أردوغان وإعادة مليون لاجئ سوري لمواجهة المشروع الكردي

بقلم: توفيق المديني

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء الماضي ، عن مشروع يتيح في حال تنفيذه عودة طوعية لمليون لاجئ سوري إلى بلادهم ،وجاء ذلك خلال مشاركة الرئيس التركي، عبر رسالة مصورة، في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب بالقرب من تجمع مخيمات الكمونة القريبة من بلدة سرمدا الحدودية شمال محافظة إدلب،شمال غربي سورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، الذي افتتح هذه القرية السكنية .
وقال أردوغان إنَّ “نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفّرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سورية عام 2016″، مضيفاً أنَّ أنقرة تحضر “لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”، ومبيناً أنَّ “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية”
ويعتقد معظم المحللين والخبراء في المنطقة أنَّ إعلان أردوغان عن مشروعه بإعادة مليون لاجئ سوري ، يأتي في سياق الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها من جانب أحزاب المعارضة التركية التي فتحت ملف اللاجئين السوريين ، وربطت كلّ المشكلات الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي تعاني منها تركيا في الوقت الحاضر :البطالة وغلاء المعيشة والتضخم الصاعد، الذي بلغ قرابة الـ 70%، وارتفاع الأسعار المتواتر، بوجود هؤلاء اللاجئين السوريين.
ومن بين الأكاذيب السبع حول السوريين الأكثر تداولاً بين المواطنين الأتراك، والتي يتمّ الترويج لها من قبل أجندات أحزاب المعارضة:
1-كثير من الأتراك عاطلون عن العمل بسبب السوريين، السوريون أخذوا أشغالنا من بين أيدينا.
2-السوريون حوّلُوا الأماكن العامة إلى أماكن غير آمنة، ولديهم ميل كبير لارتكاب الجرائم.
3-الحكومة والبلديات تعطي السوريين رواتب شهرية.
4-الأمراض السارية ازدادت مع قدوم السوريين إلى البلاد.
5-تكاليف علاج السوريات الراغبات بإنجاب أطفال عبر تقنية “طفل الأنبوب” يتم التكفّل بها من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي.
6-السوريون الشباب يلتحقون بالجامعات التركية، من دون أن يقدّموا أي امتحانات قبول جامعية.
7-ستُمنح الجنسية التركية لكافة السوريين الذين لجأوا إلى تركيا.
وشهدت تركيا في الآونة الأخيرة توترًا بين السكان الأصليين، واللاجئين السوريين، أدَّى إلى إطلاقِ وسمِ “هاشتاغ” من قبل الأتراك على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” يطالب بعودة السوريين إلى بلادهم. وعَزَتْ بعض وسائل الإعلام السبب في وصول الحال إلى ما وصلت إليه، إلى الفتنة التي حاولت بعض الجهات الخارجية زرعها بين الشعبين التركي – والسوري، من خلال إثارة الإشاعات والأكاذيب التي تمّ ذكرها أعلاه.
أمَّا الرئيس أردوغان ، فمع الإعلان عن الانتخابات الرئاسية التي ستُنظَّم في شهر يونيو/ حزيران 2023، يريد استغلال هذه اللحظة التاريخية، حيث أنَّ كل الاهتمام الدولي والإقليمي مركّز الآن، إلى فترة غير قصيرة، على الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا لِوَأْدِ المشروع الإنفصالي الكردي في الشمال الشرقي لسورية،من خلال إعادة اللاجئين السورييين وتوطينهم في “المنطقة الآمنة” على طول الحدود مع سورية،لكي يشكلوا شريطًا عازلاً يخدم مصلحة الأمن القومي التركي.وقد ساهمت قطر والكويت في تمويل أجزاء من مشروع أردوغان ،إذْ تعهّدت قطر بتمويل إنشاء مائتي ألف منزل.
الخطة التركية لـ”توطين” اللاجئين السوريين بالمنطقة الآمنة
يُعَدُّ مشروع إعادة توطين مليون لاجئ سوري من قبل الرئيس أردوغان، مشروعًا قديمًا-جديدًا،
إذ إنَّ هذا المشروع طرحه أردوغان في افتتاحية دورة اجتماعات الأمم المتحدة سبتمبر 2019،حين عرض رؤية تركيا للمنطقة الآمنة شرق الفرات التي تمتد 480 كيلومترا على طول الحدود السورية التركية.
وحسب الخطة التي طرحها أردوغان،فسوف يتم إنشاء 140 قرية يوزع عليها ما يقارب 5000 نسمة، و10 مناطق مركزية، تتسع لـ30 ألف نسمة، كمرحلة أولى.
وسوف يتم إعادة توطين مليون لاجئ سوري، في المرحلة الأولى، موزعين في 200 ألف منزل سيتم بناؤها، فيما تبلغ تكلفة المشروع حوالي 23.5 مليار يورو.
ووفق هذه الخطة، سوف يتم في كل قرية بناء منازل على مساحة 100 متر مربع ضمن مساحة 350 متر مربع، وسيمنح أرضا زراعية لكل عائلة أمام المنزل.
كما أنه لكل ألف وحدة سكنية في القرية، سيكون هناك مسجدان ومدرستان، ومركز للشباب وصالة رياضية.
أما في المناطق العشرة، التي سيقطنها 30 ألف شخص، فلكل حي 6 آلاف منزل بمساحة 100 متر مربع، إلى جانب 11مسجدا و9 مدارس، وقاعتين رياضيتين، و5 مراكز للشباب.
وأشارت قناة تركية إلى أنه سيتم إنشاء مستشفى صغير في ثماني مناطق، فيما سيتم بناء مستشفيين كبيرين في منطقتين، إلى جانب إنشاء مجمعات صناعية.
كما ذكر موقع ” Haber 7″، أنه سيتم بناء منطقة مركزية و7 قرى في المنطقة الممتدة من عين العرب إلى تل أبيض، وسيتم إسكان 65 ألف نسمة في هذه المنطقة.
كما سيتم إنشاء 3 مناطق و63 قرية بين تل أبيض ورأس العين، ليتم توطين 405 ألف شخص فيها، وفي المنطقة الممتدة بين رأس العين ودريك، فسيتم إنشاء 6 مناطق و70 قرية، بحيث يتم توطين 530 ألف شخص فيها. وهذه الخطة تحتاج إلى مساحة 9 آلاف و260 هكتار، بينما المساحة الموجودة تبلغ 16 ألف و191 هكتار.
ويربط الرئيس أردوغان موضوع إعادة مليون لاجئ سوري بتجهيز بنية تحتية وفوقية، خدمية وصحية وتعليمية (تم تشغيل ثمانية مستشفيات عامة، و106 مراكز صحية، و33 مستشفىً خاصاً، و42 محطة خدمة صحية للطوارئ، و10 مركبات صحية متنقلة، و76 سيارة إسعاف، لخدمة سكان المناطق، وتجهيز 1429 مدرسة للأطفال، 26 منها حديثة البناء، بينما لا تزال 48 مدرسة قيد الإنشاء، يتعلم فيها 349 ألفاً و762 طفلاً سورياً)، وتوفير فرص عمل- الحديث عن توفير 50 ألف فرصة عمل، وإجراء دورات تدريب مهني وتقديم قروض صغيرة ميسّرة للبدء بمشاريع صغيرة وإيجاد فرص عمل، وجعل التجمّعات السكنية المقرّر إنشاؤها مكتفية ذاتياً، لجهة البنية الاقتصادية التحتية “انطلاقاً من الزراعة وصولاً إلى الصناعة” وفق إعلان الرئيس التركي، سيجعل المواقع (13 موقعاً) بيئة صالحة لإقامة مستقرة وآمنة، على أمل أن تصبح دائمة، خصوصاً إذا حظيت بمباركة روسيا والدولة الوطنية السورية ، التي تتقاطع مصالحها مع المصلحة التركية في رفض المطالب الكردية التي تقوم على إنشاء كيان انفصالي .
وذكر الرئيس التركي أنَّ “المشروع سيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”، مستدركاً بأنه “سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع، مثل المدارس والمستشفيات”.
وأوضح أردوغان أنَّ “المشروع يتضمن جعل التجمعات السكنية المقرر تشييدها مكتفية ذاتياً من حيث البنية الاقتصادية التحتية، انطلاقاً من الزراعة وصولاً إلى الصناعة”، معلناً أنه “تم إنجاز 57 ألفاً و306 منازل في الشمال السوري، حتى اليوم، ضمن الحملة الرامية لبناء 77 ألف منزل، بدعم من منظمات مدنية وتنسيق من إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)”.
يقوم مشروع أردوغان على إقامة “المنطقة الآمنة”، بعمق 32 كيلومترا في شمال شرق سورية،الأمر الذي سيسمح لإعادة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي السورية، عبر إنشاء قرى وبلدات على طول الشريط الحدودي مع سورية، في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، داخل المناطق ذات الأغلبية الكردية وبينها، ما يعني إحداث تغيير في تركيبة المنطقة سكانياً، وإنهاء مبرّر المطالب الكردية في حكم ذاتي أو فدرالية.فالنظر في جغرافية المشروع والقرى التي ستقام لاستقبال اللاجئين في الباب وأعزاز وجرابلس وتل أبيض ورأس العين، يشير، من دون لبس، إلى الهدف الرئيس لهذا المشروع، وهو تعريب هذه المناطق وسحب الذرائع الكردية ومطالبها السياسية.
خوف “قسد”من عودة اللاجئين إلى “المنطقة الآمنة”
ففي حين تؤكد أنقرة أنها تخطط لإعادة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في أراضيها إلى “المنطقة الآمنة”، بدأت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الرئيسي، بالحديث عن شروط لعودة اللاجئين إلى “المنطقة الآمنة”.
ومن الشروط التي وضعتها “قسد”، أن يكون اللاجئون من أبناء المناطق ذاتها، وذلك في تطابق واضح مع موقف الولايات المتحدة، حيث سبق وأن أكدت الخارجية الأمريكية ، أنَّ عودة اللاجئين السوريين إلى شمال شرق سوريا ممكنة، لكنَّ لأبناء المنطقة فقط.وترى “قسد” أنَّ قواتها ترحب بعودة اللاجئين السوريين ، لكن بشروط محددة، منها أن تتكفل المنظمات الدولية بتقديم الخدمات لهم، وأن لا يكونوا من المنتسبين للتنظيمات “الإرهابية”.
وتخشى الولايات المتحدة، وحليفتها “قسد” من عودة اللاجئين السوريين إلى “المنطقة الآمنة”، لأنَّها ستغيير في التركيبة السكانية للمنطقة من أكثرية موالية لـ”قسد” ولأمريكا بطبيعة الحال، إلى أكثرية عربية سنية معارضة لهما، (لأنَّ النسبة الكبيرة من اللاجئين السوريين هم من أبناء المكون العربي)،وأقرب لتركيا، ما يشكل تهديدًا صريحًا لمصالح واشنطن في الشمال السوري.
أمَّا مخطط المليشيات الكردية “قسد”، فهو يقوم على إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، إذْ عملت على ارتكاب الانتهاكات بحق العرب، الانتهاكات التي وثقتها منظمات محلية ودولية، لإجبار أبناء العشائر العربية على مغادرة المنطقة.
فقد أجبرتْ سياسات المليشيات “وحدات الحماية الكردية” الانتقامية والعنصرية قسمًا كبيرًا من السكان العرب تحديدًا على النزوح، من خلال تجريف قرى عربية بأكملها في أرياف مدينة الحسكة، فضلاً عن أعمال الخطف والتجنيد الإجباري بحق الشباب،الأمر الذي ساعدها على الإدعاء بأنَّ غالبية سكان تلك المنطقة هم من القومية الكردية، علمًا بأنَّ الواقع على الأرض ينفي تلك الإدعاءات.ومن هنا، فإنَّ عودة اللاجئين والسكان الأصليين إلى المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، سيقطع الطريق على مخططها الانفصالي.وفضلاً عن ذلك،فإنَّ بقاء “قسد” في “المنطقة الآمنة” أو منحها أي دور-مهما كانت طبيعته- يحول دون عودة اللاجئين، وخصوصا أنَّ الثقة مفقودة بهذه المليشيات التي ارتكبت جرائم مروعة بحق السكان.
اللاجئون السوريون والانتخابات التركية
وجد اللاجئون السوريون في تركيا أنْفُسَهُمْ مُضْطَرِّينَ إلى متابعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستجرى في حزيران/يونيو 2023،إذْ منحوها قدرًاكبيرًا من الأهمية كما لو أنَّها انتخابات مصيرية لهم أيضًا وليس للشعب التركي فحسب.
فقد رافق هذا الاهتمام المتزايد للاجئين السوريين المقدّر عددهم في تركيا بـ 3.6 مليون شخص، شعور كبير بالقلق، ومخاوف ناجمة عن تحولهم إلى جزء رئيسي من خطاب المرشحين للرئاسة التركية، بل وجزءًا من حملاتهم الانتخابية.
ومع اقتراب موعد الاقتراع ازداد حضور ملف اللاجئين السوريين على وسائل الإعلام التركية، وصعدّت أحزاب المعارضة من تصريحاتها المعترضة على وجود اللاجئين، وبات الحديث عن الانتخابات المقبلة الشغل الشاغل للاجئين السوريين خلال الفترة الماضية، بعد أن أصبحوا ورقة في أجندات السياسة ليس في تركيا فحسب، بل في كل البلدان المحتضنة لهم، وتبادلوا فيما بينهم توقّعاتهم للنتائج، وما الذي قد يحدث لهم بناءً عليها، لا سيما إذا حققت المعارضة تقدماً.
وأكثر ما يزعج السوريون فكرة التخويف من اللاجئين والتركيز على سلبياتهم فقط لكسب أصوات الناخبين الرافضين لوجود السوريين في بلدهم، فقد تصاعدت في الأيام الأخيرة وتيرة التحريض ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ضمن حملات يقودها سياسيون على رأسهم رئيس حزب النصر، أميت أوزداغ، الذي تقتصر وعوده الانتخابية على طرد اللاجئين فقط، وسط تساؤلات حول أهداف هذا التحريض الذي يستهدف أمن تركيا واستقرارها واقتصادها.
فقد كان للوجود السوري في تركيا آثار إيجابية أيضًا، فقد أدَّى تدفق 3.6 ملايين سوري إلى زيادة حجم الطلب الداخلي على الطعام والشراب والسكن والخدمات في تركيا بمقدار يقارب الـ 5%، وهذه زيادة جيدة بالنسبة للطلب على منتجات المصانع والمزارع التركية، ما أوجد فُرَصَ عملٍ إضافيةٍ وأَرْبَاحًا أعلى لأصحاب الأعمال وأصحاب العقارات. وجاء رجال أعمال سوريون برؤوس أموالهم وخبرتهم وعلاقاتهم الدولية، وأسَّسُوا أعمالاً في تركيا، فساهموا بإعادة إحياء صناعة المنسوجات التركية، والصناعات الغذائية، وبعض الصناعات التقليدية، وثمّة رقم يقول إنَّ نحو 15 ألف شركة أسَّسَهَا سوريون، بلغت صادراتها العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار، وخصوصًا أن لرجال الأعمال السوريين علاقاتهم بأسواقهم السابقة.
كما تتحدث تقارير غير رسمية عن أنَّ حجم الأموال السورية المستثمرة في تركيا يتعدَّى عشرة مليارات دولار. وأظهر تقرير لمعهد بروكنغز أنَّ ما يقارب نصف مليون سوري يعملون في شتَّى القطاعات الاقتصادية والزراعية، ولكنَّ منْ حَصَلُوا على إِذْنِ عملٍ 65 ألفا منهم.
ومن المناسب ذكره أنّ الدولة والمجتمع التركي لَمْ يَتَحَمَّلاَ وَحْدَهُمَا تكاليفَ الوجودِ السورِي في تركيا، إذْ تُقَدِّمُ الأمم المتحدة وجمعيات خليجية وأوروبية مساعداتٍ عن طرق رسمية. كما التزم الاتحاد الأوروبي بتقديم ملياري دولار سنويًا للمساهمة في تكاليف الوجود السوري في تركيا، ولكنَّ الحكومة التركية تُعْلِنُ أنَّ الاتحاد الأوروبي لا يلتزم بالدفع.
خاتمــــــــــــــــــــــــــة
إنَّ مشروع أردوغان لا صلة له باللاجئين وبعودتهم الآمنة إلى وطنهم سورية، إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم،فتركيا لا تزال تحتل الشمال الغربي لسورية، لا سيما في محافظة إدلب، وتدعم الحركات الإرهابية هناك ،التي تمارس النهب والتعدّي على حريات المواطنين وأملاكهم وأرزاقهم ، ناهيك عن أنَّ مشروع أردوغان الحقيقي يكمن في إنشاء “المنطقة الآمنة” على طول الحدود التركية السورية،عبر فرض واقعٍ سكانيٍّ وسياسيٍّ متفجّرٍ، من خلال تطبيق استراتيجية الحصار للإنفصاليين الأكراد عبر تغيير التركيبة السكانية بالعرب، الأمر الذي سيبقي المنطقة في حالة صراع مفتوح وعرضة للاهتزاز وعدم الاستقرار.
إنَّ الذي يعرقل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم هو رفض الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المشاركة في إعادة إعمار سورية، التي تقدر قيمتها بـ250- 400 مليار دولار أمريكي، أما حليفتي سورية روسيا وإيران، فهما تعانيان من آثار العقوبات الأمريكية والأوروبية، ولا تستطيعان الدخول في مناقصات إعمار .
إنَّ العلاقة بين الإعادة إلى الوطن الأصلي وبين التسوية السياسية للصراع السوري هي القضية الجوهرية الأكثر أهمية، لكنَّ التسوية السياسية مسألة مستعصية لأنَّ المنتصر الواضح على الأرض – وهو الدولة الوطنية – لا تشعر بأنّها مرغمة على التوصّل إلى صفقة مع الطرف الذي مُنِيَ بالهزيمة. لَكِنَّ الصفقة، في واقع الأمر، ستكون بشكل مباشر أو غير مباشر، مع أطراف في النظام الإقليمي، ولا سيما مع القوى الكبرى. وستكون الحلبة التي تُبرم فيها تلك الصفقة هي الإعمار، أي العنصر الضروري لإسباغ الأهمية على كل من إعادة اللاجئين واستمرار الدولة في بسط سيادتها على كامل تراب سورية ،وبالتالي، فإنَّ ثمة علاقة جوهرية بين إعادة اللاجئين، وبين كل من التسوية السياسية وإعادة الإعمار.
ونأمل بأن تتمكّن الدولة الوطنية السورية من تحقيق هذه الصفقة ، التي ستسهم بدورها من تَحْقِيقِ أهْدَافٍ عِدَّةٍ. ومن بينها احترامَ الشعب السورِي وحَقَّهِ في أنْ يَحْكُمَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، وتأمينِ السلامةِ والأمنِ للاجئينَ العائدينَ. فذلك هو جوهر القضية السياسية، وهو ليس بالأمر اليسير، لَكِنَّ لا يمكن تجاهله. وسيكون من مصلحة الأطراف كافة التوصل إلى تَسْوِيَةٍ مُسْتَدَامَةٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى