الرد الروسيّ على الهجمات الإسرائيليّة في سوريا.. هل يعكس استياء موسكو من إنحياز الصهاينة لاوكرانيا؟

لأول مرة منذ بدء الهجمات الإسرائيليّة على سوريا، روسيا تطلق بطارية إس 300 في اتجاه طائرات العدو الإسرائيليّ خلال الهجوم الأخير على مدينة مصياف جنوب غربي حماه، حيث فشلت “إسرائيل” في المناورة ما بين المعسكر الغربيّ والروسيّ عقب الحرب الروسيّة على أوكرانيا، ولم تستطع على ما يبدو الحفاظ على مصالحها بأن تبقى مدعومة غربيّاً، وبالوقت نفسه أن تحافظ على مصلحتها الكبرى مع روسيا في الملف السوري والهيمنة على الأجواء السورية وقصف أيّ بقعة متى شاءت، وخاصة أن من يهيمن على البطاريات المتطورة هم الروس، وقد اعتاد السوريون كما يقولون، على أن تقصفهم الطائرات الإسرائيليّة بين الفترة والأخرى على الرغم من وجود روسيا بمراكز مهمة في بلادهم دون أدنى تدخل روسيّ للتصدي لها عبر الدفاعات الجويّة المتطورة.

ومن هنا يمكن فهم أنّ إطلاق بطارية “أس 300” الروسية صاروخاً في اتجاه طائرات العدو الصهيونيّ، تعني رسالة تحذيريّة شديدة اللهجة للإسرائيليين بأنّ التنسيق بين الطرفين حول الملف السوري والتحركات الإسرائيلية داخل سوريا قد تغيرت، ما يدعو للتساؤل حول تأثير استمرار التوتر بين الطرفين وخاصة إذا ما زاد منسوبه على التنسيق بينهما في الملف السوريّ الشائك.

وفي الوقت الذي يؤكّد فيه السوريون أنّهم لم يكونوا ليشاهدوا هذا الرد الروسيّ لولا الموقف الإسرائيليّ من غزو الروس لأوكرانيا، انشغل الإعلام العبريّ بتحليل القضيّة التي تعتبر حدثاً بارزاً في تاريخ الأزمة السوريّة التي اندلعت عام 2011، عقب أسابيع من حديث وسائل إعلام عربية عن خلاف روسيّ – إسرائيليّ، على خلفية الاعتداءات الجوية التي تشنها طائرات العدو الغاصب بشكل متواصل على الأراضي السوريّة، وقد أوضح إعلام العدو أن الأنظمة الدفاعية التي تستعملها القوات الروسية في سوريا، تهدد هبوط طائرات الكيان في مطار بن غوريون في تل أبيب، إلا أنّ الكرملين رفض طلب الإسرائيليين في تعطيلها، تحت مبرر أنّ الأنظمة الدفاعية مخصصة لحماية الجنود الروس المتواجدين هناك.

وبكل وضوح تحدثت وزارة الدفاع الروسية مؤخراً، أنّ “مقاتلات “أف 16” تابعة للكيان الإسرائيليّ المحتل أطلقت 22 صاروخاً على مواقع لمركز البحوث العلمية السورية في مصياف وميناء بانياس، وأنّه تمّ التصدي لها وتدمير 16 صاروخاً منها، وأشار نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، العميد البحري أوليغ جورافليف، أن 6 مقاتلات من طراز “أف 16″، تابعة لسلاح الجو الصهيونيّ، هاجمت المواقع السورية المذكورة من دون دخول الأجواء السورية، حيث خلفت الغارة العدوانيّة للعدو استشهاد ثلاثة جنود سوريين وموظفان مدنيان، وإصابة جنديين سوريين، كما تضررت مستودعات المعدات الخاصة التابعة لمركز البحوث العلمية السوريّ، فيما أعلنت دمشق وقوع 5 شهداء و7 مصابين في هجوم إسرائيليّ على المنطقة الوسطى، ودعت الحكومة السوريّة الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى إدانة اعتداءات “إسرائيل” على السيادة السورية.

وعلى هذا الإساس إنّ موسكو تخلت عن أسلوبها خلال السنوات الأخيرة من الحرب على سوريا في التفاهم مع الجميع بشأن تلك القضية رغم أنه ثمة تفاهم بينها وبين تل أبيب التي تراقب الأحداث عن كثب وتشارك فيها بقوّة، لكن هذا التفاهم لا يعني أن يساعد الروس الصهاينة في عدوانهم المستمر على الأراضي السورية، على العكس من ذلك أدانت موسكو مراراً تلك الضربات، وخاصة تلك التي تأتي من الأجواء اللبنانيّة مؤكّدة التزامها بمنع الطائرات الصهيونيّة من اختراق الأجواء السوريّة.

وإنّ الرسالة الصهيونيّة التي وُجّهت إلى روسيا وأفادت بأنّ الأنظمة الدفاعية المتطورة للجيش الروسيّ في قاعدة “حميميم” الجويّة في ريف اللاذقية تعطّل “الموجات الكهرومغناطيسية” الشيء الذي يسبب اضطرابات في نظام تحديد المواقع العالمي GPS، وتؤثر على هبوط الطائرات الإسرائيليّة في مطار “بن غوريون” وهو المطار الدولي الرئيس لدى كيان الاحتلال، تدل على أنّ الروس حريصون بالفعل على مصالحهم المرتبطة بشكل وثيق مع مصالح دمشق العدو التقليديّ للكيان.

وفي حال كان الإسرائيليون سذّجاً لدرجة اعتبار الأراضي السورية أرضاً مكشوفة ومتاحة متى شاءت طائرات عدوانهم، فإنّ لدى موسكو وجهة نظر مشتركة مع دمشق من ناحية تهديدات تلك الضربات، ففي الوقت الذي ترى فيه سوريا أنّ الضربات الإسرائيليّة تشكل عدواناً سافراً على أراضيها وشعبها وانخراطاً صهيونيّاً كاملاً في الحرب عليها، تعتبر موسكو أيضاً الهجمات الإسرائيليّة تهديداً شبه مباشر لقواتها العالمة على الأراضي السورية، فمثلاً إنّ “إسرئيل” قصف مرفأ اللاذقية أكثر من مرة بالرغم من وقوعه على مقربة من القاعدة الروسية هناك، شكّل تهديداً مباشراً للجنود الروس في القاعدة، وأثار سخط السوريين من الروس لدرجة كبيرة وهذا بالطبع ما لا تريده روسيا المتواجدة لمساعدتهم وفقاً لتصريحات مسؤوليها.

وبناءً على ذلك، أحياناً يُظهر الروس أنّ الضربات الصهيونيّة على بعض النقاط في سوريا لا تحقق أهدافها المرجوة، وفي الوقت عينه لا تمانع موسكو قيام معادلة ردع تؤديّ إلى منع العدو الصهيونيّ من الاعتداء على الأراضيّ السورية، حيث تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إيجاد موازنة بين كل اللاعبين الخارجيين على الساحة السورية، وليس فقط “إسرائيل” المحتلة لجزء مهم من الأراضي السورية والتي دعمت بشدّة المحاولات الفاشلة لإسقاط الرئيس الأسد، ولا شك أنّ المصلحة الذاتية تغلب على كل الأمور كما عودتنا السياسة سواء في سوريا أو غيرها من البلدان.

وعلى الرغم من علاقة موسكو الجيدة مع تل أبيب إلا أنها وضعت مصالحها في الواجهة من خلال دعم الجيش السوريّ والقيادة في دمشق وخاصة بعد الحرب على أوكرانيا، وإنّ الضربة الروسية الأخيرة على الطائرات الروسيّة، يبدو وكأنّها صفعة للتحايل الإسرائيليّ في الهجمات العدوانيّة داخل الأراضي السورية، ما يعني أن زمن إفساح المجال أمام ضربات أشدّ قوّة وتأثيراً بالنسبة للعدو قد انتهت، حيث إن روسيا وكما تقول الوقائع تدرك الأطماع الإسرائيليّة التي يمكن أن تُهدد مصالح روسيا في أكثر من اتجاه وتُحدث شروخاً مع حلفائها الذين أوصولها إلى المياد الدافئة.

وعليه، فلا شك أن الإسرائيليين يعيشون صدمة غير مسبوقة من الضربة الروسيّة، لأنّ هذا ربما لن يمكن آلتهم العسكرية كما في السابق بالتصرف على هواها في الأجواء السورية، حيث تتناسى تل أبيب التي دعمت بمختلف المجالات تدمير هذا البلد أنّها كلما تمادت في عدوانها الهمجيّ كلما طالبت دمشق بدعم من حلفائها سواء في روسيا أو في “محور المقاومة” لقطع يد العدوان الصهيونيّة، ما يعني ازدياد التنسيق والتعاون بين الحلفاء في سوريا بما جعل الكيان الغاشم في مرحلة لا يُحسد عليها، والأيام القادمة ستشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى