لا بديل لسورية والعراق عن إعادة بناء المشروع العربي الديمقراطي

لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرًا على المضي قدمًا في تنفيذ مشروعه الاحتلالي لشمال سورية عبر إنشاء “المنطقة الآمنة” لتأمين عودة نحو مليون سوري لاجئ في تركيا خلال عام، لسحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية قبيل الانتخابات المقررة منتصف العام المقبل.
وكشف أردوغان خلال اجتماع الأمن القومي الذي عقد في الأسبوع الأخير من شهر آيار/مايو 2022، عن عزم بلاده استكمال إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية من تركيا ،أي في شمال سورية، بعمق 30 كم. وأوضح أردوغان أن َّ”هناك استهدافًا مستمرًا لتركيا والمنطقة الآمنة عبر الهجوم المسلح، وإطلاق النار والأفخاخ من بعض المناطق، وهذه المناطق ضمن أولويات تركيا، ولهذا تعمل قوات الجيش والاستخبارات والأمن على استكمال تحضيراتها، وعند استكمالها ستبدأ العمليات، وستتخذ القرارات “.
ويبدو أنَّ أردوغان يقصد المناطق المجاورة للمناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا عبر عمليات عسكرية شمال سورية، وهي مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، واستكمال المنطقة الآمنة على طول الحدود بعمق 30 كم.وتمتد هذه المنطقة من ريف إدلب الشمالي غرباً، مروراً بمنطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان والخاضعة للنفوذ التركي منذ عام 2018، ومن ثم ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه تركيا منذ عام 2017، ومدينة منبج الواقعة غرب نهر الفرات.
وتمتد هذه المنطقة إلى شرقي الفرات، وتبدأ من منطقة عين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية من السكان، وصولاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين الخاضعتين للنفوذ التركي منذ عام 2019.
ومن غير الواضح ما هي خطط تركيا إزاء مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية من السكان وبلدات كردية أخرى تابعة لمحافظة الحسكة على طول الشريط الحدودي بين سورية وتركيا وصولاً إلى المثلث الحدودي بين سورية وتركيا والعراق.
المشروع التركي يحتاج إلى موافقة إقليمية ودولية
هناك شبه إجماع دولي و إقليمي على أنَّ المشروع التركي بتوطين حوالي مليون سوري على الشريط الحدودي الممتد من أقصى الشمال الشرقي حتى عفرين، يصطدم بمعوقات حقيقية.
أولها :موقف اللاجئين أنفسهم الذين قد لا يقبل بعضهم الانتقال إلى هذه المناطق، إضافة لموقف السكان الأصليين لتلك المناطق، والذين سيعارضون غالباً أن يتم توطين سكان آخرين في مناطقهم، وقد يصل الأمر إلى حد التصادم بين الوافدين والسكان الأصليين.وهنا سيخلق مشروع أردوغان منطقة قابلة للتفجير في أي وقت ، مما يؤسس لعدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي .وثانيها،كيفية تأمين الموارد الاقتصادية في منطقة الشريط الحدودي الممتدة فقط بعمق 30 كيلومتراً وفق الاتفاق السابق بين تركيا وروسيا و”قسد”، لتوطين مليون شخص، خصوصاً أن هذه المناطق تعاني أصلاً من أزمات معيشية خانقة، ما يهدد مجمل السكان بالمجاعة.
وثالثها: إنَّ المشروع التركي بإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية لإعادة لاجئين إليها، وتوطين النازحين من مختلف المناطق السورية،سيصطدم برفض إقليمي ودولي،لأنَّ أية توغل عسكري تركي في الأراضي السورية يحتاج إلى توافق إقليمي و دولي ،لا سيما من جانب أمريكا التي تحتل منطقة شرق الفرات بمساحة لا تقل عن 25% من مساحة سورية، وتعتمد في احتلالها على وجود عسكري أمريكي ، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) الخاضعة للميليشيا الكردية الإنفصالية ،والتي أسَّسَها “حزب العمال الكردستاني (التُّرْكِيPKK)، وتعتبر نفسها نواة لتأسيس فيدرالية أو دُوَيْلَة كردية انفصالية ، خاضعة للإمبريالية الأمريكية.
وانتشر “المُسْتَشَارُون” الأمريكيون في المناطق المحيطة بالحسكة (شرقًا وجنوبًا) ويقدّرُ عدد الجنود الأميركيين ومُرْتَزَقَةِ الشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الحرب الأمريكية والمُنْتَشِرَة في شمال شرق سورية بنحو خمسة آلاف جندي فيما ارتفع عدد المُقَاتِلِين إلى جانب مليشيات الأكراد (الأسايش) إلى نحو 30 ألف مقاتل تقريبًا، وزودتهم أمريكا بالأسلحة الثقيلة.
وتعمل واشنطن ما في وسعها لكي لا تنتقل أجزاء سورية التي كان يُسَيْطر عليها “داعش” إلى الدولة السّورية وجيشها وحكومتها، بعد تحريرها، بل إلى مليشيات الأكراد، وربما غيرهم ممن تعمل الإمبريالية الأمريكية على تقديمهم لاحِقًا كقوى “ديمقراطية”، مع منع التواصل الجغرافي بين سورية والعراق ،وزرع كيانات أخرى على الحدود بينهما في منطقة زراعية (الحسكة) على مجرى نهر الفُرات وغنية بالمعادن والطاقة (دير الزور)، وتحويل المشرق العربي إلى كيانات يُهَيْمِنُ عليها الكيان الصهيوني ويُبَرِّرُ وجوده ككيان طائفي عُنْصُرِي استعماري، ضمن عدد من الكيانات الأخرى…
ويخطط الجيش التركي منذ أكثر من عام لتوسيع دائرة نفوذه في الشمال السوري على حساب “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وهي بنظر أنقرة قوة إنفصالية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التي تصنفه أنقرة قوة إرهابية ،ويشكل مصدر تهديد دائم للأمن القومي التركي.
وتمثل تركيا قوة احتلال للشمال الغربي في سورية ، مثلها في ذلك مثل الإمبريالية الأمريكية،وتريد السيطرة على شريط داخل الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً على طول نحو 900 كيلومتر، وهي الحدود التي تربطها مع سورية، ومنها نحو 400 كيلومتر في شرقي الفرات.
وعملياً، تسيطر أنقرة على القسم الأكبر من الأراضي الخارجة عن سيطرة الدولة السورية غربي الفرات باستثناء منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي (تسيطر عليهما قسد والولايات المتحدة، إضافة إلى قوات روسية)، بينما لا تسيطر أنقرة سوى على شريط بطول 100 كيلومتر بعمق 30 كيلومتراً في شرقي الفرات، يمتد من تل أبيض في ريف الرقة الشمالي إلى ما بعد رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
ورابعها: تستغل تركيا الواقع الدولي المضطرب بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها الإقليمية و الدولية، وانشغال الإمبريالية الأمريكية بهذه الحرب خوفا من تأثيراتها على وجود النظام العالمي الليبرالي الرأسمالي الجشع ، من خلال اللعب على المتناقضات بين مختلف شركائها الدوليين،لكي ينفذ أردوغان مشروعه عبر تكريس تقسيم سورية، والتغيير الديموغرافي، وعدم تمكين اللاجئين من العودة إلى مناطقهم وبيوتهم، وإيجاد منطقة نفوذ تركية جديدة في الشمال السوري، وإشراك الفصائل العسكرية السورية الإرهابية في المعارك ضد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتعميق شرخ العداء العربي – الكردي.
ورغم أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعارضان التوسع التركي في المنطقة على حساب الانفصاليين الأكراد، المدعومين من الغرب، لأن التدخل يعطي لتركيا قوة وثقلا أكبر في المنطقة،فإنَّه نظرًا لحاجة واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى موافقة تركيا لتحقيق انضمام فنلندا والسويد إلى منظمة الحلف الأطلسي، يمكن لأمريكا أن تقدم تنازلات لتركيا وتعطيها الضوء الأخضر للقيام بالعملية العسكرية في شمال سورية ، واعتبارها بمنزلة قوة دولية، في موقع متقدّم على كلّ من إيران وروسيا في الملف السوري، سياسياً وعسكرياً.
الدولة السورية في مواجهة الاحتلالين التركي و الأمريكي
في بيان أصدرته وزارة الخارجية والمغتربين السورية يوم 21آيار/مايو2022، رفضت الدولة الوطنية السورية إنشاء تركيا منطقة آمنة في شمال سورية، مشددةً على أنَّ دمشق ستواجهه بمختلف الوسائل المشروعة.
وجاء في البيان أنَّه :”بموجب القانون الدولي فإنَّ نقل السكان والتطهير العرقي يشكلان جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، لأن تغيير البنية الديمغرافية وطرد السكان من أماكن عيشهم يشكلان سرقة موصوفة لحقوق مواطني الدول المستهدفة”، وفقاً لبيان الوزارة.
وحول أهداف هذا المشروع من وجهة نظر دمشق، أشارت الخارجية السورية إلى أنه “لا يهدف إطلاقاً إلى حماية المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا بل الهدف الأساسي هو استعماري وإنشاء بؤرة متفجرة تسمى بالمنطقة الآمنة المزعومة وتساعد بشكل أساسي على تنفيذ المخططات الإرهابية الموجهة ضد الشعب السوري”.
يظل الانتصار على الإرهاب في بعده الاستراتيجي مرهونًا بإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في إقليم الشرق الأوسط على أسس جديدة ،أما في سورية التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ 11 سنة، إضافة إلى تطبيق قانون قيصر الأمريكي، فإنَّ مواجهتها للإحتلال التركي ، وكذلك الاحتلال الأمريكي الذي يسيطر على أهم الثروات الطبيعية للبلاد،لا بد أن تتم من خلال تجذير خط المقاومة الشعبية على أن تستثمر هذا الدولة الوطنية في إعادة بناء المشروع القومي العربي الديمقراطي بوصفه الخيار الأيديولوجي والسياسي والمشروع الثقافي للأمة العربية في القرن الحادي والعشرين، والهوية الثقافية المميزة للعرب عن غيرهم من الأمم والشعوب، والهوية السياسية المؤسسة لسياسة ودولة فاعلة في النظام الدولي العالمي،عبر تبني المفاهيم القائمة على التعددية الفكرية والسياسية ،وفكرة المواطنة،وبناء دولة القانون،أي دولة المؤسسات الدستورية وإعادة تثمين الوطنية المحلية الدستورية ،والتأكيد على مرجعية احترام حقوق الإنسان،والحريات الشخصية والاعتقادية،والديمقراطية.
سورية والعراق و العودة للاستثمار في عروبة القرن الحادي و العشرين
المشروع القومي العربي الديمقراطي،هو الخيار العروبي الوحيد للدولتين السورية والعراقية ، الذي من خلاله يمكن للسوريين والعراقيين،وسواهم ،أن يبنوا مستقبلهم السياسي والاقتصادي والثقافي،وأن يؤسسوا عبر التمسك بالعروبة ودولة المواطنين وحدتهم الوطنية والقومية الحقيقية، بعيداً عن الانقسامات المذهبية والطائفية: سواء تمثلت في صعود الانقسامات المذهبية داخل الدين الواحد أو تنامي العصبيات الجماعية على أساس ديني بين أصحاب العقائد المختلفة. فالطائفية تعبر عن إخفاق السياسة القومية في بناء إطار تضامنات فعلية وطنية ما فوق طائفية.
لاتزال العروبة تشكل موضوع نقاش محتدم ومتجدد داخل المدارس الفكرية والسياسية العربية، بسبب القراءات المتناقضة بشأن مضمونها،بين دعاة التجديد والتجاوز للمفاهيم والأطر الأيديولوجية التي سجنت العروبة في قوالب جامدة، ودعاة التشكيك في معناها ووجودها. فالأولون يرون أنَّ الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج العربي، يتكون من شعوب عربية متوحدة في المصالح والمشاعر والتطلعات الواحدة، لكن تعيش بين ظهرانيها أقليات دينية وعرقية مختلفة أخفاها الدين الواحد واللغة الواحدة التي ارتبطت به، وهي في طريقها لأن تستعيد وعيها بذاتها وهويتها الخاصة، خلال العقود الأخيرة، حيث رأت الأقليات المحصورة سابقاً كثيراً في فرصها الاستراتيجية بالنسبة لعلاقة قوى غير مؤاتية ونطاق مؤسسي ثابت وصارم، دفعة واحدة يتسع إلى ما لا نهاية في مجال الممكنات.
وهناك قطاعات من العرب تنزع إلى نكران عروبتها أو تجاهلها أو عدم إعطائها قيمة ومعنى، أحيانا لأسباب أيديولوجية، أو لأسباب سياسية، فلا شك في أنَّ حركات الإخوان المسلمين ، والتنظيمات الإرهابية و التكفيرية ، تنفر من العروبة لأنَّها تخشى أن تكون بديلاً للانتماء الديني الأوسع، ترى بعضها فيها “عصبية جاهلية”، ومثل ذلك كان يفعل الكثير من أصحاب الأيديولوجيات القطرية المتمحورة حول الدولة بعامة في الماضي القريب، والحداثيون أو العلمانيون الذين ينظرون إلى العروبة على أنها أيديولوجية قومية، وهي “لا تبدو أبداً أمراً بديهياً” حسب رأيهم.
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالقرن العشرين، وليومنا هذا، شكل مفهوم العروبة، أي ميدان الاستثمارات المتنوعة الذي يتم فيه توظيف الخصائص الإثنية الموضوعية في مشروع ثقافي أو سياسي يتطلع إلى المستقبل، القاطرة التي سعى المثقفون والمفكرون والساسة العرب، أو كثير منهم، إلى استغلالها لنقل الأمة العربية من وهدة التأخر التاريخي إلى عناق العصر الحديث، وإعادة تشكيل حياتها حسب القيم والمعايير الحديثة، الأخلاقية والاجتماعية والسياسية.
لقد سيطرت الأيديولوجية القومية العربية على المنطلقات النظرية، والنهج السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، باعتبار أن القضية القومية هي القضية المركزية في صراع الأمة العربية من أجل التحرر والتقدم. لذا كانت بقية المسائل الأخرى من بناء الديمقراطية والمجتمع المدني، والصراع الاجتماعي، يتم التعامل معها على أساس أنها فروع من القضية الأم، لا على أساس أن هذه المسائل جميعها تتقدم معاً وتتراجع معاً، ضمن الفهم الجدلي للحركة التاريخية.
على الرغم من وجود هذه الحركات القومية الأيديولوجية الراديكالية في مرحلة الحرب الباردة،التي كانت تطرح في برامجها السياسية المواجهة مع الغرب والأنظمة الرجعية التقليدية، واحتدام الصراعات الوطنية والقومية في مرحلة تصاعد حرارة الأحداث السياسية في المشرق العربي، خصوصاً لجهة الاستقطاب السياسي والاجتماعي بين المعارضة القومية والديمقراطية والإقطاع والبرجوازية الكبيرة في الداخل، والمعسكر الرأسمالي والمعسكر الشرقي على الصعيد الدولي، فإنّ هذه الحركات لم تتوصل إلى الاتفاق فيما بينها بصدد تشكيل جبهة قومية تطرح برنامجاً سياسياً يعبر عن برنامج الجماهير الشعبية وقواها الطليعية لانجاز ثورة ديمقراطية في أي جزء من الوطن العربي، والقضاء على القاعدة المادية للسيطرة الغربية، ومصالح الطبقات الوسيطة الإقطاع والبرجوازية الكمبرادورية، والنضال لإقامة نظام ديمقراطي تعددي، وبناء مجتمع مدني حديث، وتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية، ولهذا السبب، فإن ّهذه الأحزاب لم تكن تملك مفهوم ثورة ديمقراطية وبناء مجتمع مدني حديث في أيديولوجيتها السياسية، وفي برامجها، ولم تكن تتبنى قيماً وتقاليد ديمقراطية تعددية.
لا يزال الفكر السياسي العربي بجميع تلاوينه لا يميز بين الفكر القومي، والإيديولوجية القومية، والأحزاب والحركات القومية التي تتبنى إيديولوجية قومية، ووصلت إلى السلطة، ويحمل مسؤولية وأزمة الأوضاع الراهنة المزرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في العالم العربي إلى الفكر القومي العروبي الوحدوي، بل إنّه يذهب إلى أبعد من ذلك حين يعد أن الهزيمة تشمل الأفراد والجماعات، والطبقات، والأحزاب السياسية على اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية، والحركة القومية العربية لأنها لم تكن ديموقراطية، حيث يمثل إخفاقها وعجزها عن تحقيق أطروحاتها في الوحدة والنهضة العربية،ـ على الرغم من التأييد الأدبي والسياسي للجماهير الشعبية العربية لها، إخفاقاً تاريخياً عادلاً.
ومع صعود حركات الإسلام السياسي بعد هزيمة الحركة القومية العربية، تعمقت أزمة العروبة، بسبب العلاقة المتوترة بين العروبة والإسلام. وفي ظل مرحلة ما بات يعرف بالربيع العربي الذي احتلت فيه حركات الإسلام السياسي جزءاً كبيراً من الفضاء الذي كانت تشغله العروبة القومية في عقود مضت، فإنّ هذه الحركات التي تسعى إلى الحلول محل العروبة، من دون آفاق ولا مرتكزات سياسية وثقافية عميقة، لن يكتب لها النجاح، لأنّ أحد أسباب نجاحها هو المال. إن هذا الإسلام السياسي المرتبط بالمال، والمنفصل عن العروبة الذي بات يشكل الذراع للولايات المتحدة الأمريكية، وجه ضربة قوية للعروبة التي نهضت في إطار التحرر من الاستعمار، وكانت ولاتزال لها مضامين مناهضة للهيمنة الغربية والصهيونية.
ولذلك، فإنّ هذا الإسلام السياسي الأمريكي هو ضرب للعروبة، وهو يختلف عن الإسلام المقاوم الذي تؤمن به الشعوب في الوطن العربي ، ويؤدي دوراً مهماً وكبيراً في مواجهة ومحاربة الكيان الصهيوني.كلما انخرط الاسلامويون في الكفاح من أجل الاندماج في العصر، أي التفاعل بنجاعة وفعالية معه، وتحقيق السيادة الوطنية والاستقلال السياسي والثقافي والفكري، والانخراط في إدارة الدولة وتسيير الاقتصاد، سيجدون أنفسهم مضطرين إلى التراجع إلى موقع العروبة وخندقها، وإعادة بناء عقيدتهم أو مرجعيتهم الإسلامية بالترابط معها. فهي وحدها التي تستطيع أن تستوعب عصرنة المجتمعات الإسلامية أو خلال تبنيها العلمانية ، من دون أن تخاطر بالانفصال عن الإسلام أو الوقوف في مواجهته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى