جدلٌ تونسيٌّ كبيرٌ بشأنِ حَلِّ الهيئةِ المستقلةِ للانتخاباتِ
بقلم: توفيق المديني

أحدث المرسوم الذي أقرَّهُ الرئيس قيس سعيد و نشره في الجريدة الرسمية يوم الجمعة 22نيسان/أبريل الجاري، والقاضي بتعديل قانون هيئة الانتخابات في تونس وتركيبتها، حيث سيتكون مجلس الهيئة “من 7 أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي”، أحدث هزَّةً سياسيةً كبيرةً في الداخل التونسي ،إذ جاء أولاَ: في ظل أزمةٍ سياسيةٍ حادَّةٍ تشهدها تونس منذ 25 تموز/ يوليو 2021، إثر إقدام الرئيس سعيد على حلِّ البرلمان، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وحل المجلس الأعلى للقضاء.
وثانيا: يكفي أن نشير في ذلك إلى ردود الفعل القادمة من الأطراف السياسية والإعلامية التي تدافع عن عودة المنظومة السياسية الفاسدة التي حكمت تونس طيلة العشرية السوداء(2011-2021)، وأسقطها الرئيس سعيد بفضل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها يوم 25تموز/يوليو2021.
فقد اختار رئيس الجمهورية، وفق المرسوم، 3 أعضاء من الهيئة بطريقة مباشرة من الهيئة السابقة، و3 آخرين من 9 قضاة مقترحين من مجالس القضاة المؤقتة )العدلية والإدارية والمالية)، وعضوا آخر من 3 مهندسين يقترحهم المركز الوطني للإعلامية (حكومي).كما ينص المرسوم على اختيار “رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل رئيس الجمهورية، ويرفع له كل مقترح إعفاء عضو من الهيئة ليختار إعفاءهم من عدمه”.
وكانت الهيئة المستقلة للإنتخابات تشكلت في تونس تشرين الأول/ أكتوبر 2011، طبقا لما جاء في القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المتعلق بهذه الهيئة ، وما ورد في الفصل عدد 126 من الباب السادس من الدستور التونسي لسنة 2014 الذي يؤّمن تلك الهيئة على “إدارة الانتخابات والاستفتاء وتنظيمها، والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته”.
وأشرفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (هيئة دستورية) على الاستحقاقات الانتخابية في البلاد.وتتكون الهيئة الدستورية من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة”، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
ردود فعل النخبة الإعلامية المناهضة للرئيس سعيد
فقد اعتبر الإعلامي التونسي البارز صلاح الدين الجورشي المنتمي إلى تيار اليسار الإسلامي ،والمقرب جدّا من الأوساط الأمريكية المشرفة على إدارة وتمويل منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي ، في مقاله “الرئيس سعيد يطيح بآخر الحصون”، المنشور بصحيفة عربي 21،تاريخ الإثنين، 25 أبريل 2022 ،أنَّ الرئيس قيس سعيدْ “تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وذلك عندما سمح لنفسه بصفته رئيسا للدولة بالمس بالقانون المنظم للهيئة المستقلة للإنتخابات.لم يكن مضطرا لفعل ذلك من الناحية الشكلية، إذ كان بإمكانه التوجه نحو تنظيم الاستفتاء الذي يرغب فيه، وكذلك الشأن بالنسبة للانتخابات التشريعية التي ينوي القيام بها يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر القادم، تحت إشراف نفس الهيئة، ودون تغيير في أعضائها وفي قانونها الداخلي، وستكون النتيجة من حيث الشكل متطابقة مع ما يريد. لكن رغم ذلك، أصر إصرارا على أن يتولى هو شخصيا ارتكاب هذا الخطأ الفادح، بناء عليه خسر خمس نقاط دفعة واحدة.
في الأولى، أثبت قيس سعيد أمام الجميع أنه يريد إقامة حكم فردي مطلق. فهيئة الانتخابات تعتبر من بين أهم المكاسب التي تحققت بعد الثورة، بحكم أنها تولت تنظيم جميع الانتخابات الأخيرة باستقلالية كاملة عن السلطة التنفيذية، حيث لم يعد من صلاحيات وزارة الداخلية ومن ورائها رئاسة الدولة التدخل في جميع مراحل العملية الانتخابية، وبذلك انتهت قصة التزوير التي ضربت في الصميم مبدأ الاقتراع الحر. اليوم، ومهما حاول الرئيس أن يؤكد خلاف ذلك، فإن مصداقية الانتخابات القادمة قد ضربت في العمق، وذلك بعد تدخله الشخصي في اختيار كامل أعضاء الهيئة، فوضع نفسه في موقع الشبهة، خاصة أنه سيكون مرشحا لدورة ثانية بعد سنتين، أي إنه صاحب مصلحة مباشرة، واليوم سيكون أيضا الحكم في تحديد الفائز!!”.
أمًّا الإعلامي التونسي وليد التليلي، المقرب جدَّا من حركة النهضة، فقد كتب في مقاله “توحيد المعارضة التونسية” ، المنشور في صحيفة العربي الجديد، بتاريخ 25 ابريل 2022، ما يلي:
يقول الرئيس التونسي قيس سعيّد إنه أنفق فقط 50 ديناراً تونسياً خلال حملته الانتخابية الرئاسية، أي ما يعادل تقريباً 15 دولاراً، وترشح وقتها في 2019 بوجه مسؤولين ورجال أعمال وشخصيات وطنية معروفة، لم ينكروا أنهم صرفوا الملايين في حملتهم الانتخابية. ومع ذلك، فإن هيئة الانتخابات، التي يتهمها سعيّد بعدم الاستقلالية، منحت الفوز للمرشح الفقير الذي لا حزب يسنده ولا ماضي سياسياً له ولا مال يطمع فيه، فهل هناك حيادية واستقلالية أكبر من هذه؟..وهو لذلك ينزعج من معارضيه، وأحياناً يتعجب كيف يكون هناك معارضون أصلاً، ويرى أنه من الغريب أن يجتمعوا وأن يحصل تقارب بينهم، ويقول “كانوا خصماء الدهر مثل الأوس والخزرج وصاروا اليوم حلفاء، لكن ذاكرة التونسيين ليس بالقصيرة”، على حد قوله، وكأن قدر المختلفين أن يبقوا على خلافهم أبد الدهر.ويضيف “من يريد أن يزرع بذور الفتنة بالإعلان في المنفى عن حكومة أو برلمان موازيين، فليلتحق بالمنفى”، أي أن على معارضيه أن يغادروا البلاد إذا لم يعجبهم الوضع.”
وجاءت في ردود الأفعال أيضًا من الناحية الإعلامية، المقال الذي نشره الدكتور المهدي المبروك،”من ديمقراطية بلا “النهضة” إلى دكتاتورية بلا معارضة” في صحيفة العربي الجديد، بتاريخ 25 ابريل 2022، وهو المقرب جدًّأ من الإسلام السياسي ، وعينته حركة النهضة إبان حكم الترويكا في سنة 2013، وزيرًا للثقافة، وهو الآن المشرف على الفرع التونسي ل”مركز الأبحاث ودراسة السياسات” الذي يديره الدكتور عزمي بشارة من قطر، إذ صبَّ المهدي المبروك جام غضبه على المعارضة القومية و اليسارية التونسية المساندة للرئيس سعيَّدْ، فقال: “لمّا صار الانقلاب، لم تتردّد تلك المعارضة، منذ اللحظة الأولى، في مساندته، ولامته لاحقاً على أنّه لم يذهب إلى أقسى ما تطمح إليه وأقصاه: تفكيك “النهضة” وسجن قادتها… كانت هذه المعارضة مستعدّة للتنازل عن بعض مقتضيات الديمقراطية، لتتخلّص من الحركة، ديمقراطية من دون “النهضة” أمر ممكن. تكفي تعديلاتٌ بسيطةٌ على قانون الأحزاب مع تهويل إعلامي لأخطاء ربما ارتكبتها “النهضة” حتى تصبح في تونس ديمقراطية بلا إسلام سياسي. كانت هذه الأطروحة قابلةً لأن تجد شرعيتها ومشروعيتها في بلادٍ تبدو فيها المعارضة مستعدّة لأن تكون شريكاً للرئيس قيس سعيّد لو طلب منها أن تكون شريكاً في مشروعٍ مثل هذا. تحوّلت إلى حليفٍ ذاتيٍّ أو موضوعي لمشروع قيس سعيّد القائم على شعبويةٍ تسلطية، وكانت تطمح إلى أن تكون شريكاً لقيس سعيّد في بعض مكوّنات مشروعه الذي يهدف إلى التخلص من حركة النهضة.
كانت سيناريوهات عدّة: التفكيك القانوني للحركة، جرّها إلى معارك استنزاف أمنية وقضائية، تشويهها إعلامياً… إلخ. لكن، يبدو أنّ خيار التفكيك القانوني مؤجّل. لذلك عديدون من أنصار الرئيس، سواء من “الحشد الشعبي” بقطع النظر عن مسمّياتهم العددية، أو من أحزاب اليسار التي ساندته، يلومونه على التردّد والأيدي المرتعشة التي لازمته. وقد سمعنا بعضاً منهم، وهو يصفّق للرئيس، يصرخ “اضرب سيدي الرئيس”. وسارع بعضٌ من اليسار إلى احتلال مواقع متقدّمة في الإعلام أو بعض الأجهزة تحت لافتات عديدة؛ خبراء ومستشارون ما زالوا يحرّضون الرئيس على عدم الاكتفاء بإجراءاته التي لا تنجز أهداف المعركة مع “النهضة”، أي انتصاراً ساحقاً لا لبس فيها يؤدّي إلى اختفاء الحركة سياسيا”..
وجاء في مقال الدكتور سالم لبيض،عضو في البرلمان المنحل، وعضو في المكتب السياسي لحركة الشعب المساندة للرئيس قيس سعيد/ تحت عنوان” من يثق في الانتخابات التونسية بعد اليوم؟ المنشور في صحيفة العربي الجديد، بتاريخ 27أبريل 2022/ ما يلي:” رأى المشتغلون بالشأن العام الانتخابي أن قرار الرئيس سعيّد تجريد هيئة الانتخابات من استقلالها عن السلطة التنفيذية، وإدخالها بيت الطاعة الرئاسية يمثّل نكران جميل من الرئيس نفسه، فتلك الهيئة هي التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 التي فاز فيها سعيّد في دورة أولى بـ 18.40%، وهي من أمّن له فوزه النهائي في الدورة الثانية 72.71%، وهو المرشّح المستقل الذي لا يملك مكنة انتخابية ورقابية للوضع الانتخابي وانحرافاته المحتملة…
دوافع سعيّد في التخلص من هيئة الانتخابات وشكوكه في نزاهتها لا صحّة ولا مصداقية لها وحرفيّتها مجرّد أسباب واهية ، إلا أن يكون الرئيس يرغب في الهيمنة على الجهاز الانتخابي وإعادة إنتاج التجربة الانتخابية التي تؤمّن فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفوز أنصاره في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول من هذه السنة..
ففي محاضرة ألقاها قيس سعيّد ضمن سمنار الذاكرة الوطنية حول تجربة الباجي قائد السبسي الرئاسية بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات سنة 2017، ونشرت في الجزء الثامن من كتاب مرصد الثورة التونسية (جانفي 2022 ص 29) جاء: “الاستفتاءات أداة من أدوات الدكتاتورية المتنكّرة، فهي تتنكّر تحت الاستفتاء، وقلت في كثير من المناسبات للطلبة أتمنى أن أعيش يوما واحدا أرى فيه استفتاء سلبيا بأحد البلاد العربية بأن يقول الشعب لا، لماذا يقول الشعب لا في هولندا وفي فرنسا وفي بريطانيا وفي سويسرا، أما في بلادنا العربية فالرقم الذي كان معهودا 99.99 بالمائة أصبح اليوم أقلّ بقليل من 80 بالمائة هو نوع من الانتخاب غير معلن لرئيس الدولة هو ليس استفتاء حول المشروع ولكن استفتاء حول صاحب المشروع”.
الردُّ السياسيُّ على حلِّ الهيئة المستقلة للإنتخابات
فقد تمثل في الإعلان عن تشكيل جبهة لـ”الخلاص الوطني” بتونس لإسقاط “الانقلاب”حسب مارد في بيانها، إذ أعلن السياسي التونسي أحمد نجيب الشابي (الذي تنقل كثيرًا في ترحاله الإيديلوجي و السياسي من المعارض القومي البعثي في الستينيات من القرن الماضي ، إلى الماركسي في السبعينيات في باريس،ثم إلى الاشتراكي الديمقراطي على الطريقة الأوروبية في تونس عقب عودته في بداية الثمانينيات ،وأخيرًا تبنى نهج الليبرالية الأمريكية،وأصبح حليفًا لحركة النهضة على أمل أن يصبح رئيسًا للجمهورية ، الثلاثاء بتاريخ 26أبريل 2022، عن البدء في مسار تشكيل “جبهة الخلاص الوطني” لإنقاذ البلاد و”إسقاط انقلاب الرئيس قيس سعيد”.
وقال الشابي، إنَّ الجبهة تضم خمسة أحزاب ومنظمات، والأحزاب هي “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة “و”حزب تونس الإرادة” و”حزب أمل”، وهي الأحزاب التي تشكلت منها المنظومة السياسية الفاسدة التي أسقطها الرئيس سعيد.وأكد الشابي في تصريح لـ”عربي21″أن الجبهة ستؤسس رسميا مع منتصف شهر أيار/ مايو القادم، مشددا على أنها “ستعمل على توحيد الكفاح الميداني وإعداد برنامج الإنقاذ والدفع إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني دون إقصاء”.وأوضح أن “جبهة الخلاص لا تريد الرجوع إلى ما قبل 24 تموز/ يوليو الماضي، ولكنها متمسّكة بالمؤسسات التشريعية وتنظيم انتخابات مبكرة وحكومة انقاذ وطني”.
وقال الشابي، إن الجبهة “ستعمل على توسيع مشاوراتها من أجل ضمان أكثر عدد ممكن من الأطراف مع عملها على التحرك بالجهات وعقد اجتماعات للتوعية وسيكون أول اجتماع لها بمحافظة قفصة جنوب تونس”.
أمَّا الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي ، فقد قال في مقابلة خاصة أجرتها معه صحيفة عربي 21، بتاريخ 26أبريل 2022، في معرض ردِّه على سؤال:سعيد قال إن التونسيين سيصوتون في الانتخابات البرلمانية المقبلة في كانون الأول/ ديسمبر على الأفراد وليس القوائم مثلما حدث في الانتخابات السابقة.. فهل يمكن وصف هذا القرار بأنه “طعنة” للأحزاب التونسية؟:”هو شخص قذافي التفكير. يرى أن مَن تحزب خان، وأن الأحزاب رجس من عمل الشيطان.. إلخ، ومن ثم سيملأ البرلمان المقبل بنكرات لا خبرة لهم، وإنما الوجاهة والمال والعصبية القبلية والجهوية، وهذا بالضبط هو كل ما يدمر الدولة العصرية. وأملى أن يرحل الرجل قبل الوصول لهذه التراجيديا الكوميدية التي يسميها “انتخابات”.
وفي جوابه على سؤال :ما الذي وصلت إليه دعوة توحيد المعارضة وطرح البديل الوطني التي أطلقتها مؤخرا؟ ، قال المرزوقي:”كنت أول مَن أدان الانقلاب، ومَن دعا لدحره، وتجميع القوى المناهضة له. حاليا أرى براعم تشكل هذه الجبهة وسأدعمها بشرطين ألا يكون هناك إقصاء ووصاية من أي طرف ومن جهة أخرى، وألا يكون لها إلا هدف واحد هو العزل والمحاكمة وعودة الشرعية كاملة، والعودة للشعب عبر انتخابات رئاسية وتشريعية”.
رؤية الرئيس سعيَدْ وتأسيس “النظام السياسي الجديد”
يعتبر الرئيس قيس سعيَّدْ، النظام السياسي المكرس بدستور 27 جانفي 2014، نظامًا هجينًا وشاذًا،(فلا هو برلماني ولا هو رئاسي) ،وأسهم إلى حدٍّ بعيدٍ في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس. ويعمل الرئيس سعيَّد على تأسيس النظام السياسي الجديد،واستبدال قانون الانتخابات السابق القائم على نظام الاقتراع للقائمة، بقانون انتخابي جديد :نظام الاقتراع على الأفراد الذي له مزاياه وله مساوئه، كما أن نجاح تطبيقه في دولة مثل فرنسا لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقه في دولة أخرى. فعوامل النجاح والفشل مرتبطة أساسا بطبيعة النظام السياسي المعتمد، والتركيبة السكانية وتقسيم الدوائر ترابيا وإداريا، والثقافة السياسية والانتخابية السائدة، والممارسة الديمقراطية، وطبيعة النسيج الاجتماعي، وعوامل أخرى مرتبطة بمؤشرات تنموية اقتصادية واجتماعية كنسب التمدرس والفقر والبطالة ومعدل الدخل الفردي الخ.
قبل ترشحه للإنتخابات الرئاسية في أكتوبر 2019، كان الرئيس قيس سعيَّدْ ينتقد القانون الانتخابي ونظام الاقتراع الذي طبق منذ الانتخابات الديمقراطية الأولى في سنة 2011، وفي سنة 2014و كذلك في سنة 2019، أما البديل، فهو يتمثل – وفقا لسعيَّدْ – في مشروع “البناء الجديد”، وهو الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، وهي الْعِمَادَاتُ، ليجتمع ممثلو الْعِمَادَاتِ في مجالسٍ محليةٍ على مستوى الْمُعْتَمْدِيَاتِ، التي تشكل بدورها مجالسَ جهويةٍ (على مستوى الولايات) تختار ممثليها في البرلمان الوطني. هذا الأخير يتكون من 265 نائبًا، بقدر عدد المعتمديات في تونس، مع تمثيل للتونسيين بالخارج بانتخابات مباشرة على “قائمات مفتوحة”.
وفي تصريح مطول لموقع جريدة “رأي اليوم” الالكترونية، نشر في 5أبريل 2018، يرى سعيَّدْ أنّ تونس بحاجة إلى تصورٍ جديدٍ للبناء السياسي بانتخابات تنطلق من المحَلي نحو المركزي، يكون فيها كل نائب مسؤولا أمام منتخبيه لا أمام حزبه .
واعتبر سعيّد أنّ طريقة الاقتراع على الأفراد هي الأنسب لتونس، وذلك من خلال الصعود من المحلي إلى الجهوي، وأوضح أنَّ هذه الطريقة تتم من خلال إنشاء مجالس محلية في كل معتمديّة تتولى وضع مشروع التنمية المحليّة فيها، ويتم انتخاب أعضائها بطريقة الاقتراع على الأفراد بحساب نائب عن كل عمادة. وأضاف في تونس 265 معتمدية مقسمة إلى مجموعة من العمادات، يمثلها نائب في كل عمادة بالمجالس المحليّة، لكنه أوضح أنه لن يتم قبول ترشح النائب إلا بعد تزكيته من قبل عدد من الناخبين؛ نصفهم من الذكور ونصفهم الآخر من الإناث، وربعهم من الشباب (دون 35 سنة)، فضلا عن ضرورة تمثيل ذوي الإعاقة .
خاتمة: من ينقذ تونس من أزمتها السياسية ؟
في ظل النفور الشعبي من الأحزاب السياسية، تونس في أمسٍّ الحاجة إلى بناء الكتلة التاريخية الشعبية التي تضم كلَّ التيارات الفكرية و السياسية و النقابية و الأحزاب السياسية المؤمنة بالمشروع الوطني الديمقراطي التونسي ،الذي يستهدفُ إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقرطية التعددية ،لا سيما أنَّ الدولة التونسية منذ الاستقلال نشأتْ في أحضان العولمة الرأسمالية منذ يومها الأول ولا تزال تترعرع أوتنهار تحت رعايتها حتى هذه الساعة ،أي في زمن العولمة الأمريكية الليبرالية المتوحشة.
ومما لا شك فيه أنَّ فكرة الكتلة التاريخية هذه لم تتبلورعبر نقاشاتٍ جادةٍ بين العديد من النخب الفكرية والسياسية التونسية،بقدر ما نراها في ظل الأزمة السياسية التونسية الراهنة، الردّ على مجمل التحدِّياتِ التاريخيةِ التي تواجهها تونس،عبر تلاقي تياراتها الرئيسية الفكرية والسياسية والنقابية التي أنهكتها الصراعات العنيفة فيما بينها، بل داخل كل تيار وحزب وجماعة،من أجل بلورة عبر الحوار الوطني الذي طرحه الاتحاد العام التونسي للشغل ،في إطارٍ نظريٍّ وفكريٍّ وسياسيٍّ راقٍ ما زال يصلح حتى الساعة ،في إنارةِ الدَرْبِ أمام المدافعين عن المشروع الوطني الديمقراطي ،بما هو مشروع مقاوم للهيمنية الإمبريالية الغربية بشقيها الأمريكي والأوروبي،والصهيونية العالمية ، والعولمة الليبرالية الرأسمالية المتوحشة، من أجل الحرِّية، وتحقيق الديمقراطية،وإعادة بناء الدولة الوطنية بوصفها دولة المؤسسات ،وانتهاج منوالٍ تنمويٍّ جديدٍ قادرٍ على تحقيقِ التنميةِ المستدامةِ، والعدالةِ الاجتماعيةِ ،ومحاربةِ الفسادِ والتخلفِ في سبيلِ التنميةِ والتقدمِ.
فالكتلة التاريخية تهدف إلى إجراء حوار وطني منتج وفعال مع كل القوى المؤمنة ببناء الدولة الديمقراطية ،أي دولة القانون المرتكزة على المبادئ التالية:
1 ـ الفصل بين الدولة والمجتمع المدني والذي يمكن تسميته بالإنفصال الخارجي، بما يعني ذلك استقلالية الدولة تجاه المصالح العامة والطبقات والحياة الاقتصادية.
2 ـ تحديد العلاقة القانونية بين الدولة والمجتمع بوساطة الانتخابات ،التي أصبحت حقًا ديمقراطياً بالنسبة للمواطنين الذين يتعين عليهم انتخاب حكامهم، باعتبار أنَّ الانتخابات الديمقراطية هي المصدر الحقيقي والأصلي لشرعية السلطة السياسية. فمشروعية السلطة لا يمكن أن تكون خارج الإرادة الشعبية والانتخابات بوصفها قاعدة للديمقراطية.
3 ـ المساواة أمام القانون، لا سيما أنَّ أحد أركان هذه الديمقراطية السياسية تقوم على المساواة أمام القانون لجميع المواطنين، بصرف النظر عن اللون والجنس والدين أو المذهب أو المعتقد أو الانتماء الفكري أو السياسي، باعتبار أن المساواة أمام القانون، وسيادة القانون على الحاكم والمحكومين، يشكلان مظهراً من مظاهر ممارسة السياسة بوصفها مجموعة من الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق المواطن الحر، هو عضو في الدولة السياسية وفي المجتمع المدني على حدٍّ سواء.
4 ـ تقوم دولة القانون على مبدأ المغايرة والاختلاف والتباين والتعدد وحق المعارضة، وتقبل بوجود هذه الحقيقة الواقعية، حقيقة المغايرة المقترنة بالاعتراف بحقيقة التعددية، للقوى والتيارات والأحزاب السياسية، والطبقات والفئات الاجتماعية والاتجاهات والمذاهب الفكرية والأيديولوجية واختلافها وتناقضها في إطار سيرورة وعي نسبية الحقيقة، وإمكان خطأ الذات ووعي الذات بدلالة الآخر كخطوة حاسمة في الطريق الصحيحة نحو المجتمع المدني.
وهكذا تقبل دولة القانون بوجود كل الأحزاب على اختلاف مشاربها الفكرية والايديولوجية، شريطة أن لا تشكل هذه التعددية السياسية خروجاً عن إطار الدولة الوطنية ذاتها التي تراه خروجاً عن القانون.