين صمدت أمام محاولات الغرب غرس بذور الفتنة في الوقت الذي دمرت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون علاقتهم مع موسكو.

وقالت زاخاروفا للصحفيين “إمدادات الطاقة تتزايد باطراد.. الصين تعرف ما تريد ولا تطلق النار على قدميها، بينما إلى الغرب من موسكو يطلقون النار على أنفسهم في الرأس”، مضيفة “الغرب عزل نفسه عنا”.

وتابعت أن الاتحاد الأوروبي يعتزم السير في طريق “انتحاري” من خلال محاولة التنويع بعيدا عن الطاقة الروسية التي تقدمها روسيا لألمانيا منذ ذروة الحرب الباردة.

وروسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية وأكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم. وقالت زاخاروفا إن الموارد الدبلوماسية الروسية أعيد توجيهها بالفعل بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة وكندا إلى آسيا وأفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق.

ويقول الرئيس الروسي إن العلاقات مع الصين في أفضل حالاتها على الإطلاق، مشيدا بالشراكة الإستراتيجية التي تهدف إلى مواجهة النفوذ الأميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى